منعطف إجباري..!

إذا راجعنا التاريخ جيداً، الصراع الأوروبي تحديداً، سنجدُ بوضوح الاقتتال الذي شهدته تلك البلدان على أسس طائفية والتصفيات العرقية. سنجدُ الصراع طويل المدى الذي بين البروتوستانت والكاثوليك والأرثودوكس، على نحو ممنهج، كون أنظمة الحكم جزءً لا يتجزأ من الانتماء الديني لدولة ما. بمعنى آخر، يتم الصراع بين تلك الدول بشكل نظامي على أسس طائفية. الكثير من الدماء سالت، والكثير من التضييق على الشعوب من قبل رجال الدين تم، لدرجة الحكم بالإعدام على العالم جاليليو لمجرد القول أن الأرض كروية على سبيل المثال. لم ينته ذلك النزيف الدموي والسلب للعقل والروح البشرية إلا بعد كفاح ددؤوب من قبل تلك الشعوب في سبيل التخلص من هيمنة الكنائس على المشهد العام، وإحلال العقل والابتكار حتى بدأت نهضة كبرى دوت العالم. في الولايات المتحدة، الأمر ذاته، لكن على أسس عنصرية وعرقية. حيث نشبت الحروب الأهلية بين (اليانكي) الأبيض والأقليات من الزنوج والهنود الحمر، حصدت العديد من الأرواح. يبدو أن العرب كانوا لا يزالون يعيشون في حقبة متأخرة من التاريخ، هاهي تقترب من ذلك الزمن الغابر الذي كابده الغرب. اكتشف العرب مؤخراً بأن هناك فِرَق وطوائف في دياناتهم ولا بد من إذكائها، والمرور بذلك المنعطف الخطير. في الحقيقة، ومنذ اندلاع ما سمي بالربيع العربي، والاستقطاب الحاد الذي شهده الشارع العربي، تغذت الطائفية عفوياً أو بفعل فاعل، وواكبت ذلك الاستقطاب السياسي، لكن هذه المرة على أسس طائفية. لم يقتصر ذلك على الدول التي شهدت ثورات شعبية، بل امتد ذلك ليصل إلى مناطق أخرى أكثر حساسية. فما حدث في سوريا، على سبيل المثال، ألقى بظلاله على الوضع اللبناني الهش، الذي ما زال يعيش آثار الحرب الأهلية، وإن كانت غير طائفية.
رغم حدوث توتر في شمال لبنان منذ فترة، إلا أن ما شهدته الأيام القليلة الماضية تنذر بخطر محدق سيدمر كل شيء ولن يستثني أحداً. ثمةَ طرف ثالث يسعى لإذكاء الوضع المتأجج أصلاً، والمنتظر لعود ثقاب ليبدأ بالاحترق. يسعى الطرف الثالث لاستغلال الاستقطاب الحاد الذي يشهده لبنان على خلفية ما يحدث في سوريا، وبخ الماء في الزيت، لاستكمال مشهد إحراق المنطقة. اتذكر موقفاَ من مسلسل كرتوني في مرحلة الطفولة، حيث غابتين متجاورتين يحكمهما ديناصورين عملاقين، في حين قام طرف ثالث بقذف الديناصورين كلاً على حِدة وأشعل حرباً ضروساً بينهما أُحرقت على أثرها الغابتين بمن فيها. الأمر مشابه تماماَ، تفجير في الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله؛ وآخر في طرابلس، منطقة توتر مع جبل محسن سقط فيها عشرات القتلى قبل ذلك, والهدف إدخال الحرب المعلنة حيز التنفيذ وإحراق الأخضر واليابس.
رائحةُ الطائفية والتشرذم تُزكم الأنوف، ونسيجُ الشعوب العربية يوشك أن يتمزق إلم يكن قد تمزق فعلاً! فتنٌ كقطع الليل المظلم، وصراعات لا سبيل لها إلى التوقف، فهل يدرك العرب أن وباء الطائفية يدمر الأوطان كما يدمر السرطان خلايا الجسم؟! وهل بالامكان النأي عن هذا المنعطف المروع الذي يستهدف الشعب العربي ككل؟ عندها فقط سنصحو على أنقاض وبقايا وطن!!

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *