أنا مش نازل..!

وأنا أتصفح صحيفة الجمهورية كل يوم، أحرص كثيراً على قراءة عمود العم أحمد عثمان في إطار الأعمدة اليومية بطبيعة الحال. وأنا أطالع شوارده في أولى أيام العام الجديد مخاطباً المحافظ، أحسست بحرقة، وبؤس يتفجران من بين أحرفه الشاردة التي كما يبدو اعترتها الحيرة والقهر معاً على مدينة بحجم تعز. فأوجاعها مستمرة، وآلامها لا تنكفئ، وكأن الأزمة قد ألقت بظلالها على تعز وحدها وعلى نحو ممنهج كساحة لتصفية الخصومات، في الآونة الأخيرة، أثار الإعلان الجديد للمحافظ بتعيين مجلس استشاري مكون من مشائخ فاعلين على الساحة المحلية، الكثير من الجدل، وفجر غضب شعبي كونه يصور المشيخة والقبيلة الأبرز في تعز، عاصمة الثقافة. 


يبدوا الأمر استفزازي للوهلة الأولى، لكن الأحكام العبثية التي تناقلتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، على توجهات المحافظ، لم تكن منطقية كذلك، في هذا الصدد, يعتزم بعض الشباب الرائعين النزول يوم الأحد بمسيرة سميت (أنا نازل 2) على غرار حملة مشابهة في جامعة صنعاء ضد عسكرة الجامعة , بالنسبة لي لن أنزل ,لننزل معاً يوم السبت في حملة (شارك) لنظافة تعز, دعوا الرجل يعمل , صمتنا أكبر مساعدةً له, وأخص بالذكر شباب الثورة, ليس الوقت مناسباً للتعقيب, لم يمر على وجود المحافظ سوى بضعة أشهر والوضع غير مشجع للتخلص من هذه الفوضى بين عشية وضحاها، سئمنا الانفلات الأمني , تبدو البلاد على (كف عفريت) على طريقة الرائع (جلال عامر) رحمه الله, نحتاج لأمل بسيط لكي نعدل عن قناعتنا في (الرحيل الجماعي) إلى المجهول! 


لا أظن أن الشروع في النقد في كل كبيرة وصغيرة يجدي أي نفع بقدر البلبلة التي يثيرها وما يرافقه من أخذ ورد( لا يودي ولا يجيب)، ما الذي يجعل، شوقي هائل، صاحب أكبر إمبراطورية مالية في البلد، يتسلم قيادة محافظة في العناية المركزة؟! هو ناقص وجع رأس أصلاً؟ ففي ظل الاستقطاب الحاد الذي شهدته تعز إبان الثورة, بين مؤيد ومعارض، والتوجه الممنهج لنقل الصراع إلى تعز، كان على شوقي هائل أن يتحمل مسئولياته كشخصية إدارية ناجحة ومستقلة تحظى بقبول من جميع أطراف الصراع، رغم هذا التوافق على شخص المحافظ، هناك من يسعى إلى إفشاله بواسطة تصوير المشهد كطرف مؤيد له، وآخر معارض، وقد نجحوا!، فالرجل يبدو مقيداً، والأوضاع لم تزل تراوح مكانها، ثمة من يستفيد من إفشال المحافظ، فالوضع الأمني يعد الركيزة الأساسية للتنمية، وهذا ما يلعب عليه ذلك الطرف! 


بالعودة إلى مجلس الشيوخ الذي شكله المحافظ، ينبغي التريث في إصدار الأحكام جزافاً، دعوا الرجل يفعل شيئاً، فالمكوث على رأس المحافظة لقرابة نصف عام، وإن بدت قليلة، إلا أنها أكسبته خبرة لا بأس بها بالداء الذي يجتاح المحافظة، ربما أحاط الرجل بما لم نحط به، ثمة مسببات للتوتر وثمة بؤر صراع تبدو واضحة له، ففي وضع الدولة الهش، من الحكمة أن تشعر شريحة من أسباب التوتر بالمسئولية، فهؤلاء هم ذاتهم من وقعوا على وثيقة الشرف، فبدلاً من المطاردة العقيمة لمؤججي التوتر في المدينة، سيكتفي بإلزام قياداتهم بتحمل المسئولية, وأمام رقابة الشعب. 


بالمقابل، على المحافظ أن يدرك أن المشيخة والقبيلة هي النقيض تماماً لمعنى الدولة، حتى لو بدت الوصفة ناجعة بعض الشيء، فقد جاءت تماشياً مع الوضع الهش للدولة, ومن المستحيل الحلم ببناء دولة مدنية يحضرها (الجهال) ويغيب عنها مثقفوها. ما أستشفه من سياسة المحافظ, أنه يريد منا النسيان بأن هناك ثورة حدثت, والتخلص من عقلية مع أو ضد الثورة, والتفرغ بالتالي لبناء تعز (سوى نبنيها), فهو يؤمن أن العقلية الإقصائية للآخر لا تولد سوى تأجيج الهوة في الشارع والمزيد من الانفلات الأمني, وتكبح جماح التطور والنماء الذي يطمح إليه أبناء المحافظة، لست مخولاً بالحديث نيابة عن المحافظ, لكن على الأقل هذا ما فهمته ينبغي التريث قليلاً والنظر إلى ما سينتجه هذا المجلس , فانتظروا إنا معكم من المنتظرين!.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *