الثورة اليمنية.. محلك سر!

عندما ضاق الحال بالشباب اليمني ووصلت الأمور في البلد إلى درجة من التعقيد بعد صبرٍ دام عقوداً على أمل التحول نحو الانفراج والنهوض كباقي الأمم, إلا أن الأمور تراوحت مكانها بل وازداد الوضع تعقيداً في ظل انسداد الأفق السياسي الهش, الذي بنى عليه العسكر عروشهم الواهية. 


عند اندلاع شرارة الربيع العربي من تونس ومروراً بمصر, كانت الثورة في اليمن أكثر إلحاحاً, بل ضرورة حتمية كون الوضع قد أخذ منحى آخر من السوء وصعوبة العيش. 
أخذت الثورات العربية أشكال عدة وتفاوتت نتائجها طبقاً للظروف والطبيعة الخاصة ببلد دون الآخر, بحيث تفردت الثورة اليمنية بمبادرة دولية تبعها قرار من مجلس الأمن في محاولة لتجنيب البلد مغبة الانزلاق في حرب أهلية لا تبقي ولا تذر إذا أخذنا بعين الاعتبار الانقسام الحاصل في المؤسسات الدفاعية والأمنية . 


المراوحة والتسوية السياسة التي أفرزتها المبادرة الخليجية, أضفت نوعاً من الطمأنينة لدى الشارع اليمني كونها الحل الناجز الذي سيحقق الانتقال الآمن للسلطة وستضع حداً للانفلات الأمني الذي تشهده البلاد.. لكنها بالمقابل أخمدت جذوة الثورة المتقدة وأعطت حصانات لأشخاص فتحت شهيتهم للعبث بأمن الوطن وإقلاق السكينة. 


لعل الغموض الذي رافق الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية, جعل منها أرضية خصبة للتأويل والمكايدات السياسية كلاً يفسرها طبقاً لنزواته. كذلك الحصانة الممنوحة لأركان النظام السابق مقابل التخلي عن العمل السياسي لم تنفذ إلى الآن, كما لم يتم المصادقة على قانون العدالة الانتقالية مما يضع جدية ومصداقية رعاة المبادرة في مهب الريح! 


بينما تزداد الأوضاع الاقتصادية سوءاً, تشهد البلاد انفلاتاً أمنيا رهيباً وأزمات مفتعلة هنا وهناك تهدف إلى خلط الأوراق وإرجاع الأمور إلى المربع الأول, ناهيك عن التمزيق الممنهج للنسيج الاجتماعي والهوية الوطنية. 


عدم جدية الدول الراعية للتسوية السياسية فتح الباب على مصراعيه أمام بقاياالنظام السابق, الذين لم يستوعبوا بعد المتغيرات الحاصلة في البلاد, فتح الباب أمامهم لتفخيخ الوطن والتحريض على تمرد القيادات العسكرية التي لا تزال إلى الآن تحت إمرة بقايا النظام السابق, فضلاً على محاولات الاقتحام للوزارات السيادية لغرض الانقلاب على القيادة الجديدة. 


الازدياد الملفت للنظر للجماعات المتطرفة فتح الشهية أمام الطائرات بدون طيار لقتل المواطنين الأبرياء تحت يافطة مكافحة الإرهاب.. تلك الغارات الجوية المبنية أساساً على معلومات استخباراتية مغلوطة تتلقاها مباشرةً من أجهزة الأمن االتي لم تزل تعمل تحت إمرة النظام السابق. 


العجيب أن أيّاً من الحكومة ولا السفارة الأمريكية قدموا اعتذاراً على الأقل لأسر الضحايا والاهتمام بهم والتكفل برعاية الجرحى الآخرين. كعادته الشيخ (جيرالد فايرستاين) يتنطط على القنوات ويدلي بالتصريحات, لكنه هذه المرة لم يكلف نفسه ولو بتصريح لإذاعة صنعاء! كم أصبحت رخيصة دماؤنا!! 


تكاد السنة الأولى, من المبادرة الخليجية, تنقضي دونما تغيير حقيقي في هيكل الدولة’ بحيث لا تزال أغلب مؤسسات الأمن والجيش تخضع لسيطرة أقارب رأس النظام السابق مما يسهّل للجماعات المتطرفة التوغل في مناطق حساسة وحصد أرواح الأبرياء تحت غطاء الدين. 
لكي يستطيع المواطن لمس التغيير, لا بد أولا وقبل كل شيء إزالة عقبة هيكلة الجيش كما ورد في بنود المبادرة الخليجية, وذلك على أسس وطنية بعيداً عن المحاصصة الحزبية والولاءات الضيقة على حساب الوطن, كون ذلك سيحبط محاولات التمرد المستميتة للعودة للسلطة من بوابة الثورة.. كما سيفتح الطريق أمام التغيير الجذري في كافة مناحي الحياة .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *