كيف تنهض الشعوب؟!

النهضة

أن تثور الشعوب على حكامها الطغاة فهو بمثابة وضع القدم الأولى في مسيرة التغيير المنشود. أما وقد تهاوت الأصنام وتداعت دكتاتورياتهم إلى غير رجعة, فإن مهمة التغيير الحقيقي ملقاة على عاتق الشباب وخيرة رجال الأمة. 


قد كثُر اللغط على مسمى (التغيير) على مدى العقود الماضية وتشدق به القاصي والداني بما في ذلك الطغاة المتساقطين الذين زيفوا تاريخ ومجد الأمة تحت يافطة التغيير. الأمة اليوم بحاجة إلى نهضة تعليمية فكرية لكي تسير في التغيير المنشود لمواكبة الأمم وضمان العيش الرغيد كباقي الخلق. 


فبدلا أن نعيش طيلة العمر نلعن القدر ونندب حضنا العاثر ونلقي باللائمة على أشخاص وحكومات متعاقبة, ماذا لو بدأنا بالتغيير في ذواتنا ومحيطنا البسيط.. أليس بمقدور أحدنا تثقيف وتوعية العشرات في محيطه؟! وبمقدور هؤلاء الجدد على نحو تسلسلي تأهيل العشرات والمئات وهكذا! (كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبه), كقطرات الغيث ما تلبث أن تصير سيولاً جرارة تدمر كل شيءٍ تأتي عليه. 


قبل أيام وأثناء مروري مع أحد الأصدقاء في الشارع عندما همَ بإلقاء كيس بلاستيكي في الشارع.. نظرتُ إليه نظرة استنكار فبادر بالرد قائلاً: (ياخي مالشارع مليان قراطيس, إيش معنى حقي الكيس بيلوث؟!).. نظرة ضيقة وسوء تقدير للأمور للأسف السواد الأعظم منا لا نزال مقيدون بها! قلت له: ماذا لو بدأنا بذلك أنا وأنت ومن نعرف والزملاء , ألن يتعمم ذلك السلوك على الكثير من الناظرين والمارة؟ كم سنشعر حينها بالرضا ونحن نلقي بها في أماكنها المخصصة! 


لم تصل ألمانيا لهذه المرحلة من النماء والاقتصاد الضارب في ضل التداعي الاقتصادي الحاد الذي تشهده منطقة اليورو, لم تصل إلى هذه المكانة إلا بعد التخلي عن فكرة العنف والثقافة الانتقامية للحربين العالميتين الأولى والثانية.. طوت صفحة الماضي المدمر واتجهت صوب المستقبل في رحلة تعليمية فكرية نهضوية وضعتها في قائمة الست دول العظمى. 
ولم تنهض أوروبا بهذا القدر إلا بعد الخروج من تحت عباءة الصراع الطائفي المسيحي ونبذها السلاح والعنف الذي راح ضحيته مئات الآلاف من الأرواح, بعدها فقط ترك الأوروبيون السلاح طواعيةً واتجهوا صوب نهضة معلوماتية دوخت العالم. 


في النهضة المدهشة التي حققتها الدولة التركية(بموارد محدودة) وفي ظرف زمن قياسي, لم يكن وحده (أردوغان) وحزبه من صنع تلك النهضة, لا ولا الإرشاد والدعم اللامتناهي للهامة الشامخة(نجم الدين أربكان); كما لم يكن الوفاء المنقطع النظير لرفيق دربه (عبد الله غول).. بل كانت بنهضة فكرية علمية شاملة أربكت تسلط العسكر متجهةً بخطىً راسخةً لوضع لبنات الدولة المدنية المثيرة للدهشة. 


ما أريد قوله, هو أن نجعل من كل فردٍ منا مشروع نهضة!, بفكر جديد مجرد من الانتقامية ومن قيود الماضي المثقل بالجراح والتي لا تجدي سوى لذلك الزمن. نريد دماء جديدة بأفكار جديدة تنهض بأمة المليار, خيرُ أمةٍ أخرجت للناس, بدلا من التغني بتاريخنا التليد وأمجاد الأجداد.. لنكن نحن وحسب, فمن نام على ماضيه نام ماضيه عليه, لا تبك على الماضي .. فيكفي أنه مضى ..فمن العبث أن نمسك نشارة الخشب وننشر,أنظر للغد .. استعد .. شمّر عن سواعد الخير,كن عزيزاً .. وبنفسك افخر !فكما ترى نفسك سيراك الآخرون .. فإياك أن تحقر نفسك يوماً فأنت تكبر حينما تريد أن تكبر ..وأنت فقط من يقرر أن يصغر !

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *