هل انتَصرَت غزّة فعلاً؟!

0article-2235765-162781EC000005DC-142_634x427

حتى الّلحظة الأخيرة، قُبيْل إبرام إتفاق جرى أمس الأول بين المُقاومة الفلسطينيّة والاحتلال الصهيوني، كانَت  صواريخُ المُقاومة  لا تزالُ تضربُ في العُمق الإسرائيلي.

هل انتصَرت غزّة, أم أننا لا نزالُ نفرحُ بالفُتات ونقتاتُ الانتصارات الوهميّة؟!

لننظُر إلى الأهداف التي رسمها الكيان في حربِه على القطاع, ولننظُر بالمقابِل إلى ما تحقّق منها. إذا كانت إسرائيل هدَفت إلى تدمير قدرات المُقاومة العسكريّة وكذلك إيقافُ إطلاق الصواريخ نحو بلداتها, فإن أيٍ من ذلك لم يتحقّق.

هذه الحربُ مليئةٌ بالمُفاجئات؛ فالتحوّل الفضيع في قُدرات المُقاومة أصابَ الجميع بالدّهشة, بما في ذلك جيش الاحتلال؛ الجميع رَفعَ القُبعات لأبطالها. فبعد الاعتماد لمُدّة طويلة على العمليات الاستشهادية لغرَض إيجاع العدو والرّد على الألم الذي يعيشُه الفلسطيني, ثمة تحوّل عسكري نوعي من حيثُ الأسلحة, الصواريخ بعيدة المدى التي تصلُ تلّ أبيب البعيدة لأول مرة. تحوّل آخر في التكتيك العسكري؛ تنفيذ عمليات تسلّل نوعية إلى الصفوف الخلفية للصهاينة والقيام بعمليات قنص؛ كلّ هذه القدرات الجديدة أربكت الإسرائيليين, وألحقَت في صفوفهم خسائر بشريّة لم تألفها إسرائيل في حروبها مع العرب مّنذُ حرب 1973.

استعراضُ القُدرات الجديدة بالنّسبة للمُقاومة, انتصار صنَع وقفاً لإطلاق النّار, وفتحاً للمعابر (فكّ للحصار), وألف اعتبار للمقاومة في الذهنيّة الإسرائيلية. ستعيد إسرائيل التفكير ألف مرّة للقيام بأية عمليات عسكريّة على القطاع في المرّات القادمة.

رضوخ الكيان الإسرائيلي لشروط المُقاومة انتصارأيضا. فإسرائيل التي لا تُؤمنُ إلا بالقوة؛ لا يُثنيها المُجتمع الدولي, ولا تُثنيها قراراتُ مجلس الأمن الباهتة, ولا تكترثُ لحقوق الإنسان. هذه القوة والبسالة التي أبرزها أبطالُ المقاومة هي التي ركّعت إسرائيل وأرضختها لمطالب المُقاومة.

لماذا خضعَت إسرائيل للصّلح؟

ببساطة لأنّ الحصار الذي مارسَتهُ إسرائيل لسنوات على أهالي القطاع, باتت اليوم تتجرعُه بشدّة, غيّر أن الخسائر أكثر بملايين المرّات. استطاعَت المقاومة فرض حصار غير معهود على البلدات الإسرائيلية؛ فالسياحة التي تُعد إحدى الرّكائز الاقتصادية المهمة ضُربَت, والمطارات الدولية أغلقت, وأوقفَت مُعظم الخطوط الجويّة العالميّة رحلاتِها من وإلى إسرائيل. المدارسُ توقّفت عن العمل؛ سُكان المناطق المتاخمة للقطاع يبيتون في الملاجئ إلى أجلٍ غير مُسمّى. هذه القوة هي وحدها من جَعلت إسرائيل تُعاني, وتستجلِب حُلفائها العرب والغرب لإخراجها من هذا المأزق بأقل الخسائر.

وحدَهم شُبانُ المُقاومة يفهمون إسرائيل تماماً؛ فالارتهان للمُحادثات العقيمة, ورحمة المُجتمع الدولي وخارطات الطُرق لن تصنَعَ وطناً. الشارع الاسرائيلي هائج, وغاضب على نتنياهو وجيش إسرائيل الورقي؛ بُعبُع الجيش الأقوى في العالم اندثَر, وأثبتَ العكس تماماً. المُقاومة عرّت الصهاينة من ادعاءاتهم برعاية حقوق الإنسان واحترام المدنيين؛ للحرب أخلاقٌ كذلك, وهذا ما يفتقدُه الاسرائيليون!

مكاسبُ المُقاومة!

فرضُ الإرادة, تركيعُ الإسرائيليين لمطالب القطاع بالتأكيد بسبب قوّة فرَضتها على الأرض. القطاع تدمّر أيضاً؛ لكنّه مدمرٌ منذُ الأزل ومحاصرٌ كذلك ولا يُمكنُ إعادة إعمارُه. آلاف الشهداء والجرحى؛ نعم هم بالآلاف يموتونَ جوعاً وحصاراً, وبغارات الطائرات التي لم تتوقّف على مدى أعوام الحصار.

لكنّ هذه المرّة قرابة الـ 100 قتيل من الجنود الصهاينة, وأكثر من 1000 جريح.. عدد مهول لم تألفهُ إسرائيل من قبل. المُقاومة قويّة وتتحدّى! لم تجرؤ إسرائيل في المُفاوضات الأخيرة على طرْح قضيّة نزع السلاح؛ هذا السلاح ببساطة هو شرَفُ المُقاومة والأمة.

ظهَر أمس نتنياهو بخطابٍ يواسي شعبَه, يقول حماس تعيشُ في عزلة دولية, مثلها مثلَ داعش والقاعدة, أما عن فتح المعابر (فك الحصار) فهو عمل إنساني لإعادة الإعمار!
يا للإنسانيّة!
إسرائيل هي فعلاً من تعيشُ عُزلةً دولية باستثناء والدتها أمريكا, والدول العربيّة المُنبطحة. أين ذهَبتْ هذه الإنسانيّة عندما قُتل 500 طفل, و200 امرأة؛ إين ذهَبت عندما هُدّمت البيوت على قاطنيها!

المُقاومة انتصَرت فعلاً, وفرَضت ميزان قوى جديدة ستجعلُ الصهاينة يُفكّرون ألف مرّة قبل ارتكاب أية حماقات عسكرية في حق القطاع. غزّة شرفٌ وعزّة لكل عربي غيور؛ لا تلتفتوا إلى المُرتجفين الذينَ يتنطّعون بجنود المُقاومة ومسئوليّتهم عن جلْب الدمار للقطاع؛ القطاع مُدمّر والمواطنون يُقتلون مُنذُ عام النّكبة 1948. لكن ما تغيّر في المُعادلة الآن أن الجنود الإسرائيليين يُقتلون كذلك, وباتوا عُرضة لغضب الغزّاويين!

النّصرُ للمُقاومة, والعزّةُ لغزّة .. فرحتي لا توصَف حقّاً!

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *