غزوات الحوثي واستثمار عامل الوقت!

h42_441x290

تتعاظمُ مطالبُ الحوثي يوماً بعد آخر والغرَض من ذلك كما يبدو الّلعب على عامل الزّمن والإرجاء إلى أجل غير مسمى. في كلّ مرة يأخذ الحوثيون بالاعتبار العامل الزمني، لذا فالمُراوغة والتّضارب عمداً في تصريحات المتحدثين باسم “أنصار الله” هي أبرز ما نراه على الأقل.

قبلَ أسبوعين، لم تكُن قوة الحوثي في العاصمة ومحيطِها بهذا الزّخم، بالمُقابل لم تكن صنعاء بهذا الضعف. ثمة وصفة يعملُ بها السيّد المُتهوّر ويضُخ في سبيلها مبالغ مهولة. هذه الوصفة تبدو ناجعة، على الأقل هي من أسقطَت معاقل القبائل المناوءة له مروراً بمحافظة عمران وانتهاءً بحشد القبائل المُحيطة بالعاصمة.

يستخدمُ الحوثي مبالغ مالية لشراء ولاءات من جهة، ولتحييد بعض القبائل المناوءة من جهة ثانية. سقطَت الخمري وحوث-معقل الأحمر- بتحييد قبائل حاشد المُتعاطفة مع الرئيس السّابق الذي له الدور الأبرز في غزوات الحوثي. في عمران، ذات الشيء حدَث مع اختلافٍ طفيف تمثّل في شراء قيادات عسكرية مناوءة للّواء المُنشق علي محسن الأحمر، فضلاً عن تواطؤ صريح من رئيس الجمهورية ووزير دفاعه لحاجةٍ في نفس يعقوب.

في حصار العاصمة، حشَد الحوثي صولاته وانتصاراته في الشمال، مروراً بالقبائل المُحيطة بالعاصمة عن طريق التّرغيب أحياناً, وبالترهيب بتلك القوة المُتعاظمة أحياناً أُخرى. للوهلة الأولى، بدا السّيد مُتهوراً مهووساً بانتصاراته حتى ظنّ الكثير أنه سيُهاجم العاصمة مباشرةً؛ غيرَ أن ذلك لم يحدُث!

انقسمَت جماعةُ الحوثي إلى قسمين، تمثّل الأول في قوة مُسلحة خارج العاصمة هدفُها الضّغط والترهيب، في حين كانت مُهمة القسم الآخر تحريك المُظاهرات داخل العاصمة والتذرّع بالسّلمية والتحضّر. الإعلام الحوثي المُدعّم بإعلام الرئيس السابق كانَ حاضراً بقوة مُدججاً بخطابات السيّد الكثيرة والمُطوّلة التي لم تغِب عنها لغةُ التهديد والوعيد.

ولأن الوضع مُتردّ والاقتصاد مُتهالك، وفوق ذلك حقناً للدّماء وحفاظاً على الوطن من التمزّق والتشرذُم، توالَت وفودُ الوساطة إلى حوزة السيّد تباعاً، إلا أنّها في كل مرة تعودُ خاليةَ الوفاض بسبب تعنّت الحوثي وتعاظم مطالبه مع مرور الوقت استغلالاً لحاجة العامّة للسلم وحفظ الأرواح. كلّ ورقة ضغط يستخدمُها الحوثي مرةً واحدةً ريثما يجهّز ورقةً أخرى إهداراً منه للوقت لشيءٍ في نفسه.

في لحظةٍ فارقة أدرَك الحوثي عدَم جدوى القيام بأي عمل عسكري في الوقت الحالي على الأقل، الأمر الذي دفَع به لتقديم مُبادرة هي الأخرى تعجيزية، ريثما يُلملم أوراقه المُبعثرة. بالنّظر للمُفاوضات الجارية، نرى أنّ الحوثي يتحدثُ من منطق القوّة، بينما نرى الدّولة في مرحلة ضعفٍ لم تمر به من قبل. قد نكونُ على حق؛ بالمُقابل قد تكونُ تصرفات الحوثي مُقامرة وغير مسئولة، وتصرّفاتُ الدولة تأنٍ ورباطةَ جأش لتجنيب الوطن الانزلاق إلى مُربّع العُنف الذي تفادتهُ طوال الفترة الماضية، من يدري!

الأمر الّذي لا نُدركُه أنّ السيّد عبد الملك يُقدّم مفاجآته بشكلِ تدريجي مصحوباً بهالةٍ إعلاميةٍ هائلة. هذه المُفاجآت الغرَض منها إلحاق الهزيمة النفسيّة بالدّولة مُمثلةً بجيشها وبالمُناصرين لها. بالإضافة إلى الحرب النفسية التي تُحدثُها هذه المُفاجآت، تتعاظمُ مطالبُ الحوثي تباعاً مع كل فُقاعة يُطلقُها اعتباراً من منطق القوّة على الأرض.

خلال الأيام القليلة الماضيَة، ارتفعَ سقفُ مطالب الحوثي ليشملَ بالإضافة إلى الاعتذار الرسمي من قبل الدولة، إدراج قتلى جماعته ضمن قائمة الشّهداء وتعويض أسرهم واعتماد رواتب رسمية لذويهم. عدَم التحدّث عن سلاح الحوثيين وعن الانسحاب من المُحافظات التي يسيطرون عليها اندرَجَت كذلك ضمن المطالب الجديدة.

الإعلان الأخير عن انشقاق إحدى كتائب الدّفاع الجوّي الواقعة في نطاق سيطرتِهم على الأرض دفَع بالحوثيين للانسحاب نهائياً وإعلان فشل المُفاوضات في تصعيدٍ هو الأخطر على الإطلاق. اختيارُ الوقت المُناسب لإشهار الانشقاق هدفُهُ التّحريض والتّشجيع على انشقاق وحداتٍ أُخرى من الجيش، بَث الذُعر في أوساط مناصري الرّئيس هادي، فضلاً عن توظيفه في تصعيدِ مطالِبهم.. للعلم هذه الكتيبة تَدين للحوثي مُنذُ وقتٍ سابق؛ لا جديد!

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *