“خفافيشُ الظّلام!”

سنحتفل بأيلولنا العظيم “مرحا سبتمبر”

10670209_287772788096379_1614722514051519187_n

اثنان وخمسون عاماً مُذ عانقَت أرواحُ اليمنيين فضاءاتِ الحريّة، طاوين حقبة الإمامة والكهنوت، حقبةٌ جثَمت على صدورهم رَدحاً من الزمن. في

لحظةٍ فارقة من سبتمبر الخالد غيّرت مجرى التاريخ، وأحالَت الظلماتِ نوراً، والجهلَ معرفة، والتخلّفَ نماءً وازدهار. كانَ التعليم والصحة والرّفاه حِكراً على فئة من الشعب، بينما يسودُ الجهل والتخلف والمرضُ عامّته؛ فصار العدلُ والمساواة والمواطنة شعاراً لكل يمني وحقاً لكل من يحملُ اسم الوطن.

اليوم ونحنُ نحتفل بالعيد الثاني والخمسين لثورة سبتمبر المجيدة، ثمّة من يستميتُ لإجهاض الدّولة وتقويض الجمهورية والعودة باليمنيين إلى سنواتِ الحرمان والتخلّف. مَن يُسوّقون أنفسهم كمخلّصين للبشرية هم ذاتُهم من يعبثون بأمنِنا واستقرارنا، ويتلذّذون في إذاقة الشعب صُنوف الويلات ويُمارسون التخريب المُمنهج لمقدّرات الدولة. رضَعوا من ثدي الجُمهورية وترعرَعوا في أحضانها، واليوم يتنكّرون لها ويطعنونَها في ظهرها على حينِ غفْلة. يتدثّرون بثياب المدنيّة والتحضّر، بينما يحملونَ في صُدورهم مشاريع الإمامة الظّلامية ليعودوا بالوطن إلى ما قبلَ التاريخ.

منذُ أكثر من خمسةِ عقود على قيام الجمهورية وخفافيشُ الظّلام يتربصون بها الدّوائر؛ ينتظرونَ الفرصة المناسبة للانقضاض عليها وتكبيلها. منذُ رأت النور، وهذا السرطانُ الخبيث يتمدّد ببُطئ وبتروٍ لاقتناص اللّحظة وقلب عجلة التاريخ، متناسينَ أنّ عجلةَ التاريخ لا تعود أبداً إلى الوراء.

سنواتٌ كثيرة مضَت، ولم تقُم للجمهورية قائمة؛ ظلّت تُراوح مكانها بسبب هذا السرطان الإمامي المُسلسَل. وطّد أركان الجمهورية الشُرفاء، وظفِر بها الأوغاد. فبدلاً من تثبيتِ أركانٍ متينة لها وغرسِ جذورٍ ضاربةٍ في الأرض، عمَدوا على غرس الطائفية والفئوية والجهوية لزعزعة أركانها تمهيداً لاجتثاثها. سخّروا خيراتِها للفئة والطائفة والحاشية لإعادة الإمامة والتأبيد والتوريث؛ وعندما عجزوا، سلموا أمرَها للخلايا الإمامية النائمة المُدججة بالحقد والشرور!

عندما أدرَك الشعب هذا العبث بجمهوريّتهم، وانحدارها تدريجيا صوب الحقبة الرّجعية، خرجوا إلى الميادين مُدجّجين بالسلام، مُتسلحين بالورود والصّدور العارية لتجديد ثورة آبائهم المغدورة بثورةٍ جديدة (11 فبراير) المُكمّلة للسادس والعشرين من سبتمبر. خرجوا لإزالة الغُبار العالق على الثورة الأم واستعادة بريقِها الوضّاء الذي كادَ أن ينحسِر على يد فئةٍ من الانتهازيين المُتنكرين.

خرج الإماميون الجُدد وخلاياهُم النائمة من كلّ حدبٍ وصوب لتدنيسها والولوغِ في نقائها بحقدهم الدفين على الجمهورية والذي لم يخفُت للحظة. خرَجَت جاحفلُ الظلام وكشّرت عن أنيابها، بعد أن كانَت حرّكت أذيالَها تربّصاً وترقباً لساعة الصّفر؛ وأظنها قد حانَت.

إنّ الشعب اليمني اليوم أمامَ مُفترق طرقٍ خطير، فأعداء الجمهورية يتكالبون عليها، الأمر الذي يستدعي الوقوف بحزم أمام هذا التصعيد الخطير. إن اليمنيين اليوم أمام استحقاقٍ عظيم يتمثّلُ في تنفيذ مُخرجات الحوار الوطني التي أفرزتها ثورة فبراير المُكمّلة, وهذا ما يستدعي اصطفافاً وطنيّاً وتآزُراً من كل القوى الوطنيّة لتثبيت دعائم الجمهوريّة وإخراج البلاد من أتونِ الصراعات على الأسس المذهبيّة والطائفيّة التي لن يجنيَ الشعبُ منها سوى الدمار, وليسَ غيره!

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *