الأرشيفات الشهرية: نوفمبر 2014

ما وراء استقالة هيجل!

ظهَر أمس الأول الرئيسُ الأمريكي- باراك أوباما- في مؤتمرٍ صحفي مع نائبه “بايدن” ووزير دفاعه المُستقيل “تشاك هيجل” ظهوراً باهتاً. بدى الرجل مرتبكاً وهو يسُوق سيل التبريرات وراء قُبوله استقالة وزير دفاعه بعد تقديمها منذ أيام حدّ قوله.

743

ثمةَ خلافاتٍ تعصف بالبنتاجون الأمريكي، لعل من أهمها الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية والمعروف بـ”داعش” والتعامل مع ملف الشرق الأوسط برمّته. يُعد “هيجل” الجمهوري الوحيد الذي يشغل منصباً كبيرا بحجم البنتاجون في دولة أوباما الديموقراطية. في بداية فترته بوزارة الدفاع قبل عامين، كان هيجل يتصرّف كديمقراطي مثله مثل أي مواطن أمريكي يتفانى في خدمة الوطن في أي مركزٍ كان.

في الآونة الأخيرة، لم يستطع الرّجل التعامل مع السياسة التي يتخذُها أوباما، خصوصاً تلك المُتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط. فقد عمدَت سياستُة بالسماح لتنظيم داعش بالتعاظُم والتنامي في زمن قياسي لتحقيق مكاسب أخرى لا تبدو مفهومة. فبرغم الضّربات التي يوجهها الحلفاء بقيادة أمريكا، إلا أنها لم تحد من تقدم التنظيم وإسقاطه المدن تلو الأخرى بطُرق درامية مفضوحة. أضف إلى ذلك محافظة النظام الأمريكي الحالي على الرئيس بشّار الأسد على نحو غير مُبرّر، وتمديد التفاوض مع إيران بشأن برنامجها النووي؛ وهذا ما لا يناسب الجمهوريين تحديداً. فقد كان الجمهوريون من أوائل المُحرضين على التدخل العسكري في سوريا وإزاحة نظام الأسد. غير أن أوباما استخدمها كورقة ضغط على سوريا لغرض تدمير مخزونها الكيماوي من جهة، وتضييق الخناق على خصمه الدّب الروسي لغرض تقديم تنازلات في ملف أوكرانيا.

تشاك هيجل- أحد الضباط الذين خاضوا غمار حرب فيتنام- يملك خبرة عسكرية ناضجة للتعامل مع الملف السوري وملف داعش كذلك؛ لكنها السياسة المُتخبطة للديمقراطيين كآخر الأوراق المُتبقية لكسب الشارع. فقد مُنيَ أنصار أوباما مؤخراً بهزائم ساحقة أمام خصمهم الجمهوري الذي بدأ يستعيد المؤسسات الحيوية في الدولة من تحت قبضة الديمقراطيين. فبعد الإخفاقات السياسية للديمقراطيين على مدى الدورتين الماضيتين، جاءت الانتخابات الأخيرة في الكونجرس ومجلس الشيوخ والنواب، فضلاً عن فوزهم بالعديد من مناصب الحكام التي كان يتولاها ديمقراطيون.

البنتاجون-ارشيفية

في الحقيقة، تشهدُ سياسة أوباما الخارجية تغيّراً جذرياً، خصوصاً بعد استحقاقه الدورة الرئاسية الثانية. ربما قاده توجّه التصالح مع إيران إلى تغيير تلك السياسات. ففي سوريا بات وجود الأسد عير مؤذٍ بالنسبة له؛ فيما يستخدمُ الطرفان الأمريكي والإيراني الحرب ضد داعش لاستنزاف دول الخليج ومُحاصرة تُركيا باللاجئين من جهة والأخطار من جهة أخرى. في اليمن كذلك، ابتلعَ أوباما لسانه عندما سيطرت مليشيا مُسلحة تُدين لإيران على مؤسسات الدولة، وهذا ما كانت إدارتُه ترفضه من ذي قبل. حتى ملف الحريات في مصر لم يعُد أحداً في إدارة أوباما يتحدثُ عنه، ولا أحد يُدينُ إطلاقاً الانتهاكات التي يقوم بها النظام العسكري في مصر.

بالعودة إلى استقالة هيجل، يقولُ أوباما بشكل مُعلن بأنه استنتج أن أسلوب هيجل لا يتناسب مع المرحلة الحالية، وهي مواجهة تنظيم الدولة، رغم خبرة هيجل العسكرية في فيتنام. لكن وراء الأكمة ما ورائها.

ففي تقريرٍ نشرته “نيويورك تايمز” يقول أن هيجل اختلف مع مجلس الأمن القومي حول اتجاه السياسة الخارجية، خاصة طريقة تعامل أوباما مع الحرب الدائرة في سوريا منذ أعوام، والتي كانت بمثابة الحاضنة لتنظيم الدولة.

ويبين التقرير أن هيجل قد اعترف الأسبوع الماضي أن الولايات المتحدة ومؤسساتها العسكرية تواجه تحدياً أبعد من تهديد داعش.

كلّ هذه المؤشرات دفعت بهيجل للاستقالة من منصبه، خصوصاً أنها أتت بعد نقاشات خلف الأضواء تمت بين الرئيس وهيجل بناءً على طلب الأخير، وغطّت عدداً من القضايا المختلفة المتعلقة بالأمن القومي.

شاهر السروري حكاية عائد إلى الحياة

في حالة ذهولٍ من أقاربه ومُحبيه، عادَ “شاهر عبدالولي السروري” إلى الحياة بعد أربعة عقودٍ من التّغييب القسري. يقولُ ابن شقيقته: “كُنا نظنه ميتاً ولم يكن على البال أن يعود بعد هذه المُدة الطويلة التي توازي عُمر إنسان”.

يُذكر أن أحد الأشخاص نقلَه إلى منزله قادماً به من محافظة الحديدة. ويعاني شاهر حالةً صحيّة مُزرية وبالكاد يستطيع التفوّه بكلمة ولكن بلكنةٍ ثقيلة بالكاد تُفهم. وكان شاهر قد دخل السجن مع العديد من رفاقه في عام 1974 من القرن الماضي؛ وإلى الآن لم يُعرف عنهم شيئاً. نسيَه الجميع، رفاق النضال والساسة، بينما لم تفقد الأمل أمُ أطفاله التي انتظرت عودته طيلة هذه المدة.

10818905_1543446119231564_52270775_n

تخرّج شاهر عبد الولي من الكلية الحربية سنة 1967، وكان أحد أهم القيادات العسكرية التي فكّت الحصار المعروف بـ”حصار السبعين” الذي فرضهُ الملكيون على العاصمة صنعاء مطلع سبعينيات القرن الماضي. وبعد الأحداث السياسية التي شهدتها البلاد، توجّه السروري إلى مدينة عدن- جنوب البلاد- ليمكث هناك حتى تاريخ اختفائه الفُجائي سنة 1974 لأسباب سياسية بحتة ومن ثم ترحيله إلى إحدى الجُزر النائية.

قبل ثلاثة أيام، عادَ شاهر في ظروفٍ غامضة ليُثير ملف المخفيين قسراً ويعيدُه إلى واجهة الأحداث. تقول شقيقة السروري إنه بحالة نفسية وجسدية مُعقّدة، وبصعوبة كبيرة يستطيع النطق بكلمه. وأضافت: “عندما علمت بالأمر أُصبت بالذهول، وأتيت جرياً للتعرف عليه”. قيل له: “هذه شقيقتك!” وعندما سمع باسمي انتفض وحملق في طويلاً لكنه لم يستطع التحدّث إلي.

ليست هذه أول حالة ظهور لمخفي، فقد ظهر “مطهر عبد الرحمن الإرياني” قبل عام بذات الحالة المُزرية. وجدوه في دار مُسنين في الحديدة كذلك وهو مخفي منذ عام 1982، ولم نسمع عن أخباره حتى الآن. قبل عامين، أخبرني زميل عن مقابلته أحد المخفيين في إحدى مصحّات محافظة الحديدة؛ أفرج عنه من المعتقلات السّرية ليُزج به إلى مستشفى المجانين. والقائمة تطول!

ثمة سرٌ وراء إظهار هؤلاء المُغيّبين قسراً مُنذ عقود في هذا التوقيت الحسّاس تحديداً. وهناك علاقة بين الإفراج عنهم وبين الحالة التي وصلوا إليها من الإنهاك والصمت المُريب الذي يُمارسونه بعد ظهورهم. يتخوّف أهالي شاهر السروري من الحديث لوسائل الإعلام، كما يمنعون أي أحد بالتحدث إليه أو حتى إلقاء نظرة. يقول ابن شقيقته إن هذا الغُموض الذي يكتنف عودة خاله وظروف اعتقاله السياسية، كل هذا يجعلُ عائلته قلقون على حياته.

كل هذا الغموض من شأنه تسليط الضّوء مجدداً على قضية المخفيين قسراً. يُذكر أن المئات من مناضلين وضُباط تعرّضوا لعمليات إخفاء قسري وفي معتقلات سرية منذ سبعينيات القرن الماضي، ولم تُعرف أخبارهم إلى الآن؛ إن كانوا أحياءً أو أموات. ويُحمّل أهالي المعتقلين النّظام السابق وشخصياتٍ عسكرية نافذة بالوقوف وراء هذا الملف.

من المفترض أن يُثار هذا الملف من جديد خصوصاً في خضم التّدافع السياسي الذي تشهده البلاد. أضف إلى ذلك ظهور رموز النظام السابق مُجدداً إلى واجهة المشهد السياسي باعتبارهم اللاعبين الرسميين في قضية المخفيين.

شبَح الحرب الأهليّة

نُفذت عملية اغتيال “صادق منصور” القيادي في الإصلاح بأثر رجعي. كانت الخطة تقتضي أن يتم الاغتيال قبل ذلك، أي قبل اغتيال الدكتور المتوكل رحمه الله بأيام. ثمة معلومات مفادها تعرض منصور لمحاولة اغتيال قبل أسابيع نجا منها.

البداية بصادق منصور، والدكتور المتوكل سيكون الهدف الثاني لتشتعل بعدها الحرب. اللعنة! من هذا الطرف الخفي الذي يسعى حثيثا لإشعال فتيل الحرب الطائفية التي نجا منه اليمنيون مراراً؛ وإلى أين كانت البلاد لتصل؟؟؟

الشهيدان

هذان القياديان، رحمة الله عليهما، من أروع ما يكون بين وسطهم الحزبي. الدكتور المتوكل همزة الوصل بين الفرقاء وحلقة السلام اللامتناهية. منصور -قبل مقتله- كان يقود مساعٍ حثيثة للَم شمل الفرقاء في تعز وتقريب وجهات النظر للتوافق على عدم السماح لأي مليشيات مُسلحة بالتواجُد على أرضها.

تغيّرت الموازين المرسومة بفشل مُحاولة اغتيال القيادي الإصلاحي صادق منصور. ومع ذلك استمرّت الخُطة لتحصُد روح الدكتور المتوكّل رحمة ربي تغشى روحه. الدكتور المتوكل، لمن لا يعرفه، شخصية اجتماعية وعاقلة مات وهو يحلُم بالدولة المدنية. سياسي مُخضرم وأستاذ جامعي تتلمذ على يده معظم السياسيين الجُدد والشباب الصاعدين.

كانت أسرة الشهيد المُتوكّل- كما عدناها- ناضجة ومُتعقّلة بل ورفضت استغلال مُصابها استغلالاً سياسياً لمصلحة طرف. عادَ الدور مُجدداً قبل أسبوع تقريباً على القيادي في حزب الإصلاح- صادق منصور. اغتيل رحمه الله بتفجير عبوة ناسفة في كرسي سيارته. ومع ذلك ابتلعها حزب الإصلاح ولم يُسارع بإلقاء التُّهم على أي طرف سياسي مُطالباً الجهات الأمنية بالقيام بواجبها في مُلاحقة الفاعلين. بمعنى آخر، ما أرادهُ الطرف الثالث والذي خطّط بعناية لهذه الاغتيالات السياسية لم يتم؛ ولن يتم. هذا الشعب المسحوق يعرفُ كيف يُقيلُ عثراته، وكيف يُطبّب جراحاته اللامُتناهية مهما كانت عميقة.

كان للخطأ في التوقيت -بعد عناية الله- دور كبير في إفشال الخُطة ما بعد الاغتيالين. في حال لم تفشل عملية الاغتيال الأولى بحق صادق منصور لكان الأمر مُختلف. ومع فشلها كان لا بد للمخططين التخلي عن الخطة نهائياً؛ لكنه الغباء المُركّب. في حال تمت عملية الاغتيال الأولى، سيكتفي حزب الإصلاح بالتنديد ولا أظنه سيُبادر بالاتهام لطرف مُحدد رُغم كونه مُستهدفاً بل وحظيَ مُنتسبوه بعمليات اقتحام للمنازل واعتداءات واسعة. سيصمُتُ الإصلاح بلا شك؛ ومن ثم سيتم تنفيذ الجزء الثاني من المسرحية باغتيال الدكتور المتوكّل. هنا ستكون الكارثة، قاصمة الظهر.

لن يسكُتَ الحوثيون، وسيُبادرون باتهام الإصلاح باعتبار العملية واضحة كانتقام سياسي لمقتل صادق منصور. سيصيحُ أهالي الشهيد المُتوكّل بعدم تمييع القضية، وعدم أحقيّة أحد في التحدّث عنهم. لكن الغضب والهيستيريا التي سيعمدُ لها مُسلحو الحوثي لن يُثنيها أحد كان؛ ولكم أن تُقدروا النتائج المُترتّبة على غضب مليشيا منهجُها السلاح. في النهاية، إنه قضاء الله ولُطفه بهذا البلد المُنهك، والذي لا يحتملُ المزيد من التمزّق. رحمة الله تغشى الشهيدين البطلين؛ ولعناتُه تُطارد القتَلة أينما حلّوا.

يا لطف الله!! إلى أين يراد لهذه البلاد أن تذهب؟؟

معركة النفط!

موقع بكرة نت

في منطقة الشّرق الأوسط- الموبوء بالصراعات- يحتدم سباقُ التسلّح، فيما يخوض أقطابُ الصراع حروباً باردة وأخرى بالنيابة في مناطق عدّة لإثبات الهيمنة على المنطقة. تسعى إيران لامتلاك سلاح نووي وفرض نفسها كقوة إقليمية لا يستهانُ بها. في ذات الوقت تواصل إسقاط دول الشرق الأوسط تحت سيطرة حُلفائها الطائفيين في الغالب لتسحب البساط من تحت الهيمنة السعودية، كُبرى دول الشرق الأوسط.

بالمُقابل وجدت السعودية ذاتها محاطةً بتمدّد إيراني من شتى الاتجاهات، الأمر الذي جعلها تدق ناقوس الخطَر. تعتمدُ السعودية في معركتها بشكلٍ أساسي على اقتصادها الهائل المعتمد بشكل أساسي على النفط. بينما تكمن مشكلة إيران في الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه منذ سنوات بسبب العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب.

بعد أن شعرت السعودية بالخطر الحقيقي القادم من طهران والذي توّج مؤخراً بسيطرة مليشيا الحوثي الطائفية والموالية لإيران على مقاليد الأمور في اليمن. هذا الخطر دفع بالسعودية لعمل مُضاد يحدّ من توسع طهران المحموم بل لإفشاله على الأرجح.

قامت السعودية مؤخراً بتخفيض سعر النفط العالمي- بصفتها الأكثر إنتاجاً- والذي يبدو بإيعاز من الولايات المتحدة لمآرب أخرى. تلعب الولايات المتحدة أدواراً عدة بين أقطاب الصراع. فيما تُجري مفاوضاتٍ معها بشأن برنامجها النووي، تسعى الولايات المتحدة للضغط على إيران وداعمتها الرئيسية روسيا عبر السعودية. قدمت الولايات المتحدة لإيران تنازلات قيمة لعل من أهمها القضية السورية، محاربة داعش والتغاضي عما يحصل في اليمن لصالحها. كل هذه التنازلات غرضها الحصول على تنازلات من الجانب الإيراني بشأن برنامجها النووي لإرضاء ابنتها المُدللة “إسرائيل”. كل هذا الغموض من شأنه الاتضاح خلال الأيام القادمة التي سيُسدل خلالها الستار على المفاوضات الإيرانية الغربية نهائياً بشأن طموحاتها النووية.

بالعودة إلى خفض سعر النّفط من قبل السعودية، فهذا الأمر يلقى ترحيباً أمريكياً كونه ورقة ضغط على إيران من جهة، وكونه أداة تحطيم قوية لخصمها اللدود الروسي.

ليس بوسع السعودية عمل شيء إزاء الوضع الراهن باستثناء الضغط الاقتصادي. فالأولى قد خسرَت جميع المكونات السياسية في تلك الدول بفضل سياسة التخبّط المتخذة مؤخراً في إطار التحالف السعودي الإماراتي. تقوم سياسة هذا التحالف على ضرب الإسلام السياسي السني باعتباره الخطر الحقيقي على أمراء النفط الخليجيين، محملين الأخير مسؤولية فوضى ما سُمي بـ”الربيع العربي”. هذا الاستعداء المُمنهج للفصائل السّياسية في اليمن – على سبيل المثال- فتح الطريق أمام رموز النظام السابق للعودة إلى المشهد عبر التحالف مع مليشيا الحوثي الطائفية التي تدين لإيران.

على أنقاض هذه الانتكاسة السياسية تتكبّد دول الخليج- بما فيهم السعودية- خسائر اقتصادية في سبيل الضغط على التوسّع الإيراني. فهذه الدول ذات اقتصادات عريقة وتخفيض سعر النفط لا يضر بها بقدر الضّرر الذي يُلحقه بإيران المُعتمدة بموازنتها على بيع النفط بالأسعار الطبيعية وفي ظل العُقوبات الاقتصادية التي تعيشها منذ سنوات. ورغم القدرات الاقتصادية الهائلة لدول الخليج، لم تُخفي بعض دول مجلس التعاون تأثير هذا الإجراء على اقتصادها. فقد قال رئيس الوزراء الكويتي لصحيفة محلية إن انخفاض سع النفط يُقلق الحكومة، غير أنه يجب أن لا يصيبهم بالذعر، منوّهاً إلى أهمية اتخاذ إجراءات تقشّفية لمواجهة الأمر، بحيث لا تصيب محدودي الدخل.

في الحقيقة، تملك إيران مصادر تمويل أخرى مجهولة على ما يبدو. فبالرغم من العقوبات العديدة المفروضة منذ سنوات، تستطيع إيران تزويد حلفائها في العراق ولبنان واليمن بالأسلحة ووفرة كبيرة من الأموال التي يندرج تحتها شراء الولاءات العسكرية والقبلية. كما أسلفت، كل ما يدور اليوم خلف دهاليز الساسة سينكشف نهاية نوفمبر الجاري بانتهاء مُهلة المُفاوضات المزمعة. من المفترض أن تتبدّل الأحداث الجارية على الأرض في اليمن والعراق وسوريا، بما في ذلك مصير الرئيس الأسد. من المفترض أن تختلف طريقة التعامل مع تنظيم “داعش” والذي يُوظف هو الآخر كأداةٍ للضغط في اللعبة الإقليمية.

هذه الحرب الباردة- معركة النفط- من المفترض أن تؤتي أكُلَها بعد اتضاح الرؤية بشأن برنامج إيران النووي. بعدها إما سيتم التعامل بحزم مع التوسع الإيراني، وإما سيتم تسليمها زمام الأمور بشكل رسمي وهذا يعتمد بشكل أساسي على مدى التنازلات التي ستقدمها لنظرائها الغربيين.

*الصورة من موقع بُكرة نت

ولادةُ المَد

في خضم الرّكود الثّوري الذي يعيشهُ الشارع اليمني بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد، وُلد المدّ من رحم الشارع. “مواطن من أجل دولة”، هذا هو اسم حركة المد.

مد1

جرَت العادة أن تكونَ الدولة من أجل المواطن، لكن عندما توجد هي في البداية. الدولة غائبة، أو بالأحرى اكتشفنا فجأةً أننا بلا دولة. في الحقيقة، لم تكن الدولة موجودةٌ من قبل، لكن هذه الحقيقة بدت جلية بعد تصاعد العنف وارتفاع صوت المليشيات المُسلحة لتسيطر على الطابع العام.

في البداية، لا بد من إيجاد الدولة. من الذي سيأتي بالدولة؟ المواطن، أنا وأنت وهو وهم بالتأكيد. الدولة السّوية تحتظنُ المواطن وتهتمُ لأمره؛ لكن في غيابها وحده المواطن من يستطيع إثباتها في عملية تبادل أدوار.

في ظل الاحتقان الحِزبي والطائفي الذي يدفعُ بالأوضاع حتماً إلى السقوط في فخ الاحتراب الداخلي، كان لا بدّ من عمل مُضاد لهذه الحالة السائدة. الحاجة للتعايُش ونبذ الاحتراب على أساس الفئة والطائفة والجغرافيا هي غاية سامية لهذه الحركة. الاحتراب مُدمر، ولا يوجد فيه طرفٌ منتصر وآخرُ خاسر. الخاسر الوحيد هو الوطن.

بعد الأحداث الأخيرة وفرض واقع جديد، أصيب الشّارع بالركود، وتضائل الفعل الثوري الذي كان أحد المكتسبات الضئيلة لثورة فبراير. الفعل الثوري الاحتجاجي بدأ في 11 فبراير، ودّع فيه الشارعُ اليمني الخوف والاستكانة للقمع والإقصاء. عادت حركة مد لتنشيط الفعل الثوري وكسر حالة الجُمود والذّهول الذي يحاولُ الوضع القائم فرضُه عنوة.

بالمقابل، استياء الأوضاع بعد الثورة وتنامي العنف والمليشيات المسلحة دفعت بالبعض لتحميل الثورة وصول الوضع إلى هذا الحد. بمعنى آخر، الأخطاء الهائلة التي رافقت الفعل الثوري في الميادين، والأداء السياسي للأحزاب القائمة في التعامل مع الوضع أدّت إلى خلق هالة مقت شديدة للثورة.

إذن، لن يخرج الشارع إلا بفكر بديل. الوضع مُزرٍ وأعمال العنف تتنامى، بينما تتساقط المُدن في قبضة المليشيات المُسلحة. “لا تقف صامتاً؛ افعل شيئاً” كانت هذه إحدى شعارات حركة مد. إنها دعوة للخروج السلمي رفضاً للعنف والمليشوية والاحتراب. إنها دعوةٌ للتعايش؛ دعوةٌ للحياة. ” صمتك يغتال أمنك.. أنا وأنت” كُلنا هدفٌ لأعمال العنف.

مد

من تعز بدأ المد، ولن يتوقّف إلا بتوقّف العنف والتجييش للاقتتال الطائفي والفئوي. “مد” حركة احتجاج شعبية سلمية ليست موجّهة ضد أحد؛ هي ضد الاحتراب الأهلي وحسب. سيتوغّل المد إلى كلّ شارع، إلى كل حارة ومنزل للتوعية حول التعايُش والسلام. لا بد من صناعة جيلٍ مدني واعٍ مُتعايش، عليه نُعلّق آمالنا العريضة للنجاة.
حتماً سننجو!!

وجع التشبث

سكب جميل للصحفي اليمني: غمدان اليوسفي يسردُ المعاناة التي يعيشُها اليمنيون.. مقال جميل يستحق القراءة

179531_10151711229931988_1469478046_n

من قال إن على اليمني أن يظل متألما جراء هذا التشبث المر بالحياة!.
من الذي حكم على آماله بالأعمال الشاقة المؤبدة! 
هل على اليمني فقط أن يظل مطاردا في حدود الجيران، وفي الجبال وتحت مخيمات اللجوء.
من الذي أورثنا كل هذا النزوح بين الواقع والروح، بين الأرض والنبض، بين جحيم الرصاص والانتظارات.
كل شيء يتضاءل، إلا مساحة المخيمات.. ومساحة الأمل.
تتمدد المنافي في أرواحنا، وتنكمش الأرض علينا، لتقترب المسافة بين رصاصة وجسد.. بين قبلة خروج وعودة.
انتظاراتنا جاءت بكل شيء، إلا ما انتظرناه، جاء الحالمون بغنيمة، وتوارى الحالمون بوطن يلملم الشتات البشري والروحي..
جاء رواة الدم، واختفى رواة الحلم.
يتمدد صناع المنافي في شرايين أحلامنا، لتذوي الرصاصات فينا، وتحفر قبور انتصارها على حبنا لهذا التراب، غير أنها تدفننا فيه قبل أن نفكر في أن نجعل منه طوبة بناء.
نحاول لملمة الشتات بين مانريده ومايريده البارود، فتشعل أيادي القبح الفتيل ليحرق بعض الذي تبقى من ميراث حكمة وصفنا بها ذات يوم.
أيها القاطنون في مسامات شغفنا بالحياة، دعوا لنا ما تبقى حتى من الهزائم لنربيها على انتظار فتات الحلم بالعودة.. دعوا لنا ما تبقى من الخيبات لنسرح جدائل أمنياتها علها تفتن الأمل ذات يوم ويعود.
أيها المتشبثون بدمنا، دعوا لنا شيئا من الدمع عله يوقظ في أرواحنا نداء الموت في سبيل الحياة.. دعوا لأمهاتنا شيئا من لغة التوسل للسماء بأن يعود هذا الوطن لأهله.. امنحوا أطفالنا حتى حق البكاء على ماض سرقتم حاضره لأنكم لا تحبون مستقبلهم.
أيها المتباكون على أرواحنا، سئمنا لغتكم، وتعفنت صوركم في مدامعنا، لأنكم أبكيتمونا دما، وأذقتمونا طعم الغربة في أوطاننا، وبددتم أمل الكرامة أن تعود لمن يحتملون أنين الوطن في أوطان الغير.
تلعنكم دموع أولئك الذين يبكون في المنافي والمهاجر كلما أهانتهم يد الغريب، تلعنكم أحذية العاطلين في الأزقة، تلعنكم هذه الأرض كلما نطقتم أو صمتتم.. يكفيكم ماشربتكم من عرقنا، وما أسقيتم من دمنا تراب هذه الخرابة..
يكفيكم صبرنا عليكم.
أليس في عيونكم ولو شيئا من الدمع.. ابكوا ولو قليلا لاستعادة بعض إنسانكم الذي نسيتموه في محاجرنا نحن.. وعشتم بلا ألم.
ابكوا علكم تجدون شيئا من الآمنا، علكم تجدون ريح الوطن الذي نفتقده.

المقال من صفحة الكاتب الشخصية على فيسبوك : https://www.facebook.com/alyosifi

حزب المؤتمر ما بعد د. الإرياني!

في إحدى (قفشاته)، وصل (عارف الزوكا) مع مرافقيه لاجتياز إحدى النقاط التابعة للجيش في شبوة. كان ذلك قبل سنوات عندما كان عضواً للجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام. أوقفه أفراد النقطة للتفتيش فرفض، بل وعمّر مسلحوه أسلحتهم الآلية تجاه أفراد الجيش الذين ردّوا بالمثل واحتدم التوتّر.

تدخّل أحدهم بالاتصال إلى قيادة اللواء العسكري والمُتمثلة بـ “سنهوب” ذلك الكهل الشّرس والانسان في ذات الوقت. مُقاتل مغوار، لكنه يحترم الآخرين، يدعمُ التعليم. أخبرني أحد منسبي اللواء القُدامى أن أي فرد يريد إكمال دراسته الجامعية، يمنحه اللواء التفرغ الكامل ويدعمه بكل ما أوتي من امكانيات. هذا الرجل كان مدعواً ضمن طائرة (أحمد فرج) التي راحت بمن فيها، غير أن مشيئة الله وتخلفه بسبب المرض ذلك اليوم المشؤوم أبعدوه عن تلك الكارثة المُدبرة على الأرجح.

بالعودة إلى الزوكا المُمتلئ بـ (الهنجمة) و(النخيط) الفارغيْن. اتصل أحدُهم بالقائد سنهوب الذي أمر أفراد النقطة بالسماح له بالعبور مع مسلحيه تفادياً للمواجهة والخسائر المُفترضة. في المساء، فتح مُسلحو الشيخ المُؤتمري النّار على منزل سنهوب بكثافة لإيصال رسالة.

في اليوم التّالي الذي صادف يوم الجُمعة، صلّى سنهوب الجمعة في الجامع وأخبر الأهالي عما حصل. أخبرهم أن الزوكا سيتسبب بأعمال عنف ومواجهات غير محمودة في المدينة إن هو استمر في مقامرته، ولهذا لزم عليكم إخباره بإعادة حساباته والأخذ بعين الاعتبار ما سيُلده غروره وتهرّبه من القانون.

بعد أشهر جاء القرار بإبعاد سنهوب من اللواء لينتقل إلى منطقة أخرى، في حين كوفئ الزوكا ليكون محافظاً لمحافظة مأرب القريبة لقاء ما قام به من خروق للقانون.

saleh1-20120424-205010

مؤخراً تخلّص الحزب العائلي والفئوي (المؤتمر الشعبي العام) حزب الرئيس السابق، تخلّص من الرئيس هادي والدكتور عبد الكريم الإرياني، السياسي المخضرم والداهية المشهور. من هما البديلان لهادي والإرياني يا تُرى، إنهما (عارف الزوكا، وأحمد عبيد بن دغر). وبهذا القرار يكون المؤتمر قد خسر آخر رجالاته النزيهين والدُهاة ليتحول إلى حزب فئوي للانتهازيين من المُتردية والنطيحة وما أكل السبع.

هذا هو المؤتمر الشعبي العام باختصار شديد.

رواندا الجريحة كأنموذجٍ للنهوض

ما تُذكر “رواندا” إلا وذُكرت معها أبشعُ عملية إبادة جماعية عرفها التاريخ. عُرف وطن “الألف تل” بمناخه الجميل وتضاريسه الاستثنائية رغم وقوعه على خط الاستواء وذلك بسبب تضاريسه الجبلية المرتفعة، ولهذا عُرفت رواندا بهذا الاسم. هذه الميزات جعلتها عُرضةً لأطماع الدول العظمى؛ حصلت على استقلالها عن بلجيكا سنة 1962م.

1085838

صورة من موقع تغاريد

وقعت رواندا- كغيرها من البلدان التي كانت تحت الانتداب الأجنبي- وقعت ضحية التدخّل الخارجي حتى بعد نيلها الاستقلال. تنتهجُ بعض الدول العظمى سياسة الاستقطاب وتقوية بعض الفئات على حساب الأخرى، خصوصاً الأقليات. وهذا ما حدث في رواندا تحديداً.

في رواندا، كانت هناك قبيلتان عريقتان “الهوتو” و”التوتسي”. كان الهوتو- المزارعون- يمثلون أغلبية السّكان، بينما يُمثل التوتسي- تجّار المواشي- الأقلية في البلاد. كانت القبيلتان تعيشان بسلام قبل أن تدخل التفرقة العنصرية بين القبيلتين والتي ولّدت سلسلة من أعمال العُنف أفضت في النهاية إلى أفضع إبادة جماعية في التاريخ.

عمدَت “بلجيكا” على دعم بعض فئات أقلية التوتسي على حساب الهوتو، الأمر الذي دفع بالتوتسي لارتكاب فضائع عنصرية استعلائية ضد الهوتو. بعد سلسلة من الحروب بين القبيلتين، والاستقواء أحياناً بدول الجوار، عادت بلجيكا لتُحريض الهوتو للانتقام ليقوموا بدورهم بعملية إبادة جماعية عنصرية ضد التوتسي لم تندمل آثارها إلى اليوم.

فبحسب إحصاءات الأمم المتحدة، تعرّض زهاء 800 ألف شخص للذبح، فيما تعرضت مئات الآلاف من النساء للاغتصاب. في تلك الغضون، لم تحرك بلجيكا ساكناً ولم تتعرض حتى إعلامياً على المجزرة، لكنّها بالمقابل عادت لتدعم جماعات متمردة من التوتسي وأوصلتهم إلى سُدة الحكم ليُمارسوا الثأر كدوامةٍ مُتواصلة من العنف لا تنتهي.

400px-Rwandan_Genocide_Murambi_skulls

 

جماجم وهياكل عظميه لضحايا الأبادة الجماعية تم تصويرها في مدرسة عام 2001(ويكيبيديا)

عموماً ليس التدخّل الخارجي يُشابه بعضه، لكن أغلبه مُدمر وكارثي. بالمُقابل ليست الدول المُستعمرة متشابهة، فبعضُها حقق الكثير لمستعمراتها السابقة.

بالعودة إلى رواندا الجريحة، وبرغم الآثار النفسية التي تمر بها والصعوبة التي يواجهها الروانديون في تحقيق التعايُش المطلوب بعد سلسلة العنف والكراهية، حقّقت رواندا نجاحاتٍ اقتصادية وديمقراطية هائلة. تُعتبر رواندا الآن من أكثر الدول نمواً، حيث تضاعف متوسط الدخل أكثر من ثلاث مرات في السنوات العشر الأخيرة حسب سي إن إن. بالفعل بدأ البلد مُنذ ذلك الحين بالتعافي، وتوصف حكومتها كواحدةٍ من أكثر الحُكومات كفاءةً ونزاهة في أفريقيا. وقد حضيَت رواندا في 2008 بأول مجلس تشريعي منتخب أغلبيته من النساء.

يُعد مناخ رواندا من الطراز الاستوائي. تتمتع بهضاب مرتفعة مكسوة بالعشب كمزيج استوائي معتدل جعلها قبلة للسياحة العالمية. لذا فهي تعتمد على السياحة كأحد الموارد الاقتصادية للحكومة.

الاستسلام للموت يقتلك مراتٍ كثيرة، بالمُقابل الإصرار على الحياة يهبك الحياة بكل جمالها. هكذا فعل الروانديون، أقبلوا على الحياة فأقبلَت إليهم مُرددةً سيمفونيات الخلود وأغاني الحب الأزلية.

اغتيال المتوكل وأزمة “الزيدية”

الكاتبة اليمنية ميساء شجاع الدين تستحضر سلسلة الاغتيالات السياسية التي حدثت نهاية القرن الماضي والأزمات التي سببتها. اغتيال الدكتور محمد عبد الملك المتوكل وتوظيفه السياسي. اقرأوا المقال كاملاً:
اغتيال المتوكل وأزمة “الزيدية”
349
*الصورة لتشييع جنازة الشهيد (صحيفة العربي الجديد)
ليس اغتيال الدكتور محمد عبد الملك المتوكل حدثاً استثنائياً في الساحة السياسية اليمنية التي طالما شهدت عمليات اغتيال لسياسيين وقيادات عسكرية، وكانت أكبر موجة اغتيالات تلك التي طالت الحزب الاشتراكي، أثناء الأزمة التي لحقت الوحدة عام 1990، وبدأت منذ 1991 واستمرت حتى 1993، وأودت بحياة أكثر من مائة كادر حزبي نشط، معظمهم من محافظاتٍ شمالية، وكانت أحد أبرز تجليات هذه الأزمة، وسبباً أساسياً لانعدام الثقة بين طرفي الوحدة وانفجار الحرب الأهلية عام 1994. ومن عمليات الاغتيال الفردية تلك التي قضى فيها الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي، جار الله عمر، في ديسمبر/كانون الأول 2002، وهو مهندس تحالف أحزاب اللقاء المشترك. وتمت الجريمة أثناء إلقاء عمر خطبة في المؤتمر العام لحزب التجمع اليمني للإصلاح، حيث تم انتقاء التوقيت والمكان بعناية، لنسف فكرة أحزاب اللقاء المشترك في مهدها.

هل تعد عملية اغتيال المتوكل فردية، بحكم الطبيعة المعتدلة للرجل، والتي تقربه من جميع أطياف الحياة السياسية اليمنية، على الرغم من خفوت نشاطه، بعد حادثة الموتورسيكل التي أصيب فيها في ديسمبر/كانون الأول 2011؟ أم أنها كانت عملية اغتيال ضمن موجة اغتيالات طالت الكوادر السياسية الزيدية المعتدلة، بعد اغتيال الشخصية السياسية الزيدية، الدكتور عبد الكريم جدبان، في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، ثم الدكتور أحمد شرف الدين، ممثل “أنصار الله” في مؤتمر الحوار الوطني في يناير/كانون الثاني عام 2014؟

تجمع جرائم اغتيال المتوكل، وقبله شرف الدين وجدبان، أن ثلاثتهم شخصيات سياسية زيدية معتدلة، وإن اختلف المتوكل عن الآخريْن بأنه لا يمكن وصفه من مناصري جماعة الحوثي، أو أنه شخصية تمثل المذهب الزيدي. فالرجل يصعب تصنيفه سياسياً، ويمكن، تقريبياً، ومن التعريف العام للحزب الذي أسسه “اتحاد القوى الشعبية”، اعتباره شخصيةً تتبنى قيماً منفتحة وديمقراطية بمرجعية زيدية، حيث كان يحاول تفسير النصوص الدينية الإسلامية بشكلٍ يتناسب مع قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. والأهم أنه كان مقرباً من جميع التيارات السياسية، وأكثر ما يميزه حضوره الشخصي الودود والمتواضع، وكان، في الأزمة الأخيرة، مناصراً للحوثي، وبرر له أفعالاً كثيرة، وانتقد بعضها.

وتطرح عملية اغتيال المتوكل السؤال البديهي بعد كل عملية اغتيال، من القاتل؟ في كل مرةٍ، تمر حوادث الاغتيال من دون تحقيقاتٍ في اليمن، ثم بمرور الوقت، يرجح فاعل سياسي ما له مصلحة وراء الاغتيال. هذه المرة، يبدو الوضع أكثر فوضوية وأصعب بشأن الجزم عمّن يكون صاحب المصلحة في هكذا عمليات، تطال الشخصيات السياسية المعتدلة في اليمن، فمن هو صاحب مصلحة تفريغ جماعة الحوثي من أي وجوهٍ معتدلة، ومن هو صاحب مصلحة إخلاء الساحة السياسية اليمنية من أي زيدي معتدل؟

عملية اغتيال المتوكل فرصة لفتح ملف حساس، يتعلق بمشكلة المرجعية السياسية والدينية لحركة الإسلام السياسي الزيدي، والتي تصدرها الحوثي، أخيراً، وبرزت، كما هو معروف، قوة مسلحة تحتكر، كلياً، تمثيل المذهب الزيدي، فيما تفترضه تعدّياً على المناطق الزيدية، بنشر السلفية فيها، حيث ارتكب السلفيون ممارسات مستفزة فيها، مثل منع الزيود من رفع آذانهم بجملته التمييزية “حي على خير العمل”، وزيارة قبور أئمة زيدية معروفين، ونشر معاهد علمية كان يشرف عليها الإخوان المسلمون.

وكان الزيود قد بدأوا في تأسيس ما يشبه مخيماً صيفياً، يُدعى منتدى الشباب المؤمن، لتدريس أصول المذهب الزيدي بشكل مبسط في 1992، وتوسعت هذه المعاهد والمنتديات، حتى وصلت إلى ذروتها قبل حرب صعده عام 2004، ثم أغلقت نهائياً. ومن اللافت أن الحوثي لم يعد فتح تلك المعاهد في مدينة صعده، بل وضيّق على بعض تلامذتها، وبعض المراجع الزيدية التقليدية.

كانت مناهج تلك المعاهد تصدر بترخيصٍ من والد حسين وعبد الملك الحوثي، العلامة الزيدي بدر الدين الحوثي، ومن ثم تأسست الحركة الحوثية، بترديد ابنه حسين الحوثي (قتل عام 2004 في الحرب) شعار الصرخة المستلهم من شعارات الثورة الإيرانية “الموت لأميركا..”، وبسببها قامت حرب صعده. ويُذكر أن خلافاً حاداً نشب بين أسرة الحوثي وأحد مؤسسي الحركة، محمد سالم عزّان، والذي كان يمثل المنهج المعتدل، ولم يكن ميالاً لشعار الصرخة أو تلك التأثيرات الدخيلة.

بسبب شعار الصرخة، وسفر بعض الزيود للدراسة في إيران، ومنهم مؤسسو المنتديات، مثل حسين الحوثي ومحمد عزان، دأب خصوم الحركة في تصويرها حركة ليست زيدية، بل اثنى عشرية، في محاولة لتصويرها حركة غريبة ودخيلة على اليمنيين. فيما لا تؤمن الحوثية بأبرز أفكار الاثنى عشرية، مثل الغيبة والعصمة وغيرهما، لكنها استعارت من الاثنى عشرية مظاهر احتفالية غريبة على اليمنيين، مثل الضريح الفخم الذي تم تشييده لحسين الحوثي وإحياء كربلاء بما هو غير معروف في المذهب الزيدي. ولهذا الأمر علاقة بطبيعة الجماعة التي نشأت كرد فعل ضد الوهابية التي فرضت نفسها محتكراً للإسلام، وترفض التنوع المذهبي، وبالتالي، جاءت عملية إحياء المذهب الزيدي، كما يتصور، في محاولةٍ لتأكيد طابعها الشيعي المتمايز. وكانت مرجعيات زيدية تقليدية في أثناء حروب صعده قد اعتبرت الحوثية اثنى عشرية، وليسوا زيوداً، ثم سرعان ما تغير موقفهم بعد 2011، وسقوط علي عبد الله صالح، وأقرّوا بزيدية الحوثي. وهذا موقف تتضح علاقته بمحاباة القوة، غير أنه يعكس حقيقة مهمة، وهي صعوبة تعريف الطبيعة الدينية لجماعة الحوثي.

فهل يمكن افتراض الحوثي جماعة زيدية إحيائية، وامتداداً لمنتدى الشباب المؤمن، كما يفترض بعضهم؟ وفي الواقع، ليس لتلاميذ المنتدى حضور قيادي في الحركة التي تعد إحيائية، ويفترض منهجية فكرية وفقهية للجماعة، وهذا غير موجود، حيث تعتمد الجماعة في تجنيد أنصارها على ملازم خطب مؤسسها، حسين الحوثي، وهي خطب سياسية، تستعير الجملة الدينية، ولكن من دون بُعد فقهي أو فكري، بل بطريقة عاطفية، فيها قدر من السطحية، معتمدة على أفكار مثل معاداة أميركا والغرب والسعودية وحب آل البيت والمظلومية، وهي ملازم أكثر سطحية وبساطة من رسائل التوحيد للإمام محمد عبد الوهاب الذي صار مرجعية الإسلام السلفي.

أي أن حركة الحوثي لا كتب ومرجعيات فكرية لها، ولا يمكن معرفة إلى أي تيار زيدي تنتمي، مثل تيار الهادوية أو الجارودية أو الصالحية. لكن الأهم أن قائد حركة الحوثي ينقض أبسط مبادئ الزيدية في الإمامة. الزيدية تؤمن بفكرة الخروج على الحاكم الظالم والتمرد المسلح، لكن بشرط وجود إمام تتوفر فيه شروط الإمامة، وأبرزها أن يكون عالماً بأمور الدين، حسب المنطق الزيدي. ولم يعلن عبد الملك الحوثي نفسه إماماً، وهو، ببساطة، يفتقد جميع شروط الإمامة، وأبرزها العلم، ويتضح هذا من لغته العربية البسيطة، والتي تكشف بساطة معارفه، أي أن ما تفعله جماعة الحوثي مخالفة صريحة للمذهب الزيدي.

الحركة الحوثية، مثل معظم حركات الإسلام السياسي، العنيفة خصوصاً، تتعامل مع الدين بانتقائية، وكمحاولة لشرعنة عنفها، بقدر لا يخلو من تسطيح معتمدين على استدرار عواطف الناس، وإيجاد حالة خوف من خصوم وأعداء خطيرين، مثل أميركا أو القاعدة، في حالة الحوثي، لكنها تخلو كالعادة من أي مرجعية دينية تقليدية، ومن أي مرجعية سياسية، تحاول الإجابة عن تساؤلات عصرية، متعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، كما كان الدكتور المتوكل. وهذا يطرح تساؤلاً مشروعاً: إلى أين تذهب هذه الحركة، خصوصاً أن الشخصيات المعتدلة التي قد تشكل جسراً بينها وبين الآخرين تتساقط، واحداً تلو الآخر، وتخلو الساحة من كل الشخصيات التي كان في وسعها فرملة جموح جماعة الحوثي وعنفها.

 من صحيفة العربي الجديد: http://www.alaraby.co.uk/opinion/8310b280-1feb-43dc-a3ba-44e61c166d33

 

عن وطن بلا جيش

i-b-20121008-114224

من أهم المُنجزات الوطنية في أي بلد، وأكثر مؤسسة محَط الفخر والاعتزاز وتحظى دائماً باحترام الشّعوب هي مؤسسة “الجيش”. عندما تختلف القوى السياسية بمشاربها، تكون مؤسسة الجيش الوطني حلقة الوصل بل والمرجعية للجميع. للجيش رمزيّة خاصة عند الشعوب بخلاف الأمن والداخلية. فالثانية قريبة منهم وكثيرة الاحتكاك بهم، أضف إلى ذلك الانتهاكات التي تقوم بها قوات الأمن في حق المواطنين. أما الجيش فهو مُسخر لحماية الوطن من الأخطار الخارجية، ونادراً ما ينزل إلى الشارع، الأمر الذي أكسبه هيبةَ واحترام الجميع بلا استثناء.

ثمّة استثناءات تجعل من الجيش محل مقت الشعوب، وتنسفُ تلك الصورة المُشرقة والرّمزية التي يحتفظ بها. لعل إقحام الجيش في السياسة من أهم تلك الأسباب. دخول الجيش في السياسة يجعله في خط التماس مع الشعب مُباشرةً، أضف إلى ذلك دخوله في حلقة ولاءات ضيّقة لشخوص وأحزاب على السواء.

هناك أكثر من عشرين دولة بلا جيش ومع ذلك فهي آمنة تتمتع كذلك باستقلالية تامة. بعض هذه الدول لا تملك جيوشاً، بينما بعضها يملك كتائب أمنية بسيطة، لكن الجميع يعتمدون على جيوش دول أخرى في حماية بلدانهم خارجياً. لا توجد مشكلة نهائيا هنا، حيث تأخذ السياسة مجراها، وتنفذ الديمقراطية بحذافيرها وبالتالي لا وجود لمراكز قوى تسلطيّة من شأنها تعكير الأجواء السياسية.

الأنظمة الدكتاتورية تبني الجيوش وتربيها على الولاء المطلق، ليس للوطن بالطبع، بل للشخوص. لطالما تغنّى الزعماء العرب بجيوشهم الوطنية، غير أن طفرة الربيع العربي عرّت تلك الادعاءات وأثبتت زيفها. تصدّعت تلك الجيوش بين الولاء للحاكم والقوى العسكرية والقبلية وباتت تلك البلدان تقريباً بلا جيوش.

في اليمن مثلاً، حدث انشقاق كبير في الجيش إبان ثورة 2011 لصالح الثوار. بعد التسوية السياسية التي نصّت في إحدى بنودها على هيكلة الجيش، لم يتم هيكلته بقدر ما غُيرت ولاءاته لصالح فئة معينة.

هيكلة الجيش تعني بالضرورة إضعاف مراكز القوى المُهيمنة عليه، وليس تحويل تلك الهيمكنة لفصيل آخر. كان من المفترض أن يتم دمج الألوية الموالية لمراكز القوى وإذابتها في بوتقة مناطق الجيش. أضف إلى ذلك تفعيل التدوير الوظيفي خصوصاً للقيادات الكبيرة والضبّاط.

في غمضة عين، وبعد كلّ ذلك الهُراء برعايةٍ إقليميةٍ وأممية، اكتشف اليمنيون أنهم بلا جيش. أعني جيش وطني لا يدين إلا للوطن والمواطن. لم تكن تدخّلات الإقليم والمجتمع الدولي نقيّة، بل كان كلاً منهم يبحث عن موطئ قدم ومركز نفوذ مُوالي. التدخّل الخارجي كارثي ومُدمّر على خلاف ما تفائلنا به. هذه الدول تؤدي جيداً في مجتمعاتها، لكنّها تُمارس التمزيق والقُبح -وإن كان بصبغة دولية- في حق الدول المتخلفة.

على حين غفلةٍ من التاريخ، سُلمت العاصمة والمدن الأخرى للمليشيات المسلحة تحت مرأى ومسمع العالم وبتواطؤ بل وتسهيل ممن يُفترض أن نسميه جيش الوطن. خيبات الأمل والصّفعات تتوالى على هذا الشعب المكلوم، حتى الجيش الذي ظنناه آخر المُكتسبات الوطنية تساقط كحبّات العقد. بيعَ جيشُنا في سوق النخاسة، بيع للمليشيات وأُهينت بززهم العسكرية ذات الرمزية التاريخية. قصقصة ريشات قوى سابقة كانت مهيمنة على الجيش جاءت لتقوي مراكز نفوذ أخرى تدين للفوضى وتقويض الدولة أو بقايا منها.

تساقطت الألوية العسكرية خلال ساعات دونما مواجهات وسُلمت الأسلحة للمليشيا. فبدلاً من تنفيذ الاستحقاقات السياسية لمؤتمر الحوار الذي استمر قرابة العام ونزع أسلحة المليشيات، تم نزع سلاح الدولة لصالح المليشيات وبتنا بلا جيش.

دمر الرئيس هادي ووزير دفاعه جيشنا الوطني وأهانوه أيّما إهانة. دمّروا ولائهم الوطني وجعلوهم كقطعان يأتمرون لمراكز القوى الطائفية.

همسة: يبيع الجُندي شرفهُ العسكري عندما يتخلّى عن واجبه الوطني في حماية الوطن والشعب؛ بينما يبيع المواطن شرفهُ المدني عندما يحمل السلاح ويسمح لنفسه بالتحوّل إلى مليشيا.

من أهم المُنجزات الوطنية في أي بلد، وأكثر مؤسسة محَط الفخر والاعتزاز وتحظى دائماً باحترام الشّعوب هي مؤسسة “الجيش”. عندما تختلف القوى السياسية بمشاربها، تكون مؤسسة الجيش الوطني حلقة الوصل بل والمرجعية للجميع. للجيش رمزيّة خاصة عند الشعوب بخلاف الأمن والداخلية. فالثانية قريبة منهم وكثيرة الاحتكاك بهم، أضف إلى ذلك الانتهاكات التي تقوم بها قوات الأمن في حق المواطنين. أما الجيش فهو مُسخر لحماية الوطن من الأخطار الخارجية، ونادراً ما ينزل إلى الشارع، الأمر الذي أكسبه هيبةَ واحترام الجميع بلا استثناء.

ثمّة استثناءات تجعل من الجيش محل مقت الشعوب، وتنسفُ تلك الصورة المُشرقة والرّمزية التي يحتفظ بها. لعل إقحام الجيش في السياسة من أهم تلك الأسباب. دخول الجيش في السياسة يجعله في خط التماس مع الشعب مُباشرةً، أضف إلى ذلك دخوله في حلقة ولاءات ضيّقة لشخوص وأحزاب على السواء.

هناك أكثر من عشرين دولة بلا جيش ومع ذلك فهي آمنة تتمتع كذلك باستقلالية تامة. بعض هذه الدول لا تملك جيوشاً، بينما بعضها يملك كتائب أمنية بسيطة، لكن الجميع يعتمدون على جيوش دول أخرى في حماية بلدانهم خارجياً. لا توجد مشكلة نهائيا هنا، حيث تأخذ السياسة مجراها، وتنفذ الديمقراطية بحذافيرها وبالتالي لا وجود لمراكز قوى تسلطيّة من شأنها تعكير الأجواء السياسية.

الأنظمة الدكتاتورية تبني الجيوش وتربيها على الولاء المطلق، ليس للوطن بالطبع، بل للشخوص. لطالما تغنّى الزعماء العرب بجيوشهم الوطنية، غير أن طفرة الربيع العربي عرّت تلك الادعاءات وأثبتت زيفها. تصدّعت تلك الجيوش بين الولاء للحاكم والقوى العسكرية والقبلية وباتت تلك البلدان تقريباً بلا جيوش.

في اليمن مثلاً، حدث انشقاق كبير في الجيش إبان ثورة 2011 لصالح الثوار. بعد التسوية السياسية التي نصّت في إحدى بنودها على هيكلة الجيش، لم يتم هيكلته بقدر ما غُيرت ولاءاته لصالح فئة معينة.

هيكلة الجيش تعني بالضرورة إضعاف مراكز القوى المُهيمنة عليه، وليس تحويل تلك الهيمكنة لفصيل آخر. كان من المفترض أن يتم دمج الألوية الموالية لمراكز القوى وإذابتها في بوتقة مناطق الجيش. أضف إلى ذلك تفعيل التدوير الوظيفي خصوصاً للقيادات الكبيرة والضبّاط.

في غمضة عين، وبعد كلّ ذلك الهُراء برعايةٍ إقليميةٍ وأممية، اكتشف اليمنيون أنهم بلا جيش. أعني جيش وطني لا يدين إلا للوطن والمواطن. لم تكن تدخّلات الإقليم والمجتمع الدولي نقيّة، بل كان كلاً منهم يبحث عن موطئ قدم ومركز نفوذ مُوالي. التدخّل الخارجي كارثي ومُدمّر على خلاف ما تفائلنا به. هذه الدول تؤدي جيداً في مجتمعاتها، لكنّها تُمارس التمزيق والقُبح -وإن كان بصبغة دولية- في حق الدول المتخلفة.

على حين غفلةٍ من التاريخ، سُلمت العاصمة والمدن الأخرى للمليشيات المسلحة تحت مرأى ومسمع العالم وبتواطؤ بل وتسهيل ممن يُفترض أن نسميه جيش الوطن. خيبات الأمل والصّفعات تتوالى على هذا الشعب المكلوم، حتى الجيش الذي ظنناه آخر المُكتسبات الوطنية تساقط كحبّات العقد. بيعَ جيشُنا في سوق النخاسة، بيع للمليشيات وأُهينت بززهم العسكرية ذات الرمزية التاريخية. قصقصة ريشات قوى سابقة كانت مهيمنة على الجيش جاءت لتقوي مراكز نفوذ أخرى تدين للفوضى وتقويض الدولة أو بقايا منها.

تساقطت الألوية العسكرية خلال ساعات دونما مواجهات وسُلمت الأسلحة للمليشيا. فبدلاً من تنفيذ الاستحقاقات السياسية لمؤتمر الحوار الذي استمر قرابة العام ونزع أسلحة المليشيات، تم نزع سلاح الدولة لصالح المليشيات وبتنا بلا جيش.

دمر الرئيس هادي ووزير دفاعه جيشنا الوطني وأهانوه أيّما إهانة. دمّروا ولائهم الوطني وجعلوهم كقطعان يأتمرون لمراكز القوى الطائفية.

همسة: يبيع الجُندي شرفهُ العسكري عندما يتخلّى عن واجبه الوطني في حماية الوطن والشعب؛ بينما يبيع المواطن شرفهُ المدني عندما يحمل السلاح ويسمح لنفسه بالتحوّل إلى مليشيا.