عن وطن بلا جيش

i-b-20121008-114224

من أهم المُنجزات الوطنية في أي بلد، وأكثر مؤسسة محَط الفخر والاعتزاز وتحظى دائماً باحترام الشّعوب هي مؤسسة “الجيش”. عندما تختلف القوى السياسية بمشاربها، تكون مؤسسة الجيش الوطني حلقة الوصل بل والمرجعية للجميع. للجيش رمزيّة خاصة عند الشعوب بخلاف الأمن والداخلية. فالثانية قريبة منهم وكثيرة الاحتكاك بهم، أضف إلى ذلك الانتهاكات التي تقوم بها قوات الأمن في حق المواطنين. أما الجيش فهو مُسخر لحماية الوطن من الأخطار الخارجية، ونادراً ما ينزل إلى الشارع، الأمر الذي أكسبه هيبةَ واحترام الجميع بلا استثناء.

ثمّة استثناءات تجعل من الجيش محل مقت الشعوب، وتنسفُ تلك الصورة المُشرقة والرّمزية التي يحتفظ بها. لعل إقحام الجيش في السياسة من أهم تلك الأسباب. دخول الجيش في السياسة يجعله في خط التماس مع الشعب مُباشرةً، أضف إلى ذلك دخوله في حلقة ولاءات ضيّقة لشخوص وأحزاب على السواء.

هناك أكثر من عشرين دولة بلا جيش ومع ذلك فهي آمنة تتمتع كذلك باستقلالية تامة. بعض هذه الدول لا تملك جيوشاً، بينما بعضها يملك كتائب أمنية بسيطة، لكن الجميع يعتمدون على جيوش دول أخرى في حماية بلدانهم خارجياً. لا توجد مشكلة نهائيا هنا، حيث تأخذ السياسة مجراها، وتنفذ الديمقراطية بحذافيرها وبالتالي لا وجود لمراكز قوى تسلطيّة من شأنها تعكير الأجواء السياسية.

الأنظمة الدكتاتورية تبني الجيوش وتربيها على الولاء المطلق، ليس للوطن بالطبع، بل للشخوص. لطالما تغنّى الزعماء العرب بجيوشهم الوطنية، غير أن طفرة الربيع العربي عرّت تلك الادعاءات وأثبتت زيفها. تصدّعت تلك الجيوش بين الولاء للحاكم والقوى العسكرية والقبلية وباتت تلك البلدان تقريباً بلا جيوش.

في اليمن مثلاً، حدث انشقاق كبير في الجيش إبان ثورة 2011 لصالح الثوار. بعد التسوية السياسية التي نصّت في إحدى بنودها على هيكلة الجيش، لم يتم هيكلته بقدر ما غُيرت ولاءاته لصالح فئة معينة.

هيكلة الجيش تعني بالضرورة إضعاف مراكز القوى المُهيمنة عليه، وليس تحويل تلك الهيمكنة لفصيل آخر. كان من المفترض أن يتم دمج الألوية الموالية لمراكز القوى وإذابتها في بوتقة مناطق الجيش. أضف إلى ذلك تفعيل التدوير الوظيفي خصوصاً للقيادات الكبيرة والضبّاط.

في غمضة عين، وبعد كلّ ذلك الهُراء برعايةٍ إقليميةٍ وأممية، اكتشف اليمنيون أنهم بلا جيش. أعني جيش وطني لا يدين إلا للوطن والمواطن. لم تكن تدخّلات الإقليم والمجتمع الدولي نقيّة، بل كان كلاً منهم يبحث عن موطئ قدم ومركز نفوذ مُوالي. التدخّل الخارجي كارثي ومُدمّر على خلاف ما تفائلنا به. هذه الدول تؤدي جيداً في مجتمعاتها، لكنّها تُمارس التمزيق والقُبح -وإن كان بصبغة دولية- في حق الدول المتخلفة.

على حين غفلةٍ من التاريخ، سُلمت العاصمة والمدن الأخرى للمليشيات المسلحة تحت مرأى ومسمع العالم وبتواطؤ بل وتسهيل ممن يُفترض أن نسميه جيش الوطن. خيبات الأمل والصّفعات تتوالى على هذا الشعب المكلوم، حتى الجيش الذي ظنناه آخر المُكتسبات الوطنية تساقط كحبّات العقد. بيعَ جيشُنا في سوق النخاسة، بيع للمليشيات وأُهينت بززهم العسكرية ذات الرمزية التاريخية. قصقصة ريشات قوى سابقة كانت مهيمنة على الجيش جاءت لتقوي مراكز نفوذ أخرى تدين للفوضى وتقويض الدولة أو بقايا منها.

تساقطت الألوية العسكرية خلال ساعات دونما مواجهات وسُلمت الأسلحة للمليشيا. فبدلاً من تنفيذ الاستحقاقات السياسية لمؤتمر الحوار الذي استمر قرابة العام ونزع أسلحة المليشيات، تم نزع سلاح الدولة لصالح المليشيات وبتنا بلا جيش.

دمر الرئيس هادي ووزير دفاعه جيشنا الوطني وأهانوه أيّما إهانة. دمّروا ولائهم الوطني وجعلوهم كقطعان يأتمرون لمراكز القوى الطائفية.

همسة: يبيع الجُندي شرفهُ العسكري عندما يتخلّى عن واجبه الوطني في حماية الوطن والشعب؛ بينما يبيع المواطن شرفهُ المدني عندما يحمل السلاح ويسمح لنفسه بالتحوّل إلى مليشيا.

من أهم المُنجزات الوطنية في أي بلد، وأكثر مؤسسة محَط الفخر والاعتزاز وتحظى دائماً باحترام الشّعوب هي مؤسسة “الجيش”. عندما تختلف القوى السياسية بمشاربها، تكون مؤسسة الجيش الوطني حلقة الوصل بل والمرجعية للجميع. للجيش رمزيّة خاصة عند الشعوب بخلاف الأمن والداخلية. فالثانية قريبة منهم وكثيرة الاحتكاك بهم، أضف إلى ذلك الانتهاكات التي تقوم بها قوات الأمن في حق المواطنين. أما الجيش فهو مُسخر لحماية الوطن من الأخطار الخارجية، ونادراً ما ينزل إلى الشارع، الأمر الذي أكسبه هيبةَ واحترام الجميع بلا استثناء.

ثمّة استثناءات تجعل من الجيش محل مقت الشعوب، وتنسفُ تلك الصورة المُشرقة والرّمزية التي يحتفظ بها. لعل إقحام الجيش في السياسة من أهم تلك الأسباب. دخول الجيش في السياسة يجعله في خط التماس مع الشعب مُباشرةً، أضف إلى ذلك دخوله في حلقة ولاءات ضيّقة لشخوص وأحزاب على السواء.

هناك أكثر من عشرين دولة بلا جيش ومع ذلك فهي آمنة تتمتع كذلك باستقلالية تامة. بعض هذه الدول لا تملك جيوشاً، بينما بعضها يملك كتائب أمنية بسيطة، لكن الجميع يعتمدون على جيوش دول أخرى في حماية بلدانهم خارجياً. لا توجد مشكلة نهائيا هنا، حيث تأخذ السياسة مجراها، وتنفذ الديمقراطية بحذافيرها وبالتالي لا وجود لمراكز قوى تسلطيّة من شأنها تعكير الأجواء السياسية.

الأنظمة الدكتاتورية تبني الجيوش وتربيها على الولاء المطلق، ليس للوطن بالطبع، بل للشخوص. لطالما تغنّى الزعماء العرب بجيوشهم الوطنية، غير أن طفرة الربيع العربي عرّت تلك الادعاءات وأثبتت زيفها. تصدّعت تلك الجيوش بين الولاء للحاكم والقوى العسكرية والقبلية وباتت تلك البلدان تقريباً بلا جيوش.

في اليمن مثلاً، حدث انشقاق كبير في الجيش إبان ثورة 2011 لصالح الثوار. بعد التسوية السياسية التي نصّت في إحدى بنودها على هيكلة الجيش، لم يتم هيكلته بقدر ما غُيرت ولاءاته لصالح فئة معينة.

هيكلة الجيش تعني بالضرورة إضعاف مراكز القوى المُهيمنة عليه، وليس تحويل تلك الهيمكنة لفصيل آخر. كان من المفترض أن يتم دمج الألوية الموالية لمراكز القوى وإذابتها في بوتقة مناطق الجيش. أضف إلى ذلك تفعيل التدوير الوظيفي خصوصاً للقيادات الكبيرة والضبّاط.

في غمضة عين، وبعد كلّ ذلك الهُراء برعايةٍ إقليميةٍ وأممية، اكتشف اليمنيون أنهم بلا جيش. أعني جيش وطني لا يدين إلا للوطن والمواطن. لم تكن تدخّلات الإقليم والمجتمع الدولي نقيّة، بل كان كلاً منهم يبحث عن موطئ قدم ومركز نفوذ مُوالي. التدخّل الخارجي كارثي ومُدمّر على خلاف ما تفائلنا به. هذه الدول تؤدي جيداً في مجتمعاتها، لكنّها تُمارس التمزيق والقُبح -وإن كان بصبغة دولية- في حق الدول المتخلفة.

على حين غفلةٍ من التاريخ، سُلمت العاصمة والمدن الأخرى للمليشيات المسلحة تحت مرأى ومسمع العالم وبتواطؤ بل وتسهيل ممن يُفترض أن نسميه جيش الوطن. خيبات الأمل والصّفعات تتوالى على هذا الشعب المكلوم، حتى الجيش الذي ظنناه آخر المُكتسبات الوطنية تساقط كحبّات العقد. بيعَ جيشُنا في سوق النخاسة، بيع للمليشيات وأُهينت بززهم العسكرية ذات الرمزية التاريخية. قصقصة ريشات قوى سابقة كانت مهيمنة على الجيش جاءت لتقوي مراكز نفوذ أخرى تدين للفوضى وتقويض الدولة أو بقايا منها.

تساقطت الألوية العسكرية خلال ساعات دونما مواجهات وسُلمت الأسلحة للمليشيا. فبدلاً من تنفيذ الاستحقاقات السياسية لمؤتمر الحوار الذي استمر قرابة العام ونزع أسلحة المليشيات، تم نزع سلاح الدولة لصالح المليشيات وبتنا بلا جيش.

دمر الرئيس هادي ووزير دفاعه جيشنا الوطني وأهانوه أيّما إهانة. دمّروا ولائهم الوطني وجعلوهم كقطعان يأتمرون لمراكز القوى الطائفية.

همسة: يبيع الجُندي شرفهُ العسكري عندما يتخلّى عن واجبه الوطني في حماية الوطن والشعب؛ بينما يبيع المواطن شرفهُ المدني عندما يحمل السلاح ويسمح لنفسه بالتحوّل إلى مليشيا.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *