طفرة الوطنية

في خضم اللامُبالاة والانتكاسات التي مُني بها الوطن بسبب الأداء الهزيل للنُّخب السياسية وقادة الرأي من جهة، وقيادة الوطن ورموز الجيش من جهة أخرى، في كومة البؤس هذه بحث اليمنيون عن قشةٍ تُخرجهم إلى برّ الوطنية. في علم النفس، يلجأ الشّخص إلى التعويض عما يفتقد إليه فعلا. ما نفتقدُه نحن هو جُرعات من الوطنية؛ وقد وجدناها.

وجدَ المواطن اليمني ضالّته في مُنتخبه الوطني الهزيل هو الآخر بسبب الإهمال والجوع أحياناً. في بطولة الخليج بنسختها الثانية والعشرين المنعقدة في الرياض مؤخراً، وجدت الجالية اليمنية العريقة في الرياض نفسها تملأ المُدرجات بالصراخ والأعلام الوطنية حتى أطلق عليهم الخليجيون “ملح البطولة”.

الجمهور-اليمني موقع كورة

*الصورة من موقع كورة الرياضي

لم يقتصر الأمر على يمنيو الخارج، في الداخل كان الحماس أكبر واتخذت المؤازرة عن بُعد أشكالاً عدة. الافتقاد للانتصارات والأخبار الطيبة دفع بالجماهير لمنح بطائق الحب والوطنية لمُنتخب كرة القدم. حتى التجار في الداخل والخارج تسابقوا إلى منح الهدايا والمبال للاعبين والطاقم.

في الداخل، اكتفى المشجعون بارتداء بزات المنتخب تضامناً معه. تآزرٌ شعبيٌ جميل وطفرة وطنية راقية لو لم يُفسدها بعض السّاسة الذين ظهروا في مواقع التواصل الاجتماعي لابسن زي المنتخب. أما جماهيرُنا في الرياض؛ فمنهم من جهّز الآلاف من الأعلام الوطنية على حسابه الخاص. البعض الآخر تجشّم عناء السفر من مُدن بعيدة لحضور المباريات وإظهار اليمن بتلك الصورة المُشرقة، ودحض الصورة المُشوّها التي يُروجها لها تُجار الحروب والإرهاب.

ليس المُنتخب هو الوحيد الذي حرّك ذلك الكم من المشاعر والعواطف الوطنية. مؤخراً ظهر أحد المتسابقين اليمنيين على شاشة البرنامج الأشهر “عرب أيدول”. يعتمدُ البرنامج في مؤازرة المتسابقين نظام التصويت عبر رسائل “إس إم إس” لجني أرباح طائلة مُستغلين حماسة الجماهير وانتمائاتهم الوطنية.

المُتسابق اليمني “وليد الجيلاني” أثار حفيظة المشاعر لدى الكثيرين؛ الأمر الذي دفع بالمواطنين -المُعسرين حتى- بالتصويت بكميات مهولة. شركات الاتصالات فعلت ذات الشيء وفتحت التصويت المجاني للمتسابق. في الحقيقة، ليس افتقاد المواطن اليمني للشعور بالوطنية وحدها من دفعت به لكل هذا؛ بل الشعور بالخيبات والهزائم المُتلاحقة في بلدهم. شعبٌ يعاني من إسهال عاطفي حاد سهل الإثارة.

حشد نت

*الصورة من موقع حشد نت

للأسف الشديد تستغلّ هذه الطفرة الوطنية القنواة الربحية. ثمة إحصائيات تقولُ إن أكثر من 40 مليون رسالة تصويت حصدتها قناة (mbc) من برنامج عرب أيدول. رُبع دولار هو قيمة الرسالة الواحدة. أي أن قيمة هذه الرسائل تصل إلى 10 مليون دولار. يبدو أن المتسابق اليمني قد حظيَ بنصف التصويت على أقل تقدير أسوةً بالمتسابقين اليمنيين الذين تعدّوا حاجز الـ50% في برامج مُشابهة. بمعنى آخر: صوّت يمنيو الداخل والخارج للمُتسابق وليد الجيلاني بما يُقارب 5 مليون دولار.. أفقر شعب تجرُفهُ الوطنية إلى هذا المآل؛ فيما تقول مصادر حكومية إن رواتب الموظفين الحكوميين للشهرين القادمين غير متوفرة..معقولة؟؟

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *