الفرانكفونيون مجددا..!

دائما يسعى العرب للإقصاء الذاتي, عن مجريات الساحة المحلية والدولية، والإبقاء على النظرة النمطية السائدة تجاههم. الأمر الذي يجعلها عرضة للتدخل الأجنبي في شئونها أو شئون جاراتها، التي تعتبر الحدائق الخلفية لبلدانهم، وبالتالي المساس باستقرارها بشكل مباشر أو مبطن.
على سبيل المثال وليس الحصر، الحملة الفرانكفونية بقيادة فرنسا على مالي. كان بإمكان الجزائر بحكم الجوار والقرب الجغرافي، كونها المتضرر الأول من تلك الجماعات المتشددة تشكل مسوغات تحت يافطة الدين، للتدخل الأجنبي في بلداننا. فقد عانت الجزائر من هذه الجماعات المسلحة عبر اختطاف دبلوماسييها والتحفظ عليهم. صحيح أن هكذا حملة منهكة للاقتصاد الجزائري، الثاني أفريقيا، ولن يجلب هذا التدخل ذلك الزخم الدولي وقرارات مجلس الأمن، كما فعلوا مع التدخل الفرنسي، لكن هذا التدخل الفرنسي في مالي فتح الأجواء الجزائرية للمقاتلات الفرنسية كبوابة للعبور إلى شمال مالي، الأمر الذي أثار سخطا وأمواج من الغضب في الشارع الجزائري.
تأتي هذه الحملة الفرنسية لتطهير الجزء الشمالي من مالي، المستعمرة السابقة لدى فرنسا، من الجماعات المتشددة التي استولت على أجزاء كبيرة من المدينة التاريخية “تومبوكتو”، ومدن أخرى، يأتي هذا التدخل في مالي بعيد الزيارة الأخيرة التي أجراها الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، للجزائر، مستعمرة سابقة لدى فرنسا، رفض فيها الرئيس الفرنسي الاعتذار للشعب الجزائري بشأن الجرائم التي ارتكبها الجيش الفرنسي في الجزائر إبان حقبة الاستعمار، الأمر الذي عرض الرئيس الجزائري لحملة إعلامية شرسة من قبل الجماهير الجزائرية الغاضبة.
تسعى فرنسا، عبر هذه الحملة العسكرية، إلى تنشيط دورها في المنطقة, التي ظلت حقبة من الزمن كمستعمرات فرنسية وما تزال! ، رغم الاستقلال الذي يبدو صورياً، إلا أن فرنسا حافظت على علاقتها مع هذه الدول عبر الوصاية، والدعم المالي الصحي والتعليمي، يأكلون خيرات بلادهم, ويدعمون لقمة العيش تحت لافتات المنظمات الدولية التي غالباً تتخذ من باريس مقراتٍ لها. حضور عسكري فرنسي مهول، وآخر إفريقي باهت من قبل الاتحاد الإفريقي، باستثناء الجيش التشادي، الحليف الأفريقي الأكبر لباريس.
تقف القوات الأفريقية على مشارف الشمال المالي، بينما تعمقت القوات الفرنسية بمعية الجيش التشادي الذي دفع بأكثر من 2000 مقاتل، الأمر الذي يمهد لحضور عسكري، قصير المدى، في مالي ولا يستبعد إطالة أمد هذا الحضور كقوات حفظ سلام دائمة. لا يوجد في مالي ما يغري للتواجد الأجنبي، ربما الحكاية ذات بعد استراتيجي بحت.
ماذا لو حاول قادة الجزائر، بل والجامعة العربية باحتواء هذه الأزمة، ولو بدعم أممي، وإعفاء المنطقة من حضور عسكري غربي يثير الريبة؟! أم أن الحضور السلبي المعتاد مازال في صدارة المشهد العربي! أليست الجماعات التشددة من تحضر التدخل الأجنبي لبلداننا متذرعة بتطبيق دين الله؟! تبدو فرنسا عازمةً على إعادة فرض السيطرة على مستعمراتها السابقة, ما يحدث من تدخل سافر في شئون تونس الداخلية ليس محض صدفة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *