التنبؤ في شعر البردّوني!

Abdullah-Bardouni

خمسةَ عشَر عاماً مُذ توقّف قلبُ البردّوني عن الخفقان؛ لكنّ التاريخ دوّنه بأحرفَ من نور على أنصع صفحاتِه. فقَد البَضر في الخامسة من عُمره بسبَب مرض الجُدري, فأبدَلهُ اله بصيرةً وشاعريّة فذّة جعلَت منه واحداً من أروع الشعراء العرَب.

جُمهوريٌ حُر, سياسيٌ مُحنّك وشاعرٌ رومانسيٌ حداثي يميلُ للسخرية. تنبأ الشاعر اليمني بأحداث عدّة في أشعاره, والتي تعكس مدى استقراءه رؤيته الواضحة للمستقبل البعيد؛ توفي رحمَه الله سنة 1999م, أي قبل 15 عام.

إليكم بعضَ تنبؤاته:
– تنبأ بحال العرب مُستقبلاً وقال في قصيدة “أبو تمام وعروبة اليوم”

201012big51892

ما أصدق السيف إن لم ينضه الكذب
وأكذب السيف إن لم يصدق الغضب
بيض الصفائح أهدى حين تحملها
أيد إذا غلبت يعلو بها الغلب
وأقبح النصر.. نصر الأقوياء بلا
فهم.. سوى فهم كم باعوا.. وكم كسبوا
أدهى من الجهل علم يطمئن إلى
أنصاف ناسٍ طغوا بالعلم واغتصبوا
قالوا: هم البشرُ الأرقى وما أكلوا
شيئاً.. كما أكلوا الإنسان أو شربوا
< < <
ماذا جرى.. يا أبا تمام تسألني؟
عفواً سأروي.. ولا تسأل.. وما السّببُ
يدمي السؤال حياءً حين نسأله
كيف احتفت بالعدا (حيفا) أو (النقبُ)
من ذا يلبي؟ أما إصرار معتصم
كلا وأخزى من (الأفشين) ما صلبوا
اليوم عادت علوج (الروم) فاتحة
وموطن العرب المسلوب والسلبُ
ماذا فعلنا؟ غضبنا كالرجال ولم
نصدق.. وقد صدق التنجيم والكتب
فأطفأت شهب (الميراج) أنجمنا
وشمسنا، وتحدت نارها الخطب
وقاتلت دوننا الأبواق صامدة
أما الرجال فماتوا.. ثم أو هربوا
حكامنا إن تصدوا للحمى اقتحموا
وإن تصدى له المستعمر انسحبوا
هم يفرشون لجيش الغزو أعينهم
ويدعون وثوباً قبل أن يثبوا
الحاكمون و«واشنطن» حكومتهم
واللامعون.. وما شعوا ولا غربوا
القاتلون نبوغ الشعب ترضية
للمعتدين وما أجدتهم القربُ
لهم شموخ (المثنى) ظاهراً ولهم
هوىً إلى «بابك الخرمي ينتسب
< < <
إذا ترى يا (أبا تمام) هل كذبت
أحسابنا؟ أو تناسى عرقه الذهب؟
عروبة اليوم أخرى لا ينم على
وجودها إسم ولا لون.. ولا لقب
تسعون ألفاً (لعمورية) اتقدوا
وللمنجم قالوا: إننا الشهب
قيل: انتظار قطاف الكرم ما انتظروا
نضج العناقيد.. لكن قبلها التهبوا
واليوم تسعون مليوناً وما بلغوا
نضجاً.. وقد عصر الزيتون والعنب
تنسى الرؤوس العوالي نار نخوتها
ذا امتطاها إلى أسياده الذنب
(حبيب) وافيت من صنعاء يحملني
نسر وخلف ضلوعي يلهث العرب

– البردوني تنبأ بحلول الربيع العربي:

ربيع

أفقنا على فجر يوم صبي
فيآ ضحوات المنى اطربي

أتدرين يا شمس ماذا جرى؟
سلبنا الدجى فجرنا المُختبي!

وكان النعاس على مقلتيك
يوشوش كالطائر الأزغب

أتدرين أنّا سبقنا الربيع
نبشر بالموسم الطيب؟

وماذا؟ سؤال على حاجبيك
تزنبق في همسك المذهب؟

وسرنا حشوداً تطير الدروب
بأفواج ميلادنا الأنجب

وشعباً يدوي: هي المعجزات
مهودي وسيف (المثنى) أبي

غربت زماناً غروب النهار
وعدت يقود الضحى موكبي

أضانا المدى قبل أن تستشف
رؤى الفجر أخليه الكوكب

فولى زمان كعرض البغي
وأشرق عهد كقلب النبي

طلعنا ندلي الضحى ذات يوم
ونهتف: يا شمس لا تغربي!

-البردوني يتنبأ بضياع صنعاء:

صنعاء القديمة

صنعاء يا أخت القبور
ثوري فإنكِ لم تثوري
صنعاء من أين الطريق
إلى الرجوع أو العبور
ما زال يخذلكِ الزمان
فتبزغين لكي تغوري
يا شمس صنعاء الكسول
أما بدا لكِ أن تدوري
وأنا في دمي أسير،
وفي أرضي شريد مقيّد الأفكار
وجريح الإباء قتيل الأماني
وغريب في أمّتي ودياري
كلّ شيء حولي عليّ غضوب
ناقم من دمي على غير ثار
أتدرين يا صنعاء ماذا الذي يجري
تموتين في شعب يموت ولا يدري..
تموتين.. لكن كلّ يوم وبعدما
تموتين تستحين من موتكِ المُزري
ويمتصّكِ الطاعون لا تسألينه
إلى كم؟ فيستحلي المقام ويستشري
تموتين… لكن في ترقب مولد
فتنسين أو ينساكِ ميعادُهُ المُغري

–  تنبأ بإحراق ساحة الحرية في “ربيعية الشتاء”:

m

قصيدة ربيعية الشتاء
————————————-
هذا الذي سمَّيتُه منزلي كان انتظاراً قبل أن تدخلي
كان سؤالَ القلب عن قلبه يشتاق عن قلبيْه أن تسألي
أن ترجعي مثل الربيع الذي يغيب في الأعواد كي ينجلي
أن تصبحي مثل نثيث الندى مثل نجوم الصيف أن تُلْيلي
أن تومئي واعدةً ليلةً وليلةً تنسين كي تبتلي
كيما تنادي الأرض: أجنيتِ يا حدائقي أينعت ياسُنْبلي
***
أَقَبْلَ سُكْرِ الوعد، قالوا صحت؟ أيُّ هوىً أرغى بها: عجِّلي؟
هذا زمانٌ مذهلٌ ذاهلٌ عنه فمن حاولتِ أن تُذهلي؟
ذاجمر صنعا خُفْتُ إذ أحرقوا فيه (بخور الشيخ) أن تسعلي
أن تصرخي: هل رامني موئلاً مَنْ غاب عن حسبانه موئلي
أظنُّ ماأسرعتِ كي تُدهِشي هل قال داعي القلب أن تُقْبلي؟
أقول ماذا؟ صاح من لا أرى : عليك من نصفيْكِ أن ترحلي
من مكتب التأجيل قالوا: ثبِي أنهي كتابَ الأمس؟ لا، أجِّلي
لاتحملي أيُّ كتاب ولا دواةِ (جيفارا) ولا (الزِّركلي)
رحلتُ منْ ساقي، إلى سُرَّتي منْ أعْرَضي أعدو إلى أطوَلي
مفاصلي كانت طريقي وما درتْ حصاةٌ أنها مِفْصلي
***
أَقرأتُ كفِّي البرقَ حنّى فمي قرأتُ كفَّ المشمش الحوملي
هل مرَّ يا ابْني مَنْ هنا أو هنا أيُّ جوادٍ جَدُّه (مَوْكَلي) ؟
هل خلتَ موّالاً كسرب القطا يزقو ويدعو: ياربى موِّلي
***
أسمعتُه (الجرّاش) و(القَعْطَبي) بكى على (بستان) و(الموصلي)
ومدَّ نحوي سلّةً لم يقل صِلي بها مهواك أوْ وصِّلي
***
ناديتُ: ياذا الورد ضمِّخْ يدي فقال: أهلي قطَّعوا أكْحلي
وقال (قاعُ الوطْية) استخبري (عيشانَ) عن قمحي وعن خردلي
***
ماذا ألاقي يا(بن علوان) قلْ يا(عيدروسُ) احْمِلْ معي مُثْقِلي
أيٌي، أنا، بيني وبيني، على أيِّ الشطايا وجهيَ الجرْولي
***
سألتُ ذاتَ الودْعِ ماطالعي؟ أفضتْ بردَّيْنِ: عليَّ ولي
لأيِّ أزواجي جنى عِشرتي خذي سواهم قبل أن تحملي
جمالُ هذي الحقْبة استْنوقَتْ والآن ياإنسانة استرجلي
وغيِّري (يحيى بيفنى) وكي تُبدِّلي عن جوفكِ استبدلي
***
واحتثَّني مُسْتقبلي قبل أن أعدَّ رمّاني ولا حنظلي
قولي: أيبدو منزلي غير ما عَهِدْتهِ مَنْ قبل أن تنزلي
تنحنحتْ مثل الخطيب الذي أنساه شيءٌ، صوتَه المحفلي
***
كان كوجْر الضبِّ ذا البيت لو أتيتِ قبلاً خفتُ أن تجفلي
والآن مَنْ بعد التصابي صَبا وقام بعد العري كي يحتلي
أحضانه امتدت وجدرانهُ سكرى على قاماتها تعتلي؟
لكل قنديل وكأسٍ صِباً ولليالي فرحٌ مشتلي
وذكرياتٌ ضاحكات كما حكى (الخُفَنْجي) عن (علي عَيْطَلي)(6)
قال (الشبيبي): نجمكِ الثور يا (قرنا) وأبدى شكَّه (العَنْدَلي)
قال اجتلى هاءً ودالاً بلا حاء وواوٍ، فاقطعي، أو صِلي
***
يُقال أخبرت الشذى أنني رسولةٌ لم أنتخب مُرْسَلي
فقال: باسمي ضلَّلوني وبي حيناً، وقالوا: باسمهم ضللي
***
يبدو لسمعي (هَبَليّاً) فهلْ تحسُّني ألحاظُهُ (المَقْبَلي)
بُولي على جبهته، فادّنى وقال: شدِّي لحيتي واتفلي
أراكِ غيري آخر المنتهى بدءاً، ونادى مَنْ هنا بسملي
قل: أصبح الشطران بي شطرةً لابأس في جرحيك أن تَرْفُلي
***
هل تسمعين الزفَّةَ الآن؟ لا أصمَّني يا (دامُ يابَلْبلي)
تسعون طبّالاً وطبّالةً شهراً وقالوا: مثلُهم طبِّلي
***
هناك من يأبى: أقيلَ انظمي للكل داراً، أم بها كبِّلي؟
أأنت من غنيتُ: جودي لنا بالوصل، هل أبكي لكي تبخلي؟
ومَنْ ينادي كالشعاع اهبطي ومن يفادي عن هنا حوّلي؟
ومن يرى فرديّة الجمع في كفيك عهداً نصف مُتوكِّلي؟
وقائلٍ كم قيل ما دّللوا عنها، ولاقالوا لها دلِّلي
عشرين عاماً: سوف تأتي غداً ما اسم الذي كان بها مُختلي؟
وسائلٍ: ماذا سيجري؟ لمن جاءت، أيا خضراء لا تأْمُلي
فما أفادت علم شيءٍ سوى ما ينبغي يا أُمُّ – أن تجهلي
صوغي على كفيك أخرى تريْ صباك في مجلى صباها الجلي
هل ذاك – ياأولى – الذي يحتفي إذ جئتِ يخشى الآن أن تأفُلي؟
***
هناك مَنْ يسلوك من يجتوي هنا الذي يدعوك يا معقلي
ويفرش الخدّين كي تخطري ويملأ الكأسين كي تثملي
كلي تحلمي حلم النواسي، صحا من سكرة (الكرخي) بقُطرُبُّلي
وواقف يفديك فهّامةٌ ترقين مثل الشمس كي تعدلي
يجلو بعينيك الرؤى تالياً نصف كتابٍ كلُّهُ ما تُلي
مُعوّذاً كفيك أن تأخدي وُرَيْقَةً من قبل أن تبذلي
***
وقالت الربْوات: أعطي فمي ثدييك أربو قبل أن توغلي
وقالت الأرهار: لاتعبري فوقي فيلهو الشوك في مقتلي
***
وللمقاهي عنك صوتٌ لهُ أيدٍ، وصوتٌ فاقع بُلبُلي
وصائح يدعوك أن تقفزي وهامس يوصيك أن تكسلي
محاذراً أن تأكل الجمر عن أنياب مقتاديك أو تؤُكلي
تدرين؟ كم قالوا ولم يفعلوا قولي: تنحّوا جانباً iiوافعلي
***
يرتاب هاذ الحيُّ أن تنجزي يودُّ ذاك الربع أن تمطلي
ذا يرتئي: تلك التي أهجعت قلاقلي ما أقلقت عُدّلي
أشمها مائدتي سائلاً: متى انتهى من طبخها مرجلي؟
***
وقال شادٍ: ماشدت مثلها أسمار أعراسي ولا مَقيلي
أنسى الدجى والصبحَ وقتيهُما صوتان: عَوديٌ يلي كُعدُلي
كيف التقى نصفي بنصفي ضحىً في نضج مكرِ العصرِ يامأملي
***
وقال مضنٍ يالعقيم التي شاءت مواني (هنتُ) أن تحبلي
يابنتَ أُمَّ (الضهضمدِ) قولي لنا : أيٌّ عليٍّ سوف يخصي علي
قولي لماذا كنت أمثولةً سحريةً من قبل أن تَمثُلي
***
فقال هَجسُ الأرض: مني رقت تعيد تشكيلي، ألا شكِّلي
منْ بعضها انصبهضتْ إلى كلِّها أكلُّ وادٍ قال ذي منهلي
شغلت أعراق الثواني فهلْ يرضي سُهيلاً عنه أن تشغلي؟
في طعم ريق القات تَحمينَ عن ما قال تُفشين الصّدى المخملي
تسرين في الكاذي فتدنين من عينيه وجه البارق الأحول
تَنديْنَ في (ياظبي صنعاء) هوى تَشجينَ في أنفاس (ياصيدلي)
في الحبر تحمرّين أنشودةً في الكأس تبيضِّين كي تُشعلي
في الجمع تذكين الجدال الذي يميز الأبقى من المرحلي
هل أنت من تُحيينَ كي تعظُمي أو أنت من تُحيينَ كي تَقتُلي؟
هل خاتمي قانٍ؟ ألي خاتمٌ يكفي يدي أن سَلمتْ أنملي؟
يا صاحب الصاروخ قلبي على كفِّي كتابٌ خلفهُ منجلي
***
لابدَّ من أن تُنْبهي خاملاً وكي يُرى لابدَّ أن تخملي
لابدَّ من أن تحتفي بالتي وبالذي لابد أن تحفلي
مَنْ ذا سيعطيك لتعطي ومَنْ قال خذي، قال الحسي مَغْسَلي
مادَام ذاتُ الأمر مأمورةً به، دعيه قبل أن تُعزلي
– مني ابتدا نهجي، ألا فليكنْ صعباً ولايخشاكِ أن تَسُهلي
***
ياطلعةً ماأذبلت مطلعاً تقدَّمي هيهات أن تذبلي
ويا ربيعاً شق عمر الشَّتا تهدّلي للصيف واخضوضلي
إن زيّن الإكليلُ مَنّ قبلهُ فكلِّلي مَنْ بعده كلِّلي
***
مذ جئت جاء البدءُ مَنْ بدئِه وعاد من آخره أوّلي
واجتاز ومضاً كان مُستدفئاً به إلى الوهج الذي يصطلي
فأنكر التأريخ تأريخهُ لمّا استبان الأمسُ مستقبلي
: لا رأسمالياً أرى ذا الفتى ولا اشتراكياً ولا هيجلي
لا في (بني عبد المدان) اسمه لا من (بني باذان) لا (عَبْهلي)
وعنده زائرة مثلهُ.. تزف (عنِّيناً) إلى (المُشكِل)
ردّي على التأريخ يابنتَهُ لا تخجلي يؤذيه أن تخجلي
قالوا: إلى نصف الطريق التقوْا سجِّل بلا حيفٍ وقلْ: حلِّلي
زادوا على رأسي رؤوساً iiفهلْ تزيدني رِجلاً إلى أرجلي
ضع نصفيَ الأعلى على الركن أو حوِّل أعالي قامتي أسفلي
مااقتاد تغييرٌ خطاي التي صيَّرن مالا ينطلي ينطلي
***
وأنت ياهذا؟ يقال الذي سوف يلي يومي أبى أن يلي
لا هذه (سَيّان) لا غيرها لا (العبدلي) ثانٍ ولا العبدلي
مَنْ غيّر التشكيلَ عن شكله؟ قوّى على (الصِّلْوي) يَدَ (المقْولي)
***
فاستضحكت قائلةً: أيُّنا أراد هذا، قلتُ لا رأي لي
أمّا أنا ما جئت كهفي أنا وأنتِ كهفٌ بالمنى تغتلي
تهوى سعاداً، ليدياً، غادةً وأختَ (هنري) وابنة العوذلي
كان ابن جدي زوجَ عشر إلى أن طلّقتهُ (هَيْدبُ الحوْقلي)
***
نبغي وتخشى نصف ما تبتغي فتنثني مثل الشَّجيِّ الخلي
ترجو ولياً نائياً خيرةً فاختار لقيانا مزارُ الولي
***
تمثال هذا هيكلي، أنتَ بي كصورة فيما اسمه هيكلي
أعطاكِ طنبوراً، أنا مصحفاً فاعزفْ، ويا أميّتي رتّلي
***
عزفتُ غازلت التي والتي حتى أتتْ مَنْ كسّرت مغزلي
فالتمّ بحر القلب في كفّها كوباً بنهديْ كرمةٍ يمتلي
***
إلى رضاعي جئتِ مني ومنْ تخرُّجي فيكِ ابتدأ مدخلي
كي يرتدي عينيك معنى الضحى كي تبتدي الأنهار من جدولي
***
أما تساقينا البروقَ المِدى وآنَ أنْ أغلي وأنْ تهطلي
أن ينشر (المهديُّ) منك اللوا أو يركض (الدجّال) من منزلي

 

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *