مؤشرات عودة القطبية!

12710_687339504652105_1669075280_n

منذُ انتهاء الحرب العالمية الثانية منتصف القرن الماضي وبِدء ما سمّي بالحرب الباردة، ضلّ العالم خاضعاً للهيمنة الأمريكية والروسية(السوفيتية سابقا). أخذت الحرب الباردة بُعداً جديداً يعتمد على الاستخبارات وشراء الولاءات. وبعد تفكك منظومة الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينيات، زال ما كان يسمى بالقطبية الحاكمة, واقتصرت على الهيمنة الأمريكية الأحادية. سيطر الأمريكان طوال السنوات الماضية على مجريات الأحداث الدائرة في العالم منفردةً، نظراً للتمزّق الروسي والظروف الاقتصادية المُزرية. سعت الولايات المتحدة لحصد الولاءات في منطقة الشرق الأوسط على حساب الروس. لم تكتفي بذلك التقارب، بل ذهبت بعيداً لخلق تغيير جذري في علاقاتها الخارجية خصوصاً في هذه المنطقة وما جاورها، بحيث تصير علاقات الشّراكة إلى هيمنة مُطلقة في الشأن الداخلي. استطاعت بالفعل صنع واقع جديد تحت يافطة “مكافحة الإرهاب”. فالحوادث المشبوهة والتي بدت استخباراتية بامتياز، ساعدت كثيراً في تدشين حِقبة جديدة للتسلّط الأمريكي في المنطقة, بأسلوب جديد وبالتالي تضييق الخناق على ما تبقى من موالين للروس في المنطقة.
فحوادث من قبيل تفجير المدمرة الأمريكية (كول) والفرنسية (لامبرج) قبالة السواحل اليمنية والتي اختُتمت بأحداث الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة، كل تلك الحوادث كانت كفيلة بإحداث تلك النقلة النوعية في التعامل الخارجي الأمريكي. لكن قبل ذلك كله، كان على أمريكا صناعة شماعة لإلصاق تلك الأعمال الإرهابية بها، ومن هنا كانت قد بدأت بتدريب متشددين بمساعدة إقليمية وإرسالهم لقتال العدو الروسي في أفغانستان ونصرة إخوانهم. استطاعت تلك الجماعات إنهاك القوات الروسية عن طريق حرب الشوارع. ونظراً للحالة الاقتصادية المترنحة، انسحب الروس من أفغانستان لتحل محلّهم الجماعات المسلحة التي بدت أرضية خصبة لمآرب الأمريكان.
في الحقيقة، شكلت تلك الأحداث بمعية أحداث الحادي عشر من أيلول منطلقاً لإخراج الجيش الأمريكي من ثكناته صوب المشرق، والبداية كانت بالتأكيد من أفغانستان. تواصلت تلك العمليات لتشمل العراق ومن ثم اليمن ومورس الابتزاز لبقية دول المنطقة. في تلك الغضون، كان الدب الروسي يغط في سبات مؤقت، يعيدُ ترتيب أوراقه المبعثرة بما في ذلك الاقتصاد المتهالك. للإنصاف, يُحسب للرئيس (فلادمير بوتن) إنعاش الاقتصاد والعودة إلى المشهد الدولي، وإن كان بشكل طفيف. بالتدقيق جيداً في الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة، وبعد الهيمنة الأحادية على مجريات الوضع الدولي من قبل الأمريكان، ثمةَ مؤشراتٍ قوية لعودة الدب الروسي إلى واجهة الأحداث. إذا أخذنا أحداث ما سمي بالربيع العربي، كان حضورهم جداً مُلفت ومؤثر. في الحالة السورية، على سبيل المثال، لعبوا دوراً مفصليا في إحداث توازن دولي في الضغط لإيجاد حلول متزنة، رغم انحنائها أحياناً للقرارات الأمريكية, فيما يتعلق بالسلاح الكيماوي تحديداً. ها هو مؤتمر جنيف2 يبدأ أعماله في ظل تصلب في الآراء من قبل السلطة والمعارضة، ورسم أطراف دولية لخطط تحفظ مصالحها على حساب الشعب الضحية.
هذه القطبية في القرار المُكرّسة لخدمة مصالح الكبار هي التي أطالت عُمر الصراع، ودمّرت سوريا بشكل كلي، ومزقت المدن كما مزقت النسيج الاجتماعي. فهؤلاء لا يكترثون لمن ستئول السلطة، ولا لذلك العدد المهول من القتلى والمشردين، بقدر استئثارهم بهوس مجنون في بسط السيطرة وتحقيق النفوذ.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *