كل مقالات mutwalimahmud

mutwalimahmud

حول mutwalimahmud

متولي محمود من اليمن-مدينة تعز تحديداً. من مواليد 1985 درَستُ بكلاريوس لغة إنجليزيّة. أعملُ في شركة مُقاولات في مجال السكرتارية والترجمة, لكنّي لم أتخلَ عن شغفي الإعلامي المُتّقد, وتطلّعي إلى العالميّة. لم أتمكّن من دراسة الإعلام, لكنّني أسابقُ الزمَن لأواكبَ الصحافة وألبّي طموحاتي. أعشقُ الكتابة والعمل الصحفي. أدوّن مقالات سياسية تحليليّة, تقارير اجتماعية وإنسانية, ترجمات من الإنجليزيّة إلى العربيّة والعكس.. وكلّ جميل إن شالله عشقتُ الربيع حدّ الشّغف, أحلُم بوطنٍ جميل يسودُه التعايُش والسلام؛ وحدةٍ عربيّة وإنسانيّة تضمّدُ جراحات الإنسانيّة. آملُ أن تنالَ مُدوّنتي إعجابكم, شكراً لكلّ من يمُرّ من هُنا!

الحوثيون: رحلة التيه بين العزلة والتمدد

 *ميساء شجاع الدين20154791528389734_19
ملخص
أدى صعود الحوثيين المفاجئ بعد اجتياحهم صنعاء وإسقاطهم لمؤسسات الدولة يوم 21 سبتمبر/أيلول 2014 إلى المبالغة في تصوير القوة الذاتية للجماعة، رغم أن صعودها مرتبط بعوامل غير ذاتية، مثل إعتمادها على الدعم الإيراني الخارجي، أو ضعف خصومها بالداخل.يرجع مأزق الحوثي في أحد أوجهه إلى انفصاله عن واقع الزمن المعاصر والتغييرات التي طالت المجتمع اليمني، ولا يدركها قائد الجماعة المعزول في جبال مران بمحافظة صعدة، وكأية جماعة أصولية متشددة قد تنجح لفترة من الزمن في الحكم من خلال عزل مجتمعها وتشديد قبضتها الأمنية، لكنها تفقد توازنها إذا اضطرت إلى الانفتاح أو انزلقت في مواجهة مع قوى إقليمية، كما يجري حاليا في “عاصفة الحزم”، تنتزع منها أفضليتها في موازين القوى العسكرية.

مقدمة

أدى صعود الحوثيين المفاجئ بعد اجتياحهم صنعاء وإسقاطهم لمؤسسات الدولة يوم 21 سبتمبر/أيلول 2014 إلى المبالغة في تصوير القوة الذاتية للجماعة، رغم أن صعودها مرتبط بعوامل غير ذاتية، مثل إعتمادها على الدعم الإيراني الخارجي، أو ضعف خصومها بالداخل.

كما أثير الكثير من التساؤلات حول ماهية الجماعة التي سعى البعض للمبالغة في طبيعة التأثير الإيراني الفكري عليها، بينما اتجه البعض الآخر إلى المبالغة في وصفهم كجماعة إحيائية زيديَّة تخالف الطبيعة المعتدلة للزيدية. هذا الالتباس في توصيف الجماعة يعود إلى طبيعة نشأتها كجماعة مسلَّحة في الأساس، مبتعدة تدريجيًّا عن المحاولات الإحيائية الأولى للمذهب الزيدي.

ينشأ ارتباك جماعة الحوثي من تأرجحها بين موقف دفاعي عن هوية خاصة وإقليم في أعالي الشمال استوطنه مؤسسوها إلى التبشير بإيديولجيتها في باقي المناطق اليمنية والسعي للسيطرة على كامل البلد حين واتتهم الفرصة. هذه الحيرة وضعتهم أمام معضلات، أدخلتهم في ستة حروب مع نظام الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وفي حرب جارية حاليا في مواجهة “عاصفة الحزم” التي يشنها تحالف دولي تقوده السعودية.

ما هي التحولات التاريخية التي شكَّلت مواقع وأدوار الحوثيين؟ وما هي الآفاق المحتملة لهم؟

صعدة: جبال التمرد والإمامة

مدينة صعدة الجبلية والمحاذية للحدود السعودية كانت خارج سيطرة الدولة اليمنية تقريبًا حتى عام 1980 التي شهدت تعيين أول محافظ للمدينة(1)، كمرحلة ثانية أتت بعد أحد عشر عامًا من وقوعها تحت سلطة النظام الجمهوري بعد حرب أهلية طاحنة بين المعسكرين الإماميِّ والجمهوري استمرت زُهاء سبعة أعوام منذ عام 1962 حتى عام 1969.

صعدة مدينة ذات خصوصية زيدية اكتسبتها منذ سكَنَها مؤسس أول دولة زيدية في اليمن الإمام يحيى بن الحسين القاسم الرَّسِّي عام 896، ومنها انطلق لتأسيس أول دولة زيدية باليمن، انهارت في حياة الإمام يحيى بن الحسين والملقَّب بالإمام الهادي الذي توفِّي في صعدة عام 911م/ 298هـ(2).

هذه كانت أول دولة زيدية، وكان يتم إحياؤها في كل مرة تضعف فيها الدولة المركزية، لكنها لم تحكم وتبسط سيطرتها وتصبح حالة سياسية ثابتة في اليمن إلا عندما دخل العثمانيون البلاد، وتمكّن اليمنيون -وفي مقدمتهم القبائل الزيدية- من طردهم لأول مرة عام 1635. منذ ذلك الحين، باتت الزيدية -مذهبًا ومنطقة- فاعلًا مؤثرًا في الحياة السياسية اليمنية(3).

من الشائع وصف الزيدية بأنهم قريبون في مذهبهم من أهل السُّنَّة وكأنهم سُنَّة الشيعة أو شيعة السنة؛ لأنه مذهب شديد الوسطية، وهو مذهب أسَّسه الإمام زيد بن علي زين العابدين (76هــ- 122هـ/ 695م- 740م)، ويعتمد على المذهب الفقهي الحنفي والمدرسة الفكرية المعتزلة(4). استمدت الزيدية سمعة الوسطية من موقفها من الصحابة؛ حيث إنها تعترف بشرعية الخلفاء السابقين على الإمام علي بن أبي طالب، حسب مبدأ صحة إمامة المفضول مع وجود الأفضل. يتميز المذهب الزيدي بمبدأ الخروج على الحاكم الظالم، وهذه فكرة فريدة بين المذاهب الإسلامية سنية وشيعية التي تؤمن بطاعة الحاكم؛ تفاديًا للفتنة أو تطبيقًا لمبدأ التَّقِيَّة حتى يعود المهدي المنتظر.

لكن تتفرع عن الزيدية عدة تيارات، مثل الجارودية التي لديها مواقف متشددة تجاه الصحابة، والمذهب الهادوي الأكثر شيوعًا باليمن، وهو منسوب للإمام الهادي الذي أضاف بند حصر حق الإمامة في البطنين؛ أي الإمام علي وزوجته فاطمة.

تأسست دول زيدية مؤقتة في إيران والمغرب لكنها لم تستقر إلا باليمن، وتحديدًا في أقصى شمال اليمن وهو ما يُعرف باليمن الأعلى. ومن المعروف أن قبائل حاشد وبكيل هما جناحا الإمامة الزيدية، وتمتد منطقة وجودهم من صعدة أقصى الشمال حتى مرتفعات يريم التي تقع جنوب العاصمة صنعاء بمسافة 193كم.

ولعل اجتماع طبيعة منطقة صعدة الجبلية وفقر مواردها مع طبيعة القبائل القتالية المستقرة هناك، تناسَبَ تمامًا مع مبدأ الخروج على الإمام الظالم الذي تميّز به المذهب الزيدي، وأدى لشيوعه في تلك المناطق.

السلفية في معقل الزيدية

أحدث إسقاط ثورة سبتمبر/أيلول 1962 للنظام الإماميِّ تغيرًا في مراكز القوى بالبلاد، حيث ظلت صعدة مدينة نائية معزولة لم يكسر عزلتها إلا أول طريق مسفلت يمتد من العاصمة صنعاء عام 1979. كما اعتمد اقتصاد المدينة على توريد المنتجات الزراعية كالفاكهة والتهريب مع السعودية، إضافة إلى هجرة أبنائها للسعودية(5).

في عام 1979، شهدت المدينة حدثًا محوريًّا عندما عاد أحد أبنائها، الشيخ مقبل الوادعي من السعودية وقد بات سلفيًّا بعد أن سافر إليها وهو من شيوخ الزيدية، فاتخذ موقفًا متشددًا من الزيدية التي تركها بحُجَّة معاناته داخلها من التمييز؛ لأنه ليس من الطبقة الهاشمية التي تحتكر القيادة. شارك الشيخ مقبل الوادعي جماعة جهيمان العتيبي في احتلال الحرم المكي، ووُضع في السجن حتى خرج من السعودية واتجه إلى صعدة عام 1979، حيث أسس المعهد السلفي المسمَّى دار الحديث في دماج بصعدة بتمويل سعودي(6).

لم يكن هذا التأثير السلفي الوحيد، فالمدينة شهدت عودة أبنائها مع بقية المهاجرين اليمنيين المطرودين من السعودية عام 1990؛ كرد فعل سعودي على الرئيس علي عبد الله صالح المساند لنظام الرئيس العراقي صدام حسين، وكان كثير منهم متأثرًا بطبيعة المذهب السلفي في السعودية، خاصة في جانبه الذي يركِّز على فكرة المساواة وعدم وجود أفضلية طبقية للمنتسبين لآل البيت.

كانت صعدة كغيرها من المدن اليمنية تشهد تمددًا سلفيًّا بعد انتشار المعاهد العلمية التي تأسست عام 1975 وكانت تحت إشراف الشيخ عبد المجيد الزنداني، وبتمويل سعودي تحت إشراف الدولة التي أعطتها وضع تعليم موازٍ للتعليم الحكومي، وصارت شهادتها معادلة للشهادة الثانوية في بعض التخصصات الجامعية، خاصة كلية التربية التي تخرِّج معلمي المدارس.

وكان هذا التمدد السلفي أحد نتائج تحالف الدولة اليمنية في الشطر الشمالي مع السعودية ضد اليساريين الذين كانوا يحكمون الجنوب، لكن مع ذلك ظلت الحكومة اليمنية تتعامل بحساسية مع مدينة صعدة، فالمعهد العلمي الوحيد بالمدينة كان يُدرِّس مناهج زيدية، واسمه معهد عمر بن عبد العزيز، على إسم الخليفة الوحيد المقبول عند الزيدية والذي تشاركها في تبجيله بقية فروعها المتطرفة ومختلف المذاهب السنية(7).

التسعينات: انبعاث الزيدية

بعد توحُّد اليمن عام 1990 دخلت البلاد مرحلة التعددية الحزبية، فتأسس أول حزب بمرجعية زيدية وهو حزب الحق. من اللافت أن الحزب عند تأسيسه أصدر وثيقة لعلماء الزيدية يتحدث فيها عن القبول بشرعية النظام وذكر فيها أن الإمامة صارت مؤسسة ميتة، وأن الصيغة الوحيدة المناسبة للعصر هي الديمقراطية التشاورية.

هذه الوثيقة الزيدية لم يتبناها بعض المرجعيات الزيدية المهمة، وعلى رأسهم العلامة مجد الدين المؤيدي -وهو أستاذ بدر الدين الحوثي والد عبد الملك الحوثي القائد الحالي للحوثيين- أحد المرجعيات الدينية المهمة في الزيدية، وأحد أقطاب تيار الجارودية في اليمن ذات الموقف الشيعي المتشدد من الصحابة(8).

بشكل متزامن وفي عام 1990، بدأ نشاط منتدى الشباب المؤمن، وهو عبارة عن مخيمات صيفية لأبناء المناطق الزيدية، وكانت تدرِّس مناهج دينية مبسطة عن المذهب الزيدي. وبلغت ذروتها عام 1997، عندما بدأت تتلقى دعمًا ماديًّا من الحكومة اليمنية.

كانت هذه المنتديات ثمرة جهود مجموعة من الشباب، أبرزهم حسين الحوثي ومحمد عزان وعبد الكريم جدبان، جميعهم سافروا لإيران في الثمانينات، وحصل حسين الحوثي على الدكتوراه من السودان عام 1993 ليعود لليمن يمارس نشاطه السياسي والدعوي بشخصيته الكاريزمية الجذَّابة، حيث استقطب العديدين. لم يكن حسين الحوثي رجل دين أو فقيهًا، بل كان شخصية ذات طموح سياسي يعتمد أساليب مؤثرة في الخطابة بمهاجمة أميركا وإسرائيل داعيًا لوحدة المسلمين، وبدأ حينها بتبني شعاره المتأثر بالثورة الإيرانية “الله اكبر.. الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام”(9).

الحروب الستة

بدأت الحرب في صعدة شهر يونيو/حزيران عام 2004، ويصعب معرفة الرواية الحقيقية لسبب اندلاعها، لكنها على أية حال بدأت بمحاولة القبض على حسين الحوثي بتهمة قيادة تمرد مسلح ضد الدولة. بالطبع هذا يبدو إجراء طبيعيًّا، لكن في الدولة اليمنية بمنطقة قبلية ونائية مثل صعدة، قد يبدو هذا الإجراء عملًا استفزازيًّا للمجتمع المحلي، خاصة مع زعيم ديني-سياسي له كاريزما وأتباع كُثُر مثل حسين الحوثي.

انتهت الجولة الأولى من الحرب بمقتل حسين الحوثي في سبتمبر/أيلول عام 2004، لكن تجددت الاشتباكات في مارس/آذار عام 2005، فتوالت الاشتباكات العسكرية بين الطرفين لمدة ستة أعوام في ست جولات انتهت في فبراير/شباط 2010. وبدءًا من الجولة الثالثة للحرب (نوفمبر/تشرين الثاني حتى يناير/كانون الثاني 2006) صار عبد الملك الحوثي الأخ الأصغر وغير الشقيق لحسين الحوثي، هو قائد الجماعة العسكري، وليس معروفًا لماذا تم تجاوز إخوته الكبار. وقد يعود السبب إلى الطابع العسكري للمرحلة، حيث تم تجاوز أحد الإخوة المهمين والكبار مثل يحيى الحوثي الذي كان عضوًا في مجلس النواب منذ عام 1993 عن حزب الحق(10).

ولا ينحصر سبب طول فترة الحرب في صعوبة الأرض التي يدور فيها القتال، وهي أرض جبلية تسمح بحرب عصابات طويلة الأمد ولا تحسم عسكريًّا بسهولة، بل يتعلق أيضًا بالانقسامات داخل النظام اليمني؛ فالرئيس السابق علي عبد الله صالح زجَّ بحليفه القائد العسكري علي محسن وحلفائه السلفيين وحزب الإصلاح في الحرب على الحوثيين؛ لإنهاكهم حتى لا تكون لهم قدرة على إعاقة توريث ابنه، فلم يكن هدفه حسم المعركة بل إطالتها لاستنزاف حلفائه؛ حتى يخرجوا من سباق خلافته. أمَّا من جهة الحوثي فقد استفاد من طبقة المنتفعين من اقتصاد الحرب مثل التهريب وتجارة السلاح، فعزَّز ترسانته من السلاح، سواء من خلال السوق اليمنية أو المهرَّبة من الجيش، فباتت الحرب تتغذى من نفسها وتمتلك قوة الدفع الذاتي ولا يستطيع أحد السيطرة عليها؛ لأن الفُرقاء المتصارعين يجدون مصلحة مشتركة في إدامتها.

تحكمت في دينامية الصراع التي انخرط فيها الحوثيون الرهانات الداخلية، فظلت علاقة الجماعة بإيران محدودة حتى الجولات الأخيرة من الحرب، حين بدأت تظهر بداية التأثر بحزب الله في حربهم الدعائية، مثل طريقة تصويرهم لعملياتهم العسكرية ضد الجيش.

الثورة: تحولات جديدة

شارك الحوثيون في ثورة 2011 ضد الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وكان تحركهم داخل الساحة لا يميل للهيمنة بخلاف حزب الإصلاح الذي سيطر على الساحة تنظيميًّا، فخلق له الكثير من العداوات ضمن المكونات المستقلة واليسارية.

اتخذ الحوثيون موقفًا معارضًا للمبادرة الخليجية، وهو موقف أقرب لموقف المستقلين وبعض أعضاء الأحزاب اليسارية والقومية، هذا الموقف زاد من مساحة التعاطف معهم، وأعطاهم فرصة للمزايدة الثورية على الآخرين متجردين من تحمل تبعات مسؤولية كل الفشل اللاحق.

كسبت الجماعة الكثير من التعاطف من خلال تعريفهم بمظلوميتهم في حروب صعدة داخل ساحة التغيير وسلوكهم الهادئ قياسًا بتسلط أعضاء حزب الإصلاح، وشكّلوا في تلك الأثناء تكوينًا سياسيًّا يُسمَّى جماعة “أنصار الله”، فكسبوا مناصرين لهم من محافظات يمنية مختلفة لم يكونوا موجودين فيها سابقًا.

انفرد الحوثيون بمحافظة صعدة حيث كانت الدولة اليمنية غائبة، وعيَّنوا لها محافظًا وهو فارس مناع -أحد أكبر تجار السلاح باليمن- وبدأ احتكاكهم ضد سلفيي دماج في صعدة وورود أنباء عن قتال بين الطرفين ومحاصرة الحوثيين لهم، لكن توظيف هذه الأنباء ضمن معارك الحوثيين والإصلاح شكّك كثيرًا بمصداقيتها لدى عموم اليمنيين المنشغلين آنذاك بالوضع العسكري والسياسي في صنعاء.

وثيقة الزيدية: أصولية الزيدية

كانت ثورة 2011 فاتحة لعهد جديد لدى الحوثيين من حيث التوسع العسكري والسياسي، وكذلك في الجانب الفكري. ففي عام 2012، أقرّ زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي مع مجموعة من علماء الجماعة في صعدة وثيقة أسموها: الوثيقة الثقافية والفكرية(11).

هذه الوثيقة تهدف إلى توضيح فكر الجماعة وتلخِّص موقفها من أصول العقيدة الزيدية، وتكشف بجلاء الطبيعة الأصولية غير المتجددة لجماعة ترفض علم الكلام بما فيه منهج المعتزلة وغيرها من مناهج فلسفيّة تخالف برأيهم نهج آل البيت عليهم السلام، كما تُعلِي من قيمة الجهاد في وجه الظالمين والمستكبرين. كما أن الوثيقة تُعلِي بشكل صريح من مكانة آل البيت، كما ورد في عدة بنود من الوثيقة، إضافة لجزء كامل تحت عنوان الاصطفاء، مشددة على الاصطفاء الإلهي لآل البيت.

الحوار الوطني: مسارات متناقضة

انطلق مؤتمر الحوار الوطني يوم 21 مارس/آذار عام 2013، وشارك فيه الحوثيون تحت اسم أنصار الله وبعدد 35 عضوًا، وتناقضت هذه المشاركة مع رفضهم المبادرة الخليجية التي يعدّ الحوار الوطني ضمن بنودها، وتحت الإشراف الأممي الذي كان الحوثيون يصفونه بالوصاية الدولية على اليمن.

لم يكن ذلك إلا مؤشرًا من مؤشرات تناقض الحوثيين في تلك المرحلة، حيث تبنوا كل مقولات الدولة المدنية كالعلمانية وتخصيص حصص للنساء، في تناقض مع الطبيعة العمليّة لطريقة حكمهم بصعدة التي تستند إلى قبضة أمنية شديدة تطبق معايير الشريعة الإسلامية بشكل منغلق ومتطرف، خاصة تجاه النساء.

يفسر هذا التناقض بأن الحوثي لم يتعامل مع المسار السياسي لمؤتمر الحوار عن قناعة، بدليل أنه كان في الواقع منشغلًا بفرض واقع سياسي جديد على الأرض من خلال القوة المسلحة التي يتفوق في استخدامها، فانشغل بمعاركه في المحافظات الشمالية، حيث نجح في إجلاء سلفيي دماج من صعدة في ديسمبر/كانون الأول عام 2013، في ظل صمت الدولة التي أفقدت كثيرين الثقة فيها.

مع انتهاء مؤتمر الحوار في يناير/كانون الثاني من 2014، شهدت البلاد أزمة سياسية عاصفة؛ بسبب انتهاء المرحلة الانتقالية دون أي تصور واضح لما بعدها، مع الضعف المتزايد لكفاءة الدولة؛ بسبب الوهن الأصلي في مؤسساتها وقلة خبرة القادمين الجدد من بقية الأحزاب، وباتت مؤسسة الرئاسة مشلولة؛ بسبب ضعف شخصية الرئيس عبد ربه منصور هادي، إضافة إلى تعثر هيكلة الجيش التي أبقت على نفوذ صالح، وكشفت ولاء بعض التكوينات العسكرية للإيديولوجية الإسلامية، واتجه بعضها نحو الولاء المناطقي والشخصي لصالح الرئيس عبد ربه منصور، وأما القطرة التي أفاضت كأس الخلافات فكان قرار الفيدرالية الذي حسمه بشكل شخصي رئيس الجمهورية وبطريقة مخالفة لقواعد مؤتمر الحوار.

في هذا المؤتمر عزَّز الحوثيون حضورهم الإعلامي من خلال رؤاهم المنفتحة والمتحررة بخصوص المرأة وإبعاد الدين عن الدولة وغيرها من أمور تشدّد فيها حزب الإصلاح والسلفيون. كذلك استثمروا في المظلومية بعد مقتل ممثلهم البارز في مؤتمر الحوار عبد الكريم جدبان، ثم رئيس فريقهم المشارك في المؤتمر الدكتور أحمد شرف الدين يوم 21 يناير/كانون الثاني 2013، وهو شخصية تتميز بحضور قوي ومهم داخل الجماعة، فقرّر الحوثيون الانسحاب من المؤتمر؛ بحجة تواطؤ الأجهزة الأمنية وتخاذلها في حمايته.

يبدو أن نية الانسحاب من المؤتمر في آخر لحظة كانت مناسبة لرغبة الحوثي في التملُّص من أي التزام سياسي، فامتنع عن التوقيع على وثيقة المخرجات، وتجرد من أي مسؤولية سياسية مقبلة، مستندة إلى مشاركتهم في الحوار.

مراكز القوى والحوثيون

اتجه الحوثيون للتصعيد العسكري مباشرة بعد مؤتمر الحوار، وكان هدفهم محافظة عمران الاستراتيجية والتي تبعد 50 كم شمالًا عن العاصمة صنعاء، وتعدّ مفتاح السيطرة على العاصمة صنعاء.

وفي يوم 2 فبراير/شباط 2014 نجح الحوثيون في هزيمة آل الأحمر وتدمير منزلهم، وآل الأحمر هم مشايخ حاشد لفترة طويلة من الزمن، وشيخ قبيلة حاشد عبد الله بن حسين الأحمر الذي توفي ديسمبر/كانون الأول 2009 كان أحد أقطاب الحكم في صنعاء، ومؤسسًا لحزب الإصلاح الذي يجمع بين تكوينات قبلية وجماعات إسلام سياسي على رأسها الإخوان.

عمران أيضا هي معقل لقبيلة حاشد التي ينتمي لها الرئيس السابق علي صالح، وميزت طبيعة سلطته القائمة على العصبية القبلية، فكانت قيادات الجيش وعلى رأسها علي محسن من القبيلة، وكذلك حظي شيخ القبيلة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر بنفوذ سياسي هائل داخل الدولة اليمنية، يستمدها من دوره المشيخي وليس من منصبه السياسي كرئيس حزب أو رئيس مجلس نواب.

هذا التأثير القوي داخل الدولة من خارجها؛ بسبب نفوذ قبلي أو مناطقي خَلَق ظاهرة ما صار يُعرف بمراكز القوى في اليمن، وهي ظاهرة فاسدة بطبيعة الحال؛ لأنها تعبر عن نفوذ سياسي دون مساءلة؛ لأنه خارج عن مؤسسات الدولة، بل هو نفوذ يعتمد على المحسوبية والمال والسلاح.

لاقت هزيمة آل الأحمر ارتياحًا واسعًا بين أوساط اليمنيين، وهي هزيمة تعكس ضعف نفوذ أبناء الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر في قبيلتهم التي ورث قيادتها الشيخ صادق الأحمر أكبر أبنائه. وهذا الضعف ناتج عن استقرارهم بصنعاء وانشغالهم بالعمل التجاري بعيدًا عن هموم أبناء القبيلة الذين صاروا يستشعرون ليس بالفارق الطبقي المادي فقط، بل أيضًا بحس العجرفة والغرور في المعاملة. كذا كانت الحال في نظر يمنيين يعتبرون آل الأحمر أحد أبرز مراكز القوى الفاسدة.

اتخذ الحوثيون ذريعة إسقاط مراكز قوى الفساد لتبرير معاركهم بعمران ثم صنعاء وتصويرها كمنجزات وطنية، لكن هذا الشعار يظل دعاية لأن الحوثي لم يكتف بإسقاط مشيخة آل الأحمر بل اتجه لإسقاط كامل المحافظة، متخذًا هذه المرة ذريعة مقاتلة الجيش الموالي لحزب الإصلاح.

وبعد إسقاط الجناح القبلي ثم العسكري لحزب الإصلاح، قرّر الحوثي المضي بحربه في عمران التي استعرت بقوة في أواخر شهر إبريل/نيسان حتى سقطت المحافظة بالكامل يوم الثامن من يوليو/تموز 2014، وهو يوم مقتل اللواء حميد القشيبي قائد أحد أكبر ألوية الجيش اليمني “310 مدرع”.

بسقوط عمران تغيرت موازين القوى كثيرًا، وصار الحوثيون على مشارف صنعاء، والأهم أنه كشف عجز الدولة وسياسة رئيسها المتهافتة عندما ترك الحوثيين ينفردون بلواء عسكري في الجيش؛ بهدف التخلص من منافسه حزب الإصلاح، دون إدراك للتداعيات الخطيرة لهذا الحدث.

إسقاط العاصمة صنعاء

دخلت اليمن حالة شلل سياسي بعد مؤتمر الحوار، حيث انطفأ البريق الإعلامي المحاط بالمؤتمر، لتواجه الدولة اليمنية والقوى السياسية واقعًا مريرًا طالما أجَّلت التعامل معه، وهو واقع ضعف الدولة اليمنية المستمر وانعدام الثقة بين الأطراف السياسية المتصارعة على السلطة، والأهم سخط المواطن العادي الذي كان يعاني من التردي الشديد للأوضاع المعيشية من كهرباء، ومن ثَمَّ أزمة بنزين وغاز خانقة عانى منها منذ شهر مارس/آذار 2014.

نجح الحوثيون في استثمار أخطاء الآخرين، فاستغلوا رفع الحكومة للدعم عن المشتقات النفطية يوم 31 يوليو/تموز 2014، حيث قاموا بتسيير مظاهرات، ثم بدأوا في شهر أغسطس/آب حصارهم المسلح لصنعاء؛ بحجة التصعيد الثوري وبهدف إسقاط الحكومة الفاسدة.

كانت الحكومة اليمنية بالفعل متدنية الشعبية، وتعاني، لكن مع ذلك لم ينجح الحوثي في جذب الكثيرين من خارج دوائر عصبيتهم المناطقية-المذهبية، واعتمدوا في مظاهراتهم على حشد القبائل القادمة من خارج صنعاء.

استمرت المحاولات التفاوضية للوصول لحل وسط بين الحكومة والحوثيين، وهنا ظهرت إيران لأول مرة مباشرة، حيث طلبت أن تكون وسيطًا مباشرًا في المفاوضات، فبات واضحًا أن اليمن اندرج ضمن لعبة توازنات إقليمية عديدة من ضمنها التخلص من حركة الإخوان، وتنامي الحلف الروسي-الإيراني الذي أراد التحكم في باب المندب الممر المائي المهم.

كما جرت العادة، اتجه الحوثيون للتصعيد العسكري الذي تأهبوا له جيدًا، مع ربح الوقت في المسار السياسي التفاوضي الذي لم يقف حتى بعد سقوط صنعاء، فتم توقيع اتفاق السلم والشراكة يوم 21 سبتمبر/أيلول 2014، وبعد سقوط العاصمة أضيف الملحق الأمني الذي يقضي بسحب الحوثيين لميليشياتهم من العاصمة، وهذا ما لم يحدث أبدًا.

سهَّل للحوثيين مهمة إسقاط العاصمة صنعاء أن الجيش تقريبًا لم يقاتل؛ بسبب ضعف ثقته المتزايدة برئيس الجمهورية الذي لم يُعِدّ العُدَّة للمواجهة العسكرية، وكذلك تحالفه مع الرئيس السابق علي صالح بشبكة نفوذه الواسعة داخل مؤسسات الدولة عمومًا والعسكرية بالأخص. وهو تحالف فرضته طبيعة الجغرافيا المشتركة؛ فعلي صالح يمثل الزيدية بمعناها الجغرافي وبمكونها القبلي، والحوثي يمثل الزيدية بمعناها المذهبي، إضافة إلى اشتراكهما في معاداة حزب الإصلاح الذي حقد عليه صالح بسبب ثورة 2011، بينما يعاديه الحوثي لأسباب مذهبية، أهمها: انتشار عضوية الحزب بين أبناء المناطق الزيدية، وأخيرًا تعرَّض الطرفان لعقوبات مشتركة فرضها مجلس الأمن على الرئيس المخلوع صالح وأبي علي الحاكم -القائد العسكري للحوثيين- ليصبح تحالف تقتضيه ضرورة البقاء، وليس فقط مصلحة الاستيلاء على السلطة.

استمر الحوثيون في توسعهم العسكري نحو بقية المدن، حيث أحكموا سيطرتهم على المدن الشمالية، وأسقطوا محافظة حجة الزيدية، وذمار جنوبًا ليبسطوا سيطرتهم كاملة على الجغرافيا الزيدية. ثم بدأ توسعهم يخرج عن نطاق الزيدية، حيث اتجهوا شرقًا نحو محافظة الجوف الغنية بالبترول، ثم امتدوا غربًا نحو الحديدة الساحلية والتي يوجد فيها أحد أكبر موانئ البلد وهو ميناء الحديدة، ومن ثَمَّ جنوبًا نحو محافظتي البيضاء القبلية، وأخيرًا محافظة إب الزراعية.

هكذا يكون الحوثي سيطر أو يسعى للسيطرة على معظم أجزاء ما كان يُعرف باليمن الشمالي قبل الوحدة اليمنية عام 1990، باستثناء محافظة تعز التي تعدّ مدخلًا للمحافظات الجنوبية، وفيها احتقان طائفي-مناطقي شديد، وحال مشابهة في محافظة مأرب التي تلقت قبائلها دعمًا ماديًّا ومسلحًا كبيرًا من دول الجوار -تحديدًا السعودية.

مخاطر السلطة والتفكك

دعاية الحوثيين ضد الإصلاح ونجاحهم في القضاء على مراكز الفساد تلاشت تدريجيًّا بعد توسعاتهم العسكرية، وتحملهم لمسؤولية السلطة التي صارت كاملة بعد سقوط ألوية الحماية الرئاسية يوم 21 يناير/كانون الثاني 2015.

ومن ثَمَّ وقعت الجماعة في مأزق أمام المجتمع الذي يعاني من أزمات اقتصادية ومعيشية شتى، ولا يمكن التحكم به فقط من خلال الآلة القمعية واللجوء إلى نفس الدعايات التي تعتمد على تتبع أخطاء الآخرين كمسوّغ سياسي للانقلاب على السلطة. كذلك مع مرور الوقت بدأ الطابع الطائفي-السلالي للجماعة يستفز المكونات اليمنية الأخرى؛ بسبب سلوكيات الحوثيين العدوانية والقمعية.

لكن بعد هروب الرئيس هادي لعدن، ثم لحاق وزير دفاعه اللواء الصبيحي به، يصبح اليمن أمام سلطتين؛ سلطة الأمر الواقع في صنعاء وسلطة شرعية في عدن، فباتت الأزمة السياسية أعمق. ويبدو، بالتالي، شبح تقسيم اليمن فكرة واردة بقوَّة كانعكاس طبيعي للانقسام السياسي للصعود الحوثي، وكذلك كانعكاس لحالة الانقسام المجتمعي؛ بسبب صعود ميليشيا عسكرية تعتمد على العصبية الطائفية في تحركها والقوة المسلحة، وترفض كل توافق سياسي طوعي.

عزّز الحوثي بانقلابه على الشرعية وسيطرته بالقوة على مؤسسات الدولة حالة الانقسام المجتمعي على أسس طائفية-مناطقية، وأحيا ثارات تاريخية في المناطق والقبائل التي حاربت الإمامة في وقت سابق، وآخرها الحرب الأهلية في ستينات القرن الماضي. هذا الانقسام يتمدد أفقيًّا ورأسيًّا في ظل دولة منهارة وقوى سياسية ضعيفة، وينعكس في الحضور المتصاعد للجماعات العسكرية في المناطق الأخرى، سواء كان تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أو قوى قبلية مثل اللجان الشعبية بعدن أو تحالف قبائل مأرب.

تبدو محاولات التسوية السياسية ضعيفة؛ بسبب ضعف المكونات الداخلية، سواء تلك التي تعتمد على السلاح والعصبية أو تلك التي تحوّلت للافتات حزبية تعاني العجز والشيخوخة، إضافة إلى أن أية تسوية سياسية باليمن صارت مرتبطة بتسوية إقليمية، تبدو حظوظها متدنية مع اندلاع “عاصفة الحزم” التي شنَّها تحالف تقوده السعودية بعد أن أنشأت إيران جسرًا جويًّا لدعم الحوثيين، واتجاه الحوثيين إلى السيطرة على عدن؛ للقضاء على سلطة الرئيس هادي بالكامل. هذا الوضع التمزيقي الذي يتجه لتكريس حالة الانقسام يناسب كثيرًا المكونات التي تدّعي احتكار طائفة أو منطقة، لكنها لن تنجح بالحكم على كامل البلد.

الحوثي كجماعة تدّعي احتكار الطائفة الزيدية، لا تستطيع إنكار حقيقة أنها لا تستطيع إلغاء تأثير ستة عقود من الجمهورية وتعليم حديث وتمدُّد سلفي في مناطقها؛ مما يفسِّر المظاهرات الحاشدة التي شهدتها محافظة ذمار المحاذية للعاصمة صنعاء -جنوبًا- وهي التي كانت تُعرف تاريخيًّا بكرسي الزيدية.

يرجع مأزق الحوثي أيضًا إلى انفصاله عن واقع الزمن المعاصر والتغييرات التي طالت المجتمع اليمني، ولا يدركها قائد الجماعة المعزول في جبال مران بمحافظة صعدة، وكأية جماعة أصولية متشددة قد تنجح لفترة من الزمن في الحكم من خلال عزل مجتمعها وتشديد قبضتها الأمنية، لكنها تفقد توازنها إذا اضطرت إلى الانفتاح أو انزلقت في مواجهة مع قوى إقليمية، كما يجري حاليا في “عاصفة الحزم”، تنتزع منها أفضليتها في موازين القوى العسكرية.
_____________________________
ميساء شجاع الدين – باحثة في الشؤون اليمنية

الهوامش والمراجع
(1) Salmoni Barak A, Loidolt Bryce, Wells Madeleine. Regime and Periphery in Northern Yemen. International Defense Research Institute. United States of America. 2010. Ch 3. P 81
(2) Burrowes, Robert D. Historical Dictionary of Yemen. London. The Scarecrow Press Inc. 1995. P428.
(3) سالم، السيد مصطفى: “الفتح العثماني الأول في اليمن 1538-1635″، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1969م، الفصل السابع، ص338.
(4) Burrowes, Robert D. Historical Dictionary of Yemen. London. The Scarecrow Press Inc. 1995. P428
(5) Salmoni Barak A, Loidolt Bryce, Wells Madeleine. Regime and Periphery in Northern Yemen. International Defense Research Institute. United States of America. 2010. Ch 3. P83
(6) Salmoni Barak A, Loidolt Bryce, Wells Madeleine. Regime and Periphery in Northern Yemen. International Defense Research Institute. United States of America. 2010. Ch 2. P 89
(7) هيكل، برنارد: “البنى السياسية والقانون: الثابت والمتحول”، “تحدي المألوف: اليمن: دراسات أنثروبولوجية وتاريخية”، المعهد الأميركي للدراسات اليمنية، مفوضية الشؤون الثقافية والتعليمية في حكومة الولايات المتحدة الأميركية، 2006، ص318.
(8) المصدر السابق، ص315.
(9) Salmoni Barak A, Loidolt Bryce, Wells Madeleine. Regime and Periphery in Northern Yemen. International Defense Research Institute. United States of America. 2010. Ch 3. P 98
(10) Salmoni Barak A, Loidolt Bryce, Wells Madeleine. Regime and Periphery in Northern Yemen. International Defense Research Institute. United States of America. 2010. Ch 6. P 195
(11) https://dl.dropboxusercontent.com/u/24926962/zaidi.pdf

 *نقلاً عن مركز الجزيرة للدراسات الاستراتيجية

 

إنه حقا عالم عربي جديد !

فهمي هويدي

مشروع القوة العسكرية العربية المطروح هذه الأيام جزء من التحوّلات الاستراتيجية الخطيرة في المنطقة، فضلاً عن أنه يطرح من الأسئلة أكثر مما يقدّم من إجابات.

عالم عربي جديد

(1)

عندي ثلاث ملاحظات أمهّد بها لمناقشة هذا المنطوق، هي:

ـ إن القوة العسكرية مهمة لا ريب، لكن القوة السياسية هي الأهم. ولا وجه للمقارنة بين مَن يستقوون بسلاحهم والذين يستقوون بشعوبهم. وشواهد الفشل التاريخي للأولين ماثلة تحت أعيننا، ولنا في تجربة الاتحاد السوفياتي وكوريا الشمالية عبرة. والمشكلات أو الأزمات التي نواجهها في العالم العربي لم تنشأ لأننا ضعفاء عسكرياً. ولكن مصدرها الأساسي أننا ضعفاء وفاشلون سياسياً واقتصادياً. ليس لأننا بلا عضلات، ولكن لأن الجسم العربي صار منزوع العافية.

ـ إن العمل العربي المشترك لم يؤخذ على محمل الجد يوماً ما إلا في مجال واحد، هو «الأمن»، فمجلس الوحدة الاقتصادية مثلاً تشكل في العام 1957. ومشروع السوق العربية المشتركة تم توقيعه منذ العام 1964 (في العام الماضي تم الاحتفال بمرور خمسين عاماً على توقيع الاتفاقية الخاصة به، ولم يكن الاحتفال بإنجازات تحققت على ذلك الصعيد، ولكنه كان أقرب إلى الاحتفال بذكرى عزيز فقدناه). وفي حين أننا لم نرَ أثراً للتكامل الاقتصادي المنشود أو السوق العربية المشتركة، فإن مجلس وزراء الداخلية العرب الذي ولد في العام 1977، وحده الذي جرى تفعيله وتنشيطه حتى عقد اجتماعه الثاني والثلاثين في الجزائر في شهر آذار الماضي. ولا تفســــير لذلك التباين سوى أن ما خصّ مصــــالح الشعوب العربية في التنمية والتكامل لم يلق عناية تذكر، في حين أن ما خصّ أمن الأنظمة قطع أشواطاً وجرى فيه التنسيق والتكامل إلى حد بعيد.

ـ إن اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعت العام 1950 وكانت من أصداء حرب فلسطين العام 1948 جرى تجميدها في حقيقة الأمر، حيث لم تشكل المؤسسات الدفاعية التي دعت إليها الاتفاقية (اللجنة العسكرية التي تضم رؤساء الأركان ومجلس الدفاع المشترك الذي يضم وزراء الدفاع والخارجية). ومع ذلك، فإن فكرة التعاون العسكري التي كان لمصر خبرتها فيها برزت إلى الوجود منذ ستينيات القرن الماضي. وظهر ذلك جلياً في نجاح قوات السلام العربية العام 1961 في ردع الرئيس العراقي آنذاك عبدالكريم قاسم حين هدد بغزو الكويت، وفي مشاركة القوات العربية العام 1973 في إخراج إسرائيل من سيناء وقسم من الجولان، وفي قوات الردع العربية التي عملت على إعادة السلام إلى لبنان العام 1976، إلا أن ذلك التفاعل كان من أصداء بيئة مغايرة تماماً عن تلك التي يمر بها العالم العربي الآن.

على الأقل، فقد كان هناك التفاف حول عناوين القومية العربية والأمن القومي العربي والوحدة العربية. وكان مسلماً به ان قضية فلسطين هي القضية المركزية الأولى في العالم العربي. وهي العناوين والمعاني التي فقدت رنينها وتراجعت أولوياتها في الوقت الراهن، وهو ما يسوّغ لنا أن تقول إننا الآن أصبحنا بإزاء عالم عربي مختلف تماماً في نسيجه وقيمه وأفكاره عن عالم ستينيات القرن الماضي وسبعينياته.

(2)

لقد استفزني ما نشرته صحيفة «هآرتس» (عدد 30 آذار) للكاتب «زفاى باريل» عن الاحتشاد العسكري الذي يحدث في العالم العربي. إذ قال إن هناك تعبئة تلفت النظر لتشكيل قوة عسكرية عربية لأول مرة، وهو حدث مهم، لو أنه وقع في ظروف أخرى لسبب ازعاجاً وقلقاً لإسرائيل. وهو ما لم يحدث. ذلك أن إسرائيل لم تستشعر قلقاً فحسب، وإنما انتابها شعور هو خليط من السرور والنشوة. أضاف الرجل في هذا الصدد قوله إن إسرائيل لم تدعَ إلى الانضمام إلى التحالف (الذي تصدّى للحوثيين في اليمن وشنّ غارات عليهم)، ولكنها تقف إلى جانبه في المربع ذاته الذي يقف فيه. عبر عن المعنى ذاته البروفيسور «ايال زيسر» حين وصف الحدث في مقالة نشرتها صحيفة «إسرائيل اليوم» (عدد أول نيسان) بأنه «بشرى منعشة»، وفي اليوم نفسه، علق «باتريك غودنوغ» على قرار إنشاء القوة العسكرية في صحيفة «جويش برس» (التي تصدر بالولايات المتحدة) بقوله إن الاتفاقية التي وقعت للاحتشاد ضد إسرائيل قبل 65 عاماً (يقصد الدفاع المشترك) جرى إحياؤها الآن للتصدي لإيران والشيعة، كما أضاف أن الأنظمة العربية «السُّنية» التي وقفت ضد «الربيع العربي» هي التي تقود الحرب ضد النفوذ الشيعي في الجزيرة العربية.

هكذا، فإنه على العكس مما هو مخزون ومستقر في الإدراك العربي منذ نحو سبعة عقود، فإن دعوة مصر إلى تشكيل قوة عسكرية عربية وتبني القمة العربية في شرم الشيخ للفكرة لم يعد مقلقاً لإسرائيل، وانما أصبح مصدر بهجة وحفاوة في أوساطها السياسية والإعلامية. وذلك راجع لسببين أساسيين، أولهما أن العرب ما عادوا مشغولين بقضية فلسطين، لأن الثقافة السياسية في المرحلة الراهنة اتجهت لاعتبار العدو هو إيران وليس إسرائيل. أما السبب الثاني فهو أن الصراع الذي بات شاغلاً للعقل السياسي والإعلامي العربي انصرف إلى تصفية حسابات ومرارات السنة إزاء الشيعة، ومن ثم اكتسب الصراع بعداً مذهبياً وليس سياسياً. الأمر الذي يتجاوز حدوده العالم العربي إلى أطراف العالم الإسلامي، فضلاً عن ان الانخراط فيه يستدرج العرب إلى حروب ومواجهات تستمر عقوداً في المستقبل، ولم تحسمها الصراعات التي شهدتها القرون الخوالي. وذلك أكثر ما يطمئن إسرائيل ويشيع فيها البهجة والسرور.

(3)

ما سبق يسلط الضوء على جانب من التحولات الاستراتيجية المهمة التي تشهدها المنطقة العربية الآن، والتي تنقلنا إلى عصر جديد. إن شئت فقل انها بعض ملامح الشرق الأوسط الجديد الذي كثر الحديث عنه خلال السنوات الأخيرة. إذ تواترت في ظلها دلائل تراجع أولوية القضية الفلسطينية وتحول «بوصلة» العداء من إسرائيل إلى إيران. وانتقال المنطقة من الصراع السياسي إلى طور الصراع المذهبي. ثمة شهادة تعزز ذلك الادعاء أوردها محمد المنشاوي، خبير الشؤون الأميركية ومدير مكتب «الشروق» في واشنطن الذي تحدث في تقرير أخير له عن الاتجاه لتغيير العقيدة العسكرية للقوات المسلحة المصرية التي لم تعرف عدواً لمصر والأمة العربية طوال العقود الماضية سوى إسرائيل، وهو الموضوع الذي ظل محل شد وجذب خلال تلك الفترة.

إلا أنه في ظل المستجدات التي طرأت وفي ظلها لم يعد كثيرون يتحدثون عن إسرائيل العدو، فإن ذلك اعتبر نجاحاً تمنّته الإدارات الأميركية المتعاقبة. وانعكس ذلك على آفاق المساعدات العسكرية التي تقدمها واشنطن لمصر. حيث حرصت على أن تقتصر أهداف التسليح الأميركي لجيش مصر على دعم قدرته في أربعة مجالات أساسية، هي: مكافحة الإرهاب، وحماية الحدود والأمن البحري وأمن سيناء. في هذا السياق، فإنه نقل عن الخبير الأميركي انتوني كوردسمان من «مركز الدراســــات الدولية الاستراتيجــــــية» تعليقاً على استئناف المساعدات العسكرية لمصر قوله إن «الأسلحة الأميركية لمصر لا يمكـــن استعمالها إلا في المواجهات العسكرية التي تدعمهـا أميركا».

إضافة إلى ما سبق، ثمة ملامح أخرى للشرق الأوسط الجديد الذي يتشكل الآن نلمح فيه تغيراً في موازين القوى يتعذّر تجاهله ـ إذ إلى جانب تعاظم الدور الإيراني الذي تجاوزت مؤشراته حدود الدور التركي، فإن تلك الموازين اختلفت في العالم العربي على نحو رجحت فيه كثيراً كفة الدول الخليجية وهبطت فيه أسهم الدول الأخرى، المشرقية منها بوجه أخصّ، المثقلة بصراعاتها السياسية وأعبائها الاقتصادية. وهو ما برز بوضوح في قمة شرم الشيخ الأخيرة، ذلك أنها قمة خليجية بأكثر منها عربية. وفكرة القوة العربية إذا كانت اقتراحاً مصرياً بالأساس لأسباب تتعلق بالتعامل المصري مع الأزمة الليبية، إلا أن السعودية هي التي حوّلته من اقتراح مصري إلى قرار للقمة العربية لتغطية موقفها وتدخلها العسكري في اليمن.

وقد فرضته على الأرض، حين شنت غاراتها على اليمن في وقت سابق على انعقاد القمة، قبل ان تفرضه على جلسات مؤتمر شرم الشيخ وجدول أعماله. وبهذه الخطوة، فإن السعودية بنفوذها السياسي والاقتصادي عبأت العالم العربي لمصلحة قرارها حسم الصراع في اليمن عسكرياً. وكان ذلك بمثابة إعلان عن انتقال العالم العربي من المرحلة القومية إلى المرحلة الخليجية، وبالتالي إلحاق الجامعة العربية بمجلس التعاون الخليجي.

(4)

سبق أن تحدثت عن تدهور الوضع في اليمن، وعن العوامل التي أسهمت في ذلك بدءاً بأطماع وانتهازية الرئيس السابق علي عبدالله صالح وانتهاء بحماقات الحوثيين وطموحاتهم الغامضة ومروراً بأخطاء السياسة الإيرانية التي ارتد بعضها على إيران ذاتها.

وهي العوامل التي أصابت السعودية بصدمة دفعتها للمسارعة إلى المغامرة باللجوء إلى الحسم العسكري والإصرار على المضي في ذلك الطريق الذي لا تعرف له نهاية.

استيلاء الحوثيين على صنعاء ومحاولتهم السيطرة على اليمن اعتبر تهديداً لأمن السعودية، ودخولهم إلى عدن واقترابهم من باب المندب قدّم باعتباره تهديداً للممر المائي الدولي وللأمن العربي، واعتــــبرت القوة العسكرية العربية صيـــغة التعامل مع التهديد الذي تعرضت له الســــعودية، والتهديد الآخر الذي تعرض له الممر الدولي، الذي قيل إن من شأنه تعطيل قناة السويس وميـــناء دبي.

هـــذا التشخيص يفتقد إلى الدقــــة من ناحيــــة، كما انه يتسم بالغموض من ناحية أخرى، كيف؟

ذلك ان ذريعة تهديد باب المندب بما يستصحبه ذلك من تأثيرات موجهة على قناة السويس وميناء دبي، لا تصمد أمام حقائق الواقع. ليس فقط لأن الحوثيين (ولا أستبعد أن يكون من الإيرانيين) أعلنوا عن ان الوضع في باب المندب لن يمس (تصريح محمد عبدالسلام المتحدث باسم الحوثيين الذي بثته وكالة الأنباء اليمنية في 4/4)، ولكن لأن باب المندب كما مضيق هرمز تؤمنه وتحرسه قوات مرابطة على مشارفه في جيبوتي ومياه المحيط قوات أميركية وفرنســــية وروسية وإيطالية ويابانية وصينية، وهذه قوامها نحو سبعة آلاف جندي، مدعومون بالطائرات والبوارج والصواريخ بعيدة المدى (أميركا وحدها لها 4200 جندي وفرنسا 1900 جندي).

من ناحية ثانية، فإن القوة العسكرية العربية لا يُعرف الهدف منها بالضبط. أعني هل سنحارب إلى جانب ضد آخر، أم أنها ستحرس اتفاق المتحاربين، وهل ستسهم في رد العدوان الخارجي أم أنها ستجهض الاضطرابات الداخلية، وما هي الجهة التي ستتولى قيادتها وكيف ستتخذ قراراتها، وهل سيكون مجال حركتها في العالم العربي بأسره أم في دول من دون أخرى، وهل صحيح أن جنودها سيكونون من أبناء الدول الفقيرة وأن الدول النفطية هي التي ستتولى تمويلها؟… إلى غير ذلك من الأسئلة الحائرة التي تتوالد كل حين، في غيبة وضوح الرؤية وغموض الهدف.

بسبب من ذلك، فإنني لا أخفي شعوراً بالتوجس والقلق إزاء ذلك الغموض، الأمر الذي يشككني في إمكانية ظهور المشروع إلى النور خلال الأشهر الأربعة التي حددت لذلك، إلا أن أسوأ وأخطر ما في الأمر أننا صرنا نفكر كثيراً في كيفية دحر خصومنا المحليين بأكثر مما نفكر في التصدي لأعدائنا التاريخيين. ليس ذلك فحسب وإنما صرنا نحتكم إلى السلاح في مواجهة أهلنا في الداخل ونمارس السياسة مع عدونا في الخارج.

 المصدر | الشروق الجديد

“الحوثي” يتحرّك في تعز تمهيداً للمعركة المؤجلة

تعز – وجدي السالمي

فرانس برس
يبدو أن محافظة تعز، جنوبي اليمن، والتي تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد السكان في الجمهورية، بدأت تقترب منها فوضى تحالف الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وجماعة “أنصار الله” (الحوثيين). رغم ما تبذله القوى السياسية والسلطة المحلية، لتجنيبها شبح انهيار مؤسسات الدولة والانجرار خلف الحرب الأهلية، إلا أنّ صالح و”الحوثيين”، يحضّرون لمعركة غير واضحة المعالم في محافظة تعز جنوب اليمن.

ومع انطلاق الضربات الجوية لــ “عاصفة الحزم” التي تقودها السعودية، والتي استهدفت من خلالها المواقع العسكرية الموالية لتحالف “الحوثيين” وصالح، وألحقت هزيمةً معنويةً وميدانيةً، بسلطة الانقلاب في اليمن. بدأ مسلّحو جماعة الحوثي وقوات موالية لصالح، تتوسع في انتشارها في مدينة تعز جنوب اليمن، التي أصبحت حصن أمان لهذين الطرفين، إذ تشهد المحافظة منذ أيام تحشيداً مسلحاً من قبل الحوثيين، وتصل إلى المدينة تعزيزات عسكرية ومجاميع حوثية مسلحة بطرق مختلفة.

جماعة الحوثي تفرض وجودها بقوة السلاح في محافظة تعز، وتواجه بالقمع سلمية المظاهرات اليومية، التي تشهدها تعز منذ اجتياح الجماعة للعاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول، رفضا لانقلاب تحالف صالح والحوثيين على الشرعية.

في هذا السياق، أشار الناشط السياسي أحمد الوافي، في حديثٍ لـ “العربي الجديد”، إلى أنّ مسلّحي جماعة الحوثي وصالح، يتحرّكون في تعز بوتيرةٍ عالية، بهدف كبح النضال الثوري السلمي في تعز. ولفت إلى أنّ معسكر القوات الخاصة، أصبح قاعدةً وغرفة عمليات لمسلحي الحوثي، وأن اسلحة مختلفة الأنواع قادمة من محافظة الحديدة غرب اليمن، تم إدخالها إلى معسكر القوات الخاصة الموالية للجماعة على متن سيارات محملة بالخضروات.

بدوره، أوضح أحد الناشطين أنّه تمكّن من توثيق تحرّكات لمسلّحين بين مقرّ جماعة الحوثي الكائن في حي الجحملية، وبين مقرها الرئيسي في بالحوبان، على متن سيارات مجهولة لا تحمل لوحات مرورية “أي غير مرقمة”.

وكانت قد وصلت تعزيزات عسكرية من صنعاء إلى تعز منتصف مارس/آذار، حيث معسكر القوات الخاصة، التي اعتبرها محافظ تعز شوقي احمد هائل، بقيادة العميد محمد حمود الحارثي، قوات متمردة على قرارات اللجنة الأمنية، بعد أن جعلت معسكرها تحت تصرف جماعة الحوثي.

وفي غضون ذلك، ذكر رئيس مركز العدالة الانتقالية، الدكتور ياسين عبد العليم القباطي، في حديثٍ لـ “العربي الجديد”، أنّ مسلّحي الحوثي يتحرّكون في شوارع تعز بطريقة استعراضية مستفزة، مستخدمين أطقماً عسكرية تتبع القوات الخاصة الموالية لهم، باللباس العسكري لهذه القوات ذاتها، رغم أنهم لا ينتمون إلى المؤسسة العسكرية.

وبحسب القباطي، فإنّ الحوثيين أوضحوا له أنّ “التحشيد لا يستهدف تعز، وإنما يأتي بغرض التوجه إلى الحدود مع المملكة العربية السعودية، لحماية الأراضي اليمنية”، كاشفاً عن حصوله على معلومات تؤكد أن الحوثيين يعتزمون اقتحام إصلاحية السجن المركزي في تعز، وإخراج السجناء، بهدف إحداث فوضى في المحافظة.

 

إلى ذلك، علم “العربي الجديد” من مصادر أمنية خاصة، أنّ عضو اللجنة الثورية لجماعة “الحوثي”، صادق أبو شوارب، يجري لقاءات مكثفة في تعز منذ أيام، لإقناع قائد الشرطة العسكرية في تعز، وأركان حرب النجدة العسكرية، بقبول تجنيد بعض عناصر الجماعة في هذه الأجهزة الأمنية.

وأشارت المصادر إلى أنّ مسلحي جماعة الحوثي، وأفراداً من جنود الحرس الجمهوري في معسكر اللواء”22″، الموالي لنجل صالح بدأت تنتشر بالقرب من مبنى إذاعة تعز، الواقعة في المنطقة الشمالية للمدينة “الحوبان”.

من جهةٍ أخرى، وصف قيادي يمني في السلطة المحلية بديوان محافظة تعز، طلب عدم الكشف عن اسمه، الوضع السياسي والأمني في محافظة تعز بالمتأزم، وقال إنّ “الحوثيين” وعلي عبدالله صالح قاموا باجتياح الجنوب، متسببين بحالات فوضى ونهب لكافة مؤسسات الدولة.

كما لفت إلى انقسام اللجنة الأمنية في تعز، بين من يساند الحوثيين، وبين من يقف مع الشرعية الدستورية. وكشف أن لقاءً جمع الأحزاب و”الحوثيين”، وقيادة في السلطة المحلية يوم السبت 28 مارس/آذار، من اجل الوصول الى اتفاق مكمل لاتفاقيات سابقة، يقضي بتجنيب تعز الصراع المسلح، حفاظاً على النسيج الاجتماعي، ولكن هذا اللقاء فشل في تحقيق هدفه، لعدم وجود رغبة لدى “الحوثيين” بذلك.

نقلاً عن: “العربي الجديد”

نقاط قوة الرئيس اليمني في مواجهته للحوثيين

شؤون خليجية – صنعاء 

نقاط القوة

خرج الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي،أمس السبت، عن صمته، وألقى خطاباً ناريّاً، هدّد فيه جماعة الحوثي المسلحة برفع علم الدولة في صعدة، معقل الجماعة، في إشارة إلى ما يشبه التدشين لمرحلة جديدة من الصراع بين الجماعة المتمردة والدولة، قد ينتقل إلى عقر دارهم في شمال الشمال.

خطاب هادي، وهو الأول منذ وصوله إلى عدن في الـ21 فبراير الماضي، بدا قوياً وواثقاً، رغم أن الرجل فرّ من صنعاء بعيداً عن أعين الحوثيين، الذين فرضوا عليه إقامة جبرية لما يقارب الشهرين، بعد معارك راح فيها خاصّة رجاله، وحراسه المقربون.

ويمكن القول: إن فكاك هادي من قبضة الحوثيين، ووصوله إلى عدن، وفّر له بيئة لمزاولة مهامه، وإعادة ترتيب المسؤوليات، كما أن ذلك أكسبه دعماً شعبياً وعسكرياً، كان يمكن أن يفقده في حال بقي تحت سيطرة الحوثيين في العاصمة صنعاء.

والسؤال المطروح اليوم: هو كيف يمكن أن يتحول خطاب هادي من مجرد كلام، إلى واقع عملي ينهي الوضع غير الطبيعي، ويُعيد للدولة هيبتها، وما نقاط القوة التي يمتلكها هادي؟

وزير الدّفاع:

يعتبر وزير الدفاع اللواء الركن محمود الصبيحي، أحد أبرز قادة الجيش اليمني، وأكثرهم صلابة وحزماً، وهو الآخر تخلّص، قبل أيام، من سيطرة الحوثيين، ولحق بالرئيس هادي إلى عدن، وبعد لقائهما، قاد الصبيحي معركة تحرير المطار من قبضة قوات الأمن الخاصة الموالية للمخلوع وللحوثيين، كما سيطر المسلحون التابعون له على معسكر القوات الخاصة؛ وهو الآن يتواجد في محافظة “تعز”، وسط البلاد، وربما يقود معارك جديدة هناك، في ظل حشد الحوثيين والمخلوع لمسلحيهم، في واحدة من أكبر محافظات اليمن سكاناً، وأكثرها تأثيراً في المشهد السياسي اليمني.

قوات الجيش:

يحظى الرئيس هادي بنفوذ، لا بأس به، في صفوف القوات المسلحة اليمنية، غير الموالية للمخلوع، أي ما عدا الحرس الجمهوري وقوات الأمن الخاصة، وهما تشكيلتان كان يقود الأولى العميد “أحمد علي عبدالله صالح”، نجل المخلوع صالح، والثانية كانت تحت إمرة نجل شقيق المخلوع “طارق محمد عبدالله صالح”، وما تزالان تُدينان بالولاء للقيادات السابقة، وهما متهمتان بمساندة الحوثيين في حروبهم ضد الجيش والقبائل في أكثر من جبهة قتالية.

لكن بقية الوحدات العسكرية، خصوصاً تلك التي تتواجد في المنطقة الرابعة ومقرها عدن، والمنطقة الثالثة في مأرب، والعديد من الوحدات في مناطق متفرقة من البلاد، تتمسك بشرعية هادي، وقد أعلنت انحيازها إلى الشرعية، رافضةً تنفيذ أي أوامر تصدر من اللجنة الأمنية العليا في صنعاء والتي يسيطر عليها الحوثيون؛ وهذه القوات تمثّل سنداً قوياً للرئيس، ضد سلطة الانقلابيين الحوثيين.

اللجان الشعبية:

وهي عبارة عن آلاف المقاتلين من أبناء القبائل، جنّدتهم الدولة منذ العام 2012 لمساندتها في الحرب ضد ما تسميه “الإرهاب”، ويعود الفضل لها في تحرير العديد من مناطق جنوب البلاد من يد تنظيم القاعدة، كما هو الحال في محافظة أبين وشبوة وحضرموت، التي كانت ملاذات آمنة للتنظيم، بل وصل به الحد إلى إعلان بعضها إمارات إسلامية، مثلما حدث في أبين، قبل طرد القاعدة منها.

وتتميّز اللجان الشعبية بمهارتها القتالية العالية، كما أن معرفتها بطبيعة الجغرافيا في تلك المناطق شديدة الوعورة، مكّنتها من إحراز تقدم ملموس، وبسطت سيطرتها على العديد من المناطق، خاصة تلك التي تتسم بضعف التواجد الأمني بها.

وساندت اللجان، الجيشَ اليمني، مؤخراً، في معركة مطار عدن، والاستيلاء على معسكر القوات الخاصة، وفرار قائده العميد “عبد الحافظ السقاف” الموالي للحوثيين، وهي التي تحمي القصور الرئاسية في عدن، بعد تسريح هادي للحراسات السابقة، المشكوك في ولائها للمخلوع وجماعة الحوثي.

ويعوّل هادي كثيراً على اللجان الشعبية في تأمين مدينة عدن، التي أعلنها عاصمة مؤقتة، حتى يعود إلى العاصمة صنعاء، بعد زوال ما أسماها “أسباب تركه لصنعاء”، في إشارة إلى سيطرة جماعة الحوثي المسلحة على العاصمة منذ 21 سبتمبر الماضي.

قبائل الشرق والجنوب:

لا يمكن، بأي حال من الأحوال، إغفال الدور المحوري للقبائل اليمنية في الحد من نفوذ الحوثي، وقد أثبتت أنها قوة بإمكانها أن تتصدى لمشروع الحوثي الذي يفرضه بقوة السلاح؛ ففي محافظة مأرب ترابط القبائل منذ سبتمبر الماضي على مشارف البلدة، تحسباً لهجوم قد تشنه جماعة الحوثي بهدف السيطرة على أراضيها، وتدور معارك شرسة منذ يومين في الحدود الغربية لمأرب المحاذية لمحافظة البيضاء، راح ضحيتها العشرات من الحوثيين، وتدمير دوريات عسكرية، ولم يستطع مسلحو الحوثي التقدم باتجاه مأرب، لوجود هذه الممانعة الكبيرة التي يبديها رجال القبائل، رافضين تواجد المليشيا المسلحة.

وفي جنوب البلاد، تقف القبائل جنباً إلى جنب مع القوات المسلحة، وتدعم شرعية هادي، ولا تخفِ مناهضتها للحوثي، باعتباره مليشيا مسلحة تود أن تسيطر على الأرض بقوة السلاح، وهو ما تنكره القبائل.

ومنذ وصول هادي عدن، استقبل الآلاف من مسلحي قبائل مأرب وشبوة والجوف، وكلهم أبدوا تأييدهم له، وأكدوا أنهم لن يسمحوا للحوثي بالسيطرة على مناطقهم، كما طالبوا هادي بالتحرك لتحرير الأرض وفرض سيطرة الدولة على كامل التراب اليمني.

تمتلك هذه القبائل عتاداً عسكرياً كبيراً، وتُجري بين الحين والآخر مناورات عسكرية تعرض فيه قوتها، وذلك في إطار حرب نفسية ضد الحوثي، الذي يعتبرونه غازياً يود تركيع سكان تلك المناطق.

ويحظى هادي بمساندة قطاع عريض من الشعب اليمني، الذي يرى فيه صاحب الشرعية الوحيد، والمخوّل باستكمال المرحلة الانتقالية، والوصول إلى تطبيق مشروع الدولة الاتحادية والأقاليم، وفقاً لمخرجات الحوار الوطني، وهو مطلب شعبي لكسر احتكار المركز للأقاليم، واستحواذه على النفوذ والسلطة والثروة؛ وهؤلاء هم آلاف اليمنيين الذين يتظاهرون بشكل شبه يومي في الشوارع، دعماً لهادي، وضد المليشيات المسلحة.

الدعم الخليجي والدولي:

يحظى هادي بتأييد من دول مجلس التعاون الخليجي، ومن المجتمع الدولي قاطبة، وكل هذه الأطراف تعترف بأنه الرئيس الشرعي للبلاد، وتؤكد دعمها ومساندتها له، للسير قدماً نحو تنفيذ مخرجات الحوار الوطني التي توافقت عليها القوى السياسية اليمنية، بإشراف المبعوث الأممي جمال بنعمر.

وخلال الأيام القليلة الماضية، التقى هادي في عدن سفراء العديد من الدول، وتلقى سيلاً من الاتصالات، تؤكد وقوف هذه الدول إلى جانب شرعيته، مبديةً استعدادها للدعم بشتى أنواعه، في سبيل الخروج باليمن من أزمته الراهنة.

وأمس الأول الجمعة، جددت المملكة العربية السعودية التأكيد على وقوفها إلى جانب الشرعية والشعب اليمني بكافة إمكاناتها.

وقال مصدر مسؤول في تصريح له: إن المملكة العربية السعودية تابعت وبقلق بالغ تطورات الأحداث المؤلمة في اليمن، ومنها القصف الجوي الذي تعرضت له مدينة عدن، وعلى وجه الخصوص القصر الرئاسي والمناطق المجاورة له، وكذلك التفجيرات في صنعاء.

وتابع: “تؤكد المملكة العربية السعودية على أهمية الاستجابة العاجلة من قبل كافة الأطياف السياسية في اليمن الراغبين في المحافظة على أمن واستقرار اليمن، للمشاركة في المؤتمر الذي سيتم عقده تحت مظلة مجلس التعاون في الرياض”.

هذا الاهتمام المتزايد عالمياً بالملف اليمني، أعطى الرئيس هادي دفعة قوية باتجاه ممارسة صلاحياته كقائد أعلى للقوات المسلحة، افتتح ذلك بحسم الأمور في عدن، والآن ربما يُجري هادي ترتيبات من نوعٍ ما، في الألوية العسكرية باتجاه حسم الأمور عسكرياً، لكن بأقل الخسائر.

 

لوموند: كيف وصلت أموال CIA إلى خزينة تنظيم القاعدة؟

سي اي اي
“سي آي إيه” قدمت عمليات تمويل غير مقصودة لفائدة القاعدة – أرشيفية
نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرًا حول ظهور مراسلات شخصية بين زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، وأحد مسؤولي التنظيم؛ كشفت عن تورّط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي إيه” في عمليات تمويل غير مقصودة لفائدة المنظّمة التي تحاربها.

وأوضحت الصحيفة نقلاً عن مسؤولين أمريكيين وغربيين؛ أنّ مبلغ مليون دولار كان موجهًا لصندوق موضوع على ذمّة الحكومة الأفغانية وتموّله وكالة الاستخبارات المركزيّة، تمّ تسليمه عام 2010 لتنظيم القاعدة الذي تحاربه الوكالة نفسها عبر هجمات بالطائرات بدون طيار، حيث كان النظام الأفغاني آنذاك يواجه صعوبات في جمع الأموال لدفع فدية دبلوماسي أفغاني مختطف من قبل التّنظيم، فلجأ إلى ذلك الصندوق السري الذي تموله “سي آي إيه” على مدار العام.

وذكر التقرير أن بن لادن ساورته المخاوف حول مصدر الأموال واشتبه بمشاركة الأمريكيين في الموضوع، وخشي أن يتم تتبع الأموال، أو أن يتم تسميمها، أو حتى تعريضها لمواد إشعاعية، ما دفعه إلى طلب تحويلها إلى عملة أخرى غير الدولار الأمريكي.

وأضافت الصحيفة أن التمويل لم يكن يهدف إلى الإيقاع بالتنظيم، بل إنه لا يعدو كونه مثالاً آخر لعمليات تمويل لجماعات توصف بأنها “إرهابية” عن طريق الولايات المتحدة؛ بسبب غياب الإشراف والرقابة، وضعف كفاءة وكالة الاستخبارات المركزية.

وبينت أنه تمّ العثور على هذه المراسلات التي تم تبادلها بين بن لادن، وعطية عبدالرّحمن، المسؤول عن العمليات اللوجستية في التنظيم، في الحواسيب والوثائق التي تمّت مصادرتها إثر الغارة الأمريكية التي قُتل فيها بن لادن بباكستان سنة 2011. وبقيت هذه المراسلات في طيّ الكتمان؛ إلى أن تمّ الكشف عنها في نيويورك بعد تقديمها كأدلة اتهام في محاكمة عابد نصير المنتمي لتنظيم القاعدة، والذي تم اتهامه في بداية شهر آذار/ مارس، بالمشاركة في التخطيط للهجمات التي تم إحباطها في كلّ من نيويورك ومانشستر وكوبنهاغن.

وقال التقرير إن الدبلوماسي الأفغاني عبدالخالق فرحي، الذي كان يشغل منصب القنصل العام لأفغانستان في بيشاور بباكستان؛ كان قد اختطف في شهر أيلول/ سبتمبر 2008، قبيل أسابيع من تسلمه منصب السفير، ثم أُطلق سراحه بعد سنتين عقب دفع كابول لمبلغ الفدية المقدَّر بخمسة ملايين دولار، تم أخذ خُمسها من الصندوق السري الذّي تموله وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، فيما دفعت باكستان حوالي نصف مبلغ الفدية، بينما تكفّلت إيران ودول الخليج ببقية المبلغ.

منقول عن عربي21 على الرابط: http://arabi21.com/story/817225/%D9%84%D9%88%D9%85%D9%88%D9%86%D8%AF-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D9%88%D8%B5%D9%84%D8%AA-%D8%A3%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%84-CIA-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%AE%D8%B2%D9%8A%D9%86%D8%A9-%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9

القبائل تتحالف لإخراج وزير الدفاع من صنعاء إلى عدن.. في صفعة جديدة للحوثيين

خرج متخفيًا في زي شعبي.. ونُهب منزله بعد تأكد فراره وخطف 30 من أنصاره.. وقتل أحد حراسه > توقع فرار مزيد من الوزراء
1425835779465922100

                                          مع محافظ لحج أحمد عبد الله المجيدي (رويترز)
صنعاء: عرفات مدابش
تمكن تنسيق موسع لقبائل في شمال اليمن وجنوبه وشرقه، من تهريب وزير الدفاع في الحكومة المستقيلة اللواء محمود الصبيحي، إلى عدن، في عملية تعزز موقف الرئيس عبد ربه منصور هادي في صراعه على السلطة مع الحوثيين، وتمثل في الوقت نفسه صفعة جديدة يتلقاها الحوثيون في اليمن، بعد نحو أسبوعين من مغادرة الرئيس هادي إلى المدينة الجنوبية نفسها، التي باتت العاصمة الجديدة لليمن الموحد، باعتبار أن صنعاء محتلة من قبل الجماعة الشيعية المتمردة.وتمكن وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي من مغادرة صنعاء، محاطا بميليشيات الحوثيين الذين كلفوه، الشهر الماضي، تولي منصب وزير الدفاع، في ظل غياب الحكومة. وأكدت مصادر يمنية جنوبية أن الوزير الصبيحي غادر صنعاء ظهر السبت ووصل إلى المحافظات الجنوبية فجر أمس الأحد. وقالت مصادر مقربة من الوزير الصبيحي لـ«الشرق الأوسط» إنه «استخدم أسلوب التمويه في عملية فراره، بعد أن اطمأن الحوثيون إلى أنه بات جزءا من إدارتهم للدولة في صنعاء وطوع أيديهم وأوامرهم».

وذكرت المصادر أن الصبيحي خرج من منزله على أساس أنه ذاهب لحضور مناسبة اجتماعية (وليمة غداء)، لكنه لم يرجع، فيما انقسم موكبه إلى قسمين كل منهما سلك طريقا نحو عدن باتجاهين مختلفين، في الوقت الذي قامت فيه مجاميع قبلية من «إقليم سبأ»، محافظة مأرب تحديدا، بنقل الصبيحي إلى المحافظة في شرق البلاد، ثم إلى تخوم محافظة شبوة الجنوبية المجاورة، ومنها إلى البيضاء ويافع ثم إلى منطقة رأس العارة، مسقط رأس الوزير، حيث منزله وعشيرته.

1425835779485922300

زوار أمام منزل وزير الدفاع اليمني اللواء الصبيحي بعد وصوله إلى مسقط رأسه في رأس العارة في ناحية الصبيحة بمحافظة لحج أمس (رويترز)

وقال مصدر قبلي موثوق في مأرب لـ«الشرق الأوسط» إن «المعلومات المؤكدة تشير إلى أنه وصل إلى مدينة مأرب مساء السبت ما بين التاسعة والعاشرة ليلا برفقة مجاميع قبلية»، ويعتقد أن هذه المجاميع هي التي سلمته إلى مجاميع أخرى على حدود محافظة شبوة، حيث كان ينتظره مسلحون قبليون. وكشفت المصادر أنه «جرى تسريب خبر فرار اللواء الصبيحي قبل وصوله إلى الجنوب، وهو ما أدى إلى تعزيز الإجراءات الأمنية على الطرقات المؤدية إلى عدن». وقال الصبيحي في تصريحات بعيد هروبه إنه خرج من منزله ظهر يوم السبت من صنعاء بالتنسيق مع مشايخ وأعيان من محافظة مأرب. وأوضح أنه سلك طريق صنعاء – مأرب حيث وصل إلى محافظة مأرب مع عصر يوم السبت، في حين تحرك على الفور عدد من الأطقم الخاصة بحراسته وتوجه أحدها صوب طريق صنعاء – الحديدة، وتحرك طقم آخر صوب صنعاء – ذمار بهدف إيهام الحوثيين بأنه ربما يكون معهم. وأضاف، في تصريحات لموقع «عدن الغد» المقرب من الرئاسة اليمنية، أنه «استبدل السيارة التي كان على متنها بسيارة أخرى أقلته إلى مديرية (عين) القريبة من بيحان بمحافظة شبوة حيث كان بانتظاره موكب من عشرات المسلحين من أبناء محافظات جنوبية عدة»، وحسب رواية الوزير اليمني، فقد انطلق «لاحقا ضمن الموكب بمنطقة جبلية وصحراوية تفصل بين البيضاء وشبوة، حيث وصل إلى أطراف مناطق البيضاء قبل أن يمر لاحقا إلى (يافع) ويتوقف عند بعض مشايخها لساعة»، وأكد اللواء الصبيحي أنه «انطلق لاحقا من يافع صوب منطقة الملاح بردفان حيث سلك طرقا فرعية وصولا إلى منطقة العند ومن ثم وصولا إلى منزله بمنطقة رأس العارة».

وبينت أولى الصور التي التقطت للوزير اللواء محمود سالم الصبيحي عقب وصوله إلى مسقط رأسه، أنه كان متنكرا بزي شعبي، عبارة عن ثوب وجاكيت وغترة، وهي في الغالب ليست من الأزياء التقليدي للمنطقة الجنوبية في البلاد. وبينت الصور التعب والإرهاق الذي اعتراه بسبب مشقة السفر في المناطق الجبلية والتنقل من منطقة إلى أخرى ومن سيارة إلى أخرى، حتى حط الرحال في الجنوب.

وقالت مصادر إن الحوثيين قاموا بنهب منزل اللواء الصبيحي بعد ساعات من انتشار خبر هروبه كما قاموا بقتل أحد حراسه وخطف نحو 30 من أنصاره. وأشارت محلية خاصة لـ«الشرق الأوسط» إلى إن «جماعة الحوثي المسلحة نصبت كمينا لموكب خاص بالوزير في الخوخة بمحافظة الحديدة، غرب اليمن، بعدما علموا بهروبه، حيث كانوا يتوقعون وجود الوزير ضمن الموكب لكنهم فوجئوا بعدم وجوده.. وقاموا باعتقال 5 من أفراد حراسة الوزير وقتل أحدهم بعد اشتباكات جرت الطرفين، عندما كانوا في طريقهم إلى محافظة عدن.

وأشارت المصادر إلى إطلاق سراح بعض أفراد الحراسة المعتقلين، في وقت لاحق أمس. وحسب المصادر فقد لقي أحد حراس وزير الدفاع مصرعه وجرح آخرون في الكمين المذكور.

وقال المحلل السياسي ياسين التميمي لـ«الشرق الأوسط» إن «ما حدث في الخوخة يدل بوضوح على حالة الارتباك التي تواجهها الميليشيا الانقلابية المسلحة.. وتشير إلى أن أشياء خطيرة تحدث في صنعاء خارج سيطرة الجماعة الحوثية المسلحة». وأضاف التميمي: «أعتقد أن خروج وزير الدفاع اللواء الركن محمود الصبيحي من صنعاء ووصوله إلى عدن قد مثل ضربة قاصمة للجماعة الحوثية التي كانت قد نجحت لوقت قصير في استغلال السمعة الحسنة للوزير الصبيحي في إضفاء طابع الشراكة الوطنية في التغيير عبر القوة المسلحة». وتوقعت مصادر أخرى فرار وزراء آخرين إلى عدن، من بينهم وزير الداخلية اللواء جلال الرويشان.

وتؤكد المصادر أن اللواء الصبيحي، عقب استقالة الحكومة ومحاصرة منزله وجعله تحت الإقامة الجبرية، خضع لنوع من الابتزاز من قبل الحوثيين الذين رفعوا الإقامة الجبرية عنه لكنهم أخضعوه لحصار غير معلن طوال الفترة الماضية، وبالأخص منذ أجبروه على حضور حفل إصدار «الإعلان الدستوري» الذي أقاموه في القصر الجمهوري في 7 فبراير (شباط) الماضي.

وتقول مصادر إعلامية في عدن لـ«الشرق الأوسط» إنه «بوصول اللواء محمود الصبيحي وزير الدفاع إلى مسقط رأسه جنوب اليمن، يكون قد وضع حدا لكثير من التكهنات والإشاعات التي أحيطت بوجوده في العاصمة صنعاء وزيرا للدفاع ورئيسا للجنة الأمنية العليا خلال الفترة المنصرمة التالية لاستيلاء ميليشيا الحوثي على قصر الرئاسة وإجبار رئيس الدولة عبد ربه منصور ورئيس حكومته خالد بحاح على الاستقالة ومن ثم وضعهما تحت الإقامة الجبرية». وتضيف المصادر أنه منذ ظهور الوزير الصبيحي في حفل «الإعلان الدستوري»، أصبح «الرجل يمثل لغزا محيرا وصادما للبعض أيضا، خاصة لأولئك الذين عرفوه أو راهنوا عليه كقائد عسكري أثبت كفاءة خلال سنوات توليه لمناصب قيادية عدة كان آخرها قيادته للمنطقة العسكرية الرابعة بعدن التي تضم محافظات عدن ولحج وتعز وأبين والضالع». وتردف المصادر الإعلامية أن الصبيحي و«توليه لمنصبه تحلى بكفاءة واحترافية فضلا عن صرامته ونزاهته، وهذه جميعها جعلته محل إجماع شعبي وحزبي ونخبوي أهله لتبوء حقيبة الدفاع في حكومة خالد بحاح المستقيلة إثر اجتياح ميليشيات جماعة الحوثي وأعوانها من الموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح لما بقي من مؤسسات وهيئات ووزارات وحكومة ورئاسة.

وترى المصادر نفسها أن مزاولة الوزير لمهامه العسكرية ورئاسته للجنة الأمنية العليا في سلطة الحوثيين «بكل تأكيد عد ورقة مهمة أريد استثمارها من جماعة الحوثي وحليفه صالح، فالاثنان أرادا الاحتفاظ بالوزير كورقة رابحة قصد بها تهدئة وطمأنة الجنوب المنتمي إليه رئيس الدولة ورئيس الحكومة، وهذا بالفعل ما نجحت به جماعة الحوثي ولو مؤقتا».

وتقول المصادر إن «التحاق الوزير الصبيحي بركب الرئيس هادي بكل تأكيد ستكون له تداعيات مؤثرة وفاعلة في المشهد السياسي اليمني الذي ما زال يسوده الغموض والتعقيد نظرا لتعدد وتشعب الولاءات القبلية والمناطقية والجهوية والطائفية والمذهبية وأيضا الشخصية، ورغم هذه التعقيدات هناك خيط أمل يتمثل برئاسة هادي المعول عليه قيادة اليمن وفي ظرفية حرجة كهذه التي لا تقبل المزيد من التفكك والتمزق المجتمعي وعلى وجه الدقة ما يتعلق بالجنوب وعدن بالذات كحاضنة وملاذ ومنقذ لما يمكن إنقاذه من انهيار مؤسسي وقيمي وبنيوي وسياسي»، وفي إشارة إلى أهمية وجود الوزير الصبيحي في عدن، تؤكد المصادر أنه «إذا كان الرئيس هادي قد استطاع خلال مدة قصيرة ترتيب وضعه كرئيس شرعي يحظى بدعم القوى المجتمعية الجنوبية التي تقاطرت إلى عدن وفي مشهد دال ومعبر عن تضامن جمعي يطوي خلافات وصراعات ماضية جنوبية – جنوبية، فإن انضمام الوزير الصبيحي يأتي في هذا السياق الداعم والمعزز للرئيس هادي ولقيادته للمرحلة التاريخية الاستثنائية المدعومة شعبيا ووطنيا وإقليميا ودوليا».

وكان الرئيس عبد ربه منصور هادي تمكن في 21 فبراير الماضي من مغادرة مقر إقامته الجبرية في منزله بالعاصمة صنعاء، في عملية لا تزال معظم تفاصيلها الحقيقية غائبة عن الرأي العام. وجاءت خطوة وزير الدفاع المقرب منه لتؤكد على التوجه الذي ينتظر عدن في المرحلة المقبلة، وهو أن تتحول إلى مركز لإدارة شؤون اليمن، أو بالأحرى الجنوب والمناطق الشرقية والوسطى التي لم يتمكن الحوثيون بعد من السيطرة الكاملة عليها.

كيف نشأت داعش على عين أمريكا!

*صحيفة الشرق الأوسط

في صيف عام 2004. اقتيد أحد شباب «الجهاديين» مكبلا بالسلاسل والأغلال، وأخذ يسير ببطء في طريقه إلى سجن معسكر بوكا في جنوب العراق. وقد كان متوترا بينما يقوده جنديان أميركيان عبر 3 مبانٍ ذات إضاءة ساطعة

‚h‚r‚h‚k‚̃ƒ“ƒo[

فاحش وما أدراك ما فاحش

تركي الفيصل
عندما قام المجتمع الدولي بمعاقبة تنظيم القاعدة لارتكابه جريمة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 م، وإمارة أفغانستان الإسلامية، لإيوائها تنظيم القاعدة، فرت أعداد من التنظيم إلى إيران التي آوتهم ووفرت لهم الإقامة في مساكن آمنة تحت إشراف مخابراتها، وكان من الفارين أعضاء من عائلة أسامة بن لادن، لا زالوا يقيمون تحت حماية الحكومة الإيرانية إلى اليوم، بالإضافة إلى سيف العدل أحد كبار القادة العسكريين للتنظيم، وهو أحد المخططين للتفجيرات الإرهابية في الرياض في مايو (أيار) 2003 م، وكذلك صالح القرعاوي زعيم ما يسمى كتائب عبد الله عزام، الذي انتقل بعد ذلك إلى وزيرستان وأصيب بطائرة دون طيار، ثم تسلمته المملكة العربية السعودية من باكستان. وعقب الاحتلال الأميركي للعراق وتدمير المؤسسات الحكومية العراقية – من جيش وأمن ووزارات – في عام 2003 م، سمحت الحكومة الإيرانية لمن أراد من مخلفات تنظيم القاعدة بالتسلل إلى العراق الذي وجدوا فيه بيئة خصبة لتنفيذ مخططاتهم، فأعادوا تشكيل أنفسهم تحت اسم «القاعدة في بلاد الرافدين»، وانضم إليهم آخرون جاءوا من دول الجوار، مثل: أبو مصعب الزرقاوي. وكذلك محسن الفضلي زعيم ما يسمى «كتائب خراسان»، وهو من عائلة شيعية كويتية معروفة، وهو المتهم بالتفجير الذي استهدف محمد باقر الحكيم في النجف، كما سمحت له الحكومة الإيرانية بالانتقال إلى سوريا بعد الثورة السورية. ومن سوريا وفدت مجموعة أتاح لها بشار الأسد التسلل عبر الحدود الفاصلة بين البلدين ومنهم أبو محمد الجولاني زعيم «جبهة النصرة» وأبو محمد العدناني المتحدث باسم ما سمي «الدولة الإسلامية في العراق والشام». وكانت المفارقة العجيبة في تكوين هذا التنظيم أن نوري المالكي رئيس وزراء العراق (المعزول) كان يسعى – في ولايته الأولى – لتقديم شكوى إلى مجلس الأمن ضد سوريا، متهما بشار الأسد بتأييد الإرهابيين والسماح لهم بالعبور إلى العراق. ثم تراجع عن ذلك مُفسحا المجال لتكوين تنظيم القاعدة في العراق الذي لقي مقاومة عنيفة من قوات الاحتلال الأميركي والعشائر السُنية العراقية، مما أدى إلى دحر التنظيم وقتلِ عددٍ من قياداته، ومن ضمنهم: أبو مصعب الزرقاوي. وزُجَّت في سجون القوات الأميركية قيادات التنظيم – ومن ضمنهم البغدادي – والتي توافقت على أن يُسَمَّى التنظيم: «الدولة الإسلامية في العراق». وحالما انسحب الأميركان من العراق، وتولت حكومة المالكي إدارة السجون، أُفرج عن البغدادي ورفاقه؛ وهي مفارقة عجيبة أخرى في تكوين هذا التنظيم، ومن ثم انطلق التنظيم الجديد في عملياته، واستعان ببعض عناصر جيش صدام حسين الذين كانوا مسجونين معهم فاستغلوهم، مستفيدين من جرائم حكومة المالكي الطائفية وما اتبعته من تهميش للمكون السُّني من الشعب العراقي، وإطلاق يد الميليشيات المسلحة الشيعية في اضطهاد المواطنين السُّنة، مما زاد من احتقان الوضع بين السُّنة والمالكي، ونتج عن ذلك الانتفاضة الشعبية الكبيرة في المحافظات السُنية التي طالبت باستقالة المالكي وتصحيح أوضاعهم المدنية. قابل المالكي هذه الانتفاضة بإجراءات تعسفية أدت إلى قتل وتشريد الآلاف من العشائر السُّنية، وخاصة في محافظة الأنبار التي هي البوابة الرئيسية للحدود بين العراق وسوريا. وبهذا التعسف من قبل المالكي ولغياب أي رادع دولي لبطشه، وجد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق» تعاطفا وملاذا في الأنبار وهذه مفارقة عجيبة تضاف إلى ما سبقها: أن تمنح العشائر السُنّية التنظيم الملاذ الآمن رغم معرفتهم أنه يخلف تنظيم القاعدة الذي سبق أن دحروه منذ عهد قريب. وكوّن التنظيم خلايا نائمة في مدن المحافظات السُنّية، وخاصة في الموصل، واستعان بضباط سابقين من جيش صدام، وبالطريقة النقشبندية الصوفية التي ينتمي إليها عزة إبراهيم الدوري النائب السابق لصدام، والذي لا يزال لاجئا لدى عناصر النقشبندية. وعند اندلاع انتفاضة الشعب السوري ضد بشار الأسد التي اتسمت بسلميتها وببطش بشار، ولعدم قدرة شبيحة بشار وزلماته في القوات المسلحة السورية على قمعها، اتخذ بشار قراره الخبيث بأن يحول انتفاضة الشعب السوري المسالم ضده إلى صراع إرهابي طائفي؛ فأطلق سراح من كان مسجونا في سوريا بتهم الإرهاب ومن أشهرهم أبو خالد السوري، أحد قيادات «القاعدة» الذي أنشأ بدوره كتائب أحرار الشام.

ودعا من هم بالخارج من الإرهابيين الذين كان له تواصلٌ معهم، وسمح لمجموعة منهم في السابق بالتوجه إلى العراق، ليعودوا إلى سوريا، ومن هؤلاء: أعضاء مؤسسون في تنظيمي «الدولة الإسلامية في العراق»، و«جبهة النصرة»، إضافة إلى جماعات أخرى، كما دعا قوات الحرس الجمهوري الإيراني وميليشيا حزب الله من لبنان والميليشيات الشيعية العراقية لمساندته في قتل شعبه. واستمر بشار في صب جام بطشه على الشعب السوري؛ فحينما استقوى الإرهابيون على الجيش السوري الحر، وذلك لتقاعس الدول الغربية عن دعمه، وفرْض سطوتهم الدموية على بعض سكان مدن وقرى سوريا، ابتدع بشار البراميل الحارقة ليلقيها على المواطنين السوريين؛ بل قصف الشعب السوري بالسلاح الكيماوي؛ فأصبح الشعب السوري وجيشه الحر يدافع عن نفسه على جبهتين، بشار من جهة والإرهابيين من جهة أخرى.

في هذه الأثناء حوّلَ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق» اسمه إلى «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، ومع فقدان سلطة الحكومتين العراقية والسورية على الحدود بين البلدين، انطلق التنظيم إلى احتلال الموصل بدعم الخلايا التي أسسها سابقا في الموصل، والضباط المسرّحين من الجيش العراقي وبعض من جماعات العشائر السُّنية ومن مؤيدي الطريقة النقشبندية. وفي مشهد مخزٍ لحكومة وقيادة نوري المالكي، استطاع ثلاثة آلاف من هذه التركيبة العجيبة أن يدحروا أكثر من أربعين ألفا من جيش المالكي، ثم أعلن البغدادي خلافته للمسلمين وقيام «الدولة الإسلامية» التي عُرفت باسم «داعش»، وجرى تداول الاسم على هذا النحو، في حين أن الاسم الذي أطلقته عليها واللائق بها والمطابق لمنهجها هو: «فاحش». لأن أصل الكلمة من الفُحْشِ وهو القبيح الشنيع من قول أو فعل. والفاحش هو من يفعل الفُحْشَ. فما الذي هو أفحش من قتل الأبرياء، وسَبْي المُحصنات، وتكفير المسلمين، وتشريد المؤتمنين، واستعراض نحر الرقاب، واستباحة دم من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ونهب المصارف، وارتهان من يَخْطَفُون، وابتزاز من هم في إمرتهم؟ إن اتخاذ هذا التنظيم الإرهابي لاسم «الدولة الإسلامية» هو أمر مجانب للواقع وجهل بالقوانين الدولية، لأن تعريف الدولة في المعاجم أنها: تجمع سياسي يؤسس كيانا ذا اختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدد، ويمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة.

والعناصر الأساسية لأي دولة هي: الحكومة والشعب والإقليم، بالإضافة إلى السيادة، والاعتراف بهذه الدولة بما يكسبها الشخصية القانونية الدولية؛ فلا العراق والشام يقعان تحت سيادة التنظيم، ولا هو يمارس سلطاته عبر مؤسسات دائمة، ولا يوجد أي اعتراف دولي بسيادته. وأما عن الانتماء الإسلامي واتخاذ صفة الإسلامية للدولة فهو باطل أيضا لأن أفراد التنظيم هم – بحق – الخوارج الذين خرجوا عن الإسلام، وأفعالهم تشهد على ذلك. «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا».

قصة {داعش}.. من التخطيط في سجن بوكا تحت نظر الأميركيين.. إلى جذب البعثيين

أبو أحمد القيادي الكبير في التنظيم يروي كيف صعد البغدادي الانطوائي .. وسيطرة خريجي بوكا بعد مقتل الزرقاوي

news-131214-1.3

 

مارتن تشولوف
في صيف عام 2004. اقتيد أحد شباب «الجهاديين» مكبلا بالسلاسل والأغلال، وأخذ يسير ببطء في طريقه إلى سجن معسكر بوكا في جنوب العراق. وقد كان متوترا بينما يقوده جنديان أميركيان عبر 3 مبانٍ ذات إضاءة ساطعة، ثم إلى متاهة من الأروقة التي تنفتح على باحة بها رجال يقفون على مسافة متوسطة ويرتدون ملابس السجن ذات الألوان الزاهية ويحملقون فيه بحذر.

وقد قال لي الشهر الماضي: «لقد تعرفت على بعضهم في الحال. كنت أشعر بالخوف من بوكا وأنا في الطائرة متجها إليه، لكن بمجرد الوصول إلى هناك، وجدت أنه أفضل كثيرا مما توقعت من عدة أوجه».

دخل الشاب، وكنيته أبو أحمد، معسكر بوكا شابا منذ 10 سنوات، وهو الآن مسؤول بارز داخل تنظيم داعش حيث ترقى في المراتب هو وكثير من الذين قضوا مدة معه في ذلك السجن. وقد اختطفه جنود أميركيون من مدن وبلدات عراقية، شأنه شأن المعتقلين الآخرين، واقتيدوا إلى مكان بات سيئ السمعة، وهو حصن بائس في الصحراء أصبح فيما بعد إرثا خلفه الوجود الأميركي في العراق. وسرعان ما رحب به المعتقلون الآخرون بحفاوة، كما يتذكر أبو أحمد.

لقد كان الرعب من بوكا يسيطر عليهم هم أيضا، قبل أن يدركوا أنه أبعد ما يكون عن أكبر مخاوفهم، بل لقد قدّم لهم السجن الذي يديره الأميركيون فرصة استثنائية. وأخبرني قائلا: «لم يكن ليمكننا التجمع على هذا النحو في بغداد أو في أي مكان آخر. كان سيعد الأمر خطيرا جدا. لقد كنا في أمان، بل وعلى بعد بضع مئات من الأمتار من قيادة تنظيم القاعدة».

وشهد سجن معسكر بوكا أول مقابلة بين أبو أحمد وأبو بكر البغدادي، زعيم «داعش»، الذي يُصنف حاليا كأخطر زعيم إرهابي في العالم. ويقول أبو أحمد إن تأثر الآخرين به كان واضحا جليا منذ البداية. وأضاف قائلا: «حتى في ذلك الوقت كان أبو بكر، لكن لم يتوقع أي منا أنه سيصبح قائدا». وكان أبو أحمد واحدا من أهم أعضاء التنظيم في أشكاله الأولى، حيث انجذب إلى الأعمال المسلحة في شبابه بسبب الاحتلال الأميركي الذي كان يحاول فرض تحول في السلطة في العراق لصالح الشيعة، على حساب السنة في رأيه ورأي الكثيرين.

وقاده دوره في البداية في التنظيم الذي أصبح فيما بعد «داعش» إلى منصب رفيع المستوى يشغله حاليا داخل حركة مسلحة أُعِيد إحياؤها وامتدت عبر الحدود إلى سوريا. ويرى أكثر رفاقه أن التفكك الذي تشهده المنطقة هو تحقيق لطموحاتهم في العراق التي ظلت عالقة إلى أن منحتهم الحرب في سوريا ساحة جديدة. ووافق على الحديث علنا بعد أكثر من عامين من النقاشات حول الكشف عن ماضيه واحدا من أهم العناصر المسلحة في العراق، وعن قلقه الكبير بشأن «داعش» وكذلك رؤيته حول المنطقة، في ظل اشتعال الوضع في كل من العراق وسوريا، ومصير الشرق الأوسط الذي يبدو أنه سيعاني لجيل آخر من الفورات وإراقة الدماء على أيدي أمثاله.

يعيد أبو أحمد النظر في الأمر.. تتعارض وحشية «داعش» المتزايدة مع آرائه، التي خفت حدتها مع تقدمه في العمر، حيث بات يؤمن بأن تعاليم القرآن قابلة للتأويل، ويُمكن ألا تؤخذ حرفيا. وقادته ظنونه تجاه الشكل الذي أصبح عليه «داعش» إلى الحديث مع صحيفة الـ«غارديان» في إطار سلسلة من المقابلات الطويلة، التي تقدم صورة خاصة متميزة عن الزعيم الغامض للتنظيم الإرهابي وأيامه الأولى التي تمتد من عام 2004، عندما قابل أبو بكر البغدادي في معسكر بوكا، وحتى عام 2011، عندما عبرت حركة التمرد العراقية الحدود السورية.

في البداية في بوكا نأى السجين، الذي أصبح فيما بعد على رأس قائمة المجرمين المطلوبين عالميا، بنفسه عن السجناء الآخرين، مما جعلهم يرونه انطوائيا وغامضا. ويتذكر أبو أحمد انطباع السجناء المختلف عن البغدادي، حيث كانوا يرونه لين الجانب ذا تأثير مهدئ في بيئة تفتقر إلى اليقين، فكانوا يطلبون مساعدته في فض النزاعات بينهم. أخبرني أبو أحمد: «كان هذا في إطار الدور الذي يمثله. لقد شعرت أنه يخفي شيئا ما؛ جانبا مظلما لم يرد أن يظهره للآخرين. لقد كان على عكس الأمراء الآخرين الذين كان من السهل التعامل معهم. لقد كان بعيدا ونائيا عنا جميعا».

ولد البغدادي، واسمه الحقيقي إبراهيم بن عواد البدري السامرائي، عام 1971 في مدينة سامراء بالعراق. وألقت القوات الأميركية القبض عليه في الفلوجة، غرب بغداد، في فبراير (شباط) عام 2004، بعد أشهر من مساعدته في العثور على جماعة «جيش أهل السنة والجماعة» المسلحة التي تتخذ من المناطق السنيّة المحيطة بمدينته مركزا لها. وقال دكتور هشام الهاشمي، المحلل الخاص بشؤون «داعش» في الحكومة العراقية: «لقد تم إلقاء القبض عليه وهو في منزل أحد أصدقائه ويُدعى ناصف جاسم ناصف، ثم تم اقتياده إلى بوكا. لم يكن الأميركيون يعلمون حقيقة الذي ألقوا القبض». ويبدو أن أكثر رفقاء البغدادي في السجن، الذين يقارب عددهم الـ24 ألفا، والذين تم تقسيمهم على 24 معسكرا، لم يعرفوه أيضا. كان التقسيم التراتبي هو عماد السجن، وكان يتجلى ذلك في لون الزي الذي كان يساعد على تحديد مرتبة السجناء. وقال أبو أحمد: «تختلف ألوان الملابس التي كنا نرتديها باختلاف المرتبة. إذا لم تخني الذاكرة، كان اللون الأحمر مخصصا لمن يسيئون التصرف في السجن، في حين كان الأبيض مخصصا لرئيس السجن، والأخضر لأصحاب الأحكام طويلة الأجل، والأصفر والبرتقالي لغير المميزين».

عندما وصل البغدادي، وهو في الـ33 من العمر إلى بوكا، كانت حركة المقاومة التي يقودها السنة ضد الولايات المتحدة تكتسب زخما في وسط وغرب العراق. وبات الغزو، الذي تم تسويقه بوصفه حرب تحرير، احتلالا قمعيا.

وكان السنّة في العراق، الذين حُرموا من حقوقهم بعد الإطاحة بصدام حسين، يتحدثون عن قتال القوات الأميركية، وبدأوا في استخدام السلاح ضد المنتفعين من الإطاحة بصدام حسين، وهم الأغلبية الشيعة.

كانت الجماعة المسلحة الصغيرة التي تزعمها البغدادي واحدة من ضمن عشرات الجماعات التي وُلدت من رحم ثورة سنية شاملة، والتي تجمعت بعد ذلك تحت لواء تنظيم القاعدة في العراق ثم «داعش». وكانت تلك إرهاصات القوة الساحقة التي تعرف الآن باسم «داعش»، التي سيطرت، بزعامة البغدادي، على غرب ووسط البلاد، وكذا شرق سوريا، ودفعت الجيش الأميركي إلى العودة مرة أخرى إلى المنطقة المزعزعة الاستقرار، بعد فترة تقل عن الـ3 سنوات من مغادرته وتعهده بألا يعود.

مع ذلك أثناء وجوده في بوكا، لم تكن جماعة البغدادي معروفة كثيرا، وكان أقل أهمية من زعيم «القاعدة» الذي نُظر إليه كبطل قومي أبو مصعب الزرقاوي، الذي أصبح يثير الرعب في قلوب كثيرين في العراق وأوروبا والولايات المتحدة. وكان لدى البغدادي طريقة فريدة للظهور من بين القادة الطموحين الآخرين داخل بوكا وخارجه في شوارع العراق، وهي أصله (يدعي أنه ينتسب إلى آل البيت). كذلك حصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية في بغداد، وكان يعتمد على كلا الرافدين لإضفاء الشرعية عليه خليفة للعالم الإسلامي، كما أعلن في يوليو (تموز) عام 2014، في تحقيق لقدر تجلى في باحة السجن قبل عقد من الزمان. وقال أبو أحمد: «لقد كان البغدادي شخصية هادئة، وله حضور، حيث تشعر وأنت معه بأنك في صحبة شخص مهم. مع ذلك كان هناك آخرون أكثر أهمية منه، حتى إني لم أعتقد أنه سيكون له هذا الشأن العظيم».

كذلك بدا أن للبغدادي طريقة مع سجّانيه، فكما يوضح أبو أحمد واثنان من رفاقه في السجن عام 2004، كان الأميركيون ينظرون إليه على أنه شخص يستطيع حل النزاعات بين الفرق المختلفة، والإبقاء على النظام في المعسكر.

وأضاف أبو أحمد: «وبمرور الوقت، أصبح حاضرا في كل مشكلة تطرأ في المعسكر. لقد أراد أن يكون زعيم السجن، وعندما أعود بذاكرتي إلى الوراء أرى كم كان يتبنى سياسة (فرّق تسد) للحصول على ما يريد، وهو المكانة المتميزة. وقد نجح في ذلك».

وفي ديسمبر (كانون الأول) عام 2004 لم يصبح البغدادي في نظر سجّانيه مصدر خطر أو تهديد، وتم إطلاق سراحه. وأضاف أبو أحمد قائلا: «لقد حظي باحترام الجيش الأميركي. عندما كان يريد زيارة سجناء في معسكر آخر، كان ينال ما يطلب، في حين كان مصير طلبنا الرفض. وكانت استراتيجيته الجديدة تتبلور أمام أنظارنا، وهي تأسيس (دولة إسلامية). لو لم يكن هناك سجون أميركية في العراق، لما خرج تنظيم داعش إلى حيز الوجود. لقد كان بوكا بمثابة مصنع أنتجنا جميعا، وكوّن نهجنا الفكري».

وفي الوقت الذي يعيث فيه تنظيم داعش فسادا في المنطقة، يفعل ذلك تحت قيادة رجال قضوا مدة في مراكز الاعتقال الأميركية خلال فترة الاحتلال الأميركي للعراق. بالإضافة إلى بوكا، كانت الولايات المتحدة تتولى إدارة معسكر كروبر بالقرب من مطار بغداد، وكذلك سجن أبو غريب، الواقع على الأطراف الغربية للعاصمة خلال الـ18 شهرا البائسة الأولى من الحرب. وأقرّ كثيرون ممن تم إطلاق سراحهم من تلك السجون، وبالطبع عدد من المسؤولين الأميركيين البارزين الذين قادوا عمليات اعتقال، بتأثير السجون السلبي المهيج.

وأوضح علي الخضيري الذي عمل مساعدا خاصا لكل السفراء الأميركيين الذين خدموا في العراق منذ 2003 وحتى 2001. وكذا لـ3 قادة في الجيش الأميركي، قائلا: «لقد حضرت عددا من الاجتماعات التي قال فيها كثيرون إن الأمور كانت تسير على خير ما يرام». لكن في النهاية اقتنع حتى المسؤولون الأميركيون البارزون «بأنهم باتوا عناصر تشجع على التطرف، وبأنهم تصرفوا بطريقة تؤتي نتائج عكسية من عدة أوجه، وبأنه تم استغلالهم في التخطيط والتنظيم وتعيين قادة وتنفيذ عمليات».

ووفق أبو أحمد: «في السجن، كان كل الأمراء يجتمعون بشكل منتظم. أصبحنا قريبين جدا من الأشخاص المسجونين معنا. عرفنا قدراتهم. كنا نعرف ما يمكنهم وما لا يمكنهم القيام به، وكيفية استخدامها، ولأي سبب من الأسباب. وكان أهم الأشخاص في معسكر بوكا هم الذين كانت لهم صلة وثيقة بالزرقاوي الذي اشتهر في عام 2004 بأنه زعيم (القاعدة)».

وواصل حديثه: «كان لدينا الكثير من الوقت لنجلس ونخطط. لقد كانت البيئة مثالية. اتفقنا جميعا على أن نلتقي عندما نخرج. وكانت وسيلة إعادة الاتصال سهلة. كتبنا تفاصيل كل شخص منا على (شريط الأستيك المطاط) الموجود في السراويل الداخلية. وتواصلنا عندما خرجنا. كان أي شخص مهم بالنسبة لي مكتوب على شريط المطاط الأبيض. كان عندي أرقام هواتفهم وقراهم. وبحلول عام 2009. كان الكثير منا قد عاد للقيام بما كنا نقوم به قبل اعتقالنا. ولكننا كنا نقوم بذلك هذه المرة على نحو أفضل».

وفقا لهشام الهاشمي، وهو محلل مقيم في بغداد، تشير تقديرات الحكومة العراقية إلى أن 17 من الـ25 قائدا الأهم من قادة تنظيم داعش الذين يديرون الحرب في العراق وسوريا أمضوا وقتا في السجون الأميركية بين عامي 2004 و2011. وجرى نقل بعضهم من سجن أميركي إلى سجون عراقية، حيث سمحت سلسلة من عمليات الهروب من السجون خلال السنوات القليلة الماضية بفرار كثير من كبار القادة وانضمامهم إلى صفوف المقاتلين.

شهد سجن أبو غريب أكبر عملية هروب وأكثرها ضررا في عام 2013، حيث هرب ما يصل إلى 500 سجين، كثير منهم من كبار المتطرفين الذين سلمهم الجيش الأميركي المغادر، في شهر يوليو (تموز) من ذلك العام، بعد أن تم اقتحام هذا السجن عن طريق قوات تنظيم داعش الذين شنوا غارة متزامنة وناجحة كذلك على سجن التاجي القريب.

أغلقت الحكومة العراقية سجن أبو غريب في شهر أبريل (نيسان) 2014 وهو الآن فارغ، يقع على مسافة 15 ميلا من الضواحي الغربية لبغداد، بالقرب من خط المواجهة بين تنظيم داعش وقوات الأمن العراقية، التي تبدو غير جاهزة بشكل دائم، وهي تحدق في ضبابية الحرارة التي تمتد على الطريق السريع الذي يؤدي إلى الأراضي الوعرة في الفلوجة والرمادي.

لقد أصبحت أجزاء من هاتين المدينتين مناطق محظورة على القوات العراقية المحاصرة، التي هاجمها وهزمها تنظيم داعش، وهو مجموعة من اللصوص الذين لا يوجد مثيل لهم في بلاد ما بين النهرين منذ عهد المغول. عندما زرت أحد السجون المهجورة في أواخر هذا الصيف، كانت مجموعة من القوات العراقية جالسة عند نقطة تفتيش على الطريق الرئيسي المؤدي إلى بغداد، تتناول البطيخ بينما يسمع أصوات القذائف من على مسافة. كانت جدران سجن أبو غريب وراءهم، وكان أعداؤهم المتطرفون موجودين أسفل الطريق.

كان الكشف عن الانتهاكات التي وقعت في سجن أبو غريب له تأثير شديد على كثير من العراقيين، الذين اعتبروا التلطف المزعوم من الاحتلال الأميركي تحسنا طفيفا مقارنة بطغيان صدام. رغم أنه لم يكن هناك سوى القليل من الشكاوى بوقوع انتهاكات في سجن معسكر بوكا قبل إغلاقه في عام 2009. كان العراقيون ينظرون إليه باعتباره رمزا قويا للسياسة الظالمة، التي نالت من الأزواج والآباء والأبناء (بعضهم من غير المقاتلين) خلال غارات يتم شنها بصورة منتظمة على الأحياء، وإلقائهم في السجن لعدة أشهر أو سنوات.

حتى الآن، وبعد مرور 5 سنوات من إغلاق الولايات المتحدة لسجن معسكر بوكا، ما زال البنتاغون يدافع عن المعسكر باعتباره مثالا على تبني سياسة مشروعة في فترة مضطربة. قال المقدم مايلز ب. كاجيز الثالث المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية بشأن السياسة التي تم تبنيها تجاه المعتقلين: «خلال العمليات التي تمت في العراق في الفترة بين عامي 2003 و2011، اعتقلت القوات الأميركية الآلاف من معتقلي الحرب بشكل قانوني. يعد هذا النوع من الاعتقالات والممارسات شائعا خلال النزاعات المسلحة. يعد اعتقال شخص يحتمل أن يكون خطيرا من الأساليب القانونية والإنسانية الواجبة لتوفير الأمن والاستقرار للسكان المدنيين».

* خروج البغدادي من السجن

بعد مرور فترة على إطلاق سراح البغدادي من سجن معسكر بوكا، تم الإفراج كذلك عن أبو أحمد. بعد نقله جوا إلى مطار بغداد، التقطه رجال كان قد التقى بهم في معسكر بوكا. وأخذوه إلى منزل في غرب العاصمة، حيث انضم مرة أخرى وعلى الفور إلى القتال، الذي تحول من معركة ضد جيش احتلال إلى حرب شرسة وغير محدودة ضد الشيعة العراقيين.

كانت فرق القتل في ذلك الوقت تجوب بغداد وأغلب مناطق وسط العراق، لتقتل أعضاء من الطوائف المخالفة بوحشية معهودة، وتطرد الأهالي من الأحياء التي تسيطر عليها. وسرعان ما تحولت العاصمة إلى مكان مختلف للغاية عن المدينة التي غادرها أبو أحمد في العام السابق. ولكن بمساعدة الوافدين الجدد في معسكر بوكا، تمكن هؤلاء الموجودون داخل السجن من متابعة جميع التطورات الجديدة التي تحدث في الحرب الطائفية التي بدأت تتشكل. كان أبو أحمد على دراية بالبيئة التي عاد إليها. وكان لدى قادة معسكره خطط له.

كان أول شيء فعله عندما كان في مكان آمن في غرب بغداد هو أنه خلع ملابسه، ثم أخذ مقصا بعناية لملابسه الداخلية: «قمت بقص قطعة القماش في السروال الداخلي الذي كان فيه جميع الأرقام. اجتمعنا مرة أخرى. وعدنا إلى العمل». كان غيره من السجناء السابقين يفعلون الشيء نفسه في مناطق مختلفة من العراق. قال أبو أحمد وهو يبتسم لأول مرة خلال حديثنا، وهو يتذكر كيف تم الاحتيال على ساجنيه: «لقد كان الأمر في غاية البساطة. لقد ساعدتنا السراويل على الفوز في الحرب».

واسترجع أبو أحمد كيف أن الزرقاوي كان يريد شيئا مثل لحظة هجمات الحادي عشر من سبتمبر نقطة لتصعيد الصراع؛ شيئا من شأنه نقل المعركة إلى قلب العدو. وكان يعني هذا في العراق أحد هدفين؛ إما وصول الشيعة إلى كرسي الحكم، أو حتى هدف أفضل، وهو رمز ديني محدد. في فبراير (شباط) 2006، ومرة أخرى بعد مرور شهرين، قام انتحاريو الزرقاوي بتدمير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء، في شمال بغداد. واندلعت الحرب الطائفية بالكامل، وتحققت طموحات الزرقاوي.

وعند سؤاله عن مزايا هذا الاستفزاز العنيف، سكت أبو أحمد لبرهة للمرة الأولى خلال الكثير من أحاديثنا المتبادلة. وقال: «كان هناك سبب لبدء هذه الحرب. لم يكن السبب هو أنهم من الشيعة، ولكن لأن الشيعة كانوا يدفعون نحو ذلك. لقد كان الجيش الأميركي يقوم بتسهيل استيلائهم على العراق وإعطائهم البلاد. كانوا يتعاونون مع بعضهم بعضا».

ثم سرح بفكره في الرجل الذي أصدر الأوامر: «كان الزرقاوي شديد الذكاء. وكان أفضل مخطط استراتيجي في (داعش)، أما أبو عمر (البغدادي) فقد كان شخصا لا يعرف الرحمة»، كان أبو أحمد يشير إلى خليفة الزرقاوي، الذي قُتل في غارة أميركية في شهر أبريل (نيسان) 2010، و«أبو بكر هو الأكثر دموية بين الجميع».

«بعد مقتل الزرقاوي، أصبح الأشخاص الأكثر تطرفا منه يتمتعون بأهمية شديدة داخل التنظيم. كان فهمهم للشريعة والإنسانية رخيصا للغاية. فهم لا يفهمون التوحيد (المصطلح القرآني لوحدانية الله) بالشكل الذي ينبغي فهمه على أساسه. فلا يجوز فرض التوحيد عن طريق الحرب».

ورغم التحفظات التي بدأت تتحرك داخله بالفعل، أصبح أبو أحمد، بحلول عام 2006، جزءا من آلة القتل التي أصبحت تعمل بأقصى سرعة في أغلب أوقات العامين التاليين. تم تشريد ملايين المواطنين، وتم تطهير أحياء على أسس طائفية، وتم تخدير شعب بأكمله بوحشية لا رادع لها.

في ذلك الصيف، نجحت الولايات المتحدة في الوصول إلى الزرقاوي، بمساعدة المخابرات الأردنية، مما أدى لمقتله في غارة جوية شمال بغداد. من أواخر عام 2006، تراجع أداء التنظيم الذي أعاقته ثورة قبلية اقتلعت قيادته من الأنبار، وقلصت من وجوده في أماكن أخرى في العراق. ولكن وفقا لأبو أحمد، استغل التنظيم الفرصة ليتطور، وليكشف عن براغماتيته، بالإضافة إلى آيديولوجيته المتشددة. بالنسبة لتنظيم داعش، كانت السنوات الهادئة نسبيا بين عامي 2008 و2011 تعد فترة هدوء، وليس هزيمة.

* اجتماعات مع البعثيين

وبحلول ذلك الوقت، كان أبو بكر البغدادي قد ارتفعت مكانته باطراد خلال التنظيم ليصبح مساعدا موثوقا فيه لزعيمه أبو عمر البغدادي، ونائبه الجهادي المصري «أبو أيوب المصري». وقال أبو أحمد إنه عند هذه النقطة، اقترب تنظيم داعش من فلول البعث التابعين للنظام القديم، وهم معارضون آيديولوجيون يشتركون معه في وجود عدو مشترك، هو الولايات المتحدة والحكومة التي يقودها الشيعة التي تدعمها الولايات المتحدة.

اجتمعت أشكال سابقة من تنظيم داعش مع البعثيين، الذين فقدوا كل شيء عندما أُطيح بصدام، على الفرضية نفسها التي تقول إن «عدو عدوي صديقي». قال أبو أحمد ومصادر أخرى إنه بحلول أوائل عام 2008. أصبحت هذه الاجتماعات أكثر تكرار – وكان كثير منها يُعقد في سوريا.

أثار مسؤولون أميركيون في بغداد والحكومة العراقية بشكل منتظم مسألة صلات سوريا بالتمرد السني في العراق. لقد كانا مقتنعين بأن الرئيس السوري بشار الأسد سمح للمتطرفين بالوصول جوا إلى مطار دمشق، حيث رافقهم مسؤولون عسكريون إلى الحدود مع العراق. أخبرني أبو أحمد أن «جميع الأجانب الذين كنت أعرفهم دخلوا إلى العراق بهذه الطريقة. فلم يكن الأمر سرا».

اعتبارا من عام 2008، عندما بدأت الولايات المتحدة التفاوض على نقل سلطاتها إلى المؤسسات الأمنية الضعيفة في العراق – وبالتالي تمهد الطريق لخروجها – تحول الأميركيون بشكل متزايد إلى عدد قليل من الشخصيات الموثوق بها في الحكومة العراقية. كان أحدهم اللواء حسين علي كمال مدير الاستخبارات في وزارة الداخلية بالبلاد. كان كرديا علمانيا، وكان يحظى بثقة المؤسسة الشيعية، وأحد المهام الكثيرة التي كلف بها كمال هي تأمين بغداد ضد الهجمات الإرهابية.

تسجيلات سرية

لاجتماعي الزبداني

كان اللواء كمال مقتنعا مثل الأميركيين بأن سوريا تقوم بزعزعة استقرار العراق، وهو تقييم استند إلى عمليات استجواب المتشددين الذين اعتقلتهم قواته. طوال عام 2009، قدم كمال الأدلة في سلسلة من المقابلات، وذلك باستخدام الخرائط التي تحدد الطرق التي يستخدمها المتشددون لعبور الحدود إلى غرب العراق، والاعترافات التي ربطت رحلاتهم بضباط محددين من ذوي الرتب المتوسطة في الاستخبارات العسكرية السورية.

وبانحسار نشاط تنظيم داعش في العراق، فقد تزايد هاجس التنظيم إثر اجتماعين نُظما في سوريا في وقت مبكر من عام 2009، الذي جمع المتشددين العراقيين مع المسؤولين السوريين، برفقة البعثيين من كلتا الدولتين (أما كمال، الذي أصيب بنوع نادر من مرض السرطان في عام 2012، فقد لقي حتفه في وقت مبكر من هذا العام، وقد خوّل لي نشر تفاصيل محادثاتنا معا، حيث قال في آخر مقابلة جمعتنا في يونيو «حزيران» من عام 2014: «لا تقل إلا الحقيقة»).

عندما تقابلت معه لأول مرة في عام 2009، كان منكبا على مراجعة نسخ من التسجيلات لاجتماعين سريين عُقدا في مدينة الزبداني، بالقرب من دمشق، في ربيع العام ذاته. وكان الحضور يشملون عضوا بارزا في حزب البعث العراقي، الذي كان قد التجأ إلى سوريا منذ الإطاحة بنصيرهم السابق صدام حسين، وضباطا من الاستخبارات العسكرية السورية، وشخصيات بارزة عُرف فيما بعد أنهم يتبعون تنظيم القاعدة في العراق. كان السوريون قد فتحوا قنوات للتواصل مع المتشددين خلال الأيام الأولى للتمرد المناوئ للاحتلال الأميركي، واستخدموهم في زعزعة الوجود الأميركي، وقلقلة خططهم بالعراق.

يقول علي الخضيري المستشار السابق للسفراء الأميركيين وكبار القادة العسكريين في بغداد: «في أوائل عامي 2004 و2005، بدأت العناصر الجهادية والعناصر البعثية المعزولة بالتلاقي معا. كانوا منضبطين بطبيعة الحال، وذوي تنظيم جيد، ويعرفون تضاريس الأرض جيدا. وبمرور الوقت، تحول بعض الأفراد الذين كانوا في الأصل بعثيين إلى متطرفين مع احتدم سعار التمرد. وبحلول عام 2007، كان الجنرال (ديفيد) بترايوس يقول إن هناك معلومات استخبارية شديدة الوضوح حيال التعاون القائم بين الاستخبارات العسكرية السورية والجهاديين. غير أن الدوافع لم تتحد فيما بينهم بنسبة 100 في المائة».

خلال محادثاتنا، شدد أبو أحمد على الروابط السورية بالتمرد العراقي، حيث قال: «يمر جميع المقاتلين عبر سوريا. ولقد عملت بنفسي مع كثيرين منهم. أولئك الموجودون في بوكا طاروا إلى دمشق. ومجموعة صغيرة منهم عبرت من خلال تركيا، أو إيران. ولكن معظمهم جاءوا إلى العراق بمساعدة السوريين».

كان خط الإمدادات يُنظر إليه من جانب المسؤولين العراقيين بأنه يشكل تهديدا وجوديا على الحكومة العراقية، وكان السبب الرئيسي للعلاقة المسمومة بين نوري المالكي، الذي صار رئيس الوزراء العراقي لاحقا، والرئيس السوري بشار الأسد. كان لدى المالكي قناعة تكوّنت مبكرا خلال الحرب الأهلية من أن الأسد كان يحاول تقويض سلطات نظامه الحاكم بوصفه وسيلة لإحراج الأميركيين، وبدا الدليل على ذلك جليا في عام 2009 من خلال الاجتماع المنعقد في دمشق، الذي نقل سخط المالكي على الزعيم السوري إلى آفاق جديدة.

أخبرني اللواء كمال في ذلك الوقت أنه «كان لدينا مصدر داخل الغرفة يحمل جهاز تنصت. ولقد كان أكثر مصادرنا حساسية على الإطلاق. وبقدر معرفتنا، كانت تلك أول مرة يُعقد فيها اجتماع على المستوى الاستراتيجي يضم جميع تلك الأطياف. إنه اجتماع يشكل نقطة جديدة في التاريخ»، يقصد اجتماع مدينة الزبداني.

أدار البعثيون الحاضرون الاجتماع. وكان هدفهم، وفقا لمصدر اللواء كمال، شنّ سلسلة من الهجمات الكبرى في بغداد تؤدي إلى تقويض حكومة المالكي ذات الأغلبية الشيعية، التي تمكنت، وللمرة الأولى، من فرض قدر من النظام في عراق ما بعد الحرب الأهلية. وحتى ذلك الحين، كان تنظيم القاعدة والبعثيون العراقيون من ألد الأعداء على المستوى الآيديولوجي، غير أن القوة المتصاعدة للشيعة، وكذا مؤيدوهم في إيران، جمعت كلا الفصيلين المتضادين معا للتخطيط لهجمة كبرى داخل العاصمة العراقية.

بحلول شهر يوليو (تموز) من عام 2009، رفعت وزارة الداخلية العراقية من يقظتها الأمنية في جميع نقاط التفتيش عبر نهر دجلة وإلى العاصمة بغداد، مما يجعل من الانتقال في أي وقت من أوقات اليوم معاناة كبيرة، ولا يُحتمل، على غير المعتاد. ثم تلقى اللواء كمال رسالة من مصدره في سوريا تفيد بأن النشاط الأمني المتزايد لدى الجسور العراقية لفت انتباه المتآمرين على الهجوم، حسبما أفاد به. وتم اختيار أهداف جديدة، غير أنه لا يعرف ماهيتها، أو توقيت مهاجمتها. وعبر الأسبوعين التاليين، عمل اللواء كمال عن كثب وحتى ساعات متأخرة من الليل داخل مكتبه الحصين في ضاحية العرصات الجنوبية، قبل أن تنقله من عمله قافلة مدرعة عبر جسر 14 يوليو، الذي اختير هدفا للمتآمرين قبل أيام قليلة، إلى منزله داخل المنطقة الخضراء.

منذ ذلك الحين وحتى نهاية الشهر، قضى اللواء كمال ساعات ممتدة في كل ليلة من ليالي القيظ يتعرق على جهاز الرياضة، آملا أن ينقي التمرين الرياضي عقله ويدفع به خطوة واحدة قبل المهاجمين. ولقد قال لي خلال آخر محادثة جمعتنا قبل شن المهاجمين لضربتهم: «قد أفقد بعض الوزن هنا، ولكنني لم أعثر على الإرهابيين بعد. أعلم أنهم يخططون لأمر كبير».

في صباح 19 أغسطس (آب)، انفجرت أولى الشاحنات الـ3 الناقلة لخزانات مياه سعة 1000 لتر، وكل منها محمل بالمتفجرات، على جسر أمام مبنى وزارة المالية العراقية جنوب شرقي بغداد. تسبب الانفجار في إرسال الحطام عبر مدينة الزمرد، وأثار عاصفة من التراب عصفت بالمنازل المجاورة، وأثارت ذعر آلاف الحمائم فهربت في جو السماء. ثم مرت 3 دقائق أخرى، وانفجرت قنبلة هائلة خارج مبنى وزارة الخارجية على الطرف الشمالي من المنطقة الخضراء. وبعد مرور فترة وجيزة، هز انفجار ثالث قافلة للشرطة على مقربة من وزارة المالية. حصدت تلك الانفجارات أرواح أكثر من 101 قتيل، وما يقرب من 600 مصاب، ولقد كان أكثر الهجمات دموية في تاريخ التمرد العراقي الممتد لست سنوات.

* ماذا قال علي مملوك؟

أخبرني اللواء كمال في ذلك اليوم قائلا: «لقد فشلت. لقد فشلنا جميعا». وخلال ساعات جرى استدعاؤه لمقابلة المالكي وقادة أجهزته الأمنية. كان رئيس الوزراء مهتاجا. قال اللواء كمال في وقت لاحق: «أخبرني بتقديم ما لديّ حول السوريون. ثم رتبنا الأمور مع تركيا لتلعب دور الوسيط، ثم سافرت إلى أنقرة للاجتماع بهم. ثم تناولت ذلك الملف (ونقر بيده على مجلد سميك أبيض اللون على مكتبه) ولم يمكنهم الجدال فيما عرضناه عليهم». كانت القضية محكمة بالكامل وكان السوريون يعرفون ذلك. كان السيد علي مملوك (رئيس جهاز الأمن العام السوري) موجودا هناك. وكل ما فعله كان النظر إلي وعلى وجهه ابتسامة، ثم قال: «لن أعترف بأي مسؤول قادم من بلد يقبع تحت الاحتلال الأميركي. إن ذلك مضيعة للوقت». استدعى العراق سفيره في دمشق، وأمرت سوريا مبعوثها إلى العراق بالعودة للوطن انتقاما من ذلك. وخلال الفترة المتبقية من العام، وحتى حلول عام 2010. ظلت العلاقات فيما بين المالكي والأسد شديدة السمية.

وفي مارس (آذار) من عام 2010، ألقت القوات العراقية، إثر إشارة من الولايات المتحدة، القبض على زعيم تنظيم داعش الذي يُدعى مناف عبد الرحيم الراوي، والذي تم الكشف عن أنه أحد كبار قادة الجماعة المتطرفة في بغداد، وأحد القلائل الذين كان لديهم اتصال مباشر بزعيم التنظيم اللاحق، أبو بكر البغدادي. تحدث الراوي، وفي لحظة نادرة من لحظات التعاون، تآمرت أجهزة الاستخبارات العراقية الـ3، ومن بينها شعبة الاستخبارات التي يرأسها اللواء كمال، على دس جهاز تنصت وجهاز لتحديد المواقع العالمية (للتعقب) داخل صندوق زهور يصل إلى مخبأ أبو عمر.

وبعد التأكد من أن أبو عمر ونائبه أبو أيوب المصري كانا موجودين داخل منزل على بعد 6 أميال إلى الجنوب الغربي من مدينة تكريت، تعرض المنزل للهجوم من قبل غارة أميركية. وقد فجر الرجلان سترات انتحارية ليحولا دون إلقاء القبض عليهما حيين. عُثر في المنزل على رسائل إلى أسامة بن لادن وأيمن الظواهري داخل حاسوب. وعلى غرار منزل بن لادن الآمن في باكستان، حيث سيتعرض للقتل هناك بعد أكثر قليلا من عام، لم يكن في مخبأ أبو عمر أي اتصال بالإنترنت أو خطوط للهواتف، وكانت الرسائل المهمة تصل وتُسلم من خلال 3 رجال فقط؛ أحدهم كان يُدعى أبو بكر البغدادي.

أخبرني أبو أحمد قائلا: «كان أبو بكر البغدادي مرسالا لدى أبو عمر. ثم صار أقرب مساعديه إليه. فقد كانت الرسائل الموجهة على أسامة بن لادن تجري صياغتها من خلاله، وكانت رحلة تسليم تلك الرسائل تبدأ من عنده. وحين تعرض أبو عمر للقتل، تولى أبو بكر البغدادي الزعامة. وفي ذلك الوقت كان كل ما لدينا في بوكا يحمل قدرا عظيما من الأهمية مجددا».

جاء مقتل أبو عمر البغدادي وأبو أيوب المصري بمثابة ضربة شديدة لتنظيم داعش، ولكن الأدوار التي فرغت بمقتلهما سرعان ما قام بها خريجو معسكر بوكا، الذي كانت الأنساق العليا فيه قد بدأت التحضير لتلك اللحظة منذ أيام سجنهم الأولى في أحد السجون بجنوب بغداد. قال أبو أحمد: «كان السجن بالنسبة إلينا أكاديمية دراسية، ولكنه كان بالنسبة إليهم مدرسة للإدارة، يقصد كبار القادة، لم يكن حلقة مفرغة أبدا، نظرا للكثيرين الذين تلقوا توجيهاتهم وإرشاداتهم داخل السجن».

واستطرد يقول: «حينما تحولت الحرب الأهلية السورية إلى حرب خطيرة، لم يكن من الصعوبة نقل جميع الخبرات إلى ساحة قتال جديدة. إذ يحتل العراقيون المستويات الأكثر أهمية في الأمور العسكرية وفي مجلس شورى تنظيم داعش حاليا، وذلك ناجم عن تلك السنوات الطويلة من الإعداد لمثل ذلك الحدث. لقد قللت من قدر البغدادي. كما استهانت الولايات المتحدة بالدور الذي لعبته حتى جعلته في مكانه الحالي».

لا يزال أبو أحمد من أعضاء تنظيم داعش، وهو عضو نشط في عمليات التنظيم في كل من العراق وسوريا. ومن خلال مناقشاتنا، رسم لنفسه صورة الرجل الذي يعاند ذاته للبقاء داخل التنظيم، مع أنه في الوقت ذاته على غير استعداد للمخاطرة بتركهم.

* داخل {داعش}.. سلطة ومال وزوجات

* إن الحياة داخل تنظيم داعش تساوي السلطة، والمال، والزوجات، والمكانة، وكلها من قبيل المغريات الساحرة للشباب حديثي السن أصحاب القضية، غير أنها تعني أيضا القتل والهيمنة على وجهة نظر عالمية لم يعد يحمل حيالها القلب المفعم بالإصرار ذاته.

وقال إن مئات الشباب أمثاله، ممن انخرطوا في الجهاد السني عقب الغزو الأميركي للعراق، لم يعودوا يعتقدون أن المشاهد الأخيرة من الحرب التي قضت على عقد كامل من الزمان لا تزال تحمل القدر ذاته من الوفاء لأصلها الأول.

قال أبو أحمد: «أكبر أخطاء حياتي كان الانضمام إليهم»، ولكنه أضاف أن الانسلاخ عن التنظيم قد يعني تعرضه مع أسرته للإعدام. غير أن البقاء والتأكيد على الرؤية الوحشية للتنظيم من خلال أفعاله، برغم اعتراضه النسبي حيالها، لا يسبب لأبو أحمد أي غضاضة، حيث يعد نفسه في قلب بضعة من الخيارات الأخرى.

وأضاف يقول: «ليس الأمر أنني لا أومن بالجهاد»، وتابع أثناء خفوت صوته بعيدا: «بل أومن به. ولكن ما خياراتي؟ إذا انفصلت، فأنا ميت لا محالة».

إن ذروة تورطه مع ما يعتبر أكثر جماعة إرهابية تهدد العالم حاليا يعكس حالة الكثير من الشباب الآخرين، الذين يحتلون مناصب كبرى في التنظيم: أولا الحرب ضد جيش احتلال، ثم حاصل ذلك تسوية ما تتم مع عدو طائفي قديم، والآن حرب أخرى قد تحل محل نبوءة حرب آخر الزمان.

وفي عالم خريجي معسكر بوكا، ليس ثمة مجال قط أمام المذاهب التعديلية أو التنقيحية، أو حتى أمام التأمل.

يشعر أبو أحمد أن نفسيته تعرضت لاكتساح هائل من أحداث صارت وبحق تفوق حجمه الضئيل بمراحل، أو حجم أي شخص آخر.

ويقول في إشارة إلى كبار أعضاء تنظيم داعش القريبين من البغدادي: «هناك أناس آخرون ليسوا من أصحاب التنظير.

أولئك الذين بدأوا في معسكر بوكا، مثلي تماما. ثم صار الأمر أكبر منا جميعا. لا يمكن لأحد إيقاف ذلك الآن.

إن الأمر بحق خارج عن سيطرة أي شخص. لا البغدادي، ولا أي عنصر آخر في دائرته».

* بالاتفاق مع صحيفة «الغارديان»

«داعش».. تنظيم ولد مع «القاعدة» ونشأ في السجون مع البعث ويطمح إلى التمدد حتى روما

في العدد الجديد من مجلة{المجلة}.. قصة الخلافة السوداء.. من المخابرات إلى تقويض الدول

1407024592485346400

جدة: يوسف الديني
«داعش» مفاجأة الألفية الجديدة بلا شك، فالتنظيمات الأصولية المسلحة والجماعات التي تؤمن بالتغيير العنفي والتي نشأت في نهايات القرن الماضي اصطبغت بطبيعة العمل السري الذي تتقنه جماعات العنف المسلح، وتنأى بنفسها عن أي ظهور إعلامي أو حضور اجتماعي، كما أن شروط الانتساب عادة ما تتطلب فحصا فكريا وأمنيا وعادة ما يجري الانخراط في العمل السري عبر تكنيك «الشبكات» والمعارف أكثر من الانتساب المباشر أو من خلال الإنترنت كما تفعل «داعش» الجديدة في إشارة إلى التحولات الهائلة التي يعيشها «وحش» الإرهاب اليوم، فيما نكتفي نحن باجترار المفاهيم والتصورات القديمة عن «القاعدة» وأخواتها وبدايات العنف الدموي الذي رغم كوارثه التي نجنيها اليوم فإنه كان أكثر معقولية مقارنة بـ«داعش» الممثل الأهم للفوضى الخلاقة التي نعيشها اليوم.

وفي ما يلي ملخص لتحقيق موسع نشر في عدد الشهر الحالي من الشقيقة {المجلة} عن تنظيم {داعش}.

أول ظهور للاسم الجديد «داعش» في أبريل (نيسان) 2013، ليس بهدف الإعلان الرسمي أو محاولة تضخيم شأن التنظيم كما يخطئ عادة من يقرأ جماعات العنف المسلح خارج نصوصها وسجالاتها الداخلية، فالتسمية كانت هدفا استراتيجيا للتنظيم لابتلاع كل المجموعات الصغيرة.

الهدف الأول لإعلان «داعش» لم يكن قرارا دعائيا أو محاولة تضخيم قدرات التنظيم الذي يجول طولا وعرضا في مناطقه المحببة في العراق والشام بقدر ما كان تحديا وجوديا لافتراس الأسماك «القاعدية» الصغيرة، وهو ما أدركته «جبهة النصرة» مبكرا فرفضت الاندماج وبدأت معارك إثبات الوجود التي لا تزال مستمرة إلى الآن وإن كانت الغلبة على مستوى أبناء «القاعدة» ويتامى بن لادن لـ«داعش» رغم أن التنظيم رسميا يرفض الاعتراف بالهزيمة حتى اللحظة.

التقاسم الإرهابي لكعكة الشام والعراق كان سببا في الخلاف بين التنظيمات المسلحة؛ «داعش» و«النصرة» بالأساس وبقية الصغار حسب ولاءاتهم ومصالحهم الصغيرة وإن كانت المبرر المقدم للأتباع والجمهور العريض هو «الشرعية»، فالاتهامات المتبادلة بالبغي والخروج على سلطة الحاكم الشرعي والمفاوضات، بل والمحاكمات المجانية والإعدامات، كشفت ما كان مستورا ولم تظهر واقعا جديدا في الخلاف بين التنظيمات المسلحة حول أحقية تمثيل «الجهاد» وهو ما يعني إدراكهم لدورهم والانتعاش المقبل لدورات الإرهاب والعنف بعد انهيار الربيع العربي.

بدايات بنكهة محلية

في البداية كانت «القاعدة» في العراق مستقلة وأقرب إلى التشكل المحلي مع إضافات هائلة في الخبرات والموارد من قبل المتحولين من «البعث» إلى «القاعدة» سواء كان التحول على سبيل الاقتناع والتبني وهو أقل، أو على سبيل التحالف والولاء المشترك لفكرة طرد المحتل واستهداف الحكومة الطائفية، ووقتها كانت «داعش» تعمل تحت شعار «جماعة التوحيد والجهاد» ليتحول لاحقا إلى تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» بعد تولي أبو مصعب الزرقاوي قيادته في 2004 ومبايعته زعيم «القاعدة» السابق أسامة بن لادن، ولا يخفى أن إضافة «الرافدين» إلى التنظيم هو جزء من التواضع لقيمة ومكانة بن لادن الذي تسبب مقتله على يد الأميركان إلى تحول كبير في التنظيم بعد الفراغ الهائل الذي خلفه.

مقتل الزرقاوي في يونيو (حزيران) 2006 على يد القوات الأميركية في العراق، ساهم في تقلص دور «القاعدة» لحساب أدوار جديدة مفاجئة لم تكن مرصودة آنذاك في صخب عمليات التنظيم.

كيف نصنف «داعش»؟

إذن «داعش» هي منتج إرهابي منفصل عن «القاعدة» بعد أن كان جزءا منها، ثم أضيفت إليه أفكار جديدة إلى أن آل الوضع إلى هذا المزيج الذي يقترب من العصابات المنظمة منه إلى عمل جماعات العنف المسلح الدينية.

تعود بذور «داعش» للخلاف الفكري بين تيار الصقور الذي كان يمثله الزرقاوي، و«القاعدة» التقليدية، وبعد مقتله ومقتل أبو حمزة المهاجر دخلت «داعش» مرحلة مشروع الدولة في العراق.

جزء من أزمة تحليل «داعش» تعود إلى أسباب كثيرة وأهمها القراءة الخاطئة لـ«التيارات المنغلقة»، فالصورة المغلوطة عن جماعات العنف المسلح منذ حركة الخوارج تاريخيا ووصولا إلى «القاعدة» وأخواتها، فهناك أولا تغيرات بحكم التاريخ وتغير الوضع السياسي وأخرى بسبب التأثر والتأثير على الواقع نفسه، فالنواة الأولى لمجاهدي الثمانينات قبل نشأة «القاعدة» تختلف عنها في مرحلة «مطبخ بيشاور» التي أشرنا إليها، كما تختلف جذريا عن مرحلة القتال بالوكالة التي مارستها «القاعدة» عبر إرسال مقاتليها إلى البوسنة والشيشان.

الخلاف إذن ليس فقط على مستوى الأفكار، وهذا فرق جوهري، بل على مستوى موقفهم من الأنظمة العربية أو قتال العدو القريب أو البعيد، موقفهم من التحالف مع استخبارات دول أخرى في مصلحة التنظيم، التدفق المالي، وأيضا انفصال المرجعيات الشرعية للتنظيم عن المناخ الشرعي السائد من حيث تحرير مسائل الجهاد أو فقه الثغور الذي تغير عدة مرات من تكوين علماء تنظيم مختصين وصولا إلى غياب الرؤية بحكم دخول أطراف قادمة من خلفيات بعثية وأخرى أقرب إلى الثوار المناطقيين كالعشائر في العراق وبعض المناطق السورية.

أمير المؤمنين.. سيرة مجهولة

لم يكن أمير المؤمنين المزعوم أبو بكر البغدادي شيئا مذكورا قبل أن تقوم الولايات المتحدة في عام 2013 برصد جائزة قدرها عشرة ملايين دولار لمن يساهم في اغتيال وقتل أو اعتقال البغدادي، المكنى بـ«أبو دعاء» وهي ثاني أعلى جائزة ترصدها وزارة الخارجية الأميركية لرأس إرهابي بعد زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.

الشيخ أبو دعاء ويلقب بالشيخ الشبح لما يقال عنه من ارتدائه الوشاح حتى في لقاءاته الخاصة مع المقربين من العراق، وتعود أصوله، كما يزعم أتباعه، إلى آل البيت، وهي إضافة رمزية مهمة يجري استخدامها لاحقا في منافسة الظواهري ثم شرعية إعلان الخلافة.

ولد الشيخ أبو دعاء عام 1971 في سامراء العراقية. كان يعمل في خدمة المساجد أثناء الغزو الأميركي، بالدعوة وجمع الأموال والتدريس الشرعي والإفتاء؛ بحكم أنه يحمل دكتوراه في الفقه الإسلامي. اعتقل لاحقا في معسكر بوكا الأميركي (جنوب العراق) ونجا مجددا من محاولة اغتياله بغارة جوية عام 2005، ثم ظهر بعد صمت سنوات عبر صفوف «القاعدة» مقاتلا وموجها ومرشدا، وهو ما كان كفيلا بتصعيده خلال خمس سنوات تقريبا ليتربع على عرش تنظيم الدولة الإسلامية في العراق 2010.

لغز محيّر

تبدو «داعش» في عيون «الجميع» لغزا محيرا ينسب تارة إلى إيران وتارة إلى العراق وتارة إلى بشار وتارة إلى الولايات المتحدة، ناهيك عن الاتهام الاستعدائي الذي يعبر عن أزمة ترحيل الأزمات السياسية الإيرانية الشهيرة التي اقتبسها المالكي حين أطلق اتهاماته جزافا تجاه المملكة والخليج وبشكل يدرك هو أنه جزء من إنتاج شرعيته المتوهمة التي تلفظ أنفاسها الأخيرة عند عقلاء شيعة العراق قبل سنتهم.

لقطع هذه الحيرة في فهم لغز «داعش» كان الأحرى بسيل التحليلات التي تقترب من روايات الخيال العلمي قراءة نتاج «داعش» وهو منشور ومبذول، سواء المنتج الفكري (رسائل، فتاوى، وصايا شهداء، الردود على المخالفين.. إلخ) أو المجتمع الداعشي على الإنترنت (معرفات «تويتر»، منتديات جهادية، وحتى كتيبات تحريضية عادة ما تحاول عمل دعاية مضادة لخصوم «داعش») وأيضا من المهم معرفة قراءة «داعش» النسخة القاعدية ثم «داعش» النسخة العالمية التي تجتذب الآن عناصر أجنبية.

في مواجهة الصحوات

خلال تلك السنوات الممتدة من نشأة التنظيم ارتكبت القوات الأميركية والعراقية حماقات متعددة في مواجهة التنظيمات المسلحة، إلا أن أكبرها فداحة كانت محاولة تعويض الجيش العراقي بقوات الصحوات في المناطق السنية من مقاتلي العشائر السنية ودفعها لمقاتلة «القاعدة» ثم التخلي عنها لاحقا بوعود ظهر أنها كانت مجرد سراب طائفي كبير؛ فالعراق للعراقيين فكرة لم تولد لتكبر بعد الغزو ثم الانسحاب الأميركي، وإنما كان الهدف هو الخروج من المستنقع بأقل قدر من الخسائر.

في نهايات عام 2011 وعلى وقع المخاضات الكبيرة التي كانت تعيشها المنطقة إثر الربيع العربي الذي اندلع وأشعل الحرائق السياسية ملهيا عن حرائق «القاعدة»، عادت دولة العراق الإسلامية أكثر قوة وتنظيما بعد أن استطاعت تأليب السنة في العراق، لا سيما ما تبقى من الصحوات المخذولة من أميركا وحكومة المالكي في أجواء كانت تستعد المنطقة فيها ليس إلى دخول الربيع الديمقراطي كما بدا لأول وهلة، وإنما لربيع الإرهاب الجديد وبدافع هذا الفشل المتلاحق للأميركان في العراق والمنطقة.

عودة «داعش»، الدولة الإسلامية، آنذاك، كانت تستهدف زعزعة النظام العراقي، ولذلك كرّت سلسلة من التفجيرات العبثية في بغداد وحصدت الآلاف من الضحايا، مما دفع الأميركان إلى التحرّك من بعد وتخصيص مكافآت للقبض على زعامات التنظيم الجديد، لكن شيئا من ذلك لم يؤت أُكله شأن كل السياسات الأميركية في حملة الحرب على الإرهاب التي لن تفلح ما دامت على طريقة «طائرات دون طيار»، فهذا الاستسهال في مواجهة العنف حول العراق آنذاك إلى جحيم حقيقي، وكانت الكارثة هي تغلغل التنظيم، بل وقدرته على فتح السجون واستهدافها بالهجوم لاستخراج كوادر «غالية» ستكون لاحقا الوقود الحقيقي لـ«داعش» وستصنع الفرق الذي نجني عناقيد غضبه اليوم.

وعلى عكس ما يشاع، لا سيما من أعداء «داعش» الطائفيين وعلى رأسهم إيران والنظام السوري والعراقي بقيادة المالكي رأس الحربة ضد «داعش» والمستفيد الأكبر من تمددها، لم تثبت أي علاقة بين نظام صدام قبل سقوطه المدوي وبين «القاعدة» وأخواتها، فبعد الانهيار لم يتم العثور على أي وثائق تثبت ارتباطه بـ«القاعدة».

ظلت الدولة الإسلامية تبني نفسها خلال السنوات التي انشغل العالم فيها بالربيع العربي البرّاق ليفاجئنا البغدادي في أوائل 2013 بحركة تصحيحية للتنظيم عبر عنها في بيانه بابتلاع جبهة النصرة وأنها امتداد تنظيمي لـ«داعش» التي تنوي التحول إلى دولة عابرة للحدود وكاسرة لحدود الدولة التقليدية التي رسمها سايكس – بيكو، لكن الأمر كان أبعد من الكفر بحدود الدولة القطرية إلى استهداف شرعية رفاق الأمس بمبررات ذات مضامين شرعية وإن كانت الغايات والدوافع سياسية الطابع، فبقاء «داعش» مجرد تنظيم مستورد من العراق للشام كان سيجهز عليه في حال تقوية التنظيمات الأخرى والجيش الحر الأقرب إلى الشأن السوري، كما أن تمرّد «القاعدة» المستمر على «داعش» كان إيذانا باتخاذ خطوة «آخر العلاج الكي» الذي ترفعه عادة كل التنظيمات المسلحة والميليشيات والأحزاب الماركسية الراديكالية، وهو ما يعرف بـ«تصفية الخصوم».

المستنقع السوري والتناغم مع نظام الأسد

واحدة من أكثر ملفات «داعش» غموضا هي تغلغلها في المستنقع السوري وتعملقها سريعا رغم أن تاريخ مشاركتها جاء متأخرا عن ثورة الشعب السوري بسنتين كاملتين! فـ«داعش» دخلت سوريا بعد أن حرر الثوار قسما كبيرا من سوريا وكانوا على وشك بناء دولة حديثة، إلا أن «داعش» ومن خلال تكنيك إطلاق اليد قامت باستدعاء «داعش» لا لتحاربها بل لتحارب بها عبر التأثير عليها بذكاء استخباراتي كبير.

استهدفت «داعش» كل المكتسبات للثورة السورية وثلاثية الثورة والتنظيمات العسكرية والشعب المقاوم الثائر، فقامت بسلسلة من عمليات الاغتيال والاختطاف لأهم رموز الكتائب والفصائل المقاومة ودمرت عددا من المؤسسات المدنية والعسكرية الناشئة، وهي أدوار لم يكن يحلم بها النظام السوري في مواجهة ثورة فتية.

أولوية تفكيك الثورة السورية كانت هدف «داعش» غير المعلن، وكانت آثارها مدمرة حيث مواجهة «داعش» من قبل المعارضة السورية كانت تؤدي غالبا إلى التعرض للقتل أو الملاحقة والاعتقال والإهانة والتعذيب في سجون دولة البغدادي، التي لا تقل سوءا ودموية عن سجون النظام السوري، الأمر الذي استدعى أمير جبهة النصرة إلى التحرّك المتأخر وإصدار البيانات، لكن بعد خراب مالطة، فأمر بحلّ الدولة وعودة الساحة السورية إلى ما كانت عليه قبل «داعش»، إلا أن البغدادي رد عليه بأحسن منها وكان الشعار الدعائي الكبير لـ«داعش» الذي تحول إلى ما يشبه الرمز التسويقي «دولة الإسلام في العراق والشام باقية وتتمدد» حتى يظهرها الله أو نهلك، فلا سبيل للرجوع والاستسلام.

هذه الخطوة الشجاعة من البغدادي والمتهورة نسبيا أحدثت انشقاقات غير متوقعة في الجسد الجهادي في سوريا، حيث انشغل العديد من المقاتلين ما يزيد على النصف بكثير إلى «داعش»، وكان أغلب حصيلة المتحولين من «داعش» هم القادمين من الأقاصي ممن عرفوا بلقب «المهاجرين» على سبيل التشريف، إضافة إلى مجموعات محلية سئمت بطء نجاحات الجيش الحر وانحازت إلى آيديولوجيا «داعش» المتكاملة نظريا والمحددة لهدفها وهو الوصول إلى مرحلة الدولة.

دولة الرايات السوداء

في نهاية 2013 كانت مدينة حمص قد وصلت إلى ذروة المعاناة والألم بعد حصار سنة ونصف أنهكت فيها كل قواها إلا أن «داعش» لم تر في ذلك أي ضغينة وزادت من معاناة السوريين حين قررت احتلال ريف حمص الشرقي بدعوى فك الحصار، فأرسلت مقاتليها ليحاصروا الرقة وريفها واتخذت من الشرق مقرا رئيسا ومركزيا لها، لتجتاح لاحقا إدلب وحلب وطرابلس والباب وتل رفعت وحريتان ورتيان ودارة عزة في ظل صمت الجميع، وفي خلال أقل من ستة أشهر سيطرت «داعش» على مناطق واسعة من الشرق والشمال لحلب.

كانت حروب «داعش» في سوريا من أكثر حروبها ذكاء وحنكة، فهي تدرك أن قوتها محدودة لا تقارن بحجم حضورها في العراق، فساهمت في تقليل خساراتها الحربية والعسكرية عبر تجنب الصدام مع نظام الأسد واستهداف المناطق غير الخاضعة لسيطرته، فيما ظن كثير من المحللين أن ثمة تعاونا مباشرا بين النظام و«داعش»، إلا أن الأمر لا يعدو توافق مصالح.

انتظرت «داعش» حتى مطلع هذا العام 2014 لتحول استراتيجيتها من الاهتمام بالمستنقع السوري إلى العودة إلى أرض التمكين كما يسميها أتباع «داعش» (العراق) وأوفياء العيش بأسلوب حياتها في المدن العراقية التي تحتلها وعلى رأسها «الفلوجة والرمادي» ثم الموصل لاحقا فمحافظة الأنبار التي كانت مسرح ولادة دولة الخلافة، إلا أن السيطرة على محافظة صلاح الدين كانت الحدث الأهم لـ«داعش» حيث حلقة الوصل بين شمال العراق ووسطه، وحيث الدخول في مرحلة دولة الخلافة النفطية، وهو ما ساهم في غرور «داعش» وطغيانها إلى الحد الذي جعلها تصل إلى لحظة رمي «حجر النرد» للإرهاب الجديد عبر إعلان دولة الخلافة الإسلامية.

اقتصاد «داعش»

في تقرير لمجلس العلاقات الدولية صدر مؤخرا أكد على أن بدايات الانتعاش الاقتصادي لتنظيم داعش كانت متأخرة في حدود 2013 قبل تحول الاستيلاء على الموصل الذي يعده الخبراء نقطة تحول اقتصادية كبرى ليست في مسيرة «داعش» فحسب، بل كل العمل المسلح في المنطقة، فـ«داعش» ما قبل الموصل كانت تحصل على ما يقارب عشرة ملايين دولار شهريا عبر سرقة الأموال وفرض الضرائب على أصحاب العمل المحليين بل واقتطاع حصص من المساعدات الإنسانية في المناطق الخاضعة لسيطرتها في مقابل الإذن بالدخول، وهو سلوك لم يأت مصادفة بل من الواضح أن «داعش»، وخلافا للتنظيمات الأخرى، تطور من سلوكها الإداري على الأرض على طريقة العصابات أكثر من بناء برنامج عمل مستقى من التصورات الإسلاموية لشكل الدولة، وتتحدث التقارير باستفاضة حول ميزانية «داعش» بعد التحولات الجديدة بينما يجزم معظمها بأن رأسمال التنظيم لا يقل عن ملياري دولار.

وفي تقرير مهم نشرته «سي إن إن» كشف أهم محاور التمويل لـ«داعش» التي احتكمت إلى منظومة أخلاقية مفارقة للأسلوب التقليدي في التمويل الذي كانت «القاعدة» تتبعه في مراحلها السابقة، من جملتها المنح والتبرعات وبيع النفط الخام، المخدرات وغسيل الأموال والابتزاز والغنائم، وهناك حديث عن ثروة عينية من الذهب فقط تقدر بـ430 مليون دولار.

الحالة الجديدة لـ«داعش» بعد الدخول في مشروع دولة الخلافة وسقوط أجزاء واسعة من العراق تحت سيطرته استلزمت تطورا على مستوى التجهيز العسكري.

شكل الدولة

حرصت «داعش»، بعد مضي نحو أربعة أشهر على إعلان تأسيس التنظيم الجديد (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، على تأسيس مشروع الدولة على الأرض ولو بشكل رمزي عبر تحويل المدارس والفيلات والبيوت التي هجرها أهلها إلى مقرات وزارية ومحاكم ومدارس للتنظيم ومعسكرات تدريب وجمع أموال، وعلى الأرض فرضوا أنظمتهم الاجتماعية المتطرفة التي من شأنها دب الذعر في نفوس الأهالي، فانتشرت في المناطق المحررة مقرّات تحمل اسمَه ورايته، كما أقيمت الحواجز الجديدة داخل المدن والقرى وفي مداخلها وعلى الطرق الموصلة بينها.

بعد السيطرة على الأرض قام التنظيم بإظهار مخالبه القاسية التي طالت عددا كبيرا من الإعلاميين وناشطي الحراك المدني داخل المناطق المحررة، كما اعتقلت «داعش» المئات من الموظفين التابعين لمنظمات إغاثية.

واحد من أكثر الملفات غموضا باستثناء كل الرمزيات والأيقونات الداعشية الطافحة في الإعلام ولأهداف أغلبها دعائي وتسويقي، هو ملف البناء الهيكلي والتنظيمي لـ«داعش»، وهو ملف غامض وصعب لتداخله بين شخصيات جهادية متطرفة مؤسسة للتنظيم وشخصيات فاعلة ومؤثرة قادمة من بقايا البعث والعشائر وضباط المخابرات والعملاء المزدوجين، إلا أن الرسائل الصغيرة المتداولة في الأوساط الجهادية على الإنترنت تشير إلى عدد من الشخصيات المهمة التي اعترف بها أو أشار لها في الغالب المتحولون من «داعش» إلى «القاعدة» أو الذين هجروا مناطق التوتر إيمانا منهم بأنها غطاء وهمي لعصابات وجماعات وكيانات مشبوهة.

سجون عامرة بالفزع

قصص تجربة السجن في جحيم «داعش» غير مسبوقة، حتى إنك وأنت تقرأها يخيل إليك أنك أمام فيلم رعب حقيقي، فالاعتقال يمتد لشهور وسنوات دون توجيه أي تهمة، كما أن طبيعة هذه السجون كما يصفها أبو صفية الذي كتب رسالته هذه مناصحا أمير المؤمنين: «أما حالة السجون فهي عبارة عن مقابر جماعیة وفردیة، وحالة مزریة من الناحیة الصحیة». ويسترسل في وصف الحشرات والبراغيث ونكت المجاهدين عليها، بل ويشير إلى أن بعض الشخصيات الشرعية في السجن ألفت قصائد على سبيل الترفيه لوصف حالة السجون الداعشية التعيسة التي تبدأ بلحظة الاعتقال وتنتهي بلحظة الفرار أو الإعدام.

جرائم «داعش» في سجونها لا تقل عن جرائمها على الأرض فهناك العشرات من الشهادات حول استخدام «داعش» لتجارب كیمیائیة خطرة على أجساد المساجین.

مستقبل «داعش»

اللحظة التي تعيشها «داعش» الآن هي لحظة زهو وسكر بكل تلك المنجزات السريعة التي ساهمت الأوضاع المتردية في العراق وسوريا إلى التسريع بوتيرتها، فتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بلغ من التيه والفخر بمنجزه أن يقوم بتنفيذ إعدامات ميدانية ويرجم النساء ويتطرف في تطبيق شريعته المزعومة، لكن لم يقف عند ذلك بل الآن وطبقا لتقارير صحافية عديدة يستقطب كوادر من خارج منظومته الفكرية، فيعلن عن وظائف بالغة الحساسية في قطاعات عسكرية ونفطية. من جهة أخرى ينتشر التنظيم عبر مملكته المفضلة، الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، بشكل غير مسبوق حتى يصح عليه أنه ماض في شعاره «باقية وتتمدد»، ومؤخرا عززت «داعش» تمددها ليس العسكري وإنما الاجتماعي وعلى مستوى أسلوب الحياة، حين أعلنت مؤخرا عن تسيير رحلات «سياحية» لعناصرها والمدنيين بين شمال سوريا وغرب العراق، لتعريفهم على الأراضي التي يسيطر عليها وأعلن فيها إقامة «الخلافة» قبل نحو شهر.

ويستغل بعض الجهاديين هذه الرحلات، التي تحدث في حافلات ترفع رايات التنظيم السود، لقضاء شهر عسل مع زوجاتهن في محافظة الأنبار العراقية، بحسب ناشطين من مدينة الرقة، أبرز معاقل التنظيم في شمال سوريا.

*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط على الروابط:
http://aawsat.com/home/declassified/281811/%D9%81%D8%A7%D8%AD%D8%B4-%D9%88%D9%85%D8%A7-%D8%A3%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D9%83-%D9%85%D8%A7-%D9%81%D8%A7%D8%AD%D8%B4
http://aawsat.com/home/article/241896/%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AE%D8%B7%D9%8A%D8%B7-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D8%AC%D9%86-%D8%A8%D9%88%D9%83%D8%A7-%D8%AA%D8%AD%D8%AA-%D9%86%D8%B8%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%AC%D8%B0%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B9%D8%AB%D9%8A%D9%8A%D9%86
http://aawsat.com/home/article/151451

الدبلوماسي عبد الله الخالدي وقصة الإفلات من “قاعدة اليمن”

*صنعاء ــ عادل الأحمدي

الخالدي لدى وصوله إلى السعودية (واس)

الخالدي لدى وصوله إلى السعودية (واس)

باستثناء بعض النشطاء الحوثيين، لم ينشغل اليمنيون بالسؤال عن كيفية إفراج تنظيم “القاعدة” عن عبدالله الخالدي الدبلوماسي السعودي المختطف لديها منذ 3 سنوات، قدر انشغالهم بالاحتفاء بتحريره بعد أن أوشك اليأس من إطلاقه أن يكون سيد الموقف.
وأعلنت السعودية، الإثنين الماضي، عن تحرير الخالدي ووصوله إلى المملكة، ليكون في استقباله حشد رسمي وشعبي كبير يتقدمهم ولي ولي العهد السعودي محمد بن نايف، ونائب وزير الخارجية عبد العزيز بن عبد الله، ووزير الدفاع رئيس الديوان الملكي محمد بن سلمان. وأشارت الرياض إلى أن عملية التحرير تمت “بعد جهود بذلتها الاستخبارات العامة” من دون أن توضح كيف تمت العملية ومتى وأين.

إيران والحوثيون: تعزيز للثقل الإقليمي

أما الجانب الرسمي اليمني، ممثلاً بسلطة الرئيس عبدربه منصور هادي في عدن، وكذلك سلطة الانقلاب الحوثي في صنعاء، فلم تتطرق من قريب أو بعيد لخبر الإفراج عن الخالدي.
وبعد مرور ثلاث سنوات على اختطافه، كان أغلب المتابعين لقصة الخالدي قد صرفوا اهتمامهم عنها، وظنوا أنه إما يكون قد مات، أو أنه في طريقه لمصير الطيار الأردني معاذ الكساسبة في العراق أو العمال المصريين في ليبيا، ليأتي خبر إطلاقه في توقيت غير متوقع ومن دون مقدمات ملموسة.

وحسب ما أكدته مصادر محلية وثيقة الاطلاع في محافظة شبوة اليمنية لـ”العربي الجديد”، فإن عملية تحرير الدبلوماسي السعودي، تمت يوم الأحد وليس يوم الاثنين، وأنه تم تسليمه من قبل عناصر تنظيم “القاعدة” إلى مجموعة من أعيان شبوة بالقرب من منطقة بيحان في المحافظة. ونقلت المصادر أن عناصر في “القاعدة” أكدوا لها وجود فدية مالية مقابل إطلاق سراح الخالدي، نافية الأنباء التي تحدثت عن دور لهادي أو نجله جلال في عملية الإطلاق.

وينتمي عبدالله محمد خليفة الخالدي (48 عاماً)، إلى بلدة “أم الساهك” في محافظة القطيف شرقي المملكة، وكان مقرراً أن ينهي مهامه الدبلوماسية في شهر يونيو/حزيران من العام 2012، أي بعد 3 أشهر من تاريخ اختطافه، وله من الأبناء أربعة، أكبرهم أحمد وأصغرهم رفيف. وقد بدأ الخالدي عمله الحكومي موظفاً في فرع وزارة الخارجية في الدمام، ثم انتقل للعمل في القنصلية السعودية لدى الفيليبين، ومنها إلى اليمن كنائب للقنصل في عدن منذ العام 2008.

واختطف الخالدي من أمام منزله في حارة “ريمي”، في حي المنصورة في عدن وهو في طريقه إلى مكتبه في مقر القنصلية بحي خور مكسر، صباح الأربعاء 28 مارس/آذار 2012، من قبل قبليين، ليتم تسليمه بعد ذلك لتنظيم “القاعدة” في صفقة غامضة. وتبدأ من يومها رحلة طويلة باتجاه إطلاق سراحه.

ومثلت حادثة الاختطاف منعطفاً لافتاً، سواء لليمنيين الذين تضرروا لأشهر عدة بسبب إغلاق القنصلية السعودية إثر خطفه، أو بالنسبة إلى السعوديين وتحديداً العاملين في سفارة بلادهم في صنعاء.

يقول أحد هؤلاء الدبلوماسيين، لـ”العربي الجديد”، “قبل اختطاف زميلنا الخالدي كنا نظن أن لدينا أصدقاء أقوياء في الحكومة والمجتمع اليمني سيعملون سريعاً على إطلاق أي موظف سعودي يتعرض للخطف من أي جهة كانت، لكننا صدمنا حين رأينا أن الشهور تمرّ والسنوات، من دون أن يستطيع أصدقاؤنا فعل شيء”.

ويضيف الدبلوماسي نفسه، مفضلاً عدم ذكر اسمه، “منذ اختطف الخالدي صار أهالينا في المملكة يتواصلون يومياً للاطمئنان على سلامتنا، وكان أكثر ما يقلقني وزملائي طيلة فترة الاختطاف، أن يقدِم تنظيم القاعدة على تصفيته”.

وظلّ مصير الخالدي مجهولاً بعد اختطافه مدة 20 يوماً، إلى يوم 18 أبريل/نيسان 2012 الذي تلقّى فيه السفير السعودي حينها، علي بن محمد الحمدان، اتصالاً هاتفياً من أحد المطلوبين لدى السلطات الأمنية في السعودية، هو مشعل الشدوخي، المدرج اسمه ضمن قائمة الـ85 لدى سلطات بلاده. وأخبر الشدوخي، يومها السفير الحمدان أن الخالدي موجود لدى تنظيم القاعدة وأنه بصحة وعافية، وأن لديهم مطالب مقابل الإفراج عنه، وأول هذه المطالب، الإفراج عن المسجونات في السجون السعودية والإفراج عن المعتقلين في سجون المباحث، بالإضافة إلى فدية يتم الاتفاق عليها لاحقاً. وتم نشر تسجيل للمكالمة على الإنترنت.

بعد مكالمة الشدوخي – الحمدان، انهالت العروض من قبل شخصيات عديدة في اليمن للسفارة السعودية بغرض التوسط للإفراج عن الخالدي أو حتى ترتيب عملية تحرير بالقوة. يقول مصدر سعودي تابع مجريات تلك العروض لـ”العربي الجديد” إن بعض هؤلاء كنا على ثقة بصدق نواياهم ولكنهم لا يعرفون مكان الاختطاف وليس لديهم نفوذ لدى تنظيم القاعدة، والبعض الآخر كان همه الحصول على مكافأة سخية، وجزء ثالث كان يرى أن حصد الحظوة لدى الرياض بعد نجاح عملية التحرير، أهم من أي مكسب مادي. وكان السفير السعودي يرحب بأي جهود تفضي لإطلاق الدبلوماسي المختطف، لكنه كان في المقابل يؤكد لجميع عارضي التوسط بأن المملكة حريصة كل الحرص على إطلاق الخالدي غير أنها في المقابل “لن تخضع لإملاءات الإرهابيين”.

مرت أسابيع ثم شهور، ولم تُفض الجهود إلى شيء. وأطلق الخالدي خمس مناشدات مسجلة عبر شبكة الانترنت من إنتاج مؤسسة الملاحم ــ ذراع تنظيم القاعدة الإعلامي، يتوسل فيها حكومة بلاده الاستجابة لمطالب الخاطفين مقابل عودته الى أبنائه. وقد ذكّر سلطات بلاده في إحدى تلك المناشدات بأن إسرائيل قامت بالإفراج عن “أكثر من ألف فلسطيني” مقابل الجندي المختطف في غزة جلعاد شاليط. وقال “أنا مواطن سعودي خدمت الحكومة السعودية في أكثر من مكان وأكثر من موقع، ألا استحق الإفراج عني مقابل الإفراج عن بعض النسوة وبعض المشايخ؟”.

وتشير مصادر شاركت في بعض جولات التوسط لإطلاق الخالدي أن تنظيم القاعدة أوشك مراراً على الاستجابة للوساطات وتراجعت لأسباب مختلفة؛ فمرة بسبب المطالبة بفدية مضاعفة، ومرة بسبب غارات لطائرات أميركية من دون طيار، ومرة ثالثة بسبب تعنت بعض قياديي تنظيم القاعدة السعوديين إزاء الشروط المتعلقة بالسجناء.
ويقول أحد الوسطاء السابقين، لـ”العربي الجديد”، إن “المشكلة كانت بعد ذلك، سعودية سعودية، ولم يكن لدى قادة القاعدة من اليمنيين أية مشكلة في إطلاقه، ولم يكن يمنعهم سوى زملائهم السعوديين”.

وفي 23 نيسان/أبريل 2012، أعلنت السلطات السعودية الإفراج عن خمس سجينات مرتبطات بتنظيم القاعدة في إطار قرار قضائي، من دون الإشارة الى أن الإفراج يأتي استجابة لمطالب التنظيم. مع ذلك ظهر الخالدي في تسجيل مرئي يطالب بالإفراج عن بقية السجينات.
وترافقت الجهود لإطلاق الخالدي مع حملة إعلامية شرسة دفعت الرياض للامتناع كلياً عن تقديم أية فدية مقابل إطلاق الدبلوماسي المختطف لأن ذلك سيعتبر دعماً غير مباشر لتنظيم القاعدة، في وقت كان يردّ فيه التنظيم على بعض الوسطاء بأنه دفع أموالاً لخاطفي الخالدي الأوائل وأنه يتكبد كلفة عالية في حمايته وتغذيته وحتى علاجه، وبالتالي يستحيل إطلاقه من دون دفع “غرامة” التنظيم، حتى لو تم إطلاق كل السجناء المحتجزين على ذمة الإرهاب في سجون المملكة. ويكشف أحد الوسطاء لـ”العربي الجديد” إن عناصر تنظيم القاعدة ذكروا له قائمة بتكاليفهم مع الخالدي وأوردوا فيها أنهم عالجوا مشكلة لديه في النظر، استغنى بعدها عن ارتداء النظارات، وتأكد له صدق كلامهم بعد ذلك، حينما ظهر الخالدي في مناشداته المسجلة، مطلقاً لحيته ومن دون “نظارات”.

وقد أسهم كل ذلك التعقيد في جعل السنوات تمرّ من دون إحراز تقدم في جهود الوساطة. ويبدو أن الجانب السعودي كان يدير العملية بطريقة تدفع التنظيم للحرص على سلامة الخالدي واليأس التدريجي من تنفيذ كل المطالب.

وجاءت الحملات العسكرية للجيش اليمني على معاقل القاعدة في أبين وشبوة ليشكّل وجود الخالدي في حوزة عناصر التنظيم عبئاً إضافياً عليهم، ما جعلهم في بعض الأحيان يبادرون هم بالتواصل مع الوسطاء لإقناع الجانب السعودي بضرورة تنفيذ الحد الأدنى من مطالبهم مقابل إطلاقه. وأحياناً كانوا يطلبون من الوسطاء إيصال تهديدات التنظيم بتصفية الخالدي ما لم تسارع الرياض في التوصل إلى تسوية لاطلاقه. ويبدو أن الرياض اعتمدت الجهود القبلية بدلاً عن الجهود الحكومية لإطلاق الخالدي بسبب كون الحكومة العدو الأول للتنظيم وأن أي محاولة أمنيّة لإطلاقه قد تذهب روحه ثمناً لها ما لم تكن مضمونة مائة في المائة. وقد اعتمدت على نوع من الوجهاء يتمتع بالنفوذ القبلي ويعرف كيفية التواصل مع تنظيم القاعدة، ومن بينهم الشيخ طارق الفضلي، الذي كان جهادياً سابقاً في أفغانستان، وتربطه زمالة سابقة بعناصر انضموا لجماعة “أنصار الشريعة”، فرع القاعدة باليمن، ينتمون لبلدته.

*نقلا عن العربي الجديد

على الرابط: http://www.alaraby.co.uk/politics/2015/3/3/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A8%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A-%D9%88%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%81%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D9%86-%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86

“تمرد” جريمة العصر

*وائل قنديل

وائل قنديل

هل يذكر زياد أحمد بهاء الدين المعركة الباسلة التي خاضها، وحده، والده الكاتب الكبير الراحل ضد جريمة عصره، تهجير اليهود السوفييت إلى فلسطين المحتلة، في ثمانينيات القرن الماضي؟

له أن يتذكرها، الآن، ونحن بصدد “جريمة عصر” أخرى تستحق شهادته. جريمة هذا العصر اسمها “تمرد”.
بعد تسريب الدقائق السبعين في قناة “مكملين”، يحق لسكان مدينة 25 يناير الفاضلة أن يرفعوا رؤوسهم، ويشكروا الله كثيراً على نعمة الثورة البيضاء النقية التي لم تمد يدها، أو تصعر خدها، استجداء للمليارات المحركة للمليونيات.
يحق لثوار ميدان التحرير الأصليين أن يفخروا بأنهم هجروه كرهاً، حين صاروا مخيرين بين “التطبيع” مع الغزاة المحمولين على ظهر مليارات المؤامرة، أو أن يبادوا فيه.
يحق للذين قالوا لا لذهب المذل وسيفه أن يقولوا لأبنائهم إننا رفضنا التعايش مع ثورة أجيرة عند كارهي الثورات النظيفة ومحاربي التغيير.
جدير بالذين سخروا من البيان، الصادر قبل انقلاب الثلاثين من يونيو بأسابيع، من جنرال الثورة المضادة، القابع في مطبخ العمليات في أبوظبي أن يباهوا بموقفهم، حين داسوا بأقدامهم بيانه الذي يقول فيه إنه “يدعو جموع الشعب المصري إلى الاحتشاد في جميع الميادين العامة. والالتحام مع حركة تمرد الرائعة، للتوقيع على وثيقة سحب الثقة من الرئيس الإخواني. فلقد حانت ساعة الصفر الحاسمة، لاسترداد الدولة المصرية من سارقيها ومغتصبيها الذين ينحرون في توحدها وأمنها واقتصادها وحدودها نحر الفاسدين”.
يحق للذين رفضوا الاستجابة للذين اعتبروهم “آباء للثورة”، حين دعوهم إلى نسيان قيم وثوابت يناير، ابتغاء لمرضاة وعطايا صانعي يونيو، واتقاء لغضبتهم.
وطوبى للذين لم يتسللوا، كاللصوص والبغايا، إلى الغرف السرية في فنادق الجنرالات، لتلقي الأوامر والتعليمات وإرشادات التمرد فوق ظهور الدبابات والمجنزرات، وبقوا صامدين قابضين على جمر يناير، بينما كل المؤشرات تقول إن من لا يلتحق بقطار يونيو سوف تدهسه عجلاته الثقيلة.
طوبى لمن رفضوا “الثورة على ثورتهم”، ولم ينصتوا لأيقوناتها التي خانت نضالها، وباعت تاريخها، وراحت تجوب عواصم العالم تتسول العون، وتحرّض المجتمع الدولي على نظام منتخب ديمقراطياً، بحديث كاذب عن دستورٍ، لا يعترف بالهولوكوست.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، كانت تفاصيل المؤامرة قد وصلت إلى الرئيس محمد مرسي، الذي حاصره الجيش والشرطة، باستخدام حشود جماهيرية مصنوعة، داخل قصر الاتحادية.
وقبل تنفيذ الانقلاب بسبعة أشهر و17 يوماً، وجهت سؤالاً منشوراً تحت عنوان “من هو رئيس مصر 2013؟”، قلت فيه إن هناك من يعدون العدة، ويمنون النفس بإحراق هذه المرحلة بكل ما فيها، وهدم المعبد على رؤوس الجميع، لكي تعود مصر إلى ما قبل 25 يناير، وهذا ليس رجماً بالغيب، أو تعسفا في قراءة تفاصيل المشهد الراهن.
وصفت تلك اللحظات بأنها “مرحلة زرع الألغام وتفخيخ الأرض، تمهيداً لانفجار كبير تتم عملية صناعته هذه الأيام، خارج مصر وداخلها، بحيث لا تأتي الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، إلا وقد انهدم كل شيء، لتعود الغربان تنعق في طول البلاد وعرضها، وتحتفل بالانتصار.
وحسب روايات متعددة، قادمة من خارج مصر، فإن خصوم الثورة يحتشدون الآن، ويضخون أموالاً بلا طائل، لتصنيع حالة من الخراب والانفلات والفوضى في الداخل، بل إن بعضهم بدأ في تسريب أنباء عن اقتراب العودة للهيمنة على البلاد والعباد، نوعاً من الحرب النفسية الدائرة على قدم وساق، من خلال إشاعة مناخ من الرعب والفزع”.
وتأتي التسريبات لتوثق ما كان متداولاً على الألسنة، من دون دليل مادي، ثم تأتي شهادات واعترافات الناجين من مستنقعات “تمرد”، لتؤكد صدقية التسريبات.
صار من المعلوم من الوقائع بالضرورة أن هذا نظام جدير بأن تصدّق كل ما يقال عنه، وتكذّب كل ما يقوله.
التسريبات والأفعال تفضحكم، والتفجيرات لن تغطيكم.

*نقلاً عن العربي الجديد

– Swww.alaraby.co.uk/opinion/85c28096-7776-4648-aca6-59886a99c067#sthash.aP6j7I90.dpuf

السيسي فتح أبواب القاهرة للحوثيين ثم التقى الملك سلمان

320152113324
 

أبدى مراقبون مصريون دهشتهم من أنه في اللحظة التي كان عبدالفتاح السيسي يلتقي العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز في الرياض عصر الأحد، كان قد سمح لأجهزته الأمنية بدخول وفد من جماعة “أنصار الله” اليمنية المعروفة إعلاميا باسم “الحوثيين” إلى العاصمة المصرية القاهرة في صباح اليوم نفسه.
 
وأشار المراقبون إلى أن موافقة السيسي على شروع الحوثيين في اتصالات سياسية مع القاهرة، من داخلها، تتناقض مع موافقته -في خلال لقائه مع الملك سلمان- على المبادرة الخليجية التي تنص على اعتبار الحوثيين سلطة غير شرعية في اليمن.
 
وأكدت صحيفة “الشروق” المصرية المساندة للانقلاب -الاثنين- أنه وفقا لمصدر مطلع بالقاهرة (لم تسمه الصحيفة) فإن “مصر وجهت دعوة لعدد من الأطراف الحوثية لزيارة القاهرة في إطار اتصالها مع جميع أطراف الأزمة اليمنية، والجهود المبذولة للحفاظ على استقرار، ووحدة الأراضي اليمنية”، على حد تعبير  “الشروق”.
 
واستطردت الصحيفة أن الكاتب الصحفي المقرب من الحوثيين، حامد قاسم، أكد لها في اتصال هاتفي، أنه من المقرر أن يزور القاهرة هذا الأسبوع وفد يمني يضم ممثلا لجماعة “أنصار الله” هو القيادي حسين العزي رئيس دائرة العلاقات الخارجية في المكتب السياسي للجماعة.
 
لكن عضو المكتب السياسي للجماعة عبدالملك العجري قال إن وفد الحركة برئاسة رئيس دائرة العلاقات الخارجية في المكتب السياسي للجماعة قد توجه بالفعل إلى القاهرة لمقابلة مندوب اليمن الدائم بجامعة الدول العربية لبحث آخر التطورات السياسية على الساحة اليمنية، ومناقشة كيفية فتح علاقة مع القيادة المصرية، وبحث سبل التعاون المشترك، على حد قوله.
 
وأضاف العجري -في تصريحات لوكالة “أونا” للأنباء الأحد-: “نتطلع إلى دور مصري فاعل باعتبارها قائدة الدول العربية إلى جانب دورها السابق في نجاح ثورة سبتمبر” 1962، وفق وصف.
ومن جهته، كشف عضو المجلس السياسي لجماعة الحوثي “ضيف الله الشامي” عن وصول وفد من الجماعة إلى القاهرة صباح الأحد لمناقشة سبل التعاون بين الجانبين، بحسب تعبيره.
 
وكتب الشامي في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” -الأحد-: “في ظل الخطوات العملية والتواصل وفتح العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع دول العالم،  وعلى أساس الندية والاحترام المتبادل، بدأت الزيارات “الرسمية” للعديد من دول العالم، التي بدأها “وفد رسمي” يمني إلى روسيا، وكانت النتائج جيدة ومثمرة، وتستمر زياراته حيث سيلتقي اليوم بالجانب المصري بعد وصوله القاهرة في وقت مبكر صباح اليوم، وسيناقش العديد من سبل التعاون بين البلدين”. 

 نقلا عن عربي21 رابط (http://arabi21.com/story/813897)