أرشيفات الوسوم: تعز

موسيقى الشعر

مطلع الأسبوع حضرتُ صباحيةً شعرية لكوكبةٍ من الشعراء الشبان على ضفاف مُنتدى السعيد الثقافي. بالإضافة إلى الشعراء اليانعين، حضر كذلك العملاق “محمد نعمان الحكيمي”، الباهوت المُتصوّف الأنيق. استمتعت كثيراً بتغنيهم بالوطن والحب والجمال.

113189_14_1385637030

كان الحكيمي الأكثر نضجاً وخبرة؛ عزف سيمفونياته ببراعة ودونما تلكّؤ. أتقن اللغة بحركاتها حتى أضفى جمالاً آخر لأشعاره العميقة، حتى تمنينا لو أنه لم يسكُت.

بالرّغم أن القريحة الشعرية- الشاعرية والإحساس الغير اعتيادي- تُعد العنصر الأهم في النص الشعري،إلا أن تواشُج النص مع موسيقى الشّكل اللُغوي ذو أهمية قصوى كذلك. ومع هذا غياب بقية العناصر لا يُلغي الشاعرية ولا الشعراء، غير أن تكامل العناصر يصنعُ معزوفة موسيقية غاية في الجمال.

بالمُقابل غياب عُنصر الشاعرية من الشعر يجعلُه نظماً فاقداً للإحساس، وسرداً لُغوياً كغيره من النثر المُقفّى. “أن تُشرق الشمس” فهذا أمرٌ طبيعي؛ أما أن “يُشرقَ وجهُ الحبيب” مثلاً، فهنا تكمن الشاعرية وتتجسّد البلاغة بكل إعجازاتها.

يكمن صُلب الموضوع في جزالة اللغة العربية وأهميتها في النص الشعري. إهمال اللغة العربية عبر العصور من قبل مُتحدثيها الأصليين جعلنا نتحدّثها بلهجات دارجة، حتى النصوص الشعرية التي لا تكتمل إلا بإتقان لغة النص. تشكيلُ نهاية الكلِم في الشعر يصنعُ موسيقى داخلية راقية تظهرُ الشعر بكل جماله. بالمقابل ضُعف اللغة في قراءة الشعر لا يُفقده نصف جماله وحسب؛ بل إن ضعف اللغة يشردك عن النص ويصبح بلا قيمة. لا شيء يُعيبُ الشعر بقدر تكسير قواعد اللغة.

كان الشباب رئعين، استمتعنا كثيراً بشاعريّتهم وإحساسهم الجميل الذي يحملونه لهذا الوطن. في كل مجالات الشعر أثبتوا ذواتهم، رغم صغر سنّهم وخبرتهم الضئيلة. أتمنى عليهم وعلى كل من مُنح هذه الموهبة أن يُتقن اللغة العربية لكي يصير شاعراً مُكتملاً. هذه لُغتُنا التي أتقنها آباؤنا الأولون، وأنزلَ بها القرآن الكريم بلغتهم.

بالمجمل، استمتعنا كثيراً بصُحبة الرفاق؛ أتمنى لهم المزيد من التألق والنجومية لما يحملوه من جمال في أرواحهم، وقيماً وطنية فذّة.. شكراً لكم لأنكم أطربتم مسامعنا!!

تعز.. أيقونة التعايُش!

في تعز المـــرور يقـــوم بعمــله على أكمـل وجــه..
في تعز تنتشر نقاط النجدة على امتداد الشوارع الرئيسية..
في تعز نقــاطُ الجيـش تحـوّط المـدينــة من جميــع مـداخلــها..
في تعز معنا مُحافظ الحاصل وتسعة وكلاء وأمين عام كيف ما كانوا..
في تعز تجري الحياة بشكلها الطبيعي برغم الاغتيالات السياسية المفتعلة..
في تعز تكتض الأســواق بالمارة والمتسـوقين وبالباعـة المتجـولين..

Taizz, in the middle the Cair fortress

في تعز تفوحُ رائحة المشاقر والكاذي من سُطوح المنازل العتيقة، ومن خدود الغواني في الأودية وفي الأسواق الشعبية..
في تعز تكتضّ باصاتُ الفرزات الداخلية بالركاب والمتسوقين وأصحاب المصالح والمعاملات..
في تعز تفيض الحدائق والمتنزهات بالعوائل والمتفسحين..

تعز ليست بحاجة للجان شعبية من فصيل طائفي أثبت فشله السياسي في غير مدن، فيما حظي بسجل حقوقي هو الأسوأ على الإطلاق. تعز ليست بحاجة إلى دخول مليشيات لتُنتج مليشيات مُضادة؛ تعز ليست بحاجة لتدمير أكثر من ما هي عليه.

تعز مدينةُ التنوع والتعايش الفريدة من نوعها. إنها ليست تلك الأرضية الخصبة للتجاذبات، وليست ساحةً للصراع. إنها أرضية للحياة، ساحةٌ للتفاهم والحوار.

ظهور من يطالبون بإحلال لجان شعبية مؤخراً بدلاً من مؤسسات الدولة يمكن القول عنهم “مُرتزقة”. يبحثون عن وظائف لا تُسمن ولا تغني من جوع، مقابل مدينتهم. يبيعونها للتدمير الطائفي مقابل دمجهم في الجيش. كيف يُفكر هؤلاء يا ترى؟ حتى المجلس العسكري الذي شُكّل أوكلت رآستُه للمركز المقدس. وكأن انتمائهم للهاشميين الجُدد من الدرجة الثانية. تفرقة عنصرية تُكرس ثقافة مُندثرة؛ ثقافة السادة والعبيد. بل أن السادة أنفسهم ينقسمون إلى طبقات متفاوتة.

أين كان يختبئ هذا الخبث طيلة هذه السنوات؟ ومالذي جعله يندثر بهذه الطريقة المقرفة فجأة؟

بغض النظر عن رداءة الأداء الحكومي، لكنّها من رَوح الدولة. دولةٌ رخوة خير من مليشيا طائفية وصلت إلى السلطة بواسطة السلاح وترفض أن تكون دولة. الدولة مسئولية، وأي قصور في الأداء يعودُ عليها بالضرورة.

الحوثيون يُريدون أن يكونوا سُلطةً أقوى من الدولة؛ تفعلُ ما تريد ولا تدخل تحت طائلة المُسائلة. تُعطل مؤسسات الدولة لتتهمها بالفشل ومن ثم تستبيحها بطريقة بدائية انتقامية. الذّهنية الانتقامية لا تصنع دولة؛ والمشحونون بفكرة أحقية العيش دون الآخرين لا يصنعون تعايشاً بين أفراد الوطن المُتنوع.

والسؤال الملح بقوة: هل يرضى أبناءُ تعز بتدمير مدينتهم الجميلة مقابل أن يكونوا قفّازاتٍ بيد جماعة لا علاقة لها بالمُقدسات الدينية وترتهنُ على نحوٍ مُريب للخارج؟!