أرشيفات الوسوم: الوطن

أكثر الأيام حزناً في مسيرة انهيار الدولة اليمنية.. أيتام الدولة اليمنية

17-08-12-573742265

*نبيل سبيع

هذا أكثر يوم محزن في مسيرة انهيار الدولة اليمنية.

والوجه الأشد حزناً في هذا الانهيار لا يتمثل في انقضاض الميليشيا على الدولة ممثلةً برئيس الدولة قدرما يتمثل في أن رئيس الدولة كان شريك الميليشيا في الانقضاض على دولته حتى أوصل الميليشيا بنفسه إلى باب بيته.

 

اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى نشعر كمواطنين يمنيين لا ينتمون الى أي جماعات كم نحن أيتامٌ من الدولة وكم نحن شعبٌ مختلف في المسير والمصير عن شعوب الجماعات وشعوب الميليشيات.

 

صباح الخير أيها البلد الذي يسير إلى أي مكان باستثناء الأفضل!

 

إيران بين التاريخ والجغرافيا

 فهمي هويدي

032162bcb2041c7fa44a31af2a5eaaf37

إذا صح أن نفوذ إيران أصبح يمتد من لبنان إلى اليمن، فذلك ربما يعني أنها انحازت إلى الجغرافيا على حساب التاريخ

مقولة تمدد النفوذ نقلت على لسان الدكتور على أكبر ولايتي مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية للشئون الدولية ووزير الخارجية الأسبق. وعممتها وكالات الأنباء العالمية على الملأ يوم الاثنين الماضي 15/12.

وإذ أضع أكثر من خط تحت كلمتي «إذا صح» فإنني لست متأكدا تماما مما قاله الرجل،

ثم انني لا أخفي عدم ارتياح لتلك الفكرة التي رددتها أصوات بعض المثقفين والبرلمانيين في طهران خلال الأسابيع الماضية،

إلا أنها كانت معبرة عن آراء شخصية لا تحسب بالضرورة على سياسة الدولة.

لكن الأمر لابد أن يختلف حين يصدر الكلام ذاته عن مستشار المرشد للشئون الدولية، الذي ظل وزيرا للخارجية طوال 16 عاما أتقن خلالها لغة الدبلوماسيين، رغم انه طبيب أطفال بالأساس.

إذ في هذه الحالة لا نستطيع أن نفصله عن سياسة الدولة، الأمر الذي يدعونا لأن نأخذه على محمل الجد بحيث نحاول ان نقلِّبه من أوجهه المختلفة،

خصوصا إذا سكتت عليه طهران ولم تحاول أن تصوبه أو تنفيه.

ظاهر كلام الدكتور ولايتي ــ إذا لم يراجع ــ يشير إلى «نفوذ» لإيران في أربع دول عربية على الأقل هي لبنان والعراق وسوريا واليمن،

ستؤجل مناقشة حدود النفوذ وصيغته إلى ما بعد تحديد طبيعة العلاقة بين إيران والدول الأربع.

ذلك اننا نفهم أن ثمة علاقة خاصة بين طهران والنظم القائمة في الدول الثلاث (سوريا والعراق ولبنان)،

وأيا كان رأينا في تلك العلاقة فالشاهد انها حاصلة بين الدولة الإيرانية وتلك الدول، إلا أن إلحاق اليمن بالقائمة يمثل خطأ جسيما، ينم عن عدم معرفة كافية بالوضع هناك، ولئن غفر ذلك لأي مسئول إيراني آخر فإنه لا يغفر لمستشار مرشد الجمهورية للشؤون الخارجية الذي كان وزيرا سابقا للخارجية.

ذلك أنه ساوى بين النظام القائم في كل من دمشق وبغداد وبيروت وبين اللانظام الحاصل في اليمن. وبين الذين يحكمون في الدول الثلاث وبين الذين يتحكمون في مصير اليمن، ليس بسبب قوتهم أو شعبيتهم ولكن بسبب ضعف الدولة وانهيار مؤسساتها.

إذ جرى استثمار ذلك الانهيار من جانب فصيل يمثل أقلية ضمن الأقلية، في القيام بعملية اجتياح للعاصمة وسطو على مؤسساتها أعقبها تمدد في أنحاء الدولة المنهارة،

الأمر الذي أسفر عن اختطاف واجهة النظام الذي لم يفهم البعض في طهران طبيعته، فهللوا له هناك واعتبروه انتصارا للثورة الإسلامية.

وهذا منطوق يحتاج إلى بعض الافصاح والشرح.

ذلك أن سكان اليمن (25 مليون نسمة) يتوزع المسلمون فيه ما بين الشوافع نسبة إلى الإمام الشافعى والزيود نسبة إلى الإمام زيد بن على حفيد الإمام الحسين بن على بن أبي طالب.

والزيود يمثلون ثلث المسلمين والتصنيف الشائع عنهم أنهم إحدى فرق الشيعة التي قننت الخروج على الحاكم الظالم.

لكن الباحثين لا يضعونهم في سلة واحدة، وإنما يميزون بين ثلاثة اتجاهات داخل المذهب.

أحدها أقرب إلى الشيعة

والثاني أقرب إلى المعتزلة

والثالث أقرب إلى أهل السنة.

وهو ما فصل فيه الدكتور أحمد محمود صبحى أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة الاسكندرية في مؤلفه الكبير عن «الزيدية»،

وأيده في ذلك الدكتور عبدالعزيز المقالح رئيس جامعة صنعاء الأسبق في كتابه عن فكر الزيدية والمعتزلة. الذي عالج التباينات بين الاتجاهات الثلاثة داخل المذهب الزيدي،

وقال ان الاتجاه المعتزلى ينكر التَّقية كما ينكر عصمة الأئمة، وهما من أسس التشيع، مضيفا أن الزيدية معتزلة في الأصول وأحناف في الفروع.

أما العلامة الشيخ محمد أبوزهرة فقد ذكر في كتابه عن تاريخ المذاهب الإسلامية أن فقه الزيدية «قريب كل القرب من فقه الأئمة الأربعة» (عند أهل السنة).

خلاصة ما سبق أن الزيود الذين هم أقلية نسبية في اليمن (ثلث المسلمين) يتوزعون على ثلاث مدارس فكرية أو فصائل،

إحداها يميل إلى الشيعة وعلى خلاف مع المدرستين أو الاتجاهين الآخرين (المعتزلي والحنفي السَّني).

ليس ذلك فحسب، ولكن الاتجاه المتشيع بين الزيود لا يعد كيانا واحدا، ولكن أتباعه يتوزعون على عدة عائلات كبيرة كل واحدة منها لها أئتمتها.

والهاشميون الذين ينتسبون إلى آل بيت النبوة وقبيلة بني هاشم من بين تلك العائلات.

والحوثيون الذين تمركزوا في شمال اليمن فرع عن الهاشميين،

أصلهم من بلدة «حوث» في محافظة عمران،

وإمامهم ومرجعهم الفقهي هو الشيخ بدر الدين الحوثى المتوفي سنة 2010 عن 84 عاما.

مما سبق يتبين أن الحوثيين الذين اجتاحوا صنعاء في 29 سبتمبر الماضي مجرد فصيل صغير لا يمثل الهاشميين ولا يمثل الزيود وبالتأكيد لا يمثلون الشعب اليمني، ولكنهم فرع عن فرع عن فرع، وقد تفوقوا لأنهم أفضل تنظيما وتمويلا، الأمر الذي مكنهم من الهيمنة على المشهد اليمني بصورة مؤقتة.

وتلك خلفية لو كان الدكتور على ولايتى على علم بها لما تسرع وقرر أن إيران أصبحت صاحب نفوذ في اليمن.

ولما راهن على فصيل متواضع بهذه الصورة لا مستقبل له في حكم اليمن الذي هو أكبر من الحوثيين وأكثر تعقيدا وأثقل وزنا من جماعتهم.
ثم ما حكاية «النفوذ» الإيراني الذي يتحدث عنه الدكتور ولايتي ممتدا من اليمن إلى لبنان؟

ألا يعد استخدام ذلك المصطلح تأكيدا لما أثير من دعاوى وشكوك بخصوص تطلعات إيران إلى ما وراء حدودها؟

وأيهما أفضل أن تكون إيران الثورة الإسلامية على موقفها من نُصرة المستضعفين ومقاومة الاستكبار العالمى أو ان تتطلع لممارسة النفوذ وزيادته في محيطها العربي

ولأنني أحد الذين تفاعلوا مع الثورة الإسلامية منذ أيامها الأولى،

فربما جاز ان أقول إن النفوذ المزعوم قد يكون سحبا من رصيد الثورة وليس إضافة إليه.
وقد تمنيت أن تظل إيران الثورة جارا قويا يسعى لنصرة الشعوب، وليس صاحبة نفوذ قوى لدى بعض الحكومات.

والتزامها بالرسالة الأولى يدخلها إلى التاريخ،

أما المهمة الثانية فهي تخدم جغرافية الثورة وتكاد تخرجها من التاريخ.
الأمر الذي يستدعى سؤالا كبيرا هو:

هل هزم حلم الثورة أمام طموحات الدولة في إيران؟

السّرطان الحوثي!!

مُنذ انقضاضه على العاصمة، وبالرغم من توقيع ما سُمي بـ”اتفاق السلم والشراكة” برعاية مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، يتمددُ الحوثي كسرطانٍ خبيث داخل مؤسسات الدولة والمُحافظات على السواء. كل ما يقوله الحوثي يفعل نقيضه تماماً.

فقد أثبتت الأحداث إن كل مدينة يجري اقتحامُها يسبقها إما صُلح قبلي أو وساطة حكومية. مؤخراً وقبل أسبوع، دخل الحوثي مدينة أرحب شرقي صنعاء كواحدةٍ من أهم معاقل القبائل المُناهضة للتوسّع الحوثي. وكان مسلحو الحوثي قد فشلوا مراراً في اقتحامها لامتلاكها ترسانة من المقاتلين القبليين الأقوياء. تمكن مسلحو الحوثي أخيراً من دخولها إثر وساطة قبلية حقناً للدماء والدمار المتوقع حدوثما نتيجة للمعارك التي كان من المفترض أن تجري. كانت أهم النقاط التي شملها الصلح هي السماح لقوافل الحوثيين بالمرور داخل المدينة مقابل السلامة وحقن الدماء بالنسبة للقبائل. لكن تلك البنود لم تصمد لساعات من دخول المسلحين. فقد حدثت العديد من الانتهاكات وتم ملاحقة الخصوم وتفجير عدد من المنازل والمساجد ودور القرآن في المدينة. تقول إحصائية لصحيفة القدس العربي إن جماعة الحوثي أبرمت 23 اتفاقاً نقضتها كاملةً ولم تلتزم بأيٍ منها.

عدن حرة

كلّ تلك العهود المنكوثة تثبت شيئا واحدا، أن الأمر ليس بيدهم وأنهم مرتهنون لرغبةٍ خارجية، ببساطة أمرهم ليس بيدهم. فمهما كانت جماعة الحوثي، فإن أفرادها مجاميع قبلية، وليس من شيم القبائل نكث المواثيق مهما بلغ الأمر، حيث أن هذا هو شرف القبيلي كما يقولون. لكن جماعة الحوثي فعلَت مراراً. الارتهان للخارج يخرجك عن طورك؛ جماعة الحوثي تتخبّط وتنتهك الفضائع وتخرِق المواثيق والأعراف القبلية وقبل ذلك كله، الإنسانية. الارتهان للخارج يسلِبك انسانيّتك وإرادتك، فكلما أردتَ شيئاً أرادوا لك غيره، وهذا ما يفعله الحوثي تحديداً.

تقولُ إحصائية صحفية أخرى إن الحوثيين فجّروا 21 مسجداً، 12 داراً للقرآن،61 منزلاً و4 مدارس مُنذ حرب دماج. ومع هذا كلّه، يدّعي عبد الملك الحوثي أنه حفيدُ الرسول محمد (ص) وأنه قائد المسيرة (القرآنية). كيف ذلك؟ لا أحد يعلم على الأرجح.

بالعودة إلى عمالته للخارج، تقول وكالة رويترز إن الحوثيين حصلوا على دعم عسكري ومالي من إيران قبل وبعد إسقاط صنعاء. في سبتمبر عندما سقطت العاصمة، صرّح نائب برلماني إيراني منتشياً بسقوط عاصمة رابعة تحت هيمنتهم، ويقصد بتلك العاصمة “صنعاء” والتي تأتي بعد بيروت، دمشق، وبغداد.

عرقلَ الحوثيون تشكيل حكومة “بحّاح” كثيراً، وتنفّس اليمنيون الصُعداء بتشكيلها، ظناً منهم أن تشكيل حكومة سيقتضي بالضرورة انسحاب المليشات المُسلحة من العاصمة وبقية المُدن، وإيقاف المواجهات المسلحة العبثية، لكن أيٍ من ذلك لم يحصُل. فقد زاد المسلحون انتشارهم في مؤسسات الدولة، خصوصاً الأمنية. فضلاً عن مطالبهم بإدراج مسلحيهم في الجيش والأمن كمطلبٍ أولي يتبعه الكثير من المطالب، والعهود المنقوضة.

A follower of Yemen's al-Houthi tries to climb into a car belonging to the group, at the side of a road leading to the northwestern province of Saada January 23, 2013. REUTERS/Mohamed al-Sayaghi (YEMEN - Tags: CIVIL UNREST)

*الصورة من موقع المصدر أونلاين اليمني

حالياً، استكمَلَ الحوثيون السيطرة على محافظة الحديدة الساحلية، وثمة أنباء عن طردهم المحافظ بمساعدة المجلس المحلي المحسوب على حزب الرئيس السابق، وتنصيبهم رئيس محلي الحديدة محافظاً عنه. بقيَ على الجماعة السيطرة على محافظة تعز وما تحملُه من دلالة ثورية في نفوس اليمنيين، ولكن بطرُق أخرى هذه المرة.

عندما كان وزير الدفاع الحالي قائداً للمنطقة العسكرية الرابعة، والتي تقع مدينة تعز ضمن نطاقها، هدّد بأن أي محاولة لاقتحام تعز سيكون في مواجهتها هو شخصياً. تجنّب الحوثيون المواجهة المباشرة، لكنهم يعملون بطرق مختلفة لإسقاطها.

فالجماعة تختلقُ مناسباتِ عدّة في تعز للتجمّع وإيصال رسائلهم من جهة، وليبدوَ الأمر اعتيادياً ومتقبلاً عند أهلها من جهة أخرى. كان آخرها يوم أمس، فقد قدِمت سيارات حوثية من خارج المحافظة لتأبين عقيد في الجيش محسوب على جماعتهم تُوفي بحادث مروري مُريب في محافظة لحج. كما يبدو، أن الجماعة نسّقت مسبقاً مع اللجنة الأمنية لهذه الفعالية (العبثية)، لكنه بالمُقابل استعراضٌ غبي للقوة. بعد أيام، تُطل علينا ذكرى ميلاد الحبيب صلى الله عليه وسلم، وها هيَ الجماعة تحشد أنصارها لاستعراض آخر للقوة. فالأمر ليسَ له علاقة برسولنا الكريم، بقدر ما هو موسم للحشد والهنجمة. وستكثر المناسبات، وبالنسبة لتعز فالمسألة تتعلق بالوقت ليس إلا.

تغلغُل أنصار الحوثي في مفاصل الدولة الحيوية والأمنية وفي المحافظات كذلك يُنبئ عن مرحلةٍ قمعية مُخصخصة لفئةٍ ضئيلة تقول إنها تملك بذلك حقاً إلاهياً. بالمُقابل، لن يسكُت السوادُ الأعظم من الشعب، الذين يتوقون للعيش بسلام، ولا يريدون الدخول مع هذه الجماعة المُسلحة في صراعاتٍ بذات الكيفية حرصاً منهم على الوطن. سيكونُ أمام هؤلاء خياراتٍ أخرى لرفض هذا العبث، خصوصا أن ميزانية الدولة تنهار وفي ظل توقّف أي نوعٍ من المُساعدات الخارجية بسبب اعتلاء هذه الجماعة هرم السلطة. ثمة خياراتٍ غير الحروب والدماء، ولن يكون الوطن ساحةَ صراع للمليشيات المسلحة المُرتهنة للخارج؛ سيزولون جميعاً وسيبقى الوطن بمحبيه، عشاقُ السّلام!

النّزعة الانتقامية لدى الرئيس السابق

منذ أن أزيح عن الحكم عبر المبادرة الخليجية، لم يستطع الرئيس السابق “علي عبدالله صالح” تخيّل نفسه خارج دار الرئاسة. فقد حكم البلاد لأكثر من ثلاثة عقود، وكان يسعى جدياً لتأبيد ولايته والتوريث لابنه من بعده. لكن ثورة الشباب الشعبية أو ما سُمي بـ”الربيع العربي” أطاحت بآماله، ليُسلم بعدها السلطه لنائبه الجنوبي “عبد ربه منصور هادي” وفق مبادرة سُعودية أممية جعلت منه كمسمار جحا في المشهد السياسي.

news1.625401

استغل الرئيس السابق الحصانة التي منحته إياها هذه المبادرة، وعدم تضمّنها قانون عزل سياسي، وراح يلعب من خلف الستار غوايتَه التدميرية المُفضلة. أبقت المبادرة عليه- بقصد أو بدون قصد- كعامل توازن بين ما كان وما سيكون. فلا هي ثورة ناجزة، ولا هي عودة للنظام السابق. باختصار ثمة من يريد لليمن أن تبقى دولة فاشلة وحسب.

مُستعيناً بنزعته التخريبية، واصل الرّجل تدميره لمؤسسات الدولة وبِنيتها التحتية والخدمية، مستغلاً الثروة الطائلة التي استأثر بها من حكم البلد لعقود، ونصف الحكومة- وليدة المبادرة- ومفاصل الدولة المختلفة المُبقى عليها منذ فترة حكمه. منذ تنحّيه القسري، تعاظمَت عمليات تفجير أنابيب النفط والكهرباء، والمفجرون في الغالب أعضاء في الجنة الدائمة لحزبه. ليس هذا وحسب، فقد عطّل كذلك نصف الحكومة التي بحوزة وزرائه. كل هذا لكي تظهرَ الحكومة كفاشلة، وليبدو الوضع أكثر سوءً مما كان عليه في عهده، وليلعن الشعبُ الثورة ويعودوا له معتذرين، ليقود دفة السفينة مُجدداً ويمضي بهم.

يحرصُ الرّئيس السابق على بقائه دائماً خلف الأضواء بالنسبة للعرقلة التي يُمارسها، فقد بدأ دعمه الفعلي للمتمردين الحوثيين مُنذ ما قبل سقوط مدينة عمران. هو يمدهم بالرجال والسلاح، بينما يظهرون هم على الشاشة بتلك القوة. سخّر ألوية الحرس الجمهوري المرابطة هناك والخاضعة لقيادة نجله، سخّرها كقوةٍ ضاربة بأسلحتها النوعية لإسقاط المحافظة المهمة جداً.

تُعد محافظة عمران السياج الأمني للعاصمة وبسقوطها ستُشكّل صنعاء لُقمة طرية لمن يتربّص بها. حتى القبائل المُوالية لحزب صالح كان لها دورٌ مِفصلي في تفكيك القوة العسكرية القبلية المُوالية للثورة والنظام الحالي.

في العاصمة، استخدم صالح ذاتَ الأسلوب، مع اختلافٍ طفيف في الكيفية، حيث ترافق الحصار العسكري مع نزول إلى الشارع، كان لحزب الرئيس السابق النصيب الأكبر من المتظاهرين. جماعة الحوثي ليست بتلك القوة التي ظهرت بها مؤخراً؛ إنه صالح بقناع حوثي مُشوّه.

حالياً، يجري إسقاط المدن تباعاً بذات الأسلوب، لكن مع تدخل جناحه الآخر “القاعدة” لغرض إضفاء الجانب الفوضوي للوضع ليكون هو البطل المخلص. رغم تشكيل حكومة حسب “اتفاق السلم والشراكة”، إلا أنه لا شيء تغير، ولا تنوي الجماعة سحب مليشياتها لأسباب خفية ستتجلى لاحقاً.

مُقابل جنون العظمة والنفسية المريضة المُدمرة للرئيس السابق، ثمة شعبٌ هو الأفقر في المنطقة ومن أفقر شعوب العالم يئنُّ تحت وطأة هذا الكم الهائل من العبث. عبث صالح والمليشيات، والعبث المُضاد للساسة والمُعارضة العقيمة. قبل أسابيع تحدث أحد قياديي حزب صالح عن تحسّره في تضييع فرصة إقامة مجلس عسكري للبلاد في خضم هذه الفوضى التي هي صيعتهم أساساً. ثمةَ علاقة وطيدة بين ما قاله عضو المؤتمر واجتماع القادة العسكريين للحفاظ على الأمن والجيش الذي جرى في صنعاء مطلع الأسبوع. رُبما كان بداية لمجلس عسكري ينتوي صالح إشهاره، بينما يتوارى هو عن المشهد حالياً ليظهر فيما بعد.. من يدري!

طفرة الوطنية

في خضم اللامُبالاة والانتكاسات التي مُني بها الوطن بسبب الأداء الهزيل للنُّخب السياسية وقادة الرأي من جهة، وقيادة الوطن ورموز الجيش من جهة أخرى، في كومة البؤس هذه بحث اليمنيون عن قشةٍ تُخرجهم إلى برّ الوطنية. في علم النفس، يلجأ الشّخص إلى التعويض عما يفتقد إليه فعلا. ما نفتقدُه نحن هو جُرعات من الوطنية؛ وقد وجدناها.

وجدَ المواطن اليمني ضالّته في مُنتخبه الوطني الهزيل هو الآخر بسبب الإهمال والجوع أحياناً. في بطولة الخليج بنسختها الثانية والعشرين المنعقدة في الرياض مؤخراً، وجدت الجالية اليمنية العريقة في الرياض نفسها تملأ المُدرجات بالصراخ والأعلام الوطنية حتى أطلق عليهم الخليجيون “ملح البطولة”.

الجمهور-اليمني موقع كورة

*الصورة من موقع كورة الرياضي

لم يقتصر الأمر على يمنيو الخارج، في الداخل كان الحماس أكبر واتخذت المؤازرة عن بُعد أشكالاً عدة. الافتقاد للانتصارات والأخبار الطيبة دفع بالجماهير لمنح بطائق الحب والوطنية لمُنتخب كرة القدم. حتى التجار في الداخل والخارج تسابقوا إلى منح الهدايا والمبال للاعبين والطاقم.

في الداخل، اكتفى المشجعون بارتداء بزات المنتخب تضامناً معه. تآزرٌ شعبيٌ جميل وطفرة وطنية راقية لو لم يُفسدها بعض السّاسة الذين ظهروا في مواقع التواصل الاجتماعي لابسن زي المنتخب. أما جماهيرُنا في الرياض؛ فمنهم من جهّز الآلاف من الأعلام الوطنية على حسابه الخاص. البعض الآخر تجشّم عناء السفر من مُدن بعيدة لحضور المباريات وإظهار اليمن بتلك الصورة المُشرقة، ودحض الصورة المُشوّها التي يُروجها لها تُجار الحروب والإرهاب.

ليس المُنتخب هو الوحيد الذي حرّك ذلك الكم من المشاعر والعواطف الوطنية. مؤخراً ظهر أحد المتسابقين اليمنيين على شاشة البرنامج الأشهر “عرب أيدول”. يعتمدُ البرنامج في مؤازرة المتسابقين نظام التصويت عبر رسائل “إس إم إس” لجني أرباح طائلة مُستغلين حماسة الجماهير وانتمائاتهم الوطنية.

المُتسابق اليمني “وليد الجيلاني” أثار حفيظة المشاعر لدى الكثيرين؛ الأمر الذي دفع بالمواطنين -المُعسرين حتى- بالتصويت بكميات مهولة. شركات الاتصالات فعلت ذات الشيء وفتحت التصويت المجاني للمتسابق. في الحقيقة، ليس افتقاد المواطن اليمني للشعور بالوطنية وحدها من دفعت به لكل هذا؛ بل الشعور بالخيبات والهزائم المُتلاحقة في بلدهم. شعبٌ يعاني من إسهال عاطفي حاد سهل الإثارة.

حشد نت

*الصورة من موقع حشد نت

للأسف الشديد تستغلّ هذه الطفرة الوطنية القنواة الربحية. ثمة إحصائيات تقولُ إن أكثر من 40 مليون رسالة تصويت حصدتها قناة (mbc) من برنامج عرب أيدول. رُبع دولار هو قيمة الرسالة الواحدة. أي أن قيمة هذه الرسائل تصل إلى 10 مليون دولار. يبدو أن المتسابق اليمني قد حظيَ بنصف التصويت على أقل تقدير أسوةً بالمتسابقين اليمنيين الذين تعدّوا حاجز الـ50% في برامج مُشابهة. بمعنى آخر: صوّت يمنيو الداخل والخارج للمُتسابق وليد الجيلاني بما يُقارب 5 مليون دولار.. أفقر شعب تجرُفهُ الوطنية إلى هذا المآل؛ فيما تقول مصادر حكومية إن رواتب الموظفين الحكوميين للشهرين القادمين غير متوفرة..معقولة؟؟

شاهر السروري حكاية عائد إلى الحياة

في حالة ذهولٍ من أقاربه ومُحبيه، عادَ “شاهر عبدالولي السروري” إلى الحياة بعد أربعة عقودٍ من التّغييب القسري. يقولُ ابن شقيقته: “كُنا نظنه ميتاً ولم يكن على البال أن يعود بعد هذه المُدة الطويلة التي توازي عُمر إنسان”.

يُذكر أن أحد الأشخاص نقلَه إلى منزله قادماً به من محافظة الحديدة. ويعاني شاهر حالةً صحيّة مُزرية وبالكاد يستطيع التفوّه بكلمة ولكن بلكنةٍ ثقيلة بالكاد تُفهم. وكان شاهر قد دخل السجن مع العديد من رفاقه في عام 1974 من القرن الماضي؛ وإلى الآن لم يُعرف عنهم شيئاً. نسيَه الجميع، رفاق النضال والساسة، بينما لم تفقد الأمل أمُ أطفاله التي انتظرت عودته طيلة هذه المدة.

10818905_1543446119231564_52270775_n

تخرّج شاهر عبد الولي من الكلية الحربية سنة 1967، وكان أحد أهم القيادات العسكرية التي فكّت الحصار المعروف بـ”حصار السبعين” الذي فرضهُ الملكيون على العاصمة صنعاء مطلع سبعينيات القرن الماضي. وبعد الأحداث السياسية التي شهدتها البلاد، توجّه السروري إلى مدينة عدن- جنوب البلاد- ليمكث هناك حتى تاريخ اختفائه الفُجائي سنة 1974 لأسباب سياسية بحتة ومن ثم ترحيله إلى إحدى الجُزر النائية.

قبل ثلاثة أيام، عادَ شاهر في ظروفٍ غامضة ليُثير ملف المخفيين قسراً ويعيدُه إلى واجهة الأحداث. تقول شقيقة السروري إنه بحالة نفسية وجسدية مُعقّدة، وبصعوبة كبيرة يستطيع النطق بكلمه. وأضافت: “عندما علمت بالأمر أُصبت بالذهول، وأتيت جرياً للتعرف عليه”. قيل له: “هذه شقيقتك!” وعندما سمع باسمي انتفض وحملق في طويلاً لكنه لم يستطع التحدّث إلي.

ليست هذه أول حالة ظهور لمخفي، فقد ظهر “مطهر عبد الرحمن الإرياني” قبل عام بذات الحالة المُزرية. وجدوه في دار مُسنين في الحديدة كذلك وهو مخفي منذ عام 1982، ولم نسمع عن أخباره حتى الآن. قبل عامين، أخبرني زميل عن مقابلته أحد المخفيين في إحدى مصحّات محافظة الحديدة؛ أفرج عنه من المعتقلات السّرية ليُزج به إلى مستشفى المجانين. والقائمة تطول!

ثمة سرٌ وراء إظهار هؤلاء المُغيّبين قسراً مُنذ عقود في هذا التوقيت الحسّاس تحديداً. وهناك علاقة بين الإفراج عنهم وبين الحالة التي وصلوا إليها من الإنهاك والصمت المُريب الذي يُمارسونه بعد ظهورهم. يتخوّف أهالي شاهر السروري من الحديث لوسائل الإعلام، كما يمنعون أي أحد بالتحدث إليه أو حتى إلقاء نظرة. يقول ابن شقيقته إن هذا الغُموض الذي يكتنف عودة خاله وظروف اعتقاله السياسية، كل هذا يجعلُ عائلته قلقون على حياته.

كل هذا الغموض من شأنه تسليط الضّوء مجدداً على قضية المخفيين قسراً. يُذكر أن المئات من مناضلين وضُباط تعرّضوا لعمليات إخفاء قسري وفي معتقلات سرية منذ سبعينيات القرن الماضي، ولم تُعرف أخبارهم إلى الآن؛ إن كانوا أحياءً أو أموات. ويُحمّل أهالي المعتقلين النّظام السابق وشخصياتٍ عسكرية نافذة بالوقوف وراء هذا الملف.

من المفترض أن يُثار هذا الملف من جديد خصوصاً في خضم التّدافع السياسي الذي تشهده البلاد. أضف إلى ذلك ظهور رموز النظام السابق مُجدداً إلى واجهة المشهد السياسي باعتبارهم اللاعبين الرسميين في قضية المخفيين.

شبَح الحرب الأهليّة

نُفذت عملية اغتيال “صادق منصور” القيادي في الإصلاح بأثر رجعي. كانت الخطة تقتضي أن يتم الاغتيال قبل ذلك، أي قبل اغتيال الدكتور المتوكل رحمه الله بأيام. ثمة معلومات مفادها تعرض منصور لمحاولة اغتيال قبل أسابيع نجا منها.

البداية بصادق منصور، والدكتور المتوكل سيكون الهدف الثاني لتشتعل بعدها الحرب. اللعنة! من هذا الطرف الخفي الذي يسعى حثيثا لإشعال فتيل الحرب الطائفية التي نجا منه اليمنيون مراراً؛ وإلى أين كانت البلاد لتصل؟؟؟

الشهيدان

هذان القياديان، رحمة الله عليهما، من أروع ما يكون بين وسطهم الحزبي. الدكتور المتوكل همزة الوصل بين الفرقاء وحلقة السلام اللامتناهية. منصور -قبل مقتله- كان يقود مساعٍ حثيثة للَم شمل الفرقاء في تعز وتقريب وجهات النظر للتوافق على عدم السماح لأي مليشيات مُسلحة بالتواجُد على أرضها.

تغيّرت الموازين المرسومة بفشل مُحاولة اغتيال القيادي الإصلاحي صادق منصور. ومع ذلك استمرّت الخُطة لتحصُد روح الدكتور المتوكّل رحمة ربي تغشى روحه. الدكتور المتوكل، لمن لا يعرفه، شخصية اجتماعية وعاقلة مات وهو يحلُم بالدولة المدنية. سياسي مُخضرم وأستاذ جامعي تتلمذ على يده معظم السياسيين الجُدد والشباب الصاعدين.

كانت أسرة الشهيد المُتوكّل- كما عدناها- ناضجة ومُتعقّلة بل ورفضت استغلال مُصابها استغلالاً سياسياً لمصلحة طرف. عادَ الدور مُجدداً قبل أسبوع تقريباً على القيادي في حزب الإصلاح- صادق منصور. اغتيل رحمه الله بتفجير عبوة ناسفة في كرسي سيارته. ومع ذلك ابتلعها حزب الإصلاح ولم يُسارع بإلقاء التُّهم على أي طرف سياسي مُطالباً الجهات الأمنية بالقيام بواجبها في مُلاحقة الفاعلين. بمعنى آخر، ما أرادهُ الطرف الثالث والذي خطّط بعناية لهذه الاغتيالات السياسية لم يتم؛ ولن يتم. هذا الشعب المسحوق يعرفُ كيف يُقيلُ عثراته، وكيف يُطبّب جراحاته اللامُتناهية مهما كانت عميقة.

كان للخطأ في التوقيت -بعد عناية الله- دور كبير في إفشال الخُطة ما بعد الاغتيالين. في حال لم تفشل عملية الاغتيال الأولى بحق صادق منصور لكان الأمر مُختلف. ومع فشلها كان لا بد للمخططين التخلي عن الخطة نهائياً؛ لكنه الغباء المُركّب. في حال تمت عملية الاغتيال الأولى، سيكتفي حزب الإصلاح بالتنديد ولا أظنه سيُبادر بالاتهام لطرف مُحدد رُغم كونه مُستهدفاً بل وحظيَ مُنتسبوه بعمليات اقتحام للمنازل واعتداءات واسعة. سيصمُتُ الإصلاح بلا شك؛ ومن ثم سيتم تنفيذ الجزء الثاني من المسرحية باغتيال الدكتور المتوكّل. هنا ستكون الكارثة، قاصمة الظهر.

لن يسكُتَ الحوثيون، وسيُبادرون باتهام الإصلاح باعتبار العملية واضحة كانتقام سياسي لمقتل صادق منصور. سيصيحُ أهالي الشهيد المُتوكّل بعدم تمييع القضية، وعدم أحقيّة أحد في التحدّث عنهم. لكن الغضب والهيستيريا التي سيعمدُ لها مُسلحو الحوثي لن يُثنيها أحد كان؛ ولكم أن تُقدروا النتائج المُترتّبة على غضب مليشيا منهجُها السلاح. في النهاية، إنه قضاء الله ولُطفه بهذا البلد المُنهك، والذي لا يحتملُ المزيد من التمزّق. رحمة الله تغشى الشهيدين البطلين؛ ولعناتُه تُطارد القتَلة أينما حلّوا.

يا لطف الله!! إلى أين يراد لهذه البلاد أن تذهب؟؟

معركة النفط!

موقع بكرة نت

في منطقة الشّرق الأوسط- الموبوء بالصراعات- يحتدم سباقُ التسلّح، فيما يخوض أقطابُ الصراع حروباً باردة وأخرى بالنيابة في مناطق عدّة لإثبات الهيمنة على المنطقة. تسعى إيران لامتلاك سلاح نووي وفرض نفسها كقوة إقليمية لا يستهانُ بها. في ذات الوقت تواصل إسقاط دول الشرق الأوسط تحت سيطرة حُلفائها الطائفيين في الغالب لتسحب البساط من تحت الهيمنة السعودية، كُبرى دول الشرق الأوسط.

بالمُقابل وجدت السعودية ذاتها محاطةً بتمدّد إيراني من شتى الاتجاهات، الأمر الذي جعلها تدق ناقوس الخطَر. تعتمدُ السعودية في معركتها بشكلٍ أساسي على اقتصادها الهائل المعتمد بشكل أساسي على النفط. بينما تكمن مشكلة إيران في الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه منذ سنوات بسبب العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب.

بعد أن شعرت السعودية بالخطر الحقيقي القادم من طهران والذي توّج مؤخراً بسيطرة مليشيا الحوثي الطائفية والموالية لإيران على مقاليد الأمور في اليمن. هذا الخطر دفع بالسعودية لعمل مُضاد يحدّ من توسع طهران المحموم بل لإفشاله على الأرجح.

قامت السعودية مؤخراً بتخفيض سعر النفط العالمي- بصفتها الأكثر إنتاجاً- والذي يبدو بإيعاز من الولايات المتحدة لمآرب أخرى. تلعب الولايات المتحدة أدواراً عدة بين أقطاب الصراع. فيما تُجري مفاوضاتٍ معها بشأن برنامجها النووي، تسعى الولايات المتحدة للضغط على إيران وداعمتها الرئيسية روسيا عبر السعودية. قدمت الولايات المتحدة لإيران تنازلات قيمة لعل من أهمها القضية السورية، محاربة داعش والتغاضي عما يحصل في اليمن لصالحها. كل هذه التنازلات غرضها الحصول على تنازلات من الجانب الإيراني بشأن برنامجها النووي لإرضاء ابنتها المُدللة “إسرائيل”. كل هذا الغموض من شأنه الاتضاح خلال الأيام القادمة التي سيُسدل خلالها الستار على المفاوضات الإيرانية الغربية نهائياً بشأن طموحاتها النووية.

بالعودة إلى خفض سعر النّفط من قبل السعودية، فهذا الأمر يلقى ترحيباً أمريكياً كونه ورقة ضغط على إيران من جهة، وكونه أداة تحطيم قوية لخصمها اللدود الروسي.

ليس بوسع السعودية عمل شيء إزاء الوضع الراهن باستثناء الضغط الاقتصادي. فالأولى قد خسرَت جميع المكونات السياسية في تلك الدول بفضل سياسة التخبّط المتخذة مؤخراً في إطار التحالف السعودي الإماراتي. تقوم سياسة هذا التحالف على ضرب الإسلام السياسي السني باعتباره الخطر الحقيقي على أمراء النفط الخليجيين، محملين الأخير مسؤولية فوضى ما سُمي بـ”الربيع العربي”. هذا الاستعداء المُمنهج للفصائل السّياسية في اليمن – على سبيل المثال- فتح الطريق أمام رموز النظام السابق للعودة إلى المشهد عبر التحالف مع مليشيا الحوثي الطائفية التي تدين لإيران.

على أنقاض هذه الانتكاسة السياسية تتكبّد دول الخليج- بما فيهم السعودية- خسائر اقتصادية في سبيل الضغط على التوسّع الإيراني. فهذه الدول ذات اقتصادات عريقة وتخفيض سعر النفط لا يضر بها بقدر الضّرر الذي يُلحقه بإيران المُعتمدة بموازنتها على بيع النفط بالأسعار الطبيعية وفي ظل العُقوبات الاقتصادية التي تعيشها منذ سنوات. ورغم القدرات الاقتصادية الهائلة لدول الخليج، لم تُخفي بعض دول مجلس التعاون تأثير هذا الإجراء على اقتصادها. فقد قال رئيس الوزراء الكويتي لصحيفة محلية إن انخفاض سع النفط يُقلق الحكومة، غير أنه يجب أن لا يصيبهم بالذعر، منوّهاً إلى أهمية اتخاذ إجراءات تقشّفية لمواجهة الأمر، بحيث لا تصيب محدودي الدخل.

في الحقيقة، تملك إيران مصادر تمويل أخرى مجهولة على ما يبدو. فبالرغم من العقوبات العديدة المفروضة منذ سنوات، تستطيع إيران تزويد حلفائها في العراق ولبنان واليمن بالأسلحة ووفرة كبيرة من الأموال التي يندرج تحتها شراء الولاءات العسكرية والقبلية. كما أسلفت، كل ما يدور اليوم خلف دهاليز الساسة سينكشف نهاية نوفمبر الجاري بانتهاء مُهلة المُفاوضات المزمعة. من المفترض أن تتبدّل الأحداث الجارية على الأرض في اليمن والعراق وسوريا، بما في ذلك مصير الرئيس الأسد. من المفترض أن تختلف طريقة التعامل مع تنظيم “داعش” والذي يُوظف هو الآخر كأداةٍ للضغط في اللعبة الإقليمية.

هذه الحرب الباردة- معركة النفط- من المفترض أن تؤتي أكُلَها بعد اتضاح الرؤية بشأن برنامج إيران النووي. بعدها إما سيتم التعامل بحزم مع التوسع الإيراني، وإما سيتم تسليمها زمام الأمور بشكل رسمي وهذا يعتمد بشكل أساسي على مدى التنازلات التي ستقدمها لنظرائها الغربيين.

*الصورة من موقع بُكرة نت

ولادةُ المَد

في خضم الرّكود الثّوري الذي يعيشهُ الشارع اليمني بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد، وُلد المدّ من رحم الشارع. “مواطن من أجل دولة”، هذا هو اسم حركة المد.

مد1

جرَت العادة أن تكونَ الدولة من أجل المواطن، لكن عندما توجد هي في البداية. الدولة غائبة، أو بالأحرى اكتشفنا فجأةً أننا بلا دولة. في الحقيقة، لم تكن الدولة موجودةٌ من قبل، لكن هذه الحقيقة بدت جلية بعد تصاعد العنف وارتفاع صوت المليشيات المُسلحة لتسيطر على الطابع العام.

في البداية، لا بد من إيجاد الدولة. من الذي سيأتي بالدولة؟ المواطن، أنا وأنت وهو وهم بالتأكيد. الدولة السّوية تحتظنُ المواطن وتهتمُ لأمره؛ لكن في غيابها وحده المواطن من يستطيع إثباتها في عملية تبادل أدوار.

في ظل الاحتقان الحِزبي والطائفي الذي يدفعُ بالأوضاع حتماً إلى السقوط في فخ الاحتراب الداخلي، كان لا بدّ من عمل مُضاد لهذه الحالة السائدة. الحاجة للتعايُش ونبذ الاحتراب على أساس الفئة والطائفة والجغرافيا هي غاية سامية لهذه الحركة. الاحتراب مُدمر، ولا يوجد فيه طرفٌ منتصر وآخرُ خاسر. الخاسر الوحيد هو الوطن.

بعد الأحداث الأخيرة وفرض واقع جديد، أصيب الشّارع بالركود، وتضائل الفعل الثوري الذي كان أحد المكتسبات الضئيلة لثورة فبراير. الفعل الثوري الاحتجاجي بدأ في 11 فبراير، ودّع فيه الشارعُ اليمني الخوف والاستكانة للقمع والإقصاء. عادت حركة مد لتنشيط الفعل الثوري وكسر حالة الجُمود والذّهول الذي يحاولُ الوضع القائم فرضُه عنوة.

بالمقابل، استياء الأوضاع بعد الثورة وتنامي العنف والمليشيات المسلحة دفعت بالبعض لتحميل الثورة وصول الوضع إلى هذا الحد. بمعنى آخر، الأخطاء الهائلة التي رافقت الفعل الثوري في الميادين، والأداء السياسي للأحزاب القائمة في التعامل مع الوضع أدّت إلى خلق هالة مقت شديدة للثورة.

إذن، لن يخرج الشارع إلا بفكر بديل. الوضع مُزرٍ وأعمال العنف تتنامى، بينما تتساقط المُدن في قبضة المليشيات المُسلحة. “لا تقف صامتاً؛ افعل شيئاً” كانت هذه إحدى شعارات حركة مد. إنها دعوة للخروج السلمي رفضاً للعنف والمليشوية والاحتراب. إنها دعوةٌ للتعايش؛ دعوةٌ للحياة. ” صمتك يغتال أمنك.. أنا وأنت” كُلنا هدفٌ لأعمال العنف.

مد

من تعز بدأ المد، ولن يتوقّف إلا بتوقّف العنف والتجييش للاقتتال الطائفي والفئوي. “مد” حركة احتجاج شعبية سلمية ليست موجّهة ضد أحد؛ هي ضد الاحتراب الأهلي وحسب. سيتوغّل المد إلى كلّ شارع، إلى كل حارة ومنزل للتوعية حول التعايُش والسلام. لا بد من صناعة جيلٍ مدني واعٍ مُتعايش، عليه نُعلّق آمالنا العريضة للنجاة.
حتماً سننجو!!