أرشيفات الوسوم: رواندا

رواندا الجريحة كأنموذجٍ للنهوض

ما تُذكر “رواندا” إلا وذُكرت معها أبشعُ عملية إبادة جماعية عرفها التاريخ. عُرف وطن “الألف تل” بمناخه الجميل وتضاريسه الاستثنائية رغم وقوعه على خط الاستواء وذلك بسبب تضاريسه الجبلية المرتفعة، ولهذا عُرفت رواندا بهذا الاسم. هذه الميزات جعلتها عُرضةً لأطماع الدول العظمى؛ حصلت على استقلالها عن بلجيكا سنة 1962م.

1085838

صورة من موقع تغاريد

وقعت رواندا- كغيرها من البلدان التي كانت تحت الانتداب الأجنبي- وقعت ضحية التدخّل الخارجي حتى بعد نيلها الاستقلال. تنتهجُ بعض الدول العظمى سياسة الاستقطاب وتقوية بعض الفئات على حساب الأخرى، خصوصاً الأقليات. وهذا ما حدث في رواندا تحديداً.

في رواندا، كانت هناك قبيلتان عريقتان “الهوتو” و”التوتسي”. كان الهوتو- المزارعون- يمثلون أغلبية السّكان، بينما يُمثل التوتسي- تجّار المواشي- الأقلية في البلاد. كانت القبيلتان تعيشان بسلام قبل أن تدخل التفرقة العنصرية بين القبيلتين والتي ولّدت سلسلة من أعمال العُنف أفضت في النهاية إلى أفضع إبادة جماعية في التاريخ.

عمدَت “بلجيكا” على دعم بعض فئات أقلية التوتسي على حساب الهوتو، الأمر الذي دفع بالتوتسي لارتكاب فضائع عنصرية استعلائية ضد الهوتو. بعد سلسلة من الحروب بين القبيلتين، والاستقواء أحياناً بدول الجوار، عادت بلجيكا لتُحريض الهوتو للانتقام ليقوموا بدورهم بعملية إبادة جماعية عنصرية ضد التوتسي لم تندمل آثارها إلى اليوم.

فبحسب إحصاءات الأمم المتحدة، تعرّض زهاء 800 ألف شخص للذبح، فيما تعرضت مئات الآلاف من النساء للاغتصاب. في تلك الغضون، لم تحرك بلجيكا ساكناً ولم تتعرض حتى إعلامياً على المجزرة، لكنّها بالمقابل عادت لتدعم جماعات متمردة من التوتسي وأوصلتهم إلى سُدة الحكم ليُمارسوا الثأر كدوامةٍ مُتواصلة من العنف لا تنتهي.

400px-Rwandan_Genocide_Murambi_skulls

 

جماجم وهياكل عظميه لضحايا الأبادة الجماعية تم تصويرها في مدرسة عام 2001(ويكيبيديا)

عموماً ليس التدخّل الخارجي يُشابه بعضه، لكن أغلبه مُدمر وكارثي. بالمُقابل ليست الدول المُستعمرة متشابهة، فبعضُها حقق الكثير لمستعمراتها السابقة.

بالعودة إلى رواندا الجريحة، وبرغم الآثار النفسية التي تمر بها والصعوبة التي يواجهها الروانديون في تحقيق التعايُش المطلوب بعد سلسلة العنف والكراهية، حقّقت رواندا نجاحاتٍ اقتصادية وديمقراطية هائلة. تُعتبر رواندا الآن من أكثر الدول نمواً، حيث تضاعف متوسط الدخل أكثر من ثلاث مرات في السنوات العشر الأخيرة حسب سي إن إن. بالفعل بدأ البلد مُنذ ذلك الحين بالتعافي، وتوصف حكومتها كواحدةٍ من أكثر الحُكومات كفاءةً ونزاهة في أفريقيا. وقد حضيَت رواندا في 2008 بأول مجلس تشريعي منتخب أغلبيته من النساء.

يُعد مناخ رواندا من الطراز الاستوائي. تتمتع بهضاب مرتفعة مكسوة بالعشب كمزيج استوائي معتدل جعلها قبلة للسياحة العالمية. لذا فهي تعتمد على السياحة كأحد الموارد الاقتصادية للحكومة.

الاستسلام للموت يقتلك مراتٍ كثيرة، بالمُقابل الإصرار على الحياة يهبك الحياة بكل جمالها. هكذا فعل الروانديون، أقبلوا على الحياة فأقبلَت إليهم مُرددةً سيمفونيات الخلود وأغاني الحب الأزلية.