أرشيفات الوسوم: مليشيات الحوثي

السّرطان الحوثي!!

مُنذ انقضاضه على العاصمة، وبالرغم من توقيع ما سُمي بـ”اتفاق السلم والشراكة” برعاية مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، يتمددُ الحوثي كسرطانٍ خبيث داخل مؤسسات الدولة والمُحافظات على السواء. كل ما يقوله الحوثي يفعل نقيضه تماماً.

فقد أثبتت الأحداث إن كل مدينة يجري اقتحامُها يسبقها إما صُلح قبلي أو وساطة حكومية. مؤخراً وقبل أسبوع، دخل الحوثي مدينة أرحب شرقي صنعاء كواحدةٍ من أهم معاقل القبائل المُناهضة للتوسّع الحوثي. وكان مسلحو الحوثي قد فشلوا مراراً في اقتحامها لامتلاكها ترسانة من المقاتلين القبليين الأقوياء. تمكن مسلحو الحوثي أخيراً من دخولها إثر وساطة قبلية حقناً للدماء والدمار المتوقع حدوثما نتيجة للمعارك التي كان من المفترض أن تجري. كانت أهم النقاط التي شملها الصلح هي السماح لقوافل الحوثيين بالمرور داخل المدينة مقابل السلامة وحقن الدماء بالنسبة للقبائل. لكن تلك البنود لم تصمد لساعات من دخول المسلحين. فقد حدثت العديد من الانتهاكات وتم ملاحقة الخصوم وتفجير عدد من المنازل والمساجد ودور القرآن في المدينة. تقول إحصائية لصحيفة القدس العربي إن جماعة الحوثي أبرمت 23 اتفاقاً نقضتها كاملةً ولم تلتزم بأيٍ منها.

عدن حرة

كلّ تلك العهود المنكوثة تثبت شيئا واحدا، أن الأمر ليس بيدهم وأنهم مرتهنون لرغبةٍ خارجية، ببساطة أمرهم ليس بيدهم. فمهما كانت جماعة الحوثي، فإن أفرادها مجاميع قبلية، وليس من شيم القبائل نكث المواثيق مهما بلغ الأمر، حيث أن هذا هو شرف القبيلي كما يقولون. لكن جماعة الحوثي فعلَت مراراً. الارتهان للخارج يخرجك عن طورك؛ جماعة الحوثي تتخبّط وتنتهك الفضائع وتخرِق المواثيق والأعراف القبلية وقبل ذلك كله، الإنسانية. الارتهان للخارج يسلِبك انسانيّتك وإرادتك، فكلما أردتَ شيئاً أرادوا لك غيره، وهذا ما يفعله الحوثي تحديداً.

تقولُ إحصائية صحفية أخرى إن الحوثيين فجّروا 21 مسجداً، 12 داراً للقرآن،61 منزلاً و4 مدارس مُنذ حرب دماج. ومع هذا كلّه، يدّعي عبد الملك الحوثي أنه حفيدُ الرسول محمد (ص) وأنه قائد المسيرة (القرآنية). كيف ذلك؟ لا أحد يعلم على الأرجح.

بالعودة إلى عمالته للخارج، تقول وكالة رويترز إن الحوثيين حصلوا على دعم عسكري ومالي من إيران قبل وبعد إسقاط صنعاء. في سبتمبر عندما سقطت العاصمة، صرّح نائب برلماني إيراني منتشياً بسقوط عاصمة رابعة تحت هيمنتهم، ويقصد بتلك العاصمة “صنعاء” والتي تأتي بعد بيروت، دمشق، وبغداد.

عرقلَ الحوثيون تشكيل حكومة “بحّاح” كثيراً، وتنفّس اليمنيون الصُعداء بتشكيلها، ظناً منهم أن تشكيل حكومة سيقتضي بالضرورة انسحاب المليشات المُسلحة من العاصمة وبقية المُدن، وإيقاف المواجهات المسلحة العبثية، لكن أيٍ من ذلك لم يحصُل. فقد زاد المسلحون انتشارهم في مؤسسات الدولة، خصوصاً الأمنية. فضلاً عن مطالبهم بإدراج مسلحيهم في الجيش والأمن كمطلبٍ أولي يتبعه الكثير من المطالب، والعهود المنقوضة.

A follower of Yemen's al-Houthi tries to climb into a car belonging to the group, at the side of a road leading to the northwestern province of Saada January 23, 2013. REUTERS/Mohamed al-Sayaghi (YEMEN - Tags: CIVIL UNREST)

*الصورة من موقع المصدر أونلاين اليمني

حالياً، استكمَلَ الحوثيون السيطرة على محافظة الحديدة الساحلية، وثمة أنباء عن طردهم المحافظ بمساعدة المجلس المحلي المحسوب على حزب الرئيس السابق، وتنصيبهم رئيس محلي الحديدة محافظاً عنه. بقيَ على الجماعة السيطرة على محافظة تعز وما تحملُه من دلالة ثورية في نفوس اليمنيين، ولكن بطرُق أخرى هذه المرة.

عندما كان وزير الدفاع الحالي قائداً للمنطقة العسكرية الرابعة، والتي تقع مدينة تعز ضمن نطاقها، هدّد بأن أي محاولة لاقتحام تعز سيكون في مواجهتها هو شخصياً. تجنّب الحوثيون المواجهة المباشرة، لكنهم يعملون بطرق مختلفة لإسقاطها.

فالجماعة تختلقُ مناسباتِ عدّة في تعز للتجمّع وإيصال رسائلهم من جهة، وليبدوَ الأمر اعتيادياً ومتقبلاً عند أهلها من جهة أخرى. كان آخرها يوم أمس، فقد قدِمت سيارات حوثية من خارج المحافظة لتأبين عقيد في الجيش محسوب على جماعتهم تُوفي بحادث مروري مُريب في محافظة لحج. كما يبدو، أن الجماعة نسّقت مسبقاً مع اللجنة الأمنية لهذه الفعالية (العبثية)، لكنه بالمُقابل استعراضٌ غبي للقوة. بعد أيام، تُطل علينا ذكرى ميلاد الحبيب صلى الله عليه وسلم، وها هيَ الجماعة تحشد أنصارها لاستعراض آخر للقوة. فالأمر ليسَ له علاقة برسولنا الكريم، بقدر ما هو موسم للحشد والهنجمة. وستكثر المناسبات، وبالنسبة لتعز فالمسألة تتعلق بالوقت ليس إلا.

تغلغُل أنصار الحوثي في مفاصل الدولة الحيوية والأمنية وفي المحافظات كذلك يُنبئ عن مرحلةٍ قمعية مُخصخصة لفئةٍ ضئيلة تقول إنها تملك بذلك حقاً إلاهياً. بالمُقابل، لن يسكُت السوادُ الأعظم من الشعب، الذين يتوقون للعيش بسلام، ولا يريدون الدخول مع هذه الجماعة المُسلحة في صراعاتٍ بذات الكيفية حرصاً منهم على الوطن. سيكونُ أمام هؤلاء خياراتٍ أخرى لرفض هذا العبث، خصوصا أن ميزانية الدولة تنهار وفي ظل توقّف أي نوعٍ من المُساعدات الخارجية بسبب اعتلاء هذه الجماعة هرم السلطة. ثمة خياراتٍ غير الحروب والدماء، ولن يكون الوطن ساحةَ صراع للمليشيات المسلحة المُرتهنة للخارج؛ سيزولون جميعاً وسيبقى الوطن بمحبيه، عشاقُ السّلام!

النّزعة الانتقامية لدى الرئيس السابق

منذ أن أزيح عن الحكم عبر المبادرة الخليجية، لم يستطع الرئيس السابق “علي عبدالله صالح” تخيّل نفسه خارج دار الرئاسة. فقد حكم البلاد لأكثر من ثلاثة عقود، وكان يسعى جدياً لتأبيد ولايته والتوريث لابنه من بعده. لكن ثورة الشباب الشعبية أو ما سُمي بـ”الربيع العربي” أطاحت بآماله، ليُسلم بعدها السلطه لنائبه الجنوبي “عبد ربه منصور هادي” وفق مبادرة سُعودية أممية جعلت منه كمسمار جحا في المشهد السياسي.

news1.625401

استغل الرئيس السابق الحصانة التي منحته إياها هذه المبادرة، وعدم تضمّنها قانون عزل سياسي، وراح يلعب من خلف الستار غوايتَه التدميرية المُفضلة. أبقت المبادرة عليه- بقصد أو بدون قصد- كعامل توازن بين ما كان وما سيكون. فلا هي ثورة ناجزة، ولا هي عودة للنظام السابق. باختصار ثمة من يريد لليمن أن تبقى دولة فاشلة وحسب.

مُستعيناً بنزعته التخريبية، واصل الرّجل تدميره لمؤسسات الدولة وبِنيتها التحتية والخدمية، مستغلاً الثروة الطائلة التي استأثر بها من حكم البلد لعقود، ونصف الحكومة- وليدة المبادرة- ومفاصل الدولة المختلفة المُبقى عليها منذ فترة حكمه. منذ تنحّيه القسري، تعاظمَت عمليات تفجير أنابيب النفط والكهرباء، والمفجرون في الغالب أعضاء في الجنة الدائمة لحزبه. ليس هذا وحسب، فقد عطّل كذلك نصف الحكومة التي بحوزة وزرائه. كل هذا لكي تظهرَ الحكومة كفاشلة، وليبدو الوضع أكثر سوءً مما كان عليه في عهده، وليلعن الشعبُ الثورة ويعودوا له معتذرين، ليقود دفة السفينة مُجدداً ويمضي بهم.

يحرصُ الرّئيس السابق على بقائه دائماً خلف الأضواء بالنسبة للعرقلة التي يُمارسها، فقد بدأ دعمه الفعلي للمتمردين الحوثيين مُنذ ما قبل سقوط مدينة عمران. هو يمدهم بالرجال والسلاح، بينما يظهرون هم على الشاشة بتلك القوة. سخّر ألوية الحرس الجمهوري المرابطة هناك والخاضعة لقيادة نجله، سخّرها كقوةٍ ضاربة بأسلحتها النوعية لإسقاط المحافظة المهمة جداً.

تُعد محافظة عمران السياج الأمني للعاصمة وبسقوطها ستُشكّل صنعاء لُقمة طرية لمن يتربّص بها. حتى القبائل المُوالية لحزب صالح كان لها دورٌ مِفصلي في تفكيك القوة العسكرية القبلية المُوالية للثورة والنظام الحالي.

في العاصمة، استخدم صالح ذاتَ الأسلوب، مع اختلافٍ طفيف في الكيفية، حيث ترافق الحصار العسكري مع نزول إلى الشارع، كان لحزب الرئيس السابق النصيب الأكبر من المتظاهرين. جماعة الحوثي ليست بتلك القوة التي ظهرت بها مؤخراً؛ إنه صالح بقناع حوثي مُشوّه.

حالياً، يجري إسقاط المدن تباعاً بذات الأسلوب، لكن مع تدخل جناحه الآخر “القاعدة” لغرض إضفاء الجانب الفوضوي للوضع ليكون هو البطل المخلص. رغم تشكيل حكومة حسب “اتفاق السلم والشراكة”، إلا أنه لا شيء تغير، ولا تنوي الجماعة سحب مليشياتها لأسباب خفية ستتجلى لاحقاً.

مُقابل جنون العظمة والنفسية المريضة المُدمرة للرئيس السابق، ثمة شعبٌ هو الأفقر في المنطقة ومن أفقر شعوب العالم يئنُّ تحت وطأة هذا الكم الهائل من العبث. عبث صالح والمليشيات، والعبث المُضاد للساسة والمُعارضة العقيمة. قبل أسابيع تحدث أحد قياديي حزب صالح عن تحسّره في تضييع فرصة إقامة مجلس عسكري للبلاد في خضم هذه الفوضى التي هي صيعتهم أساساً. ثمةَ علاقة وطيدة بين ما قاله عضو المؤتمر واجتماع القادة العسكريين للحفاظ على الأمن والجيش الذي جرى في صنعاء مطلع الأسبوع. رُبما كان بداية لمجلس عسكري ينتوي صالح إشهاره، بينما يتوارى هو عن المشهد حالياً ليظهر فيما بعد.. من يدري!

شبَح الحرب الأهليّة

نُفذت عملية اغتيال “صادق منصور” القيادي في الإصلاح بأثر رجعي. كانت الخطة تقتضي أن يتم الاغتيال قبل ذلك، أي قبل اغتيال الدكتور المتوكل رحمه الله بأيام. ثمة معلومات مفادها تعرض منصور لمحاولة اغتيال قبل أسابيع نجا منها.

البداية بصادق منصور، والدكتور المتوكل سيكون الهدف الثاني لتشتعل بعدها الحرب. اللعنة! من هذا الطرف الخفي الذي يسعى حثيثا لإشعال فتيل الحرب الطائفية التي نجا منه اليمنيون مراراً؛ وإلى أين كانت البلاد لتصل؟؟؟

الشهيدان

هذان القياديان، رحمة الله عليهما، من أروع ما يكون بين وسطهم الحزبي. الدكتور المتوكل همزة الوصل بين الفرقاء وحلقة السلام اللامتناهية. منصور -قبل مقتله- كان يقود مساعٍ حثيثة للَم شمل الفرقاء في تعز وتقريب وجهات النظر للتوافق على عدم السماح لأي مليشيات مُسلحة بالتواجُد على أرضها.

تغيّرت الموازين المرسومة بفشل مُحاولة اغتيال القيادي الإصلاحي صادق منصور. ومع ذلك استمرّت الخُطة لتحصُد روح الدكتور المتوكّل رحمة ربي تغشى روحه. الدكتور المتوكل، لمن لا يعرفه، شخصية اجتماعية وعاقلة مات وهو يحلُم بالدولة المدنية. سياسي مُخضرم وأستاذ جامعي تتلمذ على يده معظم السياسيين الجُدد والشباب الصاعدين.

كانت أسرة الشهيد المُتوكّل- كما عدناها- ناضجة ومُتعقّلة بل ورفضت استغلال مُصابها استغلالاً سياسياً لمصلحة طرف. عادَ الدور مُجدداً قبل أسبوع تقريباً على القيادي في حزب الإصلاح- صادق منصور. اغتيل رحمه الله بتفجير عبوة ناسفة في كرسي سيارته. ومع ذلك ابتلعها حزب الإصلاح ولم يُسارع بإلقاء التُّهم على أي طرف سياسي مُطالباً الجهات الأمنية بالقيام بواجبها في مُلاحقة الفاعلين. بمعنى آخر، ما أرادهُ الطرف الثالث والذي خطّط بعناية لهذه الاغتيالات السياسية لم يتم؛ ولن يتم. هذا الشعب المسحوق يعرفُ كيف يُقيلُ عثراته، وكيف يُطبّب جراحاته اللامُتناهية مهما كانت عميقة.

كان للخطأ في التوقيت -بعد عناية الله- دور كبير في إفشال الخُطة ما بعد الاغتيالين. في حال لم تفشل عملية الاغتيال الأولى بحق صادق منصور لكان الأمر مُختلف. ومع فشلها كان لا بد للمخططين التخلي عن الخطة نهائياً؛ لكنه الغباء المُركّب. في حال تمت عملية الاغتيال الأولى، سيكتفي حزب الإصلاح بالتنديد ولا أظنه سيُبادر بالاتهام لطرف مُحدد رُغم كونه مُستهدفاً بل وحظيَ مُنتسبوه بعمليات اقتحام للمنازل واعتداءات واسعة. سيصمُتُ الإصلاح بلا شك؛ ومن ثم سيتم تنفيذ الجزء الثاني من المسرحية باغتيال الدكتور المتوكّل. هنا ستكون الكارثة، قاصمة الظهر.

لن يسكُتَ الحوثيون، وسيُبادرون باتهام الإصلاح باعتبار العملية واضحة كانتقام سياسي لمقتل صادق منصور. سيصيحُ أهالي الشهيد المُتوكّل بعدم تمييع القضية، وعدم أحقيّة أحد في التحدّث عنهم. لكن الغضب والهيستيريا التي سيعمدُ لها مُسلحو الحوثي لن يُثنيها أحد كان؛ ولكم أن تُقدروا النتائج المُترتّبة على غضب مليشيا منهجُها السلاح. في النهاية، إنه قضاء الله ولُطفه بهذا البلد المُنهك، والذي لا يحتملُ المزيد من التمزّق. رحمة الله تغشى الشهيدين البطلين؛ ولعناتُه تُطارد القتَلة أينما حلّوا.

يا لطف الله!! إلى أين يراد لهذه البلاد أن تذهب؟؟