أرشيفات التصنيف: العالَم

إنه حقا عالم عربي جديد !

فهمي هويدي

مشروع القوة العسكرية العربية المطروح هذه الأيام جزء من التحوّلات الاستراتيجية الخطيرة في المنطقة، فضلاً عن أنه يطرح من الأسئلة أكثر مما يقدّم من إجابات.

عالم عربي جديد

(1)

عندي ثلاث ملاحظات أمهّد بها لمناقشة هذا المنطوق، هي:

ـ إن القوة العسكرية مهمة لا ريب، لكن القوة السياسية هي الأهم. ولا وجه للمقارنة بين مَن يستقوون بسلاحهم والذين يستقوون بشعوبهم. وشواهد الفشل التاريخي للأولين ماثلة تحت أعيننا، ولنا في تجربة الاتحاد السوفياتي وكوريا الشمالية عبرة. والمشكلات أو الأزمات التي نواجهها في العالم العربي لم تنشأ لأننا ضعفاء عسكرياً. ولكن مصدرها الأساسي أننا ضعفاء وفاشلون سياسياً واقتصادياً. ليس لأننا بلا عضلات، ولكن لأن الجسم العربي صار منزوع العافية.

ـ إن العمل العربي المشترك لم يؤخذ على محمل الجد يوماً ما إلا في مجال واحد، هو «الأمن»، فمجلس الوحدة الاقتصادية مثلاً تشكل في العام 1957. ومشروع السوق العربية المشتركة تم توقيعه منذ العام 1964 (في العام الماضي تم الاحتفال بمرور خمسين عاماً على توقيع الاتفاقية الخاصة به، ولم يكن الاحتفال بإنجازات تحققت على ذلك الصعيد، ولكنه كان أقرب إلى الاحتفال بذكرى عزيز فقدناه). وفي حين أننا لم نرَ أثراً للتكامل الاقتصادي المنشود أو السوق العربية المشتركة، فإن مجلس وزراء الداخلية العرب الذي ولد في العام 1977، وحده الذي جرى تفعيله وتنشيطه حتى عقد اجتماعه الثاني والثلاثين في الجزائر في شهر آذار الماضي. ولا تفســــير لذلك التباين سوى أن ما خصّ مصــــالح الشعوب العربية في التنمية والتكامل لم يلق عناية تذكر، في حين أن ما خصّ أمن الأنظمة قطع أشواطاً وجرى فيه التنسيق والتكامل إلى حد بعيد.

ـ إن اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعت العام 1950 وكانت من أصداء حرب فلسطين العام 1948 جرى تجميدها في حقيقة الأمر، حيث لم تشكل المؤسسات الدفاعية التي دعت إليها الاتفاقية (اللجنة العسكرية التي تضم رؤساء الأركان ومجلس الدفاع المشترك الذي يضم وزراء الدفاع والخارجية). ومع ذلك، فإن فكرة التعاون العسكري التي كان لمصر خبرتها فيها برزت إلى الوجود منذ ستينيات القرن الماضي. وظهر ذلك جلياً في نجاح قوات السلام العربية العام 1961 في ردع الرئيس العراقي آنذاك عبدالكريم قاسم حين هدد بغزو الكويت، وفي مشاركة القوات العربية العام 1973 في إخراج إسرائيل من سيناء وقسم من الجولان، وفي قوات الردع العربية التي عملت على إعادة السلام إلى لبنان العام 1976، إلا أن ذلك التفاعل كان من أصداء بيئة مغايرة تماماً عن تلك التي يمر بها العالم العربي الآن.

على الأقل، فقد كان هناك التفاف حول عناوين القومية العربية والأمن القومي العربي والوحدة العربية. وكان مسلماً به ان قضية فلسطين هي القضية المركزية الأولى في العالم العربي. وهي العناوين والمعاني التي فقدت رنينها وتراجعت أولوياتها في الوقت الراهن، وهو ما يسوّغ لنا أن تقول إننا الآن أصبحنا بإزاء عالم عربي مختلف تماماً في نسيجه وقيمه وأفكاره عن عالم ستينيات القرن الماضي وسبعينياته.

(2)

لقد استفزني ما نشرته صحيفة «هآرتس» (عدد 30 آذار) للكاتب «زفاى باريل» عن الاحتشاد العسكري الذي يحدث في العالم العربي. إذ قال إن هناك تعبئة تلفت النظر لتشكيل قوة عسكرية عربية لأول مرة، وهو حدث مهم، لو أنه وقع في ظروف أخرى لسبب ازعاجاً وقلقاً لإسرائيل. وهو ما لم يحدث. ذلك أن إسرائيل لم تستشعر قلقاً فحسب، وإنما انتابها شعور هو خليط من السرور والنشوة. أضاف الرجل في هذا الصدد قوله إن إسرائيل لم تدعَ إلى الانضمام إلى التحالف (الذي تصدّى للحوثيين في اليمن وشنّ غارات عليهم)، ولكنها تقف إلى جانبه في المربع ذاته الذي يقف فيه. عبر عن المعنى ذاته البروفيسور «ايال زيسر» حين وصف الحدث في مقالة نشرتها صحيفة «إسرائيل اليوم» (عدد أول نيسان) بأنه «بشرى منعشة»، وفي اليوم نفسه، علق «باتريك غودنوغ» على قرار إنشاء القوة العسكرية في صحيفة «جويش برس» (التي تصدر بالولايات المتحدة) بقوله إن الاتفاقية التي وقعت للاحتشاد ضد إسرائيل قبل 65 عاماً (يقصد الدفاع المشترك) جرى إحياؤها الآن للتصدي لإيران والشيعة، كما أضاف أن الأنظمة العربية «السُّنية» التي وقفت ضد «الربيع العربي» هي التي تقود الحرب ضد النفوذ الشيعي في الجزيرة العربية.

هكذا، فإنه على العكس مما هو مخزون ومستقر في الإدراك العربي منذ نحو سبعة عقود، فإن دعوة مصر إلى تشكيل قوة عسكرية عربية وتبني القمة العربية في شرم الشيخ للفكرة لم يعد مقلقاً لإسرائيل، وانما أصبح مصدر بهجة وحفاوة في أوساطها السياسية والإعلامية. وذلك راجع لسببين أساسيين، أولهما أن العرب ما عادوا مشغولين بقضية فلسطين، لأن الثقافة السياسية في المرحلة الراهنة اتجهت لاعتبار العدو هو إيران وليس إسرائيل. أما السبب الثاني فهو أن الصراع الذي بات شاغلاً للعقل السياسي والإعلامي العربي انصرف إلى تصفية حسابات ومرارات السنة إزاء الشيعة، ومن ثم اكتسب الصراع بعداً مذهبياً وليس سياسياً. الأمر الذي يتجاوز حدوده العالم العربي إلى أطراف العالم الإسلامي، فضلاً عن ان الانخراط فيه يستدرج العرب إلى حروب ومواجهات تستمر عقوداً في المستقبل، ولم تحسمها الصراعات التي شهدتها القرون الخوالي. وذلك أكثر ما يطمئن إسرائيل ويشيع فيها البهجة والسرور.

(3)

ما سبق يسلط الضوء على جانب من التحولات الاستراتيجية المهمة التي تشهدها المنطقة العربية الآن، والتي تنقلنا إلى عصر جديد. إن شئت فقل انها بعض ملامح الشرق الأوسط الجديد الذي كثر الحديث عنه خلال السنوات الأخيرة. إذ تواترت في ظلها دلائل تراجع أولوية القضية الفلسطينية وتحول «بوصلة» العداء من إسرائيل إلى إيران. وانتقال المنطقة من الصراع السياسي إلى طور الصراع المذهبي. ثمة شهادة تعزز ذلك الادعاء أوردها محمد المنشاوي، خبير الشؤون الأميركية ومدير مكتب «الشروق» في واشنطن الذي تحدث في تقرير أخير له عن الاتجاه لتغيير العقيدة العسكرية للقوات المسلحة المصرية التي لم تعرف عدواً لمصر والأمة العربية طوال العقود الماضية سوى إسرائيل، وهو الموضوع الذي ظل محل شد وجذب خلال تلك الفترة.

إلا أنه في ظل المستجدات التي طرأت وفي ظلها لم يعد كثيرون يتحدثون عن إسرائيل العدو، فإن ذلك اعتبر نجاحاً تمنّته الإدارات الأميركية المتعاقبة. وانعكس ذلك على آفاق المساعدات العسكرية التي تقدمها واشنطن لمصر. حيث حرصت على أن تقتصر أهداف التسليح الأميركي لجيش مصر على دعم قدرته في أربعة مجالات أساسية، هي: مكافحة الإرهاب، وحماية الحدود والأمن البحري وأمن سيناء. في هذا السياق، فإنه نقل عن الخبير الأميركي انتوني كوردسمان من «مركز الدراســــات الدولية الاستراتيجــــــية» تعليقاً على استئناف المساعدات العسكرية لمصر قوله إن «الأسلحة الأميركية لمصر لا يمكـــن استعمالها إلا في المواجهات العسكرية التي تدعمهـا أميركا».

إضافة إلى ما سبق، ثمة ملامح أخرى للشرق الأوسط الجديد الذي يتشكل الآن نلمح فيه تغيراً في موازين القوى يتعذّر تجاهله ـ إذ إلى جانب تعاظم الدور الإيراني الذي تجاوزت مؤشراته حدود الدور التركي، فإن تلك الموازين اختلفت في العالم العربي على نحو رجحت فيه كثيراً كفة الدول الخليجية وهبطت فيه أسهم الدول الأخرى، المشرقية منها بوجه أخصّ، المثقلة بصراعاتها السياسية وأعبائها الاقتصادية. وهو ما برز بوضوح في قمة شرم الشيخ الأخيرة، ذلك أنها قمة خليجية بأكثر منها عربية. وفكرة القوة العربية إذا كانت اقتراحاً مصرياً بالأساس لأسباب تتعلق بالتعامل المصري مع الأزمة الليبية، إلا أن السعودية هي التي حوّلته من اقتراح مصري إلى قرار للقمة العربية لتغطية موقفها وتدخلها العسكري في اليمن.

وقد فرضته على الأرض، حين شنت غاراتها على اليمن في وقت سابق على انعقاد القمة، قبل ان تفرضه على جلسات مؤتمر شرم الشيخ وجدول أعماله. وبهذه الخطوة، فإن السعودية بنفوذها السياسي والاقتصادي عبأت العالم العربي لمصلحة قرارها حسم الصراع في اليمن عسكرياً. وكان ذلك بمثابة إعلان عن انتقال العالم العربي من المرحلة القومية إلى المرحلة الخليجية، وبالتالي إلحاق الجامعة العربية بمجلس التعاون الخليجي.

(4)

سبق أن تحدثت عن تدهور الوضع في اليمن، وعن العوامل التي أسهمت في ذلك بدءاً بأطماع وانتهازية الرئيس السابق علي عبدالله صالح وانتهاء بحماقات الحوثيين وطموحاتهم الغامضة ومروراً بأخطاء السياسة الإيرانية التي ارتد بعضها على إيران ذاتها.

وهي العوامل التي أصابت السعودية بصدمة دفعتها للمسارعة إلى المغامرة باللجوء إلى الحسم العسكري والإصرار على المضي في ذلك الطريق الذي لا تعرف له نهاية.

استيلاء الحوثيين على صنعاء ومحاولتهم السيطرة على اليمن اعتبر تهديداً لأمن السعودية، ودخولهم إلى عدن واقترابهم من باب المندب قدّم باعتباره تهديداً للممر المائي الدولي وللأمن العربي، واعتــــبرت القوة العسكرية العربية صيـــغة التعامل مع التهديد الذي تعرضت له الســــعودية، والتهديد الآخر الذي تعرض له الممر الدولي، الذي قيل إن من شأنه تعطيل قناة السويس وميـــناء دبي.

هـــذا التشخيص يفتقد إلى الدقــــة من ناحيــــة، كما انه يتسم بالغموض من ناحية أخرى، كيف؟

ذلك ان ذريعة تهديد باب المندب بما يستصحبه ذلك من تأثيرات موجهة على قناة السويس وميناء دبي، لا تصمد أمام حقائق الواقع. ليس فقط لأن الحوثيين (ولا أستبعد أن يكون من الإيرانيين) أعلنوا عن ان الوضع في باب المندب لن يمس (تصريح محمد عبدالسلام المتحدث باسم الحوثيين الذي بثته وكالة الأنباء اليمنية في 4/4)، ولكن لأن باب المندب كما مضيق هرمز تؤمنه وتحرسه قوات مرابطة على مشارفه في جيبوتي ومياه المحيط قوات أميركية وفرنســــية وروسية وإيطالية ويابانية وصينية، وهذه قوامها نحو سبعة آلاف جندي، مدعومون بالطائرات والبوارج والصواريخ بعيدة المدى (أميركا وحدها لها 4200 جندي وفرنسا 1900 جندي).

من ناحية ثانية، فإن القوة العسكرية العربية لا يُعرف الهدف منها بالضبط. أعني هل سنحارب إلى جانب ضد آخر، أم أنها ستحرس اتفاق المتحاربين، وهل ستسهم في رد العدوان الخارجي أم أنها ستجهض الاضطرابات الداخلية، وما هي الجهة التي ستتولى قيادتها وكيف ستتخذ قراراتها، وهل سيكون مجال حركتها في العالم العربي بأسره أم في دول من دون أخرى، وهل صحيح أن جنودها سيكونون من أبناء الدول الفقيرة وأن الدول النفطية هي التي ستتولى تمويلها؟… إلى غير ذلك من الأسئلة الحائرة التي تتوالد كل حين، في غيبة وضوح الرؤية وغموض الهدف.

بسبب من ذلك، فإنني لا أخفي شعوراً بالتوجس والقلق إزاء ذلك الغموض، الأمر الذي يشككني في إمكانية ظهور المشروع إلى النور خلال الأشهر الأربعة التي حددت لذلك، إلا أن أسوأ وأخطر ما في الأمر أننا صرنا نفكر كثيراً في كيفية دحر خصومنا المحليين بأكثر مما نفكر في التصدي لأعدائنا التاريخيين. ليس ذلك فحسب وإنما صرنا نحتكم إلى السلاح في مواجهة أهلنا في الداخل ونمارس السياسة مع عدونا في الخارج.

 المصدر | الشروق الجديد

لوموند: كيف وصلت أموال CIA إلى خزينة تنظيم القاعدة؟

سي اي اي
“سي آي إيه” قدمت عمليات تمويل غير مقصودة لفائدة القاعدة – أرشيفية
نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرًا حول ظهور مراسلات شخصية بين زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، وأحد مسؤولي التنظيم؛ كشفت عن تورّط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي إيه” في عمليات تمويل غير مقصودة لفائدة المنظّمة التي تحاربها.

وأوضحت الصحيفة نقلاً عن مسؤولين أمريكيين وغربيين؛ أنّ مبلغ مليون دولار كان موجهًا لصندوق موضوع على ذمّة الحكومة الأفغانية وتموّله وكالة الاستخبارات المركزيّة، تمّ تسليمه عام 2010 لتنظيم القاعدة الذي تحاربه الوكالة نفسها عبر هجمات بالطائرات بدون طيار، حيث كان النظام الأفغاني آنذاك يواجه صعوبات في جمع الأموال لدفع فدية دبلوماسي أفغاني مختطف من قبل التّنظيم، فلجأ إلى ذلك الصندوق السري الذي تموله “سي آي إيه” على مدار العام.

وذكر التقرير أن بن لادن ساورته المخاوف حول مصدر الأموال واشتبه بمشاركة الأمريكيين في الموضوع، وخشي أن يتم تتبع الأموال، أو أن يتم تسميمها، أو حتى تعريضها لمواد إشعاعية، ما دفعه إلى طلب تحويلها إلى عملة أخرى غير الدولار الأمريكي.

وأضافت الصحيفة أن التمويل لم يكن يهدف إلى الإيقاع بالتنظيم، بل إنه لا يعدو كونه مثالاً آخر لعمليات تمويل لجماعات توصف بأنها “إرهابية” عن طريق الولايات المتحدة؛ بسبب غياب الإشراف والرقابة، وضعف كفاءة وكالة الاستخبارات المركزية.

وبينت أنه تمّ العثور على هذه المراسلات التي تم تبادلها بين بن لادن، وعطية عبدالرّحمن، المسؤول عن العمليات اللوجستية في التنظيم، في الحواسيب والوثائق التي تمّت مصادرتها إثر الغارة الأمريكية التي قُتل فيها بن لادن بباكستان سنة 2011. وبقيت هذه المراسلات في طيّ الكتمان؛ إلى أن تمّ الكشف عنها في نيويورك بعد تقديمها كأدلة اتهام في محاكمة عابد نصير المنتمي لتنظيم القاعدة، والذي تم اتهامه في بداية شهر آذار/ مارس، بالمشاركة في التخطيط للهجمات التي تم إحباطها في كلّ من نيويورك ومانشستر وكوبنهاغن.

وقال التقرير إن الدبلوماسي الأفغاني عبدالخالق فرحي، الذي كان يشغل منصب القنصل العام لأفغانستان في بيشاور بباكستان؛ كان قد اختطف في شهر أيلول/ سبتمبر 2008، قبيل أسابيع من تسلمه منصب السفير، ثم أُطلق سراحه بعد سنتين عقب دفع كابول لمبلغ الفدية المقدَّر بخمسة ملايين دولار، تم أخذ خُمسها من الصندوق السري الذّي تموله وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، فيما دفعت باكستان حوالي نصف مبلغ الفدية، بينما تكفّلت إيران ودول الخليج ببقية المبلغ.

منقول عن عربي21 على الرابط: http://arabi21.com/story/817225/%D9%84%D9%88%D9%85%D9%88%D9%86%D8%AF-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D9%88%D8%B5%D9%84%D8%AA-%D8%A3%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%84-CIA-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%AE%D8%B2%D9%8A%D9%86%D8%A9-%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9

كيف نشأت داعش على عين أمريكا!

*صحيفة الشرق الأوسط

في صيف عام 2004. اقتيد أحد شباب «الجهاديين» مكبلا بالسلاسل والأغلال، وأخذ يسير ببطء في طريقه إلى سجن معسكر بوكا في جنوب العراق. وقد كان متوترا بينما يقوده جنديان أميركيان عبر 3 مبانٍ ذات إضاءة ساطعة

‚h‚r‚h‚k‚̃ƒ“ƒo[

فاحش وما أدراك ما فاحش

تركي الفيصل
عندما قام المجتمع الدولي بمعاقبة تنظيم القاعدة لارتكابه جريمة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 م، وإمارة أفغانستان الإسلامية، لإيوائها تنظيم القاعدة، فرت أعداد من التنظيم إلى إيران التي آوتهم ووفرت لهم الإقامة في مساكن آمنة تحت إشراف مخابراتها، وكان من الفارين أعضاء من عائلة أسامة بن لادن، لا زالوا يقيمون تحت حماية الحكومة الإيرانية إلى اليوم، بالإضافة إلى سيف العدل أحد كبار القادة العسكريين للتنظيم، وهو أحد المخططين للتفجيرات الإرهابية في الرياض في مايو (أيار) 2003 م، وكذلك صالح القرعاوي زعيم ما يسمى كتائب عبد الله عزام، الذي انتقل بعد ذلك إلى وزيرستان وأصيب بطائرة دون طيار، ثم تسلمته المملكة العربية السعودية من باكستان. وعقب الاحتلال الأميركي للعراق وتدمير المؤسسات الحكومية العراقية – من جيش وأمن ووزارات – في عام 2003 م، سمحت الحكومة الإيرانية لمن أراد من مخلفات تنظيم القاعدة بالتسلل إلى العراق الذي وجدوا فيه بيئة خصبة لتنفيذ مخططاتهم، فأعادوا تشكيل أنفسهم تحت اسم «القاعدة في بلاد الرافدين»، وانضم إليهم آخرون جاءوا من دول الجوار، مثل: أبو مصعب الزرقاوي. وكذلك محسن الفضلي زعيم ما يسمى «كتائب خراسان»، وهو من عائلة شيعية كويتية معروفة، وهو المتهم بالتفجير الذي استهدف محمد باقر الحكيم في النجف، كما سمحت له الحكومة الإيرانية بالانتقال إلى سوريا بعد الثورة السورية. ومن سوريا وفدت مجموعة أتاح لها بشار الأسد التسلل عبر الحدود الفاصلة بين البلدين ومنهم أبو محمد الجولاني زعيم «جبهة النصرة» وأبو محمد العدناني المتحدث باسم ما سمي «الدولة الإسلامية في العراق والشام». وكانت المفارقة العجيبة في تكوين هذا التنظيم أن نوري المالكي رئيس وزراء العراق (المعزول) كان يسعى – في ولايته الأولى – لتقديم شكوى إلى مجلس الأمن ضد سوريا، متهما بشار الأسد بتأييد الإرهابيين والسماح لهم بالعبور إلى العراق. ثم تراجع عن ذلك مُفسحا المجال لتكوين تنظيم القاعدة في العراق الذي لقي مقاومة عنيفة من قوات الاحتلال الأميركي والعشائر السُنية العراقية، مما أدى إلى دحر التنظيم وقتلِ عددٍ من قياداته، ومن ضمنهم: أبو مصعب الزرقاوي. وزُجَّت في سجون القوات الأميركية قيادات التنظيم – ومن ضمنهم البغدادي – والتي توافقت على أن يُسَمَّى التنظيم: «الدولة الإسلامية في العراق». وحالما انسحب الأميركان من العراق، وتولت حكومة المالكي إدارة السجون، أُفرج عن البغدادي ورفاقه؛ وهي مفارقة عجيبة أخرى في تكوين هذا التنظيم، ومن ثم انطلق التنظيم الجديد في عملياته، واستعان ببعض عناصر جيش صدام حسين الذين كانوا مسجونين معهم فاستغلوهم، مستفيدين من جرائم حكومة المالكي الطائفية وما اتبعته من تهميش للمكون السُّني من الشعب العراقي، وإطلاق يد الميليشيات المسلحة الشيعية في اضطهاد المواطنين السُّنة، مما زاد من احتقان الوضع بين السُّنة والمالكي، ونتج عن ذلك الانتفاضة الشعبية الكبيرة في المحافظات السُنية التي طالبت باستقالة المالكي وتصحيح أوضاعهم المدنية. قابل المالكي هذه الانتفاضة بإجراءات تعسفية أدت إلى قتل وتشريد الآلاف من العشائر السُّنية، وخاصة في محافظة الأنبار التي هي البوابة الرئيسية للحدود بين العراق وسوريا. وبهذا التعسف من قبل المالكي ولغياب أي رادع دولي لبطشه، وجد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق» تعاطفا وملاذا في الأنبار وهذه مفارقة عجيبة تضاف إلى ما سبقها: أن تمنح العشائر السُنّية التنظيم الملاذ الآمن رغم معرفتهم أنه يخلف تنظيم القاعدة الذي سبق أن دحروه منذ عهد قريب. وكوّن التنظيم خلايا نائمة في مدن المحافظات السُنّية، وخاصة في الموصل، واستعان بضباط سابقين من جيش صدام، وبالطريقة النقشبندية الصوفية التي ينتمي إليها عزة إبراهيم الدوري النائب السابق لصدام، والذي لا يزال لاجئا لدى عناصر النقشبندية. وعند اندلاع انتفاضة الشعب السوري ضد بشار الأسد التي اتسمت بسلميتها وببطش بشار، ولعدم قدرة شبيحة بشار وزلماته في القوات المسلحة السورية على قمعها، اتخذ بشار قراره الخبيث بأن يحول انتفاضة الشعب السوري المسالم ضده إلى صراع إرهابي طائفي؛ فأطلق سراح من كان مسجونا في سوريا بتهم الإرهاب ومن أشهرهم أبو خالد السوري، أحد قيادات «القاعدة» الذي أنشأ بدوره كتائب أحرار الشام.

ودعا من هم بالخارج من الإرهابيين الذين كان له تواصلٌ معهم، وسمح لمجموعة منهم في السابق بالتوجه إلى العراق، ليعودوا إلى سوريا، ومن هؤلاء: أعضاء مؤسسون في تنظيمي «الدولة الإسلامية في العراق»، و«جبهة النصرة»، إضافة إلى جماعات أخرى، كما دعا قوات الحرس الجمهوري الإيراني وميليشيا حزب الله من لبنان والميليشيات الشيعية العراقية لمساندته في قتل شعبه. واستمر بشار في صب جام بطشه على الشعب السوري؛ فحينما استقوى الإرهابيون على الجيش السوري الحر، وذلك لتقاعس الدول الغربية عن دعمه، وفرْض سطوتهم الدموية على بعض سكان مدن وقرى سوريا، ابتدع بشار البراميل الحارقة ليلقيها على المواطنين السوريين؛ بل قصف الشعب السوري بالسلاح الكيماوي؛ فأصبح الشعب السوري وجيشه الحر يدافع عن نفسه على جبهتين، بشار من جهة والإرهابيين من جهة أخرى.

في هذه الأثناء حوّلَ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق» اسمه إلى «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، ومع فقدان سلطة الحكومتين العراقية والسورية على الحدود بين البلدين، انطلق التنظيم إلى احتلال الموصل بدعم الخلايا التي أسسها سابقا في الموصل، والضباط المسرّحين من الجيش العراقي وبعض من جماعات العشائر السُّنية ومن مؤيدي الطريقة النقشبندية. وفي مشهد مخزٍ لحكومة وقيادة نوري المالكي، استطاع ثلاثة آلاف من هذه التركيبة العجيبة أن يدحروا أكثر من أربعين ألفا من جيش المالكي، ثم أعلن البغدادي خلافته للمسلمين وقيام «الدولة الإسلامية» التي عُرفت باسم «داعش»، وجرى تداول الاسم على هذا النحو، في حين أن الاسم الذي أطلقته عليها واللائق بها والمطابق لمنهجها هو: «فاحش». لأن أصل الكلمة من الفُحْشِ وهو القبيح الشنيع من قول أو فعل. والفاحش هو من يفعل الفُحْشَ. فما الذي هو أفحش من قتل الأبرياء، وسَبْي المُحصنات، وتكفير المسلمين، وتشريد المؤتمنين، واستعراض نحر الرقاب، واستباحة دم من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ونهب المصارف، وارتهان من يَخْطَفُون، وابتزاز من هم في إمرتهم؟ إن اتخاذ هذا التنظيم الإرهابي لاسم «الدولة الإسلامية» هو أمر مجانب للواقع وجهل بالقوانين الدولية، لأن تعريف الدولة في المعاجم أنها: تجمع سياسي يؤسس كيانا ذا اختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدد، ويمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة.

والعناصر الأساسية لأي دولة هي: الحكومة والشعب والإقليم، بالإضافة إلى السيادة، والاعتراف بهذه الدولة بما يكسبها الشخصية القانونية الدولية؛ فلا العراق والشام يقعان تحت سيادة التنظيم، ولا هو يمارس سلطاته عبر مؤسسات دائمة، ولا يوجد أي اعتراف دولي بسيادته. وأما عن الانتماء الإسلامي واتخاذ صفة الإسلامية للدولة فهو باطل أيضا لأن أفراد التنظيم هم – بحق – الخوارج الذين خرجوا عن الإسلام، وأفعالهم تشهد على ذلك. «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا».

قصة {داعش}.. من التخطيط في سجن بوكا تحت نظر الأميركيين.. إلى جذب البعثيين

أبو أحمد القيادي الكبير في التنظيم يروي كيف صعد البغدادي الانطوائي .. وسيطرة خريجي بوكا بعد مقتل الزرقاوي

news-131214-1.3

 

مارتن تشولوف
في صيف عام 2004. اقتيد أحد شباب «الجهاديين» مكبلا بالسلاسل والأغلال، وأخذ يسير ببطء في طريقه إلى سجن معسكر بوكا في جنوب العراق. وقد كان متوترا بينما يقوده جنديان أميركيان عبر 3 مبانٍ ذات إضاءة ساطعة، ثم إلى متاهة من الأروقة التي تنفتح على باحة بها رجال يقفون على مسافة متوسطة ويرتدون ملابس السجن ذات الألوان الزاهية ويحملقون فيه بحذر.

وقد قال لي الشهر الماضي: «لقد تعرفت على بعضهم في الحال. كنت أشعر بالخوف من بوكا وأنا في الطائرة متجها إليه، لكن بمجرد الوصول إلى هناك، وجدت أنه أفضل كثيرا مما توقعت من عدة أوجه».

دخل الشاب، وكنيته أبو أحمد، معسكر بوكا شابا منذ 10 سنوات، وهو الآن مسؤول بارز داخل تنظيم داعش حيث ترقى في المراتب هو وكثير من الذين قضوا مدة معه في ذلك السجن. وقد اختطفه جنود أميركيون من مدن وبلدات عراقية، شأنه شأن المعتقلين الآخرين، واقتيدوا إلى مكان بات سيئ السمعة، وهو حصن بائس في الصحراء أصبح فيما بعد إرثا خلفه الوجود الأميركي في العراق. وسرعان ما رحب به المعتقلون الآخرون بحفاوة، كما يتذكر أبو أحمد.

لقد كان الرعب من بوكا يسيطر عليهم هم أيضا، قبل أن يدركوا أنه أبعد ما يكون عن أكبر مخاوفهم، بل لقد قدّم لهم السجن الذي يديره الأميركيون فرصة استثنائية. وأخبرني قائلا: «لم يكن ليمكننا التجمع على هذا النحو في بغداد أو في أي مكان آخر. كان سيعد الأمر خطيرا جدا. لقد كنا في أمان، بل وعلى بعد بضع مئات من الأمتار من قيادة تنظيم القاعدة».

وشهد سجن معسكر بوكا أول مقابلة بين أبو أحمد وأبو بكر البغدادي، زعيم «داعش»، الذي يُصنف حاليا كأخطر زعيم إرهابي في العالم. ويقول أبو أحمد إن تأثر الآخرين به كان واضحا جليا منذ البداية. وأضاف قائلا: «حتى في ذلك الوقت كان أبو بكر، لكن لم يتوقع أي منا أنه سيصبح قائدا». وكان أبو أحمد واحدا من أهم أعضاء التنظيم في أشكاله الأولى، حيث انجذب إلى الأعمال المسلحة في شبابه بسبب الاحتلال الأميركي الذي كان يحاول فرض تحول في السلطة في العراق لصالح الشيعة، على حساب السنة في رأيه ورأي الكثيرين.

وقاده دوره في البداية في التنظيم الذي أصبح فيما بعد «داعش» إلى منصب رفيع المستوى يشغله حاليا داخل حركة مسلحة أُعِيد إحياؤها وامتدت عبر الحدود إلى سوريا. ويرى أكثر رفاقه أن التفكك الذي تشهده المنطقة هو تحقيق لطموحاتهم في العراق التي ظلت عالقة إلى أن منحتهم الحرب في سوريا ساحة جديدة. ووافق على الحديث علنا بعد أكثر من عامين من النقاشات حول الكشف عن ماضيه واحدا من أهم العناصر المسلحة في العراق، وعن قلقه الكبير بشأن «داعش» وكذلك رؤيته حول المنطقة، في ظل اشتعال الوضع في كل من العراق وسوريا، ومصير الشرق الأوسط الذي يبدو أنه سيعاني لجيل آخر من الفورات وإراقة الدماء على أيدي أمثاله.

يعيد أبو أحمد النظر في الأمر.. تتعارض وحشية «داعش» المتزايدة مع آرائه، التي خفت حدتها مع تقدمه في العمر، حيث بات يؤمن بأن تعاليم القرآن قابلة للتأويل، ويُمكن ألا تؤخذ حرفيا. وقادته ظنونه تجاه الشكل الذي أصبح عليه «داعش» إلى الحديث مع صحيفة الـ«غارديان» في إطار سلسلة من المقابلات الطويلة، التي تقدم صورة خاصة متميزة عن الزعيم الغامض للتنظيم الإرهابي وأيامه الأولى التي تمتد من عام 2004، عندما قابل أبو بكر البغدادي في معسكر بوكا، وحتى عام 2011، عندما عبرت حركة التمرد العراقية الحدود السورية.

في البداية في بوكا نأى السجين، الذي أصبح فيما بعد على رأس قائمة المجرمين المطلوبين عالميا، بنفسه عن السجناء الآخرين، مما جعلهم يرونه انطوائيا وغامضا. ويتذكر أبو أحمد انطباع السجناء المختلف عن البغدادي، حيث كانوا يرونه لين الجانب ذا تأثير مهدئ في بيئة تفتقر إلى اليقين، فكانوا يطلبون مساعدته في فض النزاعات بينهم. أخبرني أبو أحمد: «كان هذا في إطار الدور الذي يمثله. لقد شعرت أنه يخفي شيئا ما؛ جانبا مظلما لم يرد أن يظهره للآخرين. لقد كان على عكس الأمراء الآخرين الذين كان من السهل التعامل معهم. لقد كان بعيدا ونائيا عنا جميعا».

ولد البغدادي، واسمه الحقيقي إبراهيم بن عواد البدري السامرائي، عام 1971 في مدينة سامراء بالعراق. وألقت القوات الأميركية القبض عليه في الفلوجة، غرب بغداد، في فبراير (شباط) عام 2004، بعد أشهر من مساعدته في العثور على جماعة «جيش أهل السنة والجماعة» المسلحة التي تتخذ من المناطق السنيّة المحيطة بمدينته مركزا لها. وقال دكتور هشام الهاشمي، المحلل الخاص بشؤون «داعش» في الحكومة العراقية: «لقد تم إلقاء القبض عليه وهو في منزل أحد أصدقائه ويُدعى ناصف جاسم ناصف، ثم تم اقتياده إلى بوكا. لم يكن الأميركيون يعلمون حقيقة الذي ألقوا القبض». ويبدو أن أكثر رفقاء البغدادي في السجن، الذين يقارب عددهم الـ24 ألفا، والذين تم تقسيمهم على 24 معسكرا، لم يعرفوه أيضا. كان التقسيم التراتبي هو عماد السجن، وكان يتجلى ذلك في لون الزي الذي كان يساعد على تحديد مرتبة السجناء. وقال أبو أحمد: «تختلف ألوان الملابس التي كنا نرتديها باختلاف المرتبة. إذا لم تخني الذاكرة، كان اللون الأحمر مخصصا لمن يسيئون التصرف في السجن، في حين كان الأبيض مخصصا لرئيس السجن، والأخضر لأصحاب الأحكام طويلة الأجل، والأصفر والبرتقالي لغير المميزين».

عندما وصل البغدادي، وهو في الـ33 من العمر إلى بوكا، كانت حركة المقاومة التي يقودها السنة ضد الولايات المتحدة تكتسب زخما في وسط وغرب العراق. وبات الغزو، الذي تم تسويقه بوصفه حرب تحرير، احتلالا قمعيا.

وكان السنّة في العراق، الذين حُرموا من حقوقهم بعد الإطاحة بصدام حسين، يتحدثون عن قتال القوات الأميركية، وبدأوا في استخدام السلاح ضد المنتفعين من الإطاحة بصدام حسين، وهم الأغلبية الشيعة.

كانت الجماعة المسلحة الصغيرة التي تزعمها البغدادي واحدة من ضمن عشرات الجماعات التي وُلدت من رحم ثورة سنية شاملة، والتي تجمعت بعد ذلك تحت لواء تنظيم القاعدة في العراق ثم «داعش». وكانت تلك إرهاصات القوة الساحقة التي تعرف الآن باسم «داعش»، التي سيطرت، بزعامة البغدادي، على غرب ووسط البلاد، وكذا شرق سوريا، ودفعت الجيش الأميركي إلى العودة مرة أخرى إلى المنطقة المزعزعة الاستقرار، بعد فترة تقل عن الـ3 سنوات من مغادرته وتعهده بألا يعود.

مع ذلك أثناء وجوده في بوكا، لم تكن جماعة البغدادي معروفة كثيرا، وكان أقل أهمية من زعيم «القاعدة» الذي نُظر إليه كبطل قومي أبو مصعب الزرقاوي، الذي أصبح يثير الرعب في قلوب كثيرين في العراق وأوروبا والولايات المتحدة. وكان لدى البغدادي طريقة فريدة للظهور من بين القادة الطموحين الآخرين داخل بوكا وخارجه في شوارع العراق، وهي أصله (يدعي أنه ينتسب إلى آل البيت). كذلك حصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية في بغداد، وكان يعتمد على كلا الرافدين لإضفاء الشرعية عليه خليفة للعالم الإسلامي، كما أعلن في يوليو (تموز) عام 2014، في تحقيق لقدر تجلى في باحة السجن قبل عقد من الزمان. وقال أبو أحمد: «لقد كان البغدادي شخصية هادئة، وله حضور، حيث تشعر وأنت معه بأنك في صحبة شخص مهم. مع ذلك كان هناك آخرون أكثر أهمية منه، حتى إني لم أعتقد أنه سيكون له هذا الشأن العظيم».

كذلك بدا أن للبغدادي طريقة مع سجّانيه، فكما يوضح أبو أحمد واثنان من رفاقه في السجن عام 2004، كان الأميركيون ينظرون إليه على أنه شخص يستطيع حل النزاعات بين الفرق المختلفة، والإبقاء على النظام في المعسكر.

وأضاف أبو أحمد: «وبمرور الوقت، أصبح حاضرا في كل مشكلة تطرأ في المعسكر. لقد أراد أن يكون زعيم السجن، وعندما أعود بذاكرتي إلى الوراء أرى كم كان يتبنى سياسة (فرّق تسد) للحصول على ما يريد، وهو المكانة المتميزة. وقد نجح في ذلك».

وفي ديسمبر (كانون الأول) عام 2004 لم يصبح البغدادي في نظر سجّانيه مصدر خطر أو تهديد، وتم إطلاق سراحه. وأضاف أبو أحمد قائلا: «لقد حظي باحترام الجيش الأميركي. عندما كان يريد زيارة سجناء في معسكر آخر، كان ينال ما يطلب، في حين كان مصير طلبنا الرفض. وكانت استراتيجيته الجديدة تتبلور أمام أنظارنا، وهي تأسيس (دولة إسلامية). لو لم يكن هناك سجون أميركية في العراق، لما خرج تنظيم داعش إلى حيز الوجود. لقد كان بوكا بمثابة مصنع أنتجنا جميعا، وكوّن نهجنا الفكري».

وفي الوقت الذي يعيث فيه تنظيم داعش فسادا في المنطقة، يفعل ذلك تحت قيادة رجال قضوا مدة في مراكز الاعتقال الأميركية خلال فترة الاحتلال الأميركي للعراق. بالإضافة إلى بوكا، كانت الولايات المتحدة تتولى إدارة معسكر كروبر بالقرب من مطار بغداد، وكذلك سجن أبو غريب، الواقع على الأطراف الغربية للعاصمة خلال الـ18 شهرا البائسة الأولى من الحرب. وأقرّ كثيرون ممن تم إطلاق سراحهم من تلك السجون، وبالطبع عدد من المسؤولين الأميركيين البارزين الذين قادوا عمليات اعتقال، بتأثير السجون السلبي المهيج.

وأوضح علي الخضيري الذي عمل مساعدا خاصا لكل السفراء الأميركيين الذين خدموا في العراق منذ 2003 وحتى 2001. وكذا لـ3 قادة في الجيش الأميركي، قائلا: «لقد حضرت عددا من الاجتماعات التي قال فيها كثيرون إن الأمور كانت تسير على خير ما يرام». لكن في النهاية اقتنع حتى المسؤولون الأميركيون البارزون «بأنهم باتوا عناصر تشجع على التطرف، وبأنهم تصرفوا بطريقة تؤتي نتائج عكسية من عدة أوجه، وبأنه تم استغلالهم في التخطيط والتنظيم وتعيين قادة وتنفيذ عمليات».

ووفق أبو أحمد: «في السجن، كان كل الأمراء يجتمعون بشكل منتظم. أصبحنا قريبين جدا من الأشخاص المسجونين معنا. عرفنا قدراتهم. كنا نعرف ما يمكنهم وما لا يمكنهم القيام به، وكيفية استخدامها، ولأي سبب من الأسباب. وكان أهم الأشخاص في معسكر بوكا هم الذين كانت لهم صلة وثيقة بالزرقاوي الذي اشتهر في عام 2004 بأنه زعيم (القاعدة)».

وواصل حديثه: «كان لدينا الكثير من الوقت لنجلس ونخطط. لقد كانت البيئة مثالية. اتفقنا جميعا على أن نلتقي عندما نخرج. وكانت وسيلة إعادة الاتصال سهلة. كتبنا تفاصيل كل شخص منا على (شريط الأستيك المطاط) الموجود في السراويل الداخلية. وتواصلنا عندما خرجنا. كان أي شخص مهم بالنسبة لي مكتوب على شريط المطاط الأبيض. كان عندي أرقام هواتفهم وقراهم. وبحلول عام 2009. كان الكثير منا قد عاد للقيام بما كنا نقوم به قبل اعتقالنا. ولكننا كنا نقوم بذلك هذه المرة على نحو أفضل».

وفقا لهشام الهاشمي، وهو محلل مقيم في بغداد، تشير تقديرات الحكومة العراقية إلى أن 17 من الـ25 قائدا الأهم من قادة تنظيم داعش الذين يديرون الحرب في العراق وسوريا أمضوا وقتا في السجون الأميركية بين عامي 2004 و2011. وجرى نقل بعضهم من سجن أميركي إلى سجون عراقية، حيث سمحت سلسلة من عمليات الهروب من السجون خلال السنوات القليلة الماضية بفرار كثير من كبار القادة وانضمامهم إلى صفوف المقاتلين.

شهد سجن أبو غريب أكبر عملية هروب وأكثرها ضررا في عام 2013، حيث هرب ما يصل إلى 500 سجين، كثير منهم من كبار المتطرفين الذين سلمهم الجيش الأميركي المغادر، في شهر يوليو (تموز) من ذلك العام، بعد أن تم اقتحام هذا السجن عن طريق قوات تنظيم داعش الذين شنوا غارة متزامنة وناجحة كذلك على سجن التاجي القريب.

أغلقت الحكومة العراقية سجن أبو غريب في شهر أبريل (نيسان) 2014 وهو الآن فارغ، يقع على مسافة 15 ميلا من الضواحي الغربية لبغداد، بالقرب من خط المواجهة بين تنظيم داعش وقوات الأمن العراقية، التي تبدو غير جاهزة بشكل دائم، وهي تحدق في ضبابية الحرارة التي تمتد على الطريق السريع الذي يؤدي إلى الأراضي الوعرة في الفلوجة والرمادي.

لقد أصبحت أجزاء من هاتين المدينتين مناطق محظورة على القوات العراقية المحاصرة، التي هاجمها وهزمها تنظيم داعش، وهو مجموعة من اللصوص الذين لا يوجد مثيل لهم في بلاد ما بين النهرين منذ عهد المغول. عندما زرت أحد السجون المهجورة في أواخر هذا الصيف، كانت مجموعة من القوات العراقية جالسة عند نقطة تفتيش على الطريق الرئيسي المؤدي إلى بغداد، تتناول البطيخ بينما يسمع أصوات القذائف من على مسافة. كانت جدران سجن أبو غريب وراءهم، وكان أعداؤهم المتطرفون موجودين أسفل الطريق.

كان الكشف عن الانتهاكات التي وقعت في سجن أبو غريب له تأثير شديد على كثير من العراقيين، الذين اعتبروا التلطف المزعوم من الاحتلال الأميركي تحسنا طفيفا مقارنة بطغيان صدام. رغم أنه لم يكن هناك سوى القليل من الشكاوى بوقوع انتهاكات في سجن معسكر بوكا قبل إغلاقه في عام 2009. كان العراقيون ينظرون إليه باعتباره رمزا قويا للسياسة الظالمة، التي نالت من الأزواج والآباء والأبناء (بعضهم من غير المقاتلين) خلال غارات يتم شنها بصورة منتظمة على الأحياء، وإلقائهم في السجن لعدة أشهر أو سنوات.

حتى الآن، وبعد مرور 5 سنوات من إغلاق الولايات المتحدة لسجن معسكر بوكا، ما زال البنتاغون يدافع عن المعسكر باعتباره مثالا على تبني سياسة مشروعة في فترة مضطربة. قال المقدم مايلز ب. كاجيز الثالث المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية بشأن السياسة التي تم تبنيها تجاه المعتقلين: «خلال العمليات التي تمت في العراق في الفترة بين عامي 2003 و2011، اعتقلت القوات الأميركية الآلاف من معتقلي الحرب بشكل قانوني. يعد هذا النوع من الاعتقالات والممارسات شائعا خلال النزاعات المسلحة. يعد اعتقال شخص يحتمل أن يكون خطيرا من الأساليب القانونية والإنسانية الواجبة لتوفير الأمن والاستقرار للسكان المدنيين».

* خروج البغدادي من السجن

بعد مرور فترة على إطلاق سراح البغدادي من سجن معسكر بوكا، تم الإفراج كذلك عن أبو أحمد. بعد نقله جوا إلى مطار بغداد، التقطه رجال كان قد التقى بهم في معسكر بوكا. وأخذوه إلى منزل في غرب العاصمة، حيث انضم مرة أخرى وعلى الفور إلى القتال، الذي تحول من معركة ضد جيش احتلال إلى حرب شرسة وغير محدودة ضد الشيعة العراقيين.

كانت فرق القتل في ذلك الوقت تجوب بغداد وأغلب مناطق وسط العراق، لتقتل أعضاء من الطوائف المخالفة بوحشية معهودة، وتطرد الأهالي من الأحياء التي تسيطر عليها. وسرعان ما تحولت العاصمة إلى مكان مختلف للغاية عن المدينة التي غادرها أبو أحمد في العام السابق. ولكن بمساعدة الوافدين الجدد في معسكر بوكا، تمكن هؤلاء الموجودون داخل السجن من متابعة جميع التطورات الجديدة التي تحدث في الحرب الطائفية التي بدأت تتشكل. كان أبو أحمد على دراية بالبيئة التي عاد إليها. وكان لدى قادة معسكره خطط له.

كان أول شيء فعله عندما كان في مكان آمن في غرب بغداد هو أنه خلع ملابسه، ثم أخذ مقصا بعناية لملابسه الداخلية: «قمت بقص قطعة القماش في السروال الداخلي الذي كان فيه جميع الأرقام. اجتمعنا مرة أخرى. وعدنا إلى العمل». كان غيره من السجناء السابقين يفعلون الشيء نفسه في مناطق مختلفة من العراق. قال أبو أحمد وهو يبتسم لأول مرة خلال حديثنا، وهو يتذكر كيف تم الاحتيال على ساجنيه: «لقد كان الأمر في غاية البساطة. لقد ساعدتنا السراويل على الفوز في الحرب».

واسترجع أبو أحمد كيف أن الزرقاوي كان يريد شيئا مثل لحظة هجمات الحادي عشر من سبتمبر نقطة لتصعيد الصراع؛ شيئا من شأنه نقل المعركة إلى قلب العدو. وكان يعني هذا في العراق أحد هدفين؛ إما وصول الشيعة إلى كرسي الحكم، أو حتى هدف أفضل، وهو رمز ديني محدد. في فبراير (شباط) 2006، ومرة أخرى بعد مرور شهرين، قام انتحاريو الزرقاوي بتدمير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء، في شمال بغداد. واندلعت الحرب الطائفية بالكامل، وتحققت طموحات الزرقاوي.

وعند سؤاله عن مزايا هذا الاستفزاز العنيف، سكت أبو أحمد لبرهة للمرة الأولى خلال الكثير من أحاديثنا المتبادلة. وقال: «كان هناك سبب لبدء هذه الحرب. لم يكن السبب هو أنهم من الشيعة، ولكن لأن الشيعة كانوا يدفعون نحو ذلك. لقد كان الجيش الأميركي يقوم بتسهيل استيلائهم على العراق وإعطائهم البلاد. كانوا يتعاونون مع بعضهم بعضا».

ثم سرح بفكره في الرجل الذي أصدر الأوامر: «كان الزرقاوي شديد الذكاء. وكان أفضل مخطط استراتيجي في (داعش)، أما أبو عمر (البغدادي) فقد كان شخصا لا يعرف الرحمة»، كان أبو أحمد يشير إلى خليفة الزرقاوي، الذي قُتل في غارة أميركية في شهر أبريل (نيسان) 2010، و«أبو بكر هو الأكثر دموية بين الجميع».

«بعد مقتل الزرقاوي، أصبح الأشخاص الأكثر تطرفا منه يتمتعون بأهمية شديدة داخل التنظيم. كان فهمهم للشريعة والإنسانية رخيصا للغاية. فهم لا يفهمون التوحيد (المصطلح القرآني لوحدانية الله) بالشكل الذي ينبغي فهمه على أساسه. فلا يجوز فرض التوحيد عن طريق الحرب».

ورغم التحفظات التي بدأت تتحرك داخله بالفعل، أصبح أبو أحمد، بحلول عام 2006، جزءا من آلة القتل التي أصبحت تعمل بأقصى سرعة في أغلب أوقات العامين التاليين. تم تشريد ملايين المواطنين، وتم تطهير أحياء على أسس طائفية، وتم تخدير شعب بأكمله بوحشية لا رادع لها.

في ذلك الصيف، نجحت الولايات المتحدة في الوصول إلى الزرقاوي، بمساعدة المخابرات الأردنية، مما أدى لمقتله في غارة جوية شمال بغداد. من أواخر عام 2006، تراجع أداء التنظيم الذي أعاقته ثورة قبلية اقتلعت قيادته من الأنبار، وقلصت من وجوده في أماكن أخرى في العراق. ولكن وفقا لأبو أحمد، استغل التنظيم الفرصة ليتطور، وليكشف عن براغماتيته، بالإضافة إلى آيديولوجيته المتشددة. بالنسبة لتنظيم داعش، كانت السنوات الهادئة نسبيا بين عامي 2008 و2011 تعد فترة هدوء، وليس هزيمة.

* اجتماعات مع البعثيين

وبحلول ذلك الوقت، كان أبو بكر البغدادي قد ارتفعت مكانته باطراد خلال التنظيم ليصبح مساعدا موثوقا فيه لزعيمه أبو عمر البغدادي، ونائبه الجهادي المصري «أبو أيوب المصري». وقال أبو أحمد إنه عند هذه النقطة، اقترب تنظيم داعش من فلول البعث التابعين للنظام القديم، وهم معارضون آيديولوجيون يشتركون معه في وجود عدو مشترك، هو الولايات المتحدة والحكومة التي يقودها الشيعة التي تدعمها الولايات المتحدة.

اجتمعت أشكال سابقة من تنظيم داعش مع البعثيين، الذين فقدوا كل شيء عندما أُطيح بصدام، على الفرضية نفسها التي تقول إن «عدو عدوي صديقي». قال أبو أحمد ومصادر أخرى إنه بحلول أوائل عام 2008. أصبحت هذه الاجتماعات أكثر تكرار – وكان كثير منها يُعقد في سوريا.

أثار مسؤولون أميركيون في بغداد والحكومة العراقية بشكل منتظم مسألة صلات سوريا بالتمرد السني في العراق. لقد كانا مقتنعين بأن الرئيس السوري بشار الأسد سمح للمتطرفين بالوصول جوا إلى مطار دمشق، حيث رافقهم مسؤولون عسكريون إلى الحدود مع العراق. أخبرني أبو أحمد أن «جميع الأجانب الذين كنت أعرفهم دخلوا إلى العراق بهذه الطريقة. فلم يكن الأمر سرا».

اعتبارا من عام 2008، عندما بدأت الولايات المتحدة التفاوض على نقل سلطاتها إلى المؤسسات الأمنية الضعيفة في العراق – وبالتالي تمهد الطريق لخروجها – تحول الأميركيون بشكل متزايد إلى عدد قليل من الشخصيات الموثوق بها في الحكومة العراقية. كان أحدهم اللواء حسين علي كمال مدير الاستخبارات في وزارة الداخلية بالبلاد. كان كرديا علمانيا، وكان يحظى بثقة المؤسسة الشيعية، وأحد المهام الكثيرة التي كلف بها كمال هي تأمين بغداد ضد الهجمات الإرهابية.

تسجيلات سرية

لاجتماعي الزبداني

كان اللواء كمال مقتنعا مثل الأميركيين بأن سوريا تقوم بزعزعة استقرار العراق، وهو تقييم استند إلى عمليات استجواب المتشددين الذين اعتقلتهم قواته. طوال عام 2009، قدم كمال الأدلة في سلسلة من المقابلات، وذلك باستخدام الخرائط التي تحدد الطرق التي يستخدمها المتشددون لعبور الحدود إلى غرب العراق، والاعترافات التي ربطت رحلاتهم بضباط محددين من ذوي الرتب المتوسطة في الاستخبارات العسكرية السورية.

وبانحسار نشاط تنظيم داعش في العراق، فقد تزايد هاجس التنظيم إثر اجتماعين نُظما في سوريا في وقت مبكر من عام 2009، الذي جمع المتشددين العراقيين مع المسؤولين السوريين، برفقة البعثيين من كلتا الدولتين (أما كمال، الذي أصيب بنوع نادر من مرض السرطان في عام 2012، فقد لقي حتفه في وقت مبكر من هذا العام، وقد خوّل لي نشر تفاصيل محادثاتنا معا، حيث قال في آخر مقابلة جمعتنا في يونيو «حزيران» من عام 2014: «لا تقل إلا الحقيقة»).

عندما تقابلت معه لأول مرة في عام 2009، كان منكبا على مراجعة نسخ من التسجيلات لاجتماعين سريين عُقدا في مدينة الزبداني، بالقرب من دمشق، في ربيع العام ذاته. وكان الحضور يشملون عضوا بارزا في حزب البعث العراقي، الذي كان قد التجأ إلى سوريا منذ الإطاحة بنصيرهم السابق صدام حسين، وضباطا من الاستخبارات العسكرية السورية، وشخصيات بارزة عُرف فيما بعد أنهم يتبعون تنظيم القاعدة في العراق. كان السوريون قد فتحوا قنوات للتواصل مع المتشددين خلال الأيام الأولى للتمرد المناوئ للاحتلال الأميركي، واستخدموهم في زعزعة الوجود الأميركي، وقلقلة خططهم بالعراق.

يقول علي الخضيري المستشار السابق للسفراء الأميركيين وكبار القادة العسكريين في بغداد: «في أوائل عامي 2004 و2005، بدأت العناصر الجهادية والعناصر البعثية المعزولة بالتلاقي معا. كانوا منضبطين بطبيعة الحال، وذوي تنظيم جيد، ويعرفون تضاريس الأرض جيدا. وبمرور الوقت، تحول بعض الأفراد الذين كانوا في الأصل بعثيين إلى متطرفين مع احتدم سعار التمرد. وبحلول عام 2007، كان الجنرال (ديفيد) بترايوس يقول إن هناك معلومات استخبارية شديدة الوضوح حيال التعاون القائم بين الاستخبارات العسكرية السورية والجهاديين. غير أن الدوافع لم تتحد فيما بينهم بنسبة 100 في المائة».

خلال محادثاتنا، شدد أبو أحمد على الروابط السورية بالتمرد العراقي، حيث قال: «يمر جميع المقاتلين عبر سوريا. ولقد عملت بنفسي مع كثيرين منهم. أولئك الموجودون في بوكا طاروا إلى دمشق. ومجموعة صغيرة منهم عبرت من خلال تركيا، أو إيران. ولكن معظمهم جاءوا إلى العراق بمساعدة السوريين».

كان خط الإمدادات يُنظر إليه من جانب المسؤولين العراقيين بأنه يشكل تهديدا وجوديا على الحكومة العراقية، وكان السبب الرئيسي للعلاقة المسمومة بين نوري المالكي، الذي صار رئيس الوزراء العراقي لاحقا، والرئيس السوري بشار الأسد. كان لدى المالكي قناعة تكوّنت مبكرا خلال الحرب الأهلية من أن الأسد كان يحاول تقويض سلطات نظامه الحاكم بوصفه وسيلة لإحراج الأميركيين، وبدا الدليل على ذلك جليا في عام 2009 من خلال الاجتماع المنعقد في دمشق، الذي نقل سخط المالكي على الزعيم السوري إلى آفاق جديدة.

أخبرني اللواء كمال في ذلك الوقت أنه «كان لدينا مصدر داخل الغرفة يحمل جهاز تنصت. ولقد كان أكثر مصادرنا حساسية على الإطلاق. وبقدر معرفتنا، كانت تلك أول مرة يُعقد فيها اجتماع على المستوى الاستراتيجي يضم جميع تلك الأطياف. إنه اجتماع يشكل نقطة جديدة في التاريخ»، يقصد اجتماع مدينة الزبداني.

أدار البعثيون الحاضرون الاجتماع. وكان هدفهم، وفقا لمصدر اللواء كمال، شنّ سلسلة من الهجمات الكبرى في بغداد تؤدي إلى تقويض حكومة المالكي ذات الأغلبية الشيعية، التي تمكنت، وللمرة الأولى، من فرض قدر من النظام في عراق ما بعد الحرب الأهلية. وحتى ذلك الحين، كان تنظيم القاعدة والبعثيون العراقيون من ألد الأعداء على المستوى الآيديولوجي، غير أن القوة المتصاعدة للشيعة، وكذا مؤيدوهم في إيران، جمعت كلا الفصيلين المتضادين معا للتخطيط لهجمة كبرى داخل العاصمة العراقية.

بحلول شهر يوليو (تموز) من عام 2009، رفعت وزارة الداخلية العراقية من يقظتها الأمنية في جميع نقاط التفتيش عبر نهر دجلة وإلى العاصمة بغداد، مما يجعل من الانتقال في أي وقت من أوقات اليوم معاناة كبيرة، ولا يُحتمل، على غير المعتاد. ثم تلقى اللواء كمال رسالة من مصدره في سوريا تفيد بأن النشاط الأمني المتزايد لدى الجسور العراقية لفت انتباه المتآمرين على الهجوم، حسبما أفاد به. وتم اختيار أهداف جديدة، غير أنه لا يعرف ماهيتها، أو توقيت مهاجمتها. وعبر الأسبوعين التاليين، عمل اللواء كمال عن كثب وحتى ساعات متأخرة من الليل داخل مكتبه الحصين في ضاحية العرصات الجنوبية، قبل أن تنقله من عمله قافلة مدرعة عبر جسر 14 يوليو، الذي اختير هدفا للمتآمرين قبل أيام قليلة، إلى منزله داخل المنطقة الخضراء.

منذ ذلك الحين وحتى نهاية الشهر، قضى اللواء كمال ساعات ممتدة في كل ليلة من ليالي القيظ يتعرق على جهاز الرياضة، آملا أن ينقي التمرين الرياضي عقله ويدفع به خطوة واحدة قبل المهاجمين. ولقد قال لي خلال آخر محادثة جمعتنا قبل شن المهاجمين لضربتهم: «قد أفقد بعض الوزن هنا، ولكنني لم أعثر على الإرهابيين بعد. أعلم أنهم يخططون لأمر كبير».

في صباح 19 أغسطس (آب)، انفجرت أولى الشاحنات الـ3 الناقلة لخزانات مياه سعة 1000 لتر، وكل منها محمل بالمتفجرات، على جسر أمام مبنى وزارة المالية العراقية جنوب شرقي بغداد. تسبب الانفجار في إرسال الحطام عبر مدينة الزمرد، وأثار عاصفة من التراب عصفت بالمنازل المجاورة، وأثارت ذعر آلاف الحمائم فهربت في جو السماء. ثم مرت 3 دقائق أخرى، وانفجرت قنبلة هائلة خارج مبنى وزارة الخارجية على الطرف الشمالي من المنطقة الخضراء. وبعد مرور فترة وجيزة، هز انفجار ثالث قافلة للشرطة على مقربة من وزارة المالية. حصدت تلك الانفجارات أرواح أكثر من 101 قتيل، وما يقرب من 600 مصاب، ولقد كان أكثر الهجمات دموية في تاريخ التمرد العراقي الممتد لست سنوات.

* ماذا قال علي مملوك؟

أخبرني اللواء كمال في ذلك اليوم قائلا: «لقد فشلت. لقد فشلنا جميعا». وخلال ساعات جرى استدعاؤه لمقابلة المالكي وقادة أجهزته الأمنية. كان رئيس الوزراء مهتاجا. قال اللواء كمال في وقت لاحق: «أخبرني بتقديم ما لديّ حول السوريون. ثم رتبنا الأمور مع تركيا لتلعب دور الوسيط، ثم سافرت إلى أنقرة للاجتماع بهم. ثم تناولت ذلك الملف (ونقر بيده على مجلد سميك أبيض اللون على مكتبه) ولم يمكنهم الجدال فيما عرضناه عليهم». كانت القضية محكمة بالكامل وكان السوريون يعرفون ذلك. كان السيد علي مملوك (رئيس جهاز الأمن العام السوري) موجودا هناك. وكل ما فعله كان النظر إلي وعلى وجهه ابتسامة، ثم قال: «لن أعترف بأي مسؤول قادم من بلد يقبع تحت الاحتلال الأميركي. إن ذلك مضيعة للوقت». استدعى العراق سفيره في دمشق، وأمرت سوريا مبعوثها إلى العراق بالعودة للوطن انتقاما من ذلك. وخلال الفترة المتبقية من العام، وحتى حلول عام 2010. ظلت العلاقات فيما بين المالكي والأسد شديدة السمية.

وفي مارس (آذار) من عام 2010، ألقت القوات العراقية، إثر إشارة من الولايات المتحدة، القبض على زعيم تنظيم داعش الذي يُدعى مناف عبد الرحيم الراوي، والذي تم الكشف عن أنه أحد كبار قادة الجماعة المتطرفة في بغداد، وأحد القلائل الذين كان لديهم اتصال مباشر بزعيم التنظيم اللاحق، أبو بكر البغدادي. تحدث الراوي، وفي لحظة نادرة من لحظات التعاون، تآمرت أجهزة الاستخبارات العراقية الـ3، ومن بينها شعبة الاستخبارات التي يرأسها اللواء كمال، على دس جهاز تنصت وجهاز لتحديد المواقع العالمية (للتعقب) داخل صندوق زهور يصل إلى مخبأ أبو عمر.

وبعد التأكد من أن أبو عمر ونائبه أبو أيوب المصري كانا موجودين داخل منزل على بعد 6 أميال إلى الجنوب الغربي من مدينة تكريت، تعرض المنزل للهجوم من قبل غارة أميركية. وقد فجر الرجلان سترات انتحارية ليحولا دون إلقاء القبض عليهما حيين. عُثر في المنزل على رسائل إلى أسامة بن لادن وأيمن الظواهري داخل حاسوب. وعلى غرار منزل بن لادن الآمن في باكستان، حيث سيتعرض للقتل هناك بعد أكثر قليلا من عام، لم يكن في مخبأ أبو عمر أي اتصال بالإنترنت أو خطوط للهواتف، وكانت الرسائل المهمة تصل وتُسلم من خلال 3 رجال فقط؛ أحدهم كان يُدعى أبو بكر البغدادي.

أخبرني أبو أحمد قائلا: «كان أبو بكر البغدادي مرسالا لدى أبو عمر. ثم صار أقرب مساعديه إليه. فقد كانت الرسائل الموجهة على أسامة بن لادن تجري صياغتها من خلاله، وكانت رحلة تسليم تلك الرسائل تبدأ من عنده. وحين تعرض أبو عمر للقتل، تولى أبو بكر البغدادي الزعامة. وفي ذلك الوقت كان كل ما لدينا في بوكا يحمل قدرا عظيما من الأهمية مجددا».

جاء مقتل أبو عمر البغدادي وأبو أيوب المصري بمثابة ضربة شديدة لتنظيم داعش، ولكن الأدوار التي فرغت بمقتلهما سرعان ما قام بها خريجو معسكر بوكا، الذي كانت الأنساق العليا فيه قد بدأت التحضير لتلك اللحظة منذ أيام سجنهم الأولى في أحد السجون بجنوب بغداد. قال أبو أحمد: «كان السجن بالنسبة إلينا أكاديمية دراسية، ولكنه كان بالنسبة إليهم مدرسة للإدارة، يقصد كبار القادة، لم يكن حلقة مفرغة أبدا، نظرا للكثيرين الذين تلقوا توجيهاتهم وإرشاداتهم داخل السجن».

واستطرد يقول: «حينما تحولت الحرب الأهلية السورية إلى حرب خطيرة، لم يكن من الصعوبة نقل جميع الخبرات إلى ساحة قتال جديدة. إذ يحتل العراقيون المستويات الأكثر أهمية في الأمور العسكرية وفي مجلس شورى تنظيم داعش حاليا، وذلك ناجم عن تلك السنوات الطويلة من الإعداد لمثل ذلك الحدث. لقد قللت من قدر البغدادي. كما استهانت الولايات المتحدة بالدور الذي لعبته حتى جعلته في مكانه الحالي».

لا يزال أبو أحمد من أعضاء تنظيم داعش، وهو عضو نشط في عمليات التنظيم في كل من العراق وسوريا. ومن خلال مناقشاتنا، رسم لنفسه صورة الرجل الذي يعاند ذاته للبقاء داخل التنظيم، مع أنه في الوقت ذاته على غير استعداد للمخاطرة بتركهم.

* داخل {داعش}.. سلطة ومال وزوجات

* إن الحياة داخل تنظيم داعش تساوي السلطة، والمال، والزوجات، والمكانة، وكلها من قبيل المغريات الساحرة للشباب حديثي السن أصحاب القضية، غير أنها تعني أيضا القتل والهيمنة على وجهة نظر عالمية لم يعد يحمل حيالها القلب المفعم بالإصرار ذاته.

وقال إن مئات الشباب أمثاله، ممن انخرطوا في الجهاد السني عقب الغزو الأميركي للعراق، لم يعودوا يعتقدون أن المشاهد الأخيرة من الحرب التي قضت على عقد كامل من الزمان لا تزال تحمل القدر ذاته من الوفاء لأصلها الأول.

قال أبو أحمد: «أكبر أخطاء حياتي كان الانضمام إليهم»، ولكنه أضاف أن الانسلاخ عن التنظيم قد يعني تعرضه مع أسرته للإعدام. غير أن البقاء والتأكيد على الرؤية الوحشية للتنظيم من خلال أفعاله، برغم اعتراضه النسبي حيالها، لا يسبب لأبو أحمد أي غضاضة، حيث يعد نفسه في قلب بضعة من الخيارات الأخرى.

وأضاف يقول: «ليس الأمر أنني لا أومن بالجهاد»، وتابع أثناء خفوت صوته بعيدا: «بل أومن به. ولكن ما خياراتي؟ إذا انفصلت، فأنا ميت لا محالة».

إن ذروة تورطه مع ما يعتبر أكثر جماعة إرهابية تهدد العالم حاليا يعكس حالة الكثير من الشباب الآخرين، الذين يحتلون مناصب كبرى في التنظيم: أولا الحرب ضد جيش احتلال، ثم حاصل ذلك تسوية ما تتم مع عدو طائفي قديم، والآن حرب أخرى قد تحل محل نبوءة حرب آخر الزمان.

وفي عالم خريجي معسكر بوكا، ليس ثمة مجال قط أمام المذاهب التعديلية أو التنقيحية، أو حتى أمام التأمل.

يشعر أبو أحمد أن نفسيته تعرضت لاكتساح هائل من أحداث صارت وبحق تفوق حجمه الضئيل بمراحل، أو حجم أي شخص آخر.

ويقول في إشارة إلى كبار أعضاء تنظيم داعش القريبين من البغدادي: «هناك أناس آخرون ليسوا من أصحاب التنظير.

أولئك الذين بدأوا في معسكر بوكا، مثلي تماما. ثم صار الأمر أكبر منا جميعا. لا يمكن لأحد إيقاف ذلك الآن.

إن الأمر بحق خارج عن سيطرة أي شخص. لا البغدادي، ولا أي عنصر آخر في دائرته».

* بالاتفاق مع صحيفة «الغارديان»

«داعش».. تنظيم ولد مع «القاعدة» ونشأ في السجون مع البعث ويطمح إلى التمدد حتى روما

في العدد الجديد من مجلة{المجلة}.. قصة الخلافة السوداء.. من المخابرات إلى تقويض الدول

1407024592485346400

جدة: يوسف الديني
«داعش» مفاجأة الألفية الجديدة بلا شك، فالتنظيمات الأصولية المسلحة والجماعات التي تؤمن بالتغيير العنفي والتي نشأت في نهايات القرن الماضي اصطبغت بطبيعة العمل السري الذي تتقنه جماعات العنف المسلح، وتنأى بنفسها عن أي ظهور إعلامي أو حضور اجتماعي، كما أن شروط الانتساب عادة ما تتطلب فحصا فكريا وأمنيا وعادة ما يجري الانخراط في العمل السري عبر تكنيك «الشبكات» والمعارف أكثر من الانتساب المباشر أو من خلال الإنترنت كما تفعل «داعش» الجديدة في إشارة إلى التحولات الهائلة التي يعيشها «وحش» الإرهاب اليوم، فيما نكتفي نحن باجترار المفاهيم والتصورات القديمة عن «القاعدة» وأخواتها وبدايات العنف الدموي الذي رغم كوارثه التي نجنيها اليوم فإنه كان أكثر معقولية مقارنة بـ«داعش» الممثل الأهم للفوضى الخلاقة التي نعيشها اليوم.

وفي ما يلي ملخص لتحقيق موسع نشر في عدد الشهر الحالي من الشقيقة {المجلة} عن تنظيم {داعش}.

أول ظهور للاسم الجديد «داعش» في أبريل (نيسان) 2013، ليس بهدف الإعلان الرسمي أو محاولة تضخيم شأن التنظيم كما يخطئ عادة من يقرأ جماعات العنف المسلح خارج نصوصها وسجالاتها الداخلية، فالتسمية كانت هدفا استراتيجيا للتنظيم لابتلاع كل المجموعات الصغيرة.

الهدف الأول لإعلان «داعش» لم يكن قرارا دعائيا أو محاولة تضخيم قدرات التنظيم الذي يجول طولا وعرضا في مناطقه المحببة في العراق والشام بقدر ما كان تحديا وجوديا لافتراس الأسماك «القاعدية» الصغيرة، وهو ما أدركته «جبهة النصرة» مبكرا فرفضت الاندماج وبدأت معارك إثبات الوجود التي لا تزال مستمرة إلى الآن وإن كانت الغلبة على مستوى أبناء «القاعدة» ويتامى بن لادن لـ«داعش» رغم أن التنظيم رسميا يرفض الاعتراف بالهزيمة حتى اللحظة.

التقاسم الإرهابي لكعكة الشام والعراق كان سببا في الخلاف بين التنظيمات المسلحة؛ «داعش» و«النصرة» بالأساس وبقية الصغار حسب ولاءاتهم ومصالحهم الصغيرة وإن كانت المبرر المقدم للأتباع والجمهور العريض هو «الشرعية»، فالاتهامات المتبادلة بالبغي والخروج على سلطة الحاكم الشرعي والمفاوضات، بل والمحاكمات المجانية والإعدامات، كشفت ما كان مستورا ولم تظهر واقعا جديدا في الخلاف بين التنظيمات المسلحة حول أحقية تمثيل «الجهاد» وهو ما يعني إدراكهم لدورهم والانتعاش المقبل لدورات الإرهاب والعنف بعد انهيار الربيع العربي.

بدايات بنكهة محلية

في البداية كانت «القاعدة» في العراق مستقلة وأقرب إلى التشكل المحلي مع إضافات هائلة في الخبرات والموارد من قبل المتحولين من «البعث» إلى «القاعدة» سواء كان التحول على سبيل الاقتناع والتبني وهو أقل، أو على سبيل التحالف والولاء المشترك لفكرة طرد المحتل واستهداف الحكومة الطائفية، ووقتها كانت «داعش» تعمل تحت شعار «جماعة التوحيد والجهاد» ليتحول لاحقا إلى تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» بعد تولي أبو مصعب الزرقاوي قيادته في 2004 ومبايعته زعيم «القاعدة» السابق أسامة بن لادن، ولا يخفى أن إضافة «الرافدين» إلى التنظيم هو جزء من التواضع لقيمة ومكانة بن لادن الذي تسبب مقتله على يد الأميركان إلى تحول كبير في التنظيم بعد الفراغ الهائل الذي خلفه.

مقتل الزرقاوي في يونيو (حزيران) 2006 على يد القوات الأميركية في العراق، ساهم في تقلص دور «القاعدة» لحساب أدوار جديدة مفاجئة لم تكن مرصودة آنذاك في صخب عمليات التنظيم.

كيف نصنف «داعش»؟

إذن «داعش» هي منتج إرهابي منفصل عن «القاعدة» بعد أن كان جزءا منها، ثم أضيفت إليه أفكار جديدة إلى أن آل الوضع إلى هذا المزيج الذي يقترب من العصابات المنظمة منه إلى عمل جماعات العنف المسلح الدينية.

تعود بذور «داعش» للخلاف الفكري بين تيار الصقور الذي كان يمثله الزرقاوي، و«القاعدة» التقليدية، وبعد مقتله ومقتل أبو حمزة المهاجر دخلت «داعش» مرحلة مشروع الدولة في العراق.

جزء من أزمة تحليل «داعش» تعود إلى أسباب كثيرة وأهمها القراءة الخاطئة لـ«التيارات المنغلقة»، فالصورة المغلوطة عن جماعات العنف المسلح منذ حركة الخوارج تاريخيا ووصولا إلى «القاعدة» وأخواتها، فهناك أولا تغيرات بحكم التاريخ وتغير الوضع السياسي وأخرى بسبب التأثر والتأثير على الواقع نفسه، فالنواة الأولى لمجاهدي الثمانينات قبل نشأة «القاعدة» تختلف عنها في مرحلة «مطبخ بيشاور» التي أشرنا إليها، كما تختلف جذريا عن مرحلة القتال بالوكالة التي مارستها «القاعدة» عبر إرسال مقاتليها إلى البوسنة والشيشان.

الخلاف إذن ليس فقط على مستوى الأفكار، وهذا فرق جوهري، بل على مستوى موقفهم من الأنظمة العربية أو قتال العدو القريب أو البعيد، موقفهم من التحالف مع استخبارات دول أخرى في مصلحة التنظيم، التدفق المالي، وأيضا انفصال المرجعيات الشرعية للتنظيم عن المناخ الشرعي السائد من حيث تحرير مسائل الجهاد أو فقه الثغور الذي تغير عدة مرات من تكوين علماء تنظيم مختصين وصولا إلى غياب الرؤية بحكم دخول أطراف قادمة من خلفيات بعثية وأخرى أقرب إلى الثوار المناطقيين كالعشائر في العراق وبعض المناطق السورية.

أمير المؤمنين.. سيرة مجهولة

لم يكن أمير المؤمنين المزعوم أبو بكر البغدادي شيئا مذكورا قبل أن تقوم الولايات المتحدة في عام 2013 برصد جائزة قدرها عشرة ملايين دولار لمن يساهم في اغتيال وقتل أو اعتقال البغدادي، المكنى بـ«أبو دعاء» وهي ثاني أعلى جائزة ترصدها وزارة الخارجية الأميركية لرأس إرهابي بعد زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.

الشيخ أبو دعاء ويلقب بالشيخ الشبح لما يقال عنه من ارتدائه الوشاح حتى في لقاءاته الخاصة مع المقربين من العراق، وتعود أصوله، كما يزعم أتباعه، إلى آل البيت، وهي إضافة رمزية مهمة يجري استخدامها لاحقا في منافسة الظواهري ثم شرعية إعلان الخلافة.

ولد الشيخ أبو دعاء عام 1971 في سامراء العراقية. كان يعمل في خدمة المساجد أثناء الغزو الأميركي، بالدعوة وجمع الأموال والتدريس الشرعي والإفتاء؛ بحكم أنه يحمل دكتوراه في الفقه الإسلامي. اعتقل لاحقا في معسكر بوكا الأميركي (جنوب العراق) ونجا مجددا من محاولة اغتياله بغارة جوية عام 2005، ثم ظهر بعد صمت سنوات عبر صفوف «القاعدة» مقاتلا وموجها ومرشدا، وهو ما كان كفيلا بتصعيده خلال خمس سنوات تقريبا ليتربع على عرش تنظيم الدولة الإسلامية في العراق 2010.

لغز محيّر

تبدو «داعش» في عيون «الجميع» لغزا محيرا ينسب تارة إلى إيران وتارة إلى العراق وتارة إلى بشار وتارة إلى الولايات المتحدة، ناهيك عن الاتهام الاستعدائي الذي يعبر عن أزمة ترحيل الأزمات السياسية الإيرانية الشهيرة التي اقتبسها المالكي حين أطلق اتهاماته جزافا تجاه المملكة والخليج وبشكل يدرك هو أنه جزء من إنتاج شرعيته المتوهمة التي تلفظ أنفاسها الأخيرة عند عقلاء شيعة العراق قبل سنتهم.

لقطع هذه الحيرة في فهم لغز «داعش» كان الأحرى بسيل التحليلات التي تقترب من روايات الخيال العلمي قراءة نتاج «داعش» وهو منشور ومبذول، سواء المنتج الفكري (رسائل، فتاوى، وصايا شهداء، الردود على المخالفين.. إلخ) أو المجتمع الداعشي على الإنترنت (معرفات «تويتر»، منتديات جهادية، وحتى كتيبات تحريضية عادة ما تحاول عمل دعاية مضادة لخصوم «داعش») وأيضا من المهم معرفة قراءة «داعش» النسخة القاعدية ثم «داعش» النسخة العالمية التي تجتذب الآن عناصر أجنبية.

في مواجهة الصحوات

خلال تلك السنوات الممتدة من نشأة التنظيم ارتكبت القوات الأميركية والعراقية حماقات متعددة في مواجهة التنظيمات المسلحة، إلا أن أكبرها فداحة كانت محاولة تعويض الجيش العراقي بقوات الصحوات في المناطق السنية من مقاتلي العشائر السنية ودفعها لمقاتلة «القاعدة» ثم التخلي عنها لاحقا بوعود ظهر أنها كانت مجرد سراب طائفي كبير؛ فالعراق للعراقيين فكرة لم تولد لتكبر بعد الغزو ثم الانسحاب الأميركي، وإنما كان الهدف هو الخروج من المستنقع بأقل قدر من الخسائر.

في نهايات عام 2011 وعلى وقع المخاضات الكبيرة التي كانت تعيشها المنطقة إثر الربيع العربي الذي اندلع وأشعل الحرائق السياسية ملهيا عن حرائق «القاعدة»، عادت دولة العراق الإسلامية أكثر قوة وتنظيما بعد أن استطاعت تأليب السنة في العراق، لا سيما ما تبقى من الصحوات المخذولة من أميركا وحكومة المالكي في أجواء كانت تستعد المنطقة فيها ليس إلى دخول الربيع الديمقراطي كما بدا لأول وهلة، وإنما لربيع الإرهاب الجديد وبدافع هذا الفشل المتلاحق للأميركان في العراق والمنطقة.

عودة «داعش»، الدولة الإسلامية، آنذاك، كانت تستهدف زعزعة النظام العراقي، ولذلك كرّت سلسلة من التفجيرات العبثية في بغداد وحصدت الآلاف من الضحايا، مما دفع الأميركان إلى التحرّك من بعد وتخصيص مكافآت للقبض على زعامات التنظيم الجديد، لكن شيئا من ذلك لم يؤت أُكله شأن كل السياسات الأميركية في حملة الحرب على الإرهاب التي لن تفلح ما دامت على طريقة «طائرات دون طيار»، فهذا الاستسهال في مواجهة العنف حول العراق آنذاك إلى جحيم حقيقي، وكانت الكارثة هي تغلغل التنظيم، بل وقدرته على فتح السجون واستهدافها بالهجوم لاستخراج كوادر «غالية» ستكون لاحقا الوقود الحقيقي لـ«داعش» وستصنع الفرق الذي نجني عناقيد غضبه اليوم.

وعلى عكس ما يشاع، لا سيما من أعداء «داعش» الطائفيين وعلى رأسهم إيران والنظام السوري والعراقي بقيادة المالكي رأس الحربة ضد «داعش» والمستفيد الأكبر من تمددها، لم تثبت أي علاقة بين نظام صدام قبل سقوطه المدوي وبين «القاعدة» وأخواتها، فبعد الانهيار لم يتم العثور على أي وثائق تثبت ارتباطه بـ«القاعدة».

ظلت الدولة الإسلامية تبني نفسها خلال السنوات التي انشغل العالم فيها بالربيع العربي البرّاق ليفاجئنا البغدادي في أوائل 2013 بحركة تصحيحية للتنظيم عبر عنها في بيانه بابتلاع جبهة النصرة وأنها امتداد تنظيمي لـ«داعش» التي تنوي التحول إلى دولة عابرة للحدود وكاسرة لحدود الدولة التقليدية التي رسمها سايكس – بيكو، لكن الأمر كان أبعد من الكفر بحدود الدولة القطرية إلى استهداف شرعية رفاق الأمس بمبررات ذات مضامين شرعية وإن كانت الغايات والدوافع سياسية الطابع، فبقاء «داعش» مجرد تنظيم مستورد من العراق للشام كان سيجهز عليه في حال تقوية التنظيمات الأخرى والجيش الحر الأقرب إلى الشأن السوري، كما أن تمرّد «القاعدة» المستمر على «داعش» كان إيذانا باتخاذ خطوة «آخر العلاج الكي» الذي ترفعه عادة كل التنظيمات المسلحة والميليشيات والأحزاب الماركسية الراديكالية، وهو ما يعرف بـ«تصفية الخصوم».

المستنقع السوري والتناغم مع نظام الأسد

واحدة من أكثر ملفات «داعش» غموضا هي تغلغلها في المستنقع السوري وتعملقها سريعا رغم أن تاريخ مشاركتها جاء متأخرا عن ثورة الشعب السوري بسنتين كاملتين! فـ«داعش» دخلت سوريا بعد أن حرر الثوار قسما كبيرا من سوريا وكانوا على وشك بناء دولة حديثة، إلا أن «داعش» ومن خلال تكنيك إطلاق اليد قامت باستدعاء «داعش» لا لتحاربها بل لتحارب بها عبر التأثير عليها بذكاء استخباراتي كبير.

استهدفت «داعش» كل المكتسبات للثورة السورية وثلاثية الثورة والتنظيمات العسكرية والشعب المقاوم الثائر، فقامت بسلسلة من عمليات الاغتيال والاختطاف لأهم رموز الكتائب والفصائل المقاومة ودمرت عددا من المؤسسات المدنية والعسكرية الناشئة، وهي أدوار لم يكن يحلم بها النظام السوري في مواجهة ثورة فتية.

أولوية تفكيك الثورة السورية كانت هدف «داعش» غير المعلن، وكانت آثارها مدمرة حيث مواجهة «داعش» من قبل المعارضة السورية كانت تؤدي غالبا إلى التعرض للقتل أو الملاحقة والاعتقال والإهانة والتعذيب في سجون دولة البغدادي، التي لا تقل سوءا ودموية عن سجون النظام السوري، الأمر الذي استدعى أمير جبهة النصرة إلى التحرّك المتأخر وإصدار البيانات، لكن بعد خراب مالطة، فأمر بحلّ الدولة وعودة الساحة السورية إلى ما كانت عليه قبل «داعش»، إلا أن البغدادي رد عليه بأحسن منها وكان الشعار الدعائي الكبير لـ«داعش» الذي تحول إلى ما يشبه الرمز التسويقي «دولة الإسلام في العراق والشام باقية وتتمدد» حتى يظهرها الله أو نهلك، فلا سبيل للرجوع والاستسلام.

هذه الخطوة الشجاعة من البغدادي والمتهورة نسبيا أحدثت انشقاقات غير متوقعة في الجسد الجهادي في سوريا، حيث انشغل العديد من المقاتلين ما يزيد على النصف بكثير إلى «داعش»، وكان أغلب حصيلة المتحولين من «داعش» هم القادمين من الأقاصي ممن عرفوا بلقب «المهاجرين» على سبيل التشريف، إضافة إلى مجموعات محلية سئمت بطء نجاحات الجيش الحر وانحازت إلى آيديولوجيا «داعش» المتكاملة نظريا والمحددة لهدفها وهو الوصول إلى مرحلة الدولة.

دولة الرايات السوداء

في نهاية 2013 كانت مدينة حمص قد وصلت إلى ذروة المعاناة والألم بعد حصار سنة ونصف أنهكت فيها كل قواها إلا أن «داعش» لم تر في ذلك أي ضغينة وزادت من معاناة السوريين حين قررت احتلال ريف حمص الشرقي بدعوى فك الحصار، فأرسلت مقاتليها ليحاصروا الرقة وريفها واتخذت من الشرق مقرا رئيسا ومركزيا لها، لتجتاح لاحقا إدلب وحلب وطرابلس والباب وتل رفعت وحريتان ورتيان ودارة عزة في ظل صمت الجميع، وفي خلال أقل من ستة أشهر سيطرت «داعش» على مناطق واسعة من الشرق والشمال لحلب.

كانت حروب «داعش» في سوريا من أكثر حروبها ذكاء وحنكة، فهي تدرك أن قوتها محدودة لا تقارن بحجم حضورها في العراق، فساهمت في تقليل خساراتها الحربية والعسكرية عبر تجنب الصدام مع نظام الأسد واستهداف المناطق غير الخاضعة لسيطرته، فيما ظن كثير من المحللين أن ثمة تعاونا مباشرا بين النظام و«داعش»، إلا أن الأمر لا يعدو توافق مصالح.

انتظرت «داعش» حتى مطلع هذا العام 2014 لتحول استراتيجيتها من الاهتمام بالمستنقع السوري إلى العودة إلى أرض التمكين كما يسميها أتباع «داعش» (العراق) وأوفياء العيش بأسلوب حياتها في المدن العراقية التي تحتلها وعلى رأسها «الفلوجة والرمادي» ثم الموصل لاحقا فمحافظة الأنبار التي كانت مسرح ولادة دولة الخلافة، إلا أن السيطرة على محافظة صلاح الدين كانت الحدث الأهم لـ«داعش» حيث حلقة الوصل بين شمال العراق ووسطه، وحيث الدخول في مرحلة دولة الخلافة النفطية، وهو ما ساهم في غرور «داعش» وطغيانها إلى الحد الذي جعلها تصل إلى لحظة رمي «حجر النرد» للإرهاب الجديد عبر إعلان دولة الخلافة الإسلامية.

اقتصاد «داعش»

في تقرير لمجلس العلاقات الدولية صدر مؤخرا أكد على أن بدايات الانتعاش الاقتصادي لتنظيم داعش كانت متأخرة في حدود 2013 قبل تحول الاستيلاء على الموصل الذي يعده الخبراء نقطة تحول اقتصادية كبرى ليست في مسيرة «داعش» فحسب، بل كل العمل المسلح في المنطقة، فـ«داعش» ما قبل الموصل كانت تحصل على ما يقارب عشرة ملايين دولار شهريا عبر سرقة الأموال وفرض الضرائب على أصحاب العمل المحليين بل واقتطاع حصص من المساعدات الإنسانية في المناطق الخاضعة لسيطرتها في مقابل الإذن بالدخول، وهو سلوك لم يأت مصادفة بل من الواضح أن «داعش»، وخلافا للتنظيمات الأخرى، تطور من سلوكها الإداري على الأرض على طريقة العصابات أكثر من بناء برنامج عمل مستقى من التصورات الإسلاموية لشكل الدولة، وتتحدث التقارير باستفاضة حول ميزانية «داعش» بعد التحولات الجديدة بينما يجزم معظمها بأن رأسمال التنظيم لا يقل عن ملياري دولار.

وفي تقرير مهم نشرته «سي إن إن» كشف أهم محاور التمويل لـ«داعش» التي احتكمت إلى منظومة أخلاقية مفارقة للأسلوب التقليدي في التمويل الذي كانت «القاعدة» تتبعه في مراحلها السابقة، من جملتها المنح والتبرعات وبيع النفط الخام، المخدرات وغسيل الأموال والابتزاز والغنائم، وهناك حديث عن ثروة عينية من الذهب فقط تقدر بـ430 مليون دولار.

الحالة الجديدة لـ«داعش» بعد الدخول في مشروع دولة الخلافة وسقوط أجزاء واسعة من العراق تحت سيطرته استلزمت تطورا على مستوى التجهيز العسكري.

شكل الدولة

حرصت «داعش»، بعد مضي نحو أربعة أشهر على إعلان تأسيس التنظيم الجديد (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، على تأسيس مشروع الدولة على الأرض ولو بشكل رمزي عبر تحويل المدارس والفيلات والبيوت التي هجرها أهلها إلى مقرات وزارية ومحاكم ومدارس للتنظيم ومعسكرات تدريب وجمع أموال، وعلى الأرض فرضوا أنظمتهم الاجتماعية المتطرفة التي من شأنها دب الذعر في نفوس الأهالي، فانتشرت في المناطق المحررة مقرّات تحمل اسمَه ورايته، كما أقيمت الحواجز الجديدة داخل المدن والقرى وفي مداخلها وعلى الطرق الموصلة بينها.

بعد السيطرة على الأرض قام التنظيم بإظهار مخالبه القاسية التي طالت عددا كبيرا من الإعلاميين وناشطي الحراك المدني داخل المناطق المحررة، كما اعتقلت «داعش» المئات من الموظفين التابعين لمنظمات إغاثية.

واحد من أكثر الملفات غموضا باستثناء كل الرمزيات والأيقونات الداعشية الطافحة في الإعلام ولأهداف أغلبها دعائي وتسويقي، هو ملف البناء الهيكلي والتنظيمي لـ«داعش»، وهو ملف غامض وصعب لتداخله بين شخصيات جهادية متطرفة مؤسسة للتنظيم وشخصيات فاعلة ومؤثرة قادمة من بقايا البعث والعشائر وضباط المخابرات والعملاء المزدوجين، إلا أن الرسائل الصغيرة المتداولة في الأوساط الجهادية على الإنترنت تشير إلى عدد من الشخصيات المهمة التي اعترف بها أو أشار لها في الغالب المتحولون من «داعش» إلى «القاعدة» أو الذين هجروا مناطق التوتر إيمانا منهم بأنها غطاء وهمي لعصابات وجماعات وكيانات مشبوهة.

سجون عامرة بالفزع

قصص تجربة السجن في جحيم «داعش» غير مسبوقة، حتى إنك وأنت تقرأها يخيل إليك أنك أمام فيلم رعب حقيقي، فالاعتقال يمتد لشهور وسنوات دون توجيه أي تهمة، كما أن طبيعة هذه السجون كما يصفها أبو صفية الذي كتب رسالته هذه مناصحا أمير المؤمنين: «أما حالة السجون فهي عبارة عن مقابر جماعیة وفردیة، وحالة مزریة من الناحیة الصحیة». ويسترسل في وصف الحشرات والبراغيث ونكت المجاهدين عليها، بل ويشير إلى أن بعض الشخصيات الشرعية في السجن ألفت قصائد على سبيل الترفيه لوصف حالة السجون الداعشية التعيسة التي تبدأ بلحظة الاعتقال وتنتهي بلحظة الفرار أو الإعدام.

جرائم «داعش» في سجونها لا تقل عن جرائمها على الأرض فهناك العشرات من الشهادات حول استخدام «داعش» لتجارب كیمیائیة خطرة على أجساد المساجین.

مستقبل «داعش»

اللحظة التي تعيشها «داعش» الآن هي لحظة زهو وسكر بكل تلك المنجزات السريعة التي ساهمت الأوضاع المتردية في العراق وسوريا إلى التسريع بوتيرتها، فتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بلغ من التيه والفخر بمنجزه أن يقوم بتنفيذ إعدامات ميدانية ويرجم النساء ويتطرف في تطبيق شريعته المزعومة، لكن لم يقف عند ذلك بل الآن وطبقا لتقارير صحافية عديدة يستقطب كوادر من خارج منظومته الفكرية، فيعلن عن وظائف بالغة الحساسية في قطاعات عسكرية ونفطية. من جهة أخرى ينتشر التنظيم عبر مملكته المفضلة، الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، بشكل غير مسبوق حتى يصح عليه أنه ماض في شعاره «باقية وتتمدد»، ومؤخرا عززت «داعش» تمددها ليس العسكري وإنما الاجتماعي وعلى مستوى أسلوب الحياة، حين أعلنت مؤخرا عن تسيير رحلات «سياحية» لعناصرها والمدنيين بين شمال سوريا وغرب العراق، لتعريفهم على الأراضي التي يسيطر عليها وأعلن فيها إقامة «الخلافة» قبل نحو شهر.

ويستغل بعض الجهاديين هذه الرحلات، التي تحدث في حافلات ترفع رايات التنظيم السود، لقضاء شهر عسل مع زوجاتهن في محافظة الأنبار العراقية، بحسب ناشطين من مدينة الرقة، أبرز معاقل التنظيم في شمال سوريا.

*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط على الروابط:
http://aawsat.com/home/declassified/281811/%D9%81%D8%A7%D8%AD%D8%B4-%D9%88%D9%85%D8%A7-%D8%A3%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D9%83-%D9%85%D8%A7-%D9%81%D8%A7%D8%AD%D8%B4
http://aawsat.com/home/article/241896/%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AE%D8%B7%D9%8A%D8%B7-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D8%AC%D9%86-%D8%A8%D9%88%D9%83%D8%A7-%D8%AA%D8%AD%D8%AA-%D9%86%D8%B8%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%AC%D8%B0%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B9%D8%AB%D9%8A%D9%8A%D9%86
http://aawsat.com/home/article/151451

“تمرد” جريمة العصر

*وائل قنديل

وائل قنديل

هل يذكر زياد أحمد بهاء الدين المعركة الباسلة التي خاضها، وحده، والده الكاتب الكبير الراحل ضد جريمة عصره، تهجير اليهود السوفييت إلى فلسطين المحتلة، في ثمانينيات القرن الماضي؟

له أن يتذكرها، الآن، ونحن بصدد “جريمة عصر” أخرى تستحق شهادته. جريمة هذا العصر اسمها “تمرد”.
بعد تسريب الدقائق السبعين في قناة “مكملين”، يحق لسكان مدينة 25 يناير الفاضلة أن يرفعوا رؤوسهم، ويشكروا الله كثيراً على نعمة الثورة البيضاء النقية التي لم تمد يدها، أو تصعر خدها، استجداء للمليارات المحركة للمليونيات.
يحق لثوار ميدان التحرير الأصليين أن يفخروا بأنهم هجروه كرهاً، حين صاروا مخيرين بين “التطبيع” مع الغزاة المحمولين على ظهر مليارات المؤامرة، أو أن يبادوا فيه.
يحق للذين قالوا لا لذهب المذل وسيفه أن يقولوا لأبنائهم إننا رفضنا التعايش مع ثورة أجيرة عند كارهي الثورات النظيفة ومحاربي التغيير.
جدير بالذين سخروا من البيان، الصادر قبل انقلاب الثلاثين من يونيو بأسابيع، من جنرال الثورة المضادة، القابع في مطبخ العمليات في أبوظبي أن يباهوا بموقفهم، حين داسوا بأقدامهم بيانه الذي يقول فيه إنه “يدعو جموع الشعب المصري إلى الاحتشاد في جميع الميادين العامة. والالتحام مع حركة تمرد الرائعة، للتوقيع على وثيقة سحب الثقة من الرئيس الإخواني. فلقد حانت ساعة الصفر الحاسمة، لاسترداد الدولة المصرية من سارقيها ومغتصبيها الذين ينحرون في توحدها وأمنها واقتصادها وحدودها نحر الفاسدين”.
يحق للذين رفضوا الاستجابة للذين اعتبروهم “آباء للثورة”، حين دعوهم إلى نسيان قيم وثوابت يناير، ابتغاء لمرضاة وعطايا صانعي يونيو، واتقاء لغضبتهم.
وطوبى للذين لم يتسللوا، كاللصوص والبغايا، إلى الغرف السرية في فنادق الجنرالات، لتلقي الأوامر والتعليمات وإرشادات التمرد فوق ظهور الدبابات والمجنزرات، وبقوا صامدين قابضين على جمر يناير، بينما كل المؤشرات تقول إن من لا يلتحق بقطار يونيو سوف تدهسه عجلاته الثقيلة.
طوبى لمن رفضوا “الثورة على ثورتهم”، ولم ينصتوا لأيقوناتها التي خانت نضالها، وباعت تاريخها، وراحت تجوب عواصم العالم تتسول العون، وتحرّض المجتمع الدولي على نظام منتخب ديمقراطياً، بحديث كاذب عن دستورٍ، لا يعترف بالهولوكوست.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، كانت تفاصيل المؤامرة قد وصلت إلى الرئيس محمد مرسي، الذي حاصره الجيش والشرطة، باستخدام حشود جماهيرية مصنوعة، داخل قصر الاتحادية.
وقبل تنفيذ الانقلاب بسبعة أشهر و17 يوماً، وجهت سؤالاً منشوراً تحت عنوان “من هو رئيس مصر 2013؟”، قلت فيه إن هناك من يعدون العدة، ويمنون النفس بإحراق هذه المرحلة بكل ما فيها، وهدم المعبد على رؤوس الجميع، لكي تعود مصر إلى ما قبل 25 يناير، وهذا ليس رجماً بالغيب، أو تعسفا في قراءة تفاصيل المشهد الراهن.
وصفت تلك اللحظات بأنها “مرحلة زرع الألغام وتفخيخ الأرض، تمهيداً لانفجار كبير تتم عملية صناعته هذه الأيام، خارج مصر وداخلها، بحيث لا تأتي الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، إلا وقد انهدم كل شيء، لتعود الغربان تنعق في طول البلاد وعرضها، وتحتفل بالانتصار.
وحسب روايات متعددة، قادمة من خارج مصر، فإن خصوم الثورة يحتشدون الآن، ويضخون أموالاً بلا طائل، لتصنيع حالة من الخراب والانفلات والفوضى في الداخل، بل إن بعضهم بدأ في تسريب أنباء عن اقتراب العودة للهيمنة على البلاد والعباد، نوعاً من الحرب النفسية الدائرة على قدم وساق، من خلال إشاعة مناخ من الرعب والفزع”.
وتأتي التسريبات لتوثق ما كان متداولاً على الألسنة، من دون دليل مادي، ثم تأتي شهادات واعترافات الناجين من مستنقعات “تمرد”، لتؤكد صدقية التسريبات.
صار من المعلوم من الوقائع بالضرورة أن هذا نظام جدير بأن تصدّق كل ما يقال عنه، وتكذّب كل ما يقوله.
التسريبات والأفعال تفضحكم، والتفجيرات لن تغطيكم.

*نقلاً عن العربي الجديد

– Swww.alaraby.co.uk/opinion/85c28096-7776-4648-aca6-59886a99c067#sthash.aP6j7I90.dpuf

خليجيون يطالبون حكامهم بمقاطعة انقلاب مصر وسحب السفراء ردًّا على إهانات السيسي

شؤون خليجية – خاص

السيسي-يحتقر

السيسي بيحتقر الخليج صورة من الصحيفة (شؤون خليجية)

أثارت التسريبات التي أذاعتها قناة مكملين الفضائية مساء اليوم، موجة من الغضب العارم بين نشطاء وسياسيين خليجيين، بسبب الإهانات التي وجهها عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري في مصر ومدير مكتبه عباس كامل لكل من قطر والسعودية والكويت وعموم الدول الخليجية، ونظرتهما الدونية للخليج واعتبار دوله “أنصاف دول” بحسب وصفهم.

وطالب عدد كبير من الخليجيين حكامهم باتخاذ موقف موحد تجاه نظام الانقلاب العسكري في مصر، وسحب سفرائهم بشكل جماعي من مصر، احتجاجا على الإهانات التي وجهها قائد الانقلاب لكل الدول الخليجية، شعوبا وحكاما في تسريبه الأخير.

عبد الله العذبة – رئيس تحرير جريدة العرب القطرية – وصف التسريب في مداخلة له على قناة “الجزيرة” الفضائية بالمهين والمؤسف، وقال: “أدعو دول مجلس التعاون الخليجي إلى مقاطعة النظام الانقلابي في مصر ردا على الإهانات التي جاءت في التسريب”.

وطالب السياسي والصحفي المتخصص في الشأن الخليجي “محمد عبد الله المقرن” دول مجلس التعاون الخليجي باتخاذ موقف موحد، وسحب كافة السفراء الخليجيين من مصر ردا على إهانة قائد الانقلاب العسكري لهم ولشعوبهم، ووقف كافة المساعدات التي تقدمها مصر للانقلاب العسكري.

فيما غرد المحامي الكويتي وعضو مجلس الأمة السابق ناصر الدويلة على التسريبات معلقاً: “اليوم سوف نسمع تسجيلا بصوت فخامة المشير السيسي يشتم الشعب السعودي والشعب الكويتي والشعب القطري وبكرة نكمل باقي الشتائم، مفيش فلفلة يا عكاشة”.

وفي تغريدة أخرى قال الدويلة: “مطلوب من حكومات الخليج وشعوب الخليج أن تنتصر لكرامتها من اجتماع تمت فيه سرقة أموال دولنا وقرشين فقط في البنك المركزي لتسكير الميزانية”.

وأضاف ساخراً: “مدير مكتب السيسي يغمى عليه من الضحك وهو يسمع كلام سيده عن مليارات الخليج كيف يتم سحبها وشويه شويه تختفي الأموال دون دخولها لميزانية مصر”.

فيما علق السياسي الخليجي “عصام الزامل” على التسريب قائلاً: “فعلا إذا أكرمت اللئيم تمردا. أجل حنا “أنصاف دول” يالسفاح. #السيسي_يحتقر_الخليج”.

بدوره غرد د. علي القرة داغي – الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين – معقباً على هذه التسريبات بالقول: “لم يكرموا الرئيس المنتخب مرسي فأكرمهم وصبر على أذاهم ولم يذكرهم بشرٍ أبداً، وأكرموا قائد الانقلاب فأهانهم واحتقرهم”.

كما غرد جابر الحرمي – رئيس تحرير جريدة الشرق القطرية – على التسريب مستنكراً أسلوب الحديث الذي صدر من السيسي: “التسريبات التي ظهرت لا تسيء إلى الخليج قادة وشعوباً، بقدر ما تسيء إلى مصر وشعبها العظيم”.

وقال الحرمي: “أتحسر على المرحلة التي وصلت إليها مصر بوجود قيادة هكذا تفكيرها في إدارة البلاد والتعامل مع دول الخليج”.

وفي تغريدة أخرى قال الحرمي: “السيسي يحتقر الخليج.. هذه هي مسافة السكة التي تحدث عنها السيسي لنجدة دول الخليج”.

وعلق الإعلامي الفلسطيني ياسر الزعاترة على التسريب في تغريدات متتالية، قائلاً: “السيسي يتحدث بمنطق اللصوص والمرتزقة لا بمنطق زعماء الدول، ويتعامل مع الأشقاء بروحية الابتزاز”.

وأضاف: “30 مليار للجيش، ويبقى يحط قرشين للبنك المركزي”.. الجيش الوحيد الذي يسيطر على كل شيء في الوطن، هو جيش مصر”.

وتابع: “لتجاوز الأونطة حين نقول إن الجيش يسيطر فنحن لا نتحدث عن عسكره الغلابة، بل عن حفنة جنرالات يأكلون كل شيء، ولا يتركون للوطن سوى الفتات”.

وأضاف: “الإساءة لأي شعب بالجملة موقف عنصري لا يتورط فيه الأحرار والشرفاء. في كل شعب توجد أصناف البشر كافة”.

 

ما هي ابرز توجهات العاهل السعودي الجديد تجاه القضايا العربية؟ وما مدى صحة ابتعاده عن الرئيس السيسي وتقربه من “الاخوان المسلمين”؟ وماذا عن الملفين السوري والعراقي.. والعلاقة مع “حماس″؟ وهل انهار التحالف مع الامارات؟

*عبد الباري عطوان

عطوان

تتجه كل الانظار هذه الايام باتجاه الرياض، والعاهل السعودي الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز لمعرفة خطواته المقبلة، وطبيعة تحالفاته الخليجية والاقليمية المتوقعة، بعد ان ثبت اركان عرشه، وكرس رجاله في المفاصل الهامة في الدولة من خلال اصدار 34 مرسوما دفعة واحدة.

الملك سلمان بن عبد العزيز قال خلال ترؤسه مجلس الوزراء للمرة الاولى بعد توليه العرش يوم (الاثنين) “ان بلاده مدركة مسوؤلياتها الجسام” و”لن تحيد عن السير في النهج نفسه الذي سنه الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وسار عليه من بعده ابناؤه الملوك” ونقل الدكتور عادل الطريفي وزير الاعلام الجديد عن الملك السعودي قوله “ان توجهات وسياسات المملكة على الساحات العربية والاسلامية والدولية نهج متواصل ومستمر، واضاف “نحن عازمون على مواصلة العمل الجاد والدؤوب من اجل خدمة الاسلام وتحقيق الخير لشعبنا العربي النبيل ودعم القضايا العربية والاسلامية، والاسهام في ترسيخ الامن والسلم الدوليين والنمو الاقتصادي العالمي”.

131209-D-BW835-554

كلام جميل، ولكنه مغرق في عموميته، ولا يمكن الخروج منه، بعد قراءته اكثر من مرة، بأي ملمح من ملامح السياسة الخارجية او الداخلية للعهد السعودي الجديد، فدعم القضايا العربية والاسلامية جملة فضفاضة، فأي من هذه القضايا التي سيدعمها العهد الجديد على سبيل المثال؟ فهل القضايا السورية والعراقية والفلسطينية والليبية والمصرية من بينها، وكيف سيكون هذا الدعم، وضمن اي محور في هذه القضايا مثلا؟

بمعنى آخر هل سيتم دعم المعارضة السورية بالمال والسلاح، مثلما كان عليه حال الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز والاستمرار في سياسة اسقاط النظام السوري، ام سيتم الانسحاب من هذه السياسة بعد تغير الاولويات ووضع محاربة “الدولة الاسلامية” على قمتها، وهل سيتم دعم المقاومة الاسلامية في الارض الفلسطينية المحتلة، ام ستستمر القطيعة مع حركة “حماس″، وتوثيق العلاقة مع السلطة فاقدة الشعبية في المقابل؟ (الملك سلمان تولى رئاسة اللجنة السعودية لدعم الشعب الفلسطيني لاكثر من اربعة عقود واعتقد انه ما زال في المنصب)، وبالنسبة الى مصر هل  سيواصل العاهل الجديد الدعم المفتوح والمطلق لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومواصلة الحرب على تنظيم الاخوان المسلمين في كل بقاع الارض، وليس في مصر وحدها، ام سيلجأ الى ترميم الجسور مع هذه الحركة؟ وماذا عن ايران “الشيعية” وتركيا “السنية” ومع اي من هاتين القوتين الاقليميتين العظميين سيتقارب العهد السعودي الجديد، وكيف، ووفق اي معايير؟ والاسئلة كثيرة في هذا المضمار، وتحتاج الى اجابات عاجلة، وربما بالسرعة نفسها التي تمت من خلالها عملية ترتيب البيت السعودي الداخلي.

***

وعندما نقول ان الانظار مركزة حاليا على الرياض، فان هذا التركيز مشروع ومبرر لاهمية هذه العاصمة وحاكمها، ودورها المؤثر في السياسات الاقليمية والدولية، ولم يكن غريبا ان هناك من يقف محللا ومتكهنا لكل خطوة وكل اشارة وكل تصريح.

توقف الكثيرون، على سبيل المثال، عند غياب الشيخين القويين في دولة الامارات العربية المتحدة اي محمد بن راشد (حاكم دبي) ومحمد بن زايد (ولي عهد ابوظبي) عن جنازة العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، مثلما توقفوا ايضا عند غياب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وذهب البعض الى درجة القول بأن الحلف السعودي الاماراتي المصري الذي تبلور، وبلغ ذروة قوته في عهد الملك الراحل بدأ يتفكك، ان لم يكن قد انهار فعلا، ولعب الاعلام القطري، او المحسوب على الدوحة، على وجه الخصوص، دورا كبيرا في “فصفصة” هذه المسألة واستنتاج النتائج السابقة، اي ضعف او انهيار هذا التحالف الذي غير خريطة مجلس التعاون الخليجي الداخلية والخارجية معا.

نقطة اخرى جرى رصدها وهي تقديم الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية المقربة من الاخوان المسلمين، ان لم تكن تابعة لها، واجبات العزاء للعاهل السعودي الجديد، فهناك من رأى في هذه الخطوة تغييرا في سياسة المملكة تجاه حركة الاخوان التي وصلت الى حد القطيعة الكاملة، وهناك من ذهب الى ما هو ابعد من ذلك، وتحدث عن علاقات الملك سلمان الوثيقة مع المؤسسة الدينية الرسمية، وابتعاده عن الليبراليين السعوديين والعرب، ورغبته في انهاء ارث الملك الراحل في “تهميش” التيار الاسلامي المحافظ والاقتراب من الليبراليين، وربما يكون هذا التفسير صحيحا، ولكن ما علمنا به ان الشيخ راشد الغنوشي طلب من السلطات السعودية الحضور لتقديم واجب العزاء وتهنئة الملك الجديد وفي نيته فتح صفحة جديدة، وهو الذي ابعد من مطار جدة مرتين، وبملابس الاحرام، بسبب غضب السلطات السعودية عليه لاخوانيته اولا، ولقائه بالشيخ سعود الهاشمي قبل اعتقاله ثانيا، فجاء الرد، اي للشيخ الغنوشي، بالترحيب والاذن بالحضور، ولا ننسى ان الشيخ الغنوشي وحركة النهضة التي يتزعمها، والحكومة التي انبثقت عنها في بداية الثورة التونسية عارضت بقوة استضافة السعودية للرئيس التونسي الاسبق زين العابدين بن علي وطالبت بتسليمه.

لا نعرف الاسباب التي دفعت بالمسؤولين الاماراتيين للتغيب عن تقديم واجبات العزاء في الملك الراحل، والاكتفاء بارسال شيوخ من امارات اصغر حجما وثراء، فالامارات تلتزم الصمت، ومن يؤمنون بنظرية “الازمة” اعتمدوا في تحليلهم على انهيار التحالف على موقع اماراتي يرأسه اعلامي مخضرم يعمل في ديوان رئيس الدولة انتقد تعيين الامير القوي محمد بن نايف وزير الداخلية، وليا لولي العهد ورئيسا لمجلس الامن والسياسة الذي يضم وزارات الدولة الامنية والسياسية “الخارجية” و”الدفاع″ و”الداخلية” و”الاعلام” و”الحج”، والايحاء بأن العلاقات بين الشيخ محمد بن زايد والامير محمد بن نايف متوترة، وان الاول كان على علاقة وثيقة مع الاميرين بندر بن سلطان ومتعب ابن عبد الله نجل العاهل الراحل، علاوة على خالد التويجري رئيس ديوان الملك الراحل الذي ابعد بأول مرسوم يصدره العاهل الجديد.

واذا افترضنا ان كل هذه التكهنات صحيحة، او تنطوي على الكثير من الصحة، وربما يكون الحال كذلك، فشيوخ الخليج ملوك التكتم وكل تسريبة لهم للاعلام توزن بميزان من الذهب الابيض، فان السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عن مدى صحة “فرضية” توتر العلاقة او “برودها” بين مصر الرئيس عبد الفتاح السيسي والعاهل السعودي الجديد؟

                                                                           ***

لم يصدر حتى الآن من مصر ومسؤوليها اي موقف او مؤشر يؤكد على تدهور العلاقات، باستثناء تغيب الرئيس السيسي عن مراسم العزاء الذي قيل انه جاء بسبب الثلوج التي حالت دون اقلاع طائرته فورا من منتجع دافوس الاقتصادي الذي كان يشارك فيه.

المملكة العربية السعودية استثمرت اكثر من 15 مليار دولار لدعم النظام المصري الجديد الذي جاء بعد انقلاب عسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي، وبنت كل سياساتها الاستراتيجية على اساس التحالف مع هذا النظام بما في ذلك “تجميد” العلاقات مع تركيا والضغط على قطر بلجم “الجزيرة”، وابعاد قادة الاخوان المقيمين في الدوحة، وتصعيدها مع ايران والعراق وسورية، فهل نحن امام تغيير جذري لهذه العلاقة الاستراتيجية من قبل العهد السعودي الجديد؟

من الصعب الاجابة بشكل قاطع على هذا السؤال وغيره، فما زالت اوراق لعب الملك سلمان قريبة جدا الى صدره، ومن الصعب رؤية اي منها، الامر الذي فتح المجال واسعا امام التكهنات من قبل جهات عديدة.

الامر المؤكد ان هناك مجالا واسعا لاحتمالات التغيير، فقد جرت العادة ان يغير ملوك السعودية سياساتهم وخيولهم عندما يتولون العرش، والملك سلمان بن عبد العزيز لن يكون استثناء.

الشيء الوحيد الذي يبدو اكثر وضوحا اننا نقف على اعتاب حرب اعلامية ساخنة تتناطح فيها امبراطوريات اعلامية ضخمة خليجية في معظمها مسلحة بمليارات الدولارات واطقم حرفية عالية الخبرة والمؤهلات، وما علينا الا الانتظار، وهذا “التناطح” سيكون انعكاسا لسياسات جديدة ليس على الصعيد السعودي فقط، وانما معظم الدول الاعضاء في مجلس التعاون، فمرحلة “الجمود” وكنس الخلافات تحت السجادة، يبدو انها تقترب من نهايتها بوفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي كان يوصف بكبير العائلة، او شيخ القبيلة الخليجية الاكبر، ويحترمه الجميع، ويقبلون بأبوته حتى وان اختلفوا مع بعض توجهاته.

*من صحيفة الرأي اليوم

لكي لا يندمَ الخليجيون!

الاقتصاد الروسي على حافة الانهيار بفعل تخفيض سعر النفط العالمي المفتعل. كان التوجيه أمريكياً، بينما المنفذ دول الخليج على رأسهم السعودية. حتى دول الخليج تتكبدُ خسائر فادحة لكنها تستطيع التعويض بسب اقتصادها الضخم.

الاقتصاد الروسي عماد الحاج

كاريكاتير للرسام/ عماد الحاج

أقنعَت الولايات المتحدة السعودية بتخفيض سعر النفط لضرب عدوها اللدود الروسي المعتمد بشكل رئيسي في ميزانيته على النفط. بالمُقابل استطاعت إيهام السعودية بأن الشأن ذاته سيحصل لإيران عدوة الثانية، ليتم ضرب الاثنين بحجرٍ واحد. روسيا تنهار، لكن إيران تزدهر وتحقق مكاسب مهولة على الأرض.

إيران حليف استراتيجي للولايات المتحدة، وهي من مكنتها في المنطقة قديماً، بدءاً بالعراق وأفغانستان وانتهاء بسوريا. آن الأوان أن ترد أمريكا الجميل. الآن باتت الدول الممانعة للغرب في قبضة إيران.

ما يفعلُه الخليجيون حالياً هو المشاركة في تدمير أكبر قوة في العالم تُناهض المشروع الأمريكي التسلّطي. وجود روسيا – بكل مساوئها- كعامل توازُن مهم جداً وجوهري، خصوصاً في المنطقة العربية. معركة النفط تدُق الاقتصاد الروسي بشكل مُباشر، بينما يستطيع الإيرانيون تعويض ذلك النقص من آبار العراق النفطية المُهداة من الولايات المُتحدة. نفط العراق كله في قبضة إيران، بينما الشعب العراقي يتضور جوعاً. حتى السعودية ذاتها بمعية دول الخليج مُتضررة من انخفاض سعر النفط، لكنها تُكابر.

“حتى في حال حدوث عجز، ليست لدينا مديونية والمصارف مليئة وإمكاننا الاقتراض منها، مع الحفاظ على الاحتياطات النقدية.” وزير البترول السعودي علي النعيمي.

وكانت السعودية قد أعلنت عن أكبر موازنة في تاريخها للعام 2015 بنفقات تقدر بـ 860 مليار ريال، ما يشير إلى استمرار السعودية في تخفيض سعر النفط مدة أطول.

على الخليجيين- السعودية تحديداً- إيقاف معركة النفط، على الأقل كونها غير مجدية حيال خصمهم الإيراني؛ بينما تحمل خطراً حقيقياً سيُمكن الولايات المُتحدة بالتفرّد في التحكم بالعالم. علماً بأن وقوف الأخيرة في صف دول الخليج هو عامل ابتزاز ليس إلا، وفي حين تبدلت موازين القوى بالإمكان أن تتغير السياسة تجاهها في أي لحظة. عندها كم سيندم الخليجيون!!

عامٌ آخر عنوانه الوجع!

B6Kk4uvCcAA_48I

*كاريكاتير للرائع عماد حجاج

سيسجل التاريخ العام 2014 في أقتم صفحاته كأكثر الاعوام فداحة على البشرية.
في 2014 تمكنت إيران في المنطقة كما لم تتمكن منذ غزو العراق.
في 2014 سقطت (الجمهورية اليمنية)- بعد أكثر من نصف قرن على قيامها- في يد جماعة تقتلُ باسم الدين، صادرت حق الحياة على الآخرين بصفتها الأحق بالوجود دونهم.
في 2014 قُتل آخر قائد عسكري يمني شريف، دافع عن الجمهورية؛ فساقه (رئيس الجمهورية) إلى الموت لقاءَ ذلك.
في 2014 اكتشف اليمنيون أنهم بلا جيش، خان قادةُ الجيش الوطن وسلّموه للاحتراب الطائفي في ظرف ساعاتٍ معدودة.
في 2014 تصدّر الموت جزيرة العرب، تناحر أهلُها فيما بينهم، ولا يزالون.
في 2014 سجّل ضحايا العنف الطائفي في العراق وسوريا أرقامهم القياسية.في 2014 وُجدت داعش والنُصرة، وتمددت القاعدة.. شوّهوا سماحة الدين، وأراقوا الدماء في كل مكان باسم الله واسم الدين.
في 2014 سقط أكبر عدد من الطائرات المدنية، والضحايا بالمئات.
في 2014 تراجع رصيدُ الأمل لدى اليمنيين حتى كاد يجف؛ كلما أقيلت عثرة جائت أختها.
في 2014 اقتحمت باحات المسجد الأقصى بأحذية الجنود الصهاينة ودُنست المصاحف ولم يُحرك أدعياء المُمانعة ساكناً.
في 2014 سُجل العام الأسوأ على الصحفيين في ليبيا، مصر، سوريا واليمن.
ومع ذلك، لا نزال متفائلين أن العام القادم سيكون عام خير، إذا صَلحت النوايا، وتوحدت الرغبات في الحياة؛ الحياة وحسب!
عام جميل حافل بالأمل والحب والسلام للجميع.

المَد اليميني ومستقبل الاتحاد الأوروبي

بعد الفوز الذي مُنيت به الأحزاب اليمينية في دول منطقة اليورو، والفوز الساحق لأول مرة في البرلمان الأوروبي ذاته، بات مستقبل الاتحاد الأوروبي على المحك. فمُشكلات الاتحاد الفيدرالي لا تقتصر على الجانب المالي المُترنح وحسب، بل إن مشاكل سياسية عميقة تجتاحه، زادها ضراوةً صعود اليمينيين على واجهته البرلمانية.

version4_الإتحاد الأوروبى

في وقت متأخر من 2014، حقّقت أحزاب اليمين المتطرفة فوزا مدوّيا في انتخابات الاتحاد الأوروبي. فقد حصل حزب الاستقلال البريطاني على 27.5% على حساب حزبي المحافظين الحاكم والعمال المُعارض، بينما حصد حزب الجبهة الوطنية الفرنسية 25% من الأصوات.

وحقق حزب “البديل لألمانيا” مفاجأة كبيرة بحصوله على 7 مقاعد بالبرلمان الأوروبي، وفي النمسا كذلك فازت الأحزاب اليمينية بنحو 20% من الأصوات.

فمن المعروف مُعاداة هذه الأحزاب اليمينية لفكرة الاتحاد، ولطالما وقفت ضدها بإمكاناتها المتاحة. أما وقد تغيرت المعادلة الآن، فمن المؤكد أن مستقبل الاتحاد بات اكثر تهديدا.

سابقاً، تركزت المُشكلات في الأزمة المالية التي تعاني منها دول الاتحاد، تعاظمت بانضمام اليونان- نكايةً بتركيا- رغم عدم جاهزيتها. أضف إلى ذلك مشكلة تدفق المهاجرين من دول الشرق الأوروبي المُنضمة، ازداد إليها مؤخرا قضية المهاجرين الأفارقة عبر البحر المتوسط.

كرتون من الصحافة البريطانية

*كارتون من الصحافة البريطانية

تُعد بريطانيا الأكثر مُعارضة لهجرة المشرقيين إلى غرب أوروبا- إلى بلادهم تحديدا- وتتهم هؤلاء باستغلال نظام التقديمات الاجتماعية في البلاد. وقد قال ذلك صراحة رئيس الوزراء البريطاني – كاميرون- عقب انتخابات البرلمان الأوروبي، والذي ووجِه برفض قوي من المُستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الأمر الذي أثار أزمة بين لندن وقيادة الاتحاد.

ولأن الأمور تغيّرت، واليمين البريطاني في تقدُّم، هذا الأمر دفع بكاميرون- المُهدد بفقد منصبه- للإعلان عن اعتزامه إجراء استفتاء شعبي عام 2017- في حال بقيَ رئيسا للحكومة- يُخير فيه البريطانيين بين البقاء أو الخروج من الاتحاد.

بعد انتخابات البرلمان وتفوّق اليمين، حدثت تغيّرات في المناصب القيادية للاتحاد وصل فيها لأول مرة إلى رئاسة الاتحاد شخصية سياسية من الشرق تمثّلت برئيس الوزراء البولندي الأسبق “دونالد توسك.”

في ذات السّياق، رفض 70% من السويسريين تقليص مُعدل الهجرة السنوي. علما بأن سويسرا ليست عضوا بالاتحاد الأوروبي، وتقدّر فيها نسبة الأجانب 25% من السكان البالغ عددهم 8 ملايين نسمة.

نسبة كبيرة من سكان بلدان الاتحاد باتوا حاليا يؤيدون فكرة انفصال بلدانهم، وهذا ما عكسه جليا تصدّر اليمين المُعادية لليورو المشهد السياسي. بالمُقابل يرى اليساريون الاتحاد خيارا استراتيجيا في خِضم التغيرات السريعة المرافقة للمشهد العالمي. ويبقى خيار بقاء الاتحاد رهن الأيام القادمة، ومدى قدرة اليمينيين على الاستحواذ على المشهد السياسي ورسم خارطة سياسية جديدة بتحالفات جديدة، مع الأخذ بعين الاعتبار الصراع السياسي القائم في أوكرانيا.

إيران بين التاريخ والجغرافيا

 فهمي هويدي

032162bcb2041c7fa44a31af2a5eaaf37

إذا صح أن نفوذ إيران أصبح يمتد من لبنان إلى اليمن، فذلك ربما يعني أنها انحازت إلى الجغرافيا على حساب التاريخ

مقولة تمدد النفوذ نقلت على لسان الدكتور على أكبر ولايتي مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية للشئون الدولية ووزير الخارجية الأسبق. وعممتها وكالات الأنباء العالمية على الملأ يوم الاثنين الماضي 15/12.

وإذ أضع أكثر من خط تحت كلمتي «إذا صح» فإنني لست متأكدا تماما مما قاله الرجل،

ثم انني لا أخفي عدم ارتياح لتلك الفكرة التي رددتها أصوات بعض المثقفين والبرلمانيين في طهران خلال الأسابيع الماضية،

إلا أنها كانت معبرة عن آراء شخصية لا تحسب بالضرورة على سياسة الدولة.

لكن الأمر لابد أن يختلف حين يصدر الكلام ذاته عن مستشار المرشد للشئون الدولية، الذي ظل وزيرا للخارجية طوال 16 عاما أتقن خلالها لغة الدبلوماسيين، رغم انه طبيب أطفال بالأساس.

إذ في هذه الحالة لا نستطيع أن نفصله عن سياسة الدولة، الأمر الذي يدعونا لأن نأخذه على محمل الجد بحيث نحاول ان نقلِّبه من أوجهه المختلفة،

خصوصا إذا سكتت عليه طهران ولم تحاول أن تصوبه أو تنفيه.

ظاهر كلام الدكتور ولايتي ــ إذا لم يراجع ــ يشير إلى «نفوذ» لإيران في أربع دول عربية على الأقل هي لبنان والعراق وسوريا واليمن،

ستؤجل مناقشة حدود النفوذ وصيغته إلى ما بعد تحديد طبيعة العلاقة بين إيران والدول الأربع.

ذلك اننا نفهم أن ثمة علاقة خاصة بين طهران والنظم القائمة في الدول الثلاث (سوريا والعراق ولبنان)،

وأيا كان رأينا في تلك العلاقة فالشاهد انها حاصلة بين الدولة الإيرانية وتلك الدول، إلا أن إلحاق اليمن بالقائمة يمثل خطأ جسيما، ينم عن عدم معرفة كافية بالوضع هناك، ولئن غفر ذلك لأي مسئول إيراني آخر فإنه لا يغفر لمستشار مرشد الجمهورية للشؤون الخارجية الذي كان وزيرا سابقا للخارجية.

ذلك أنه ساوى بين النظام القائم في كل من دمشق وبغداد وبيروت وبين اللانظام الحاصل في اليمن. وبين الذين يحكمون في الدول الثلاث وبين الذين يتحكمون في مصير اليمن، ليس بسبب قوتهم أو شعبيتهم ولكن بسبب ضعف الدولة وانهيار مؤسساتها.

إذ جرى استثمار ذلك الانهيار من جانب فصيل يمثل أقلية ضمن الأقلية، في القيام بعملية اجتياح للعاصمة وسطو على مؤسساتها أعقبها تمدد في أنحاء الدولة المنهارة،

الأمر الذي أسفر عن اختطاف واجهة النظام الذي لم يفهم البعض في طهران طبيعته، فهللوا له هناك واعتبروه انتصارا للثورة الإسلامية.

وهذا منطوق يحتاج إلى بعض الافصاح والشرح.

ذلك أن سكان اليمن (25 مليون نسمة) يتوزع المسلمون فيه ما بين الشوافع نسبة إلى الإمام الشافعى والزيود نسبة إلى الإمام زيد بن على حفيد الإمام الحسين بن على بن أبي طالب.

والزيود يمثلون ثلث المسلمين والتصنيف الشائع عنهم أنهم إحدى فرق الشيعة التي قننت الخروج على الحاكم الظالم.

لكن الباحثين لا يضعونهم في سلة واحدة، وإنما يميزون بين ثلاثة اتجاهات داخل المذهب.

أحدها أقرب إلى الشيعة

والثاني أقرب إلى المعتزلة

والثالث أقرب إلى أهل السنة.

وهو ما فصل فيه الدكتور أحمد محمود صبحى أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة الاسكندرية في مؤلفه الكبير عن «الزيدية»،

وأيده في ذلك الدكتور عبدالعزيز المقالح رئيس جامعة صنعاء الأسبق في كتابه عن فكر الزيدية والمعتزلة. الذي عالج التباينات بين الاتجاهات الثلاثة داخل المذهب الزيدي،

وقال ان الاتجاه المعتزلى ينكر التَّقية كما ينكر عصمة الأئمة، وهما من أسس التشيع، مضيفا أن الزيدية معتزلة في الأصول وأحناف في الفروع.

أما العلامة الشيخ محمد أبوزهرة فقد ذكر في كتابه عن تاريخ المذاهب الإسلامية أن فقه الزيدية «قريب كل القرب من فقه الأئمة الأربعة» (عند أهل السنة).

خلاصة ما سبق أن الزيود الذين هم أقلية نسبية في اليمن (ثلث المسلمين) يتوزعون على ثلاث مدارس فكرية أو فصائل،

إحداها يميل إلى الشيعة وعلى خلاف مع المدرستين أو الاتجاهين الآخرين (المعتزلي والحنفي السَّني).

ليس ذلك فحسب، ولكن الاتجاه المتشيع بين الزيود لا يعد كيانا واحدا، ولكن أتباعه يتوزعون على عدة عائلات كبيرة كل واحدة منها لها أئتمتها.

والهاشميون الذين ينتسبون إلى آل بيت النبوة وقبيلة بني هاشم من بين تلك العائلات.

والحوثيون الذين تمركزوا في شمال اليمن فرع عن الهاشميين،

أصلهم من بلدة «حوث» في محافظة عمران،

وإمامهم ومرجعهم الفقهي هو الشيخ بدر الدين الحوثى المتوفي سنة 2010 عن 84 عاما.

مما سبق يتبين أن الحوثيين الذين اجتاحوا صنعاء في 29 سبتمبر الماضي مجرد فصيل صغير لا يمثل الهاشميين ولا يمثل الزيود وبالتأكيد لا يمثلون الشعب اليمني، ولكنهم فرع عن فرع عن فرع، وقد تفوقوا لأنهم أفضل تنظيما وتمويلا، الأمر الذي مكنهم من الهيمنة على المشهد اليمني بصورة مؤقتة.

وتلك خلفية لو كان الدكتور على ولايتى على علم بها لما تسرع وقرر أن إيران أصبحت صاحب نفوذ في اليمن.

ولما راهن على فصيل متواضع بهذه الصورة لا مستقبل له في حكم اليمن الذي هو أكبر من الحوثيين وأكثر تعقيدا وأثقل وزنا من جماعتهم.
ثم ما حكاية «النفوذ» الإيراني الذي يتحدث عنه الدكتور ولايتي ممتدا من اليمن إلى لبنان؟

ألا يعد استخدام ذلك المصطلح تأكيدا لما أثير من دعاوى وشكوك بخصوص تطلعات إيران إلى ما وراء حدودها؟

وأيهما أفضل أن تكون إيران الثورة الإسلامية على موقفها من نُصرة المستضعفين ومقاومة الاستكبار العالمى أو ان تتطلع لممارسة النفوذ وزيادته في محيطها العربي

ولأنني أحد الذين تفاعلوا مع الثورة الإسلامية منذ أيامها الأولى،

فربما جاز ان أقول إن النفوذ المزعوم قد يكون سحبا من رصيد الثورة وليس إضافة إليه.
وقد تمنيت أن تظل إيران الثورة جارا قويا يسعى لنصرة الشعوب، وليس صاحبة نفوذ قوى لدى بعض الحكومات.

والتزامها بالرسالة الأولى يدخلها إلى التاريخ،

أما المهمة الثانية فهي تخدم جغرافية الثورة وتكاد تخرجها من التاريخ.
الأمر الذي يستدعى سؤالا كبيرا هو:

هل هزم حلم الثورة أمام طموحات الدولة في إيران؟