أرشيفات التصنيف: صحيفة العالم الآن السعودية

كيف تنهض الشعوب !!

أن تثور الشعوب على حكامها الطغاة فهو بمثابة وضع القدم الأولى في مسيرة التغيير المنشود. أما وقد تهاوت الأصنام وتداعت دكتاتورياتهم إلى غير رجعة, فإن مهمة التغيير الحقيقي ملقاة على عاتق الشباب وخيرة رجال الأمة.
قد كثُر اللغط على مسمى (التغيير) على مدى العقود الماضية وتشدق بها القاصي والداني بما في ذلك الطغاة المتساقطين الذين زيفوا تاريخ ومجد الأمة تحت يافطة التغيير. الأمة اليوم بحاجة إلى نهضة تعليمية فكرية لكي تسير في التغيير المنشود لمواكبة الأمم وضمان العيش الرغيد كباقي الخلق.
فبدلا أن نعيش طيلة العمر نلعن القدر ونندب حضنا العاثر ونلقي باللائمة على أشخاص وحكومات متعاقبة, ماذا لو بدأنا بالتغيير في دواتنا ومحيطنا البسيط.. أليس بمقدور أحدنا تثقيف وتوعية العشرات في محيطه؟! وبمقدور هؤلاء الجدد على نحو تسلسلي تأهيل العشرات والمئات وهكذا! (كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبه), كقطرات الغيث ما تلبث أن تصير سيولاً جرارة تدمر كل شيءٍ تأتي عليه.
قبل أيام وأثناء مروري مع أحد الأصدقاء في الشارع عندما همَ بإلقاء كيس بلاستيكي في الشارع.. نظرتُ إليه نظرة استنكار فبادر بالرد قائلاً: (ياأخي ما الشارع مليان قراطيس, إيش معنى حقي الكيس بيلوث؟!).. نظرة ضيقة وسوء تقدير للأمور للأسف السواد الأعظم منا لا نزال مقيدون بها! قلت له: ماذا لو بدأنا بذلك أنا وأنت ومن نعرف والزملاء , ألن يتعمم ذلك السلوك على الكثير من الناظرين والمارة؟ كم سنشعر حينها بالرضا ونحن نلقي بها في أماكنها المخصصة!
لم تصل ألمانيا لهذه المرحلة من النماء والاقتصاد الضارب في ضل التداعي الاقتصادي الحاد الذي تشهده منطقة اليورو, لم تصل إلى هذه المكانة إلا بعد التخلي عن فكرة العنف والثقافة الانتقامية للحربين العالميتين الأولى والثانية.. طوت صفحة الماضي المدمر واتجهت صوب المستقبل في رحلة تعليمية فكرية نهضوية وضعتها في قائمة الست دول العظمى.
ولم تنهض أوروبا بهذا القدر إلا بعد الخروج من تحت عباءة الصراع الطائفي المسيحي ونبذها السلاح والعنف الذي راح ضحيته مئات الآلاف من الأرواح, بعدها فقط ترك الأوروبيون السلاح طواعيةً واتجهوا صوب نهضة معلوماتية دوخت العالم.
في النهضة المدهشة التي حققتها الدولة التركية(بموارد محدودة) وفي ظرف زمن قياسي, لم يكن وحده (أردوغان) وحزبه من صنع تلك النهضة, لا ولا الإرشاد والدعم اللامتناهي للهامة الشامخة(نجم الدين أربكان); كما لم يكن الوفاء المنقطع النظير لرفيق دربه (عبد الله غول).. بل كانت بنهضة فكرية علمية شاملة أربكت تسلط العسكر متجهةً بخطىً راسخةً لوضع لبنات الدولة المدنية المثيرة للدهشة.
ما أريد قوله, هو أن نجعل من كل فردٍ منا مشروع نهضة!, بفكر جديد مجرد من الانتقامية ومن قيود الماضي المثقل بالجراح والتي لا تجدي سوى لذلك الزمن. نريد دماء جديدة بأفكار جديدة تنهض بأمة المليار, خيرُ أمةٍ أخرجت للناس, بدلا من التغني بتاريخنا التليد وأمجاد الأجداد.. لنكن نحن وحسب, فمن نام على ماضيه نام ماضيه عليه, لا تبك على الماضي .. فيكفي أنه مضى ..فمن العبث أن نمسك نشارة الخشب وننشر,أنظر للغد .. استعد .. شمّر عن سواعد الخير,كن عزيزاً .. وبنفسك افخر !فكما ترى نفسك سيراك الآخرون .. فإياك أن تحقر نفسك يوماً فأنت تكبر حينما تريد أن تكبر ..وأنت فقط من يقرر أن يصغر !

وانتصَرت غزّة!

نُشر هذا المقال في 12-28-2012 في صحيفة العالم الآن- السعودية

عندما نتكلم عن الانتصارات, فنحن بالضرورة نتحدث عن الانتصارات الحقيقية على أرض الواقع وكذلك على الصعيد السياسي والجغرافي, وليس عن الانتصارات الوهمية التي تجلب الدمار وحسب, دونما تقدم على بقية الأصعدة; أقصد هنا, الانتصارات الوهمية التي زعم حزب الله تحقيقها في جنوب لبنان في تموز 2006م, التي لم تجلب سوى الدمار للبنية التحتية والكثير من قوات (اليونيفل) والمزيد من المعاناة للجنوب الجريح. 
في غزة الكرامة, أراد الصهاينة في بادئ الأمر اختبار التغيرات العربية ما سمي بالربيع العربي, ومدى تلبيته لتطلعات الشعوب العربية التي تقبع تحت وطأة أطول احتلال عرفه التاريخ. كما أراد اليمين المتطرف كسب تأييد الشارع الصهيوني الساخط على سياسة نتنياهو قبيل الانتخابات. 

ليست غزة أرض تجارب للأسلحة الغربية الجديدة, كما ليست أيضاً برنامجاً انتخابياً لأي أحد كائنٍ كان, لجأ العدو الصهيوني إلى ممارسة لعبته القذرة, مسلسل الاغتيالات لقيادات المقاومة, وكذلك استهداف البنية التحتية المدمرة أصلا منذ 2008م, لم يسمح الاحتلال بدخول المواد لإعادة الاعمار. يتفنن اليهود في استهداف المدنيين, الأطفال والنساء والإعلاميين أيضاً, ويشيعون للرأي العام تدمير القدرات الصاروخية لفصائل المقاومة مما دفع بالفصائل الرد المماثل بالقصف الصاروخي الكثيف الذي أمطرت به ليس الجنوب المحتل كما كان سابقاً, بل تعدت الصواريخ لتصل القدس الغربية وتل أبيب. 
يستشهد الفلسطينيون بالعشرات, ونسمع العالم يرد بعبارة واحدة (نتفهم حق إسرائيل بالدفاع عن النفس), دائماً غزة تخرج قبح الغرب وبشاعة الكيل بمكيالين, أدعياء الحريات الزائفة. علميهم يا غزة دروس العزة والكرامة, علميهم كيف تصمد الأوطان في وجه الطغيان, علميهم قذارة العالم وصمت العرب, علميهم كيف تتربى الشعوب على حب الأوطان, إذا كان أُطلق على الثورات العربية (ربيعاً), فربيعك يا غزة دائم الاخضرار لا يعتريه خريف العمر!. 

فبرغم الحصار, في غزة أقل أمية في الوطن العربي. غزة دروس لا تنته فرجالاتها أفصح العرب, وأرواح أهلها أنقى الأرواح – تفوح منها رائحة الحرية بنكهة الزيتون المميزة, شجعانٌ مغاوير يسابقون الزمن لنيل الشهادة وتحرير وطنهم الجريح بعد أن خذلهم الأشقاء والأصدقاء وزايدوا عليهم. فالغرب يعلمون تماما من هي فلسطين, وما إسرائيل إلا موطئ قدم في المنطقة كامتداد طبيعي للحملة الصليبية المنظمة على المنطقة والكل يدعمها ويتكالب على فلسطين, وسيبقى الاحتلال ما بقي التشظي والخنوع الذي وصلت إليه أمة اقرأ. 

فبرغم الجهود التي بذلها العرب في الحرب الأخيرة على غزة, ورغم التغير الطفيف الذي بدا خصوصا من حكومات الربيع العربي, إلا أن الصهاينة لن يرتدعوا عن فلسطين لا بالخطابات الرنانة ولا بالاكتفاء بالشجب والتنديد, ولا بالاكتفاء بترديد (أغنية الحلم العربي) مثلاً!, كما لن يخيفهم شعارات من قبيل (الموت لأمريكا, الموت لإسرائيل). ما سيردع الصهاينة بالفعل, قوة حقيقية على أرض الواقع, تعليم نوعي, تطور في كافة مناحي الحياة, مدنية حقيقية وعقيدة لا تقبل المساومة, دعم جهود المقاومة في الداخل وبث الرعب في قلوب المحتلين لا بالتفاوض العقيم (فيك الخصام وأنت الخصم والحكمُ),, مبروووك غزة!! .

الفرانكفونيون مجددا..!

دائما يسعى العرب للإقصاء الذاتي, عن مجريات الساحة المحلية والدولية، والإبقاء على النظرة النمطية السائدة تجاههم. الأمر الذي يجعلها عرضة للتدخل الأجنبي في شئونها أو شئون جاراتها، التي تعتبر الحدائق الخلفية لبلدانهم، وبالتالي المساس باستقرارها بشكل مباشر أو مبطن.
على سبيل المثال وليس الحصر، الحملة الفرانكفونية بقيادة فرنسا على مالي. كان بإمكان الجزائر بحكم الجوار والقرب الجغرافي، كونها المتضرر الأول من تلك الجماعات المتشددة تشكل مسوغات تحت يافطة الدين، للتدخل الأجنبي في بلداننا. فقد عانت الجزائر من هذه الجماعات المسلحة عبر اختطاف دبلوماسييها والتحفظ عليهم. صحيح أن هكذا حملة منهكة للاقتصاد الجزائري، الثاني أفريقيا، ولن يجلب هذا التدخل ذلك الزخم الدولي وقرارات مجلس الأمن، كما فعلوا مع التدخل الفرنسي، لكن هذا التدخل الفرنسي في مالي فتح الأجواء الجزائرية للمقاتلات الفرنسية كبوابة للعبور إلى شمال مالي، الأمر الذي أثار سخطا وأمواج من الغضب في الشارع الجزائري.
تأتي هذه الحملة الفرنسية لتطهير الجزء الشمالي من مالي، المستعمرة السابقة لدى فرنسا، من الجماعات المتشددة التي استولت على أجزاء كبيرة من المدينة التاريخية “تومبوكتو”، ومدن أخرى، يأتي هذا التدخل في مالي بعيد الزيارة الأخيرة التي أجراها الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، للجزائر، مستعمرة سابقة لدى فرنسا، رفض فيها الرئيس الفرنسي الاعتذار للشعب الجزائري بشأن الجرائم التي ارتكبها الجيش الفرنسي في الجزائر إبان حقبة الاستعمار، الأمر الذي عرض الرئيس الجزائري لحملة إعلامية شرسة من قبل الجماهير الجزائرية الغاضبة.
تسعى فرنسا، عبر هذه الحملة العسكرية، إلى تنشيط دورها في المنطقة, التي ظلت حقبة من الزمن كمستعمرات فرنسية وما تزال! ، رغم الاستقلال الذي يبدو صورياً، إلا أن فرنسا حافظت على علاقتها مع هذه الدول عبر الوصاية، والدعم المالي الصحي والتعليمي، يأكلون خيرات بلادهم, ويدعمون لقمة العيش تحت لافتات المنظمات الدولية التي غالباً تتخذ من باريس مقراتٍ لها. حضور عسكري فرنسي مهول، وآخر إفريقي باهت من قبل الاتحاد الإفريقي، باستثناء الجيش التشادي، الحليف الأفريقي الأكبر لباريس.
تقف القوات الأفريقية على مشارف الشمال المالي، بينما تعمقت القوات الفرنسية بمعية الجيش التشادي الذي دفع بأكثر من 2000 مقاتل، الأمر الذي يمهد لحضور عسكري، قصير المدى، في مالي ولا يستبعد إطالة أمد هذا الحضور كقوات حفظ سلام دائمة. لا يوجد في مالي ما يغري للتواجد الأجنبي، ربما الحكاية ذات بعد استراتيجي بحت.
ماذا لو حاول قادة الجزائر، بل والجامعة العربية باحتواء هذه الأزمة، ولو بدعم أممي، وإعفاء المنطقة من حضور عسكري غربي يثير الريبة؟! أم أن الحضور السلبي المعتاد مازال في صدارة المشهد العربي! أليست الجماعات التشددة من تحضر التدخل الأجنبي لبلداننا متذرعة بتطبيق دين الله؟! تبدو فرنسا عازمةً على إعادة فرض السيطرة على مستعمراتها السابقة, ما يحدث من تدخل سافر في شئون تونس الداخلية ليس محض صدفة.

منعطف إجباري..!

إذا راجعنا التاريخ جيداً، الصراع الأوروبي تحديداً، سنجدُ بوضوح الاقتتال الذي شهدته تلك البلدان على أسس طائفية والتصفيات العرقية. سنجدُ الصراع طويل المدى الذي بين البروتوستانت والكاثوليك والأرثودوكس، على نحو ممنهج، كون أنظمة الحكم جزءً لا يتجزأ من الانتماء الديني لدولة ما. بمعنى آخر، يتم الصراع بين تلك الدول بشكل نظامي على أسس طائفية. الكثير من الدماء سالت، والكثير من التضييق على الشعوب من قبل رجال الدين تم، لدرجة الحكم بالإعدام على العالم جاليليو لمجرد القول أن الأرض كروية على سبيل المثال. لم ينته ذلك النزيف الدموي والسلب للعقل والروح البشرية إلا بعد كفاح ددؤوب من قبل تلك الشعوب في سبيل التخلص من هيمنة الكنائس على المشهد العام، وإحلال العقل والابتكار حتى بدأت نهضة كبرى دوت العالم. في الولايات المتحدة، الأمر ذاته، لكن على أسس عنصرية وعرقية. حيث نشبت الحروب الأهلية بين (اليانكي) الأبيض والأقليات من الزنوج والهنود الحمر، حصدت العديد من الأرواح. يبدو أن العرب كانوا لا يزالون يعيشون في حقبة متأخرة من التاريخ، هاهي تقترب من ذلك الزمن الغابر الذي كابده الغرب. اكتشف العرب مؤخراً بأن هناك فِرَق وطوائف في دياناتهم ولا بد من إذكائها، والمرور بذلك المنعطف الخطير. في الحقيقة، ومنذ اندلاع ما سمي بالربيع العربي، والاستقطاب الحاد الذي شهده الشارع العربي، تغذت الطائفية عفوياً أو بفعل فاعل، وواكبت ذلك الاستقطاب السياسي، لكن هذه المرة على أسس طائفية. لم يقتصر ذلك على الدول التي شهدت ثورات شعبية، بل امتد ذلك ليصل إلى مناطق أخرى أكثر حساسية. فما حدث في سوريا، على سبيل المثال، ألقى بظلاله على الوضع اللبناني الهش، الذي ما زال يعيش آثار الحرب الأهلية، وإن كانت غير طائفية.
رغم حدوث توتر في شمال لبنان منذ فترة، إلا أن ما شهدته الأيام القليلة الماضية تنذر بخطر محدق سيدمر كل شيء ولن يستثني أحداً. ثمةَ طرف ثالث يسعى لإذكاء الوضع المتأجج أصلاً، والمنتظر لعود ثقاب ليبدأ بالاحترق. يسعى الطرف الثالث لاستغلال الاستقطاب الحاد الذي يشهده لبنان على خلفية ما يحدث في سوريا، وبخ الماء في الزيت، لاستكمال مشهد إحراق المنطقة. اتذكر موقفاَ من مسلسل كرتوني في مرحلة الطفولة، حيث غابتين متجاورتين يحكمهما ديناصورين عملاقين، في حين قام طرف ثالث بقذف الديناصورين كلاً على حِدة وأشعل حرباً ضروساً بينهما أُحرقت على أثرها الغابتين بمن فيها. الأمر مشابه تماماَ، تفجير في الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله؛ وآخر في طرابلس، منطقة توتر مع جبل محسن سقط فيها عشرات القتلى قبل ذلك, والهدف إدخال الحرب المعلنة حيز التنفيذ وإحراق الأخضر واليابس.
رائحةُ الطائفية والتشرذم تُزكم الأنوف، ونسيجُ الشعوب العربية يوشك أن يتمزق إلم يكن قد تمزق فعلاً! فتنٌ كقطع الليل المظلم، وصراعات لا سبيل لها إلى التوقف، فهل يدرك العرب أن وباء الطائفية يدمر الأوطان كما يدمر السرطان خلايا الجسم؟! وهل بالامكان النأي عن هذا المنعطف المروع الذي يستهدف الشعب العربي ككل؟ عندها فقط سنصحو على أنقاض وبقايا وطن!!

الحرب العالمية الثالثة..!

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في بداية القرن العشرين، لم تتوقف أصداء طبول الحرب التي ظلت في حالة قرع متواصل. سباقٌ محمومٌ للتسلح، انتهى بصناعة كارثة بحجم القنبلة النووية مطلع أربعينيات القرن الماضي. عشرون عام، لم تكن فترة قصيرة لردم الشروخ التي أصابت العلاقات الدولية في مقتل بعد الحرب العالمية الأولى، فوجد العالم نفسه بين فريقين، إما إلى هؤلاء أو إلى هؤلاء، ولا مجال للمواربة. فبالرغم من الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الأولى، إلا أن أقطاب الصراع التقليدي سرعان ما لقطوا الأنفاس، وتأهبوا لخوض حربٍ أخرى أملا في إمكانية تغير خارطة النفوذ التقليدية، أي أنها كانت حربُ إرادات أولاً وأخيراً. رغم تلك الفترة، إلا أنها لم تمنع من إعادة الكرة، وخوض حرب ثانية لا تزال آثارها شاهدةً على تاريخ أسود مليء بالعبث.
ثمة إرهاصات تتشكل على نحوٍ محموم، وشواهد ودلائل دامغة، ثمة نارٌ وحممٌ توشك أن تتفجر، أعمدة الدخان تتصاعد، وإن كانت بشكل خفيف، رائحة الموت تفوح هنا وهناك. رائحة البارود تزكم الأنوف، وأدوات الموت على أهبة الاستعداد. هذه المرة، ربما لن تكون بين دولتين، أو حتى لن تكون حرباً تحت يافطة محاربة الإرهاب، على غرار الحروب التي شهدها العالم في العقد الماضي.
الوجوه ذاتُها التي خاضت غمار الحربين العالميتين، باتت تدق أجراس حربٍ ثالثة، وإن كانت بقليل من التعديل في قائمة التحالفات. لم تنتهي الحرب الثانية إلى الآن، لم تكن الحرب الباردة التي أطاحت بالاتحاد السوفيتي بداية التسعينيات، وفضت الشراكة بين قطبي العالم المسيطريْن، لم تكون هذه النهاية. ثمة نارٌ تتشكل ولكن من تحت الرماد، من المحتمل أن تطفو على السطح في أية لحظة.
كان من المفترض أن تدور رحى هذه الحرب في سوريا، من العيار الثقيل. بدا ذلك جلياً عندما هدّد المجتمع الدولي باستصدار قرار من مجلس الأمن يسمح للنيتو بالتدخل العسكري في سوريا، الأمر الذي قوبل بحالة استنفار روسية قبالة السواحل السورية وقواعدها في طرطوس. قامر بالبلد, وبمصائر العباد من يسمي نفسه حاكماً، وحلفاؤه المتخوفون من أفول آخر موطئ قدم لهم في المنطقة. لكن المجتمع الدولي تراجع، وترك الأمور كما هي عليه، حتى إشعارٍ آخر.
الحربُ الباردة تواصلت بين الفريقين لكن هذه المرة في أقصى الشرق، عبر حلفائهم الاستراتيجيين. فبدلاً من حرب النجوم التي تحدث عنها الرئيس الأمريكي الأسبق ” رونالد ريجان”، ربما يشهد العالم حرباً نووية بكل المقاييس. فالرئيس الكوري الشمالي الشاب “كيم جون” لا يملك شيئاً ليخسره، فيهدد باستخدام أسلحته النووية. نوع من الاستفزاز يمارسه الرئيس الشاب، لاستدعاء المجتمع الدولي للتدخل لفض النزاع وبالتالي التخفيف من العقوبات الأخيرة على بيونج يانج التي يعتبرها موت بطيء لشعبه. 
هذه المقامرة المجنونة قد تقود بيونج يانج لدمار تام، ولن ينجو منها العالم ككل، وتكمن الطامة الكبرى في احتمال تدخل حلفاء الأولى بطريقة أو بأخرى، لسبب بسيط هو الإبقاء على هيبتها العالمية. وبين تجار الحروب المدججون بنياشين الخبث والدمار، تقع شعوبٌ في موتٍ سريري بسبب هذا العبث، توشك أن تقضي بالضربة النووية القاضية!!