أرشيفات التصنيف: صحيفة الملعب

تحتَ عباءة المُصالحة, ثمّةَ مؤامرة!

السعودية تدقّ آخر إسفين في عضُد اللقاء المُشترك المُتداعي لغرَض تفتيته إلى مكوّناته الطبيعيّة. المُصالحة ببساطة هي عمليّة تشتيت للقوى الثوريّة عبر الوقيعة بين أحزاب اللقاء المُشترك كونها الواجهة السّياسيّة للثورة. 

اللقاء المشترك هو بمثابة مطفاة النّجاة بالنسبة للثورة؛ بقاء هذا التّكتّل رغمَ كل التناقضات التي يحملها, من شأنه الحُئول دون الثورة المُضادّة وبالتالي عودة النظام السّابق, كما حدَث في مصر وتجري المُحاولات لتكراره في ليبيا واليمن وحتى في تونس. 
هذه مهمّة دول النفط بمساعدة غربيّة لطَمس هُويّة ما سُميَ بثورات الربيع العربي. بقاء اللقاء المُشترك كُتلةً سيضمنُ على الأقل إنزال مُرشّح موحّد لمواجهة أحلام النظام السابق في العودة. تشَتُّت التكَتّل بالمقابل سيُفرّق الكيان الثوري وسنرى بالتأكيد مرشّحين لجميع الأحزاب المُنضوية الآن تحت تكتّل اللقاء المُشترك, وهذا ما يُضاعف حظوظ الفوز بالنسبة لمرشّح النظام السابق والذي يملك قدرة في الشّارع لا يُستهانُ بها. 

على أية حال, الدعوة للتصالح مع علي عبد الله صالح يعني بالضرورة العودة إلى ما قبل 2011 وكأن شيئاً لم يكُن. 
بالطبع لا زال الرئيس السابق يغنُج على خُصومه, ولن يُفرّط في دماء شهداء الثورة؛ يعني ناقص يقول: اعتذروا عن كلّ ما كان وعودوا إلى رُشدكم وسأفكّر بالغفران لكم. العودة لشيء ما يعدَ نُكرانه يعني ببساطة الإقلاع والتّوبة كذلك.. هل كفرتُم بـ 11 فبراير, تُبتُم من خروجكم على النظام السابق؟ 

هذا السؤال يبحثُ عن إجابة في أروقة رؤساء أحزاب اللقاء المُشتَرك! بالطّبع ظَهرت الآن جليّاً نتائج تقوية الحوثي وتحالفَهُ الموسمي مع الجارة, وهدفُها بالتأكيد الضّغط على أحزاب اللقاء المُشترك لتشكيل تحالفاتٍ جَديدة للحد من توسّعه المُخيف. 

لمواجهة هذا العبَث الحاصل لا بدّ من عقد اجتماعات داخل أحزاب اللقاء المشترك على حِدَة والإطاحة بقياداتهم العتيقة التي دأبت على الإنبطاح.. إنه إرث قديم بالنسبة لهم لا يستطيعون التخلُّص منه بهذه البساطة؛ وبالتّالي لا بدّ من دماءٍ جديدة شابّة لقيادة هذه الأحزاب. 
هذه المُصالحة إن تمت ستكونُ بمثابة آخر مسمار في نعش الثورة.. اللّهم فاشهد!! 

 

مُبادرات الإنقاذ !

270096_559123444113241_677372986_n

رُغم الدّمار الذي لحِقَ بقطاع غزّة, والشهداء والجرحى إلا أنّ الصهاينة أصيبوا بالرعب. الرعب الذي لم يعرفوه مُذ اغتصبوا الأرض, وشرّدوا أهلها. هذا التنكيل بالفلسطينيين لم يتوقّف يوماً, وإن كانت هذه الحملة مُعلنةً وتُعرّي زيفنا, فكم قتلٍ يومي للأبرياء بلا هالةٍ إعلاميّة. 

لا مجال للمُقارنة في العتاد والأسلحة, ولا مجال للمقارنة في الضحايا وحجم الدّمار, لكنّ صواريخ المقاومة وصفّارات الإنذار في البلدات الإسرائيليّة, تُثير الهلَع في أوساط الموستوطنين, الخوف الذي لم يألفوه؛ علّهم يشعُرون بمعاناة أهالي القطاع والضّقة الرازحون تحت أطول احتلال عرَفهَ التاريخ. 

في هذه الحرب, أظهرت المقاومة أسلحة جديدة, صواريخ بعيدة المدى أصابت تلّ أبيب وحيفا. للمرّة الأولى تُستخدَم طائرات من دون طيّار محليّة الصُنع, تقوم برحلات استكشافيّة لمواقع العدو والعودة بسلام ودون أي اعتراضٍ يُذكَر. رُغم الحصار, تحتفظُ فلسطين بأجود تعليم في الوطن العربي. 

كُلّ هذا أجبر نائب وزير الدفاع الصهيوني بالقول بأن حملتهم فشلت, وأن المقاومة تنتصر؛ الأمر الذي دفَعَ بنتنياهو لإقالته والتماهي مع رغبة الشارع وكسْبه. 
في الحقيقة, كل هذا التفوّق للمقاومة أحرجَ الصهاينة أمام الرأي العام, لم يستطيعوا إيقاف الصواريخ, ولا ضرب قواعدها.. لم يتمكّنوا من اعتراضها رغم الإعلان المسبّق عن موعد إطلاقها. لتجنّب هذا الإحراج, لجأ نتنياهو إلى حليفه الجديد (الفريق السيسي) إنقاذه من هذه الورطة, بمبادرة تحفظ لإسرائيل ماء الوجه بنزع سلاح المقاومة, مقابل الكف عن تدمير القطاع. المباردة التي هرول نتنياهو للقبول بها, رفضها الشعب الفلسطيني جملةً وتفصيلاً. 

ما لم يفهمه من يُقدّم المبادرات لوقف إطلاق النّار أن أهل غزّة لا يملكون شيئاً ليخسروه, البيوت دمّرت, والنساء والأطفال يُقتلون على نحو يومي.. لم يتبقّ سوى سلاح المقاومة الذي يحفظُ للعرب كرامتَهم! 

 

هل حقاً سقطت عمران؟!

53bc5091611e9b98728b459f

يجري حالياً في عمران قتالُ شوارع بما يشبه انتفاضة داخليّة من الخلايا النائمة التابعة لمقاتلي الحوثي, لغرض عمل خلخلة من الداخل والإيهام بالسقوط وما يترتب على ذلك من تثبيط لهمم المقاتلين في صفوف الجيش. 

هذه الحملة الحوثيّة على عمران هي الأعنف منذ بدء المواجهات. يخسر الحوثي العديد من مقاتليه في سبيل إتمام الاقتحام, لكنه لا يكترث بهم بقدر استماتته لإسقاط عمران بالضربة القاضية وكسب العاصمة بالنقاط على حد تعبير أحد الصحفيين المحسوبين على جماعته. 
دولة سيادة الرئيس لن تسكت كثيراً, ليس لأن عمران جزء من اليمن, ولكن لأن سقوط عمران سيجعل من العاصمة النائمة لقمةً سائغةً لقطعان السيّد الليبرالي. 

استيقاض الخلايا النائمة في عمران يُشبه كثيراً عمليات تكديس السلاح والمقاتلين داخل العاصمة, والاستعداد لعمل الشيء ذاته, مع اختلاف في الشدّة طبعاً؛ فخلايا صنعاء النائمة أكثر بكثير من تلك التي في عمران.. ومع ذلك ثمةَ كارثة اسمها “الأمن المركزي”, الغير الخاضع للسلطة الجديدة, هؤلاء يتحركون ككتلة واحدة بأوامر ليست من الدولة بالتأكيد, ها هم اليوم يقاتلون في صفوف المليشيات المُسلحة ويخونون واجبهم الوطني. 

من يوقف هذا العبث وتلك الأنهار من الدماء, من يكترث لتلك الجُثث المرميّة في الشوارع.. كم هي رخيصةٌ دماءَ شعبنا المنهك.. 

 

على طريقةِ الأغبياء, نُدمّر وطننا!

bouzy_1391955100

بغضّ النّظر عن تسريب امتحانات الثانوية العامّة، عملياتُ التغشيش مستمرة بحيث تخرجُ نماذج الاختبارات للوهلة الأولى من فكّ مضاريفها. مدرسو المواد في تلك المدارس متواجدون خارج اللّجنة، وبالتالي تصدير إجابات نموذجية في ظرف أقل من ساعة. هؤلاء المعلمون لا يعطون الطلاب أيةَ معارف أثناء الدّراسة، والطلاب يساعدونهم في ذلك بإهمال ولا مبالاة منهم، غير أنهم يعوّضونهم بالمقابل بأمثال حيّة كيفَ يمارسون الغِش, سوء الخُلق, ويرسمون لهم نماذجَ غاية في السوء. تلك المواد التي تم كشفها وتأجيلها لا تختلف كثيراً عن الأخريات؛ غير أن تلك المواد يُمارس فيها الغش بمعزِل عن الضجّة الإعلامية التي تبدو موجّهة لأسباب سياسية وليس نكايةً بوضع التعليم العبثي. 

هل يُدرك الجميع، المسئولون والشعب على السواء، أن فساد التعليم يعني ببساطة إخراج جيل انهزامي أشبه ما يكون بالكائنات البدائية؟ التعليم هو الّلبنة الأولى لبناء المواطن والنهوض بالوطن. التغيير الحقيقي لابد بالضرورة أن يستهدف النظام التعليمي أولا؛ عندها سيُبنى المواطن بناءً سليماً وهو من سيقرر من يحكمه. الإمعان في هدم التعليم من شأنه خلق جيل منبطح، أشبه بالقطيع, يلبّي الأوامر دونما معالجة أو تفكير. 
لمن يريد أن يحكم اليمن، أيٍ كان، بناء العقول أولاً؛ أنتم تُكرّسون التجهيل المُمنهج وتُمعنون في إخضاع البشر إلى قطعانكم.. ما هكذا توردُ الإبل يا سادة!! 

تمرّ عملية إفساد التعليم بمراحل متعددة، بدءاً بالمعرفة الُمتواضعة التي يقدّمها المعلمون، والممتزجة بغياب الرقابة المدرسية والأسرية، ومن ثم مروراً بالامتحانات قبلَ وبعدَ فتح المَضاريف، وانتهاءً بعمليات التصحيح وجمع الدرجات. بالمناسبة، تحدُث العديد من المُغالطات في لجان التّصحيح في مكاتب التربية والتعليم، في اللجنة الفرعية للامتحانات تحديداً. 

لا أحد يُخبرني عن وزير فاسد أو عن انتماءه لفصيل ما مثلا؛ فقطاع التربية والتعليم على نحوٍ خاص- مكاتب التربية والتعليم ومراكز المديريات والمدارس كذلك- تعجّ بالمشائخ والوجاهات والعاهات التي أبقى عليها التوافق الجاري في البلاد. الوجوهُ ذاتُها التي تلاعبت بالتعليم سابقاً، وأعطت المنح الدراسية في الخارج لمن لا يستحقون وعادوا بخفي حُنين، هي ذاتها التي تتلاعبُ بالعملية التعليمية اليوم. 

الأمر ليس له علاقة بانتماء الوزراء، إذ أن البلاد تعج باللامسئولية والعبث. 
لا أحد يكترث للوطن؛ ولا أحد يحمل في همه إخراج جيلٍ واعٍ ينتشلُ الوطن من غياهب التخلّف. الجميع يُكابر ويُمعن في التخريب دون أدنى مسئولية كلٌ على طريقته الخاصّة، بل والعمل لمصالح ضيقة وهدّامة. همسة: “وزارة التربية والتعليم تحبط محاولة تسريب امتحان مادة الكيمياء”. ماذا يعني ذلك؟ حد يفهمني! 

 

 

 

كلاهُما يتلبّس بالدّين والقرآن !

_52

أوجُه التشابُه بين “أنصار الشريعة” و “أنصار الله!” كلاهُما يستهدف أمريكا وإسرائيل والغرب عيال الكلب، ويستخدمون التكنولوجيا صنعتهم بحرفية كجزء من طموحاتهم التوسّعية.

كلاهُما ينتهج استراتيجية التكفير والتفجير؛ يملكان خبراء متفجرات وعبوات ناسفة. كلاهُما يستهدفُ أبراج الكهرباء والمنشئات الحيوية للدولة.

الفريقان محترفان في اقتحام السّجون التابعة للدولة وتخليص أتباعهم المحكومين. كلاهُما ينعتُ الآخر بالتكفيري، ويحمّلان بعضَهما السبب في إدخال المحتل الأجنبي.
الاثنان يستهدفان قوات الجيش والأمن الذين ينفذون أجندات الغرب حسبَ زعمهم. كلاهُما يحرّم سماع الأغاني الشّعبية وأي نوع من الموسيقى (حتى أيوب طارش).

الفريقان يتهمان الرئيس هادي بالخيانة والتّبعية للغرب وتدمير البلاد. كلاهُما يتلبّس بالدّين والقرآن ويُمعنَان على تشويه قِيَمه السّمحة عبر إظهاره كحاضنٍ للكراهية والإرهاب.
بين الاثنين، هناك وجه اختلاف واحد فقط: ((أنصار الشريعة إرهابيون؛ بينما أنصار الله طيور الجنة)) 

عشيّة سُقوط عمْران !

 

1_42147

قُبيّل ساعاتِ من الهجوم الكبير الذي شهدتهُ مدينة عمران، ظهَر “قائدُ المسيرة القرآنية” على شاشات التلْفزة، محاطٌ بهالةٍ من الغُرور المَحموم، لمْ يسْلم من قدح شرارها حتى رئيسُ الجمهورية. أثناء الخطاب، دفَع المُراهق الغبي بقطعانٍ من قادته العسكريين المُطمعين بخُبراء أجانب من قادة الحرب الميدانيين وخبراء المُتفجرات. 

على طريقة حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني, أوهَم الحُوثي مستمعي الخطاب أن عمران ستسقُط عقب إنهاء خطبته وكما خُطّط له، بعد سردِه كومةً من المُبررات التي دفعتْ به مُكرهاً لاقتحام المدينة بعد انسداد الأفُق أمام المفاوضات مع الدولة. 
لَقَطت الصُحفُ المأجُورة والمُغرضة تلكَ التّصريحات كآياتٍ قُرآنية مُنزّلة لا تنطقُ عن الهوى؛ أصدروا مطبوعاتهم على نمًقٍ مُنظّم بسقوط عمران واستسلام قادة الجيش وهروب آخرين. 

لم تكن سوى هفوة بل وسوءُ تقدير دفَع بتلك العاهات التي نخَرت جَسد الوطن، إلى السّقوط في فخّ التدليس والكيْديّة للدولة الحالية، وإظهار الحَنين المُبطّن لسادتهم الأُوَل. في الحقيقة، كانَ الحشدُ الحُوثي مُغرياً ومُغرِّراً في ذات الوقت، وخطابُه بثّ الطمأنينة لمُناصريه من النظام السابق والمرتزقة الإعلاميين. 

أُحضِر المقاتلون من جميع الجبَهات الخاضعة للحوثي؛ لكنّ الجيش حضرَ ولأول مرّة. الجيش كان يقفُ في نقاط التّماس مدافعاً عن مواقع استراتيجية يريدُ الحوثيون السيطرة عليها. لكن التحركات لم تكن تخفَى على قواتِ الجيش حين استنفدتْ جميع الحُلول لإقناع هذه القطعان الدّموية للعودة إلى كهوفهم ومغاراتهم في جبال مرّان وترك اليمنيين لحال سبيلِهم. ليلةُ الهجوم، حدَث عكس ما قالَته صحافةُ التضليل التي استَقت معلوماتِها من قادة الحوثيين الميدانيين ومن قائد المسيرة القرآنية ذاته. 

دحَرت قواتُ الجيش قِطعان الحوثي واشتركَ بذلك أبطال صُقور الجو، مُلحقين بهم خسائرَ فادحة. لم يكن بوسع الحوثي سوى استجداء الوسطَاء لعقد هُدنة، وسحبِ مُقاتليه المُغرّر بهم وإحلال قواتٍ من الشرطة العسكرية بدلاً منها. رغم أن هذه الهُدنة قَبل بها الجيش لغرض حقن الدماء، والنأي بالجيش من الدخول إلى مزالق التّفتيت والصّراعات العبثية. 
ومع ذلك سيعودُ ذلك المراهق الأخرق مُجدّداً لافتعال المشاكل وإقلاق سكينة اليمنيين؛ إذ لا فَرق يُذكر بين أنصار الشريعة وأنصار الله.. كلهم ينتمي إلى إبليس الرجيم. 

 

من وحي ساحة الحريّة, ومحرقة الحقد!

h84
في ساحاتِ وميادينِ الحُرية، خرَج الشبابُ بمختلف انتماءاتهم وتوجّهاتهم يبحثون عن وطنِ يوشُك أن ينقرض. وطنٌ ينحدرُ ليصبح في قبضةِ عصابةٍ عائليّة مناطقيّة تُسخّر خيراته لصالحها وزمرتها. طفحَ الكيلُ بأولئك الشباب الذين, رغم كل ذلك, لا يزالون يحتفظونَ بإرادتهم المطلقة, إرادةٌ يلينُ لها الحديد. رأوا دول العالم والجوار كيف كانت وأين صارت، ولا يزالُ وطنُهم يبارح بؤرة التخلّف والانحطاط.. ومع هذا يتشدّق الحكّام بالمنجزات الوهمية التي لا تنطلي إلا على أولئك المسلوبي الإرادة, الذين دأبوا على الارتزاق بتسبيحهم بحمد الحاكم. لم يعرف هؤلاء الشباب حبّ الوطن إلا في تلك الساحات، ولم يشعروا برمزية علَمهم الوطني إلا هناك؛ بعد أن اختُزل معنى الوطنيّة في اسم الطاغية. 

في ساحة الحرية، يفزُّ المواطنُ البسيط عند سماعِه النشيد الوطني، فيقفُ مردّدا أغنيتَهُ الخالدة “لن ترى الدّنيا على أرضي وصيّا”، البعض لا يستطيع كتم سيْل العَبَرات. يقولُ لي أحدُ دكاترة الجامعة المُنتمي للحزب الحاكم سابقاً، والدموع تبلّل خدّة وهو يردّد نشيد الوطن ويدُه على خافقِه، يقول: “كم أحسدكم أيها الشّباب، كم كُنا حمقى نسبّح باسم الحاكم ونسينا الوطن وقدُسيّته.. أنتم أجملُ منّا بكثير؛ علّمتمونا معنى الوطنية.. كم أنا سعيدٌ جداً بوجودي بينكم أعلنُ التوبةَ بين يدي الوطن.. أحسُّ أني تغيرتُ 180 درجة.. الحمد لله.” 

أكثر ما أغاضَ الطّاغية تلك الجُرعات الوطنية التي زخرت بها السّاحات، لا أسماء ولا ألقاب تعلوا على راية الوطن. لم يستطع تحمّل ذلك، فأرسلَ عليها مرتزقَتَه من المُحبّبين والعرابيد الذين لا يؤمنونَ بقدسيّة الدماء, والنفس البشريّة. أحرَقوا ساحةَ الحرية بدمٍ باردٍ في يومٍ لا أعادَ الله شمسَه على الوطن. 

لم أشعُر بخوفِ كتلكَ اللّيلة, رُغمَ مُتابعتي له مباشرةً على إحدى القنوات, كُنت يومها في القريّة لتلقّي العزاء في وفاة جدّي رحمه الله وجميع موتانا. إنّه الإرهاب والوحشية التي تُجرّدُ البشرَ من إنسانيّتهم. كانَت الجُثث المتفحمة مُلقاةً في الشارع، وألسنةُ النّيران لا تُفرّق بين الأشياء والأجسَاد، تحصدُ كلّ شيءِ يمرّ في طريقِها. لمْ أنَم حتّى الصّباح؛ حاولتُ المُرور على مداخل السّاحة مع إشراقة الشمس، كانَ الدُخانُ يتصاعدُ والصّمتُ يخيمُ على المنطقة. وكأنّها مدينةُ أشباح، كانت الحركةُ ضئيلة باستثناء حركة النهّابة وهُم يسطُون على المستشفى الميداني والمحلاّت المُجاورة بإشرافٍ من الشّرطة. 

لقيَ العشراتُ من الشّباب الطاهر مصرَعهم، البعضُ قضى بالرّصاص الحّي وأغلبُهم حرقاً؛ بينما كانَ القتَلة يتقهقهونَ شاربين نخْبَ النّصر. كُلما تساقطَ الشّهداء، كلّما أيقن الشّعب أن شطبَ هذه العاهات من سجلّ الوطن باتَ أمراً مُحتّماً. وتمرُّ الأيام، وتنتهي ثورتُنا بمؤامرةٍ دوليّة تولَتْ كِبرَها الجارةُ السعودية. لم يخلعوا السّفاح، لكنّهم أعطوهُ الحصانة ليسفكَ ما بقيَ من دمائنا. أبقَوْا عليه كسكّينةٍ في خاصرة الدّولة التي طمَح إليها الشّباب. 

مَنَحوا قادةَ حزبِهِ نصف الحُكومة ليُفشلوها، ودعموا المخلوع بكل آلات القتْل والفتَن. فتّتوا عضُدَ الثورة من الدّاخل بشراء الولاءات من المُرتزقة. بثّوا عُلماءَ السّلطان للتّشهير بالثورة وغذّوا الصراعات الداخلية لوصمِ الثورةِ بالفَوضى. وهاهُم اليوم يُلمّعونَ منْ ثُرنا ضدّهم كأبطالٍ لإنقاذ ما تبقّى من قُبحهم. عهدٌ لشهداء الثورة لنْ يحكُمنا من دمّر وطنَنا وسَرَق ثرواته. عهدٌ لنْ يحكُمنا من يقتُلنا إلّا على جُثَثنا الهزيلة الّتي أنهكَها الفقر والحِرمان. 

إذا كانتِ الحُكومةُ فاشلةً، فذلك لا يَعني بأية حال أن يأتيَ محلّها هؤلاء المُتعفّنون. سنُطهّر الحكومة (الرخوة)، وسنُنشئُ دولةَ القانون, وسُيحاكَمُ كلّ من أساءَ إلى قُدسيةّ الوطن وسَفَكَ دماءَ خيرة شبابِه. الرحمةُ على الشّهداء والمُشافاةُ للجرْحى.. والخزيُ والعارُ على مصّاصي الدّماء! 

 

هل نسلم من تجربة الغرب..؟!

إذا راجعنا التاريخ جيداً، الصراع الأوروبي تحديداً، سنجدُ بوضوح الاقتتال الذي شهدته تلك البلدان على أسس طائفية والتصفيات العرقية. سنجدُ الصراع طويل المدى الذي بين البروتوستانت والكاثوليك والأرثودوكس، على نحو ممنهج، كون أنظمة الحكم جزءً لا يتجزأ من 
الانتماء الديني لدولة ما. بمعنى آخر، يتم الصراع بين تلك الدول بشكل نظامي على أسس طائفية. 

الكثير من الدماء سالت، والكثير من التضييق على الشعوب من قبل رجال الدين تم، لدرجة الحكم بالإعدام على العالم جاليليو لمجرد القول أن الأرض كروية على سبيل المثال. لم ينته ذلك النزيف الدموي والسلب للعقل والروح البشرية إلا بعد كفاح دؤوب من قبل تلك الشعوب في سبيل التخلص من هيمنة الكنائس على المشهد العام، وإحلال العقل والابتكار حتى بدأت نهضة كبرى دوت العالم. 

في الولايات المتحدة، الأمر ذاته، لكن على أسس عنصرية وعرقية. حيث نشبت الحروب الأهلية بين (اليانكي) الأبيض والأقليات من الزنوج والهنود الحمر، حصدت العديد من الأرواح. يبدو أن العرب كانوا لا يزالون يعيشون في حقبة متأخرة من التاريخ، هاهي تقترب من ذلك الزمن الغابر الذي كابده الغرب. 

اكتشف العرب مؤخراً بأن هناك فِرَق وطوائف في دياناتهم ولا بد من إذكائها، والمرور بذلك المنعطف الخطير. في الحقيقة، ومنذ اندلاع ما سمي بالربيع العربي، والاستقطاب الحاد الذي شهده الشارع العربي، تغذت الطائفية عفوياً أو بفعل فاعل، وواكبت ذلك الاستقطاب السياسي، لكن هذه المرة على أسس طائفية. 

لم يقتصر ذلك على الدول التي شهدت ثورات شعبية، بل امتد ذلك ليصل إلى مناطق أخرى أكثر حساسية. فما حدث في سوريا، على سبيل المثال، ألقى بظلاله على الوضع اللبناني الهش، الذي ما زال يعيش آثار الحرب الأهلية، وإن كانت غير طائفية. رغم حدوث توتر في شمال لبنان منذ فترة، إلا أن ما شهدته الأيام القليلة الماضية تنذر بخطر محدق سيدمر كل شيء ولن يستثني أحداً. 

ثمةَ طرف ثالث يسعى لإذكاء الوضع المتأجج أصلاً، والمنتظر لعود ثقاب ليبدأ بالاحترق. يسعى الطرف الثالث لاستغلال الاستقطاب الحاد الذي يشهده لبنان على خلفية ما يحدث في سوريا، وبخ الماء في الزيت، لاستكمال مشهد إحراق المنطقة. 
اتذكر موقفاَ من مسلسل كرتوني في مرحلة الطفولة، حيث هناك غابتين متجاورتين يحكمهما ديناصوران عملاقان، في حين قام طرف ثالث بقذف الديناصورين كلاً على حِدة وأشعل حرباً ضروساً بينهما أُحرقت على أثرها الغابتين بمن فيها. 

الأمر مشابه تماماَ، تفجير في الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله؛ وآخر في طرابلس، منطقة توتر مع جبل محسن سقط فيها عشرات القتلى قبل ذلك, والهدف إدخال الحرب المعلنة حيز التنفيذ وإحراق الأخضر واليابس. 

رائحةُ الطائفية والتشرذم تُزكم الأنوف، ونسيجُ الشعوب العربية يوشك أن يتمزق أن لم يكن قد تمزق فعلاً! فتنٌ كقطع الليل المظلم، وصراعات لا سبيل لها إلى التوقف، فهل يدرك العرب أن وباء الطائفية يدمر الأوطان كما يدمر السرطان خلايا الجسم؟! وهل بالامكان النأي عن هذا المنعطف المروع الذي يستهدف الشعب العربي ككل؟ عندها فقط سنصحو على أنقاض وبقايا وطن!! 

 

محرقة تعز.. ذاكرة النسيان!!

m

تتراكم الأوجاع، و تتكدس في الذاكرة قصيرة المدى، تتزاحم حد النسيان، و كأن ألماً جديداً يطردُ من ذي قبله. في حين لا يتعدى عمر الذاكرة الافتراضي، لا يتعدى الشعور بالألم مرة أخرى. 

تمر على الذاكرة البعيدة، محرقة مروعة مرت بلا مسائلة، و دونما عقاب. بل يتعدى الأمر أكثر من ذلك، فمن قام بالمحرقة لا يزال يتصدر هرم المحافظة، و يأمر وينهى. تباً لذاكرتنا، المثقلة بالألم! كم أشعر بالعار تجاه من قضوا في تلك المحرقة البشعة. فنحن الذين لم نحرك ساكناً، و نحن كذلك من رضخ و سلم بالأمر الواقع. 

من المفارقات العجيبة، أني لم أتواجد في الساحة ذلك اليوم، على غير عادتي منذ شهور. يومها كانت اليوم “الثالثة” لموت جدي، كان لزاماً أن أكون في القرية لاستقبال العزاء. منذ الساعة الخامسة عصراً، و أنا أتابع الأخبار عن طريق الزملاء المتواجدين، و مؤخراً عن طريق شاشات التلفزة التي غطت الأحداث. 

بدأت القصة بمسرحية سيئة الإخراج قام بها مدير أمن مديرية القاهرة، عن طريق إدخال ثلاثة أفراد أمن إلى الداخل. ثمة أناس كانوا هناك في الداخل كذلك، تم التخطيط بمنهجية لإخفاء أحد الأفراد داخل أروقة الساحة. هنا كان التذرع الواهي لاقتحام الساحة و إحراقها، و تخليص الجندي. لنفترض، جدلاً، أنه ثمة جندي محتجز في الداخل، هل من المنطقي إحراق عشرات الجثث مقابل ذلك الجندي؟! 

لم تكن أبداً حملة عفوية لتخليص رهينة، بل كانت منظمة، و مُعدّة من أسابيع. فالجنود المقتحمون ينتمون على السواء إلى الأمن المركزي، الشرطة العسكرية، اللواء ثلاثة و ثلاثون مدرع و الحرس الجمهوري، بالإضافة إلى العشرات من البلاطجة تم استقدامهم منذ أسابيع، نعرفهم جيداً، و على اطلاع بتحركاتهم المشبوهة. 

في لحظة فارقة، و بعد ليلةٍ دامية، فاحت منها رائحة القبح و الوحشية البشرية ممتزجة برائحة الأجساد المحترقة، فقدتُ الاتصال قبيل الفجر مع ابن عمي، القاطن في قلب الساحة المحروقة. توجهتُ فجراً صوب المدينة، تواجد كثيف للعسكر و النهّابة داخل الساحة، و ألسنة الدخان لا تزال تتصاعد، و شباب يطاردون في الأزقة. بعد شروق الشمس وجدت ابن عمي، تعرفت بصعوبة على ملامحه المفجوعة، و جسمه النحيل، مسلوب اللُّب، يتوشحه الخوف! لكنه كان أحسن حالاً من العشرات من الجرحى و المحروقين، و آخرون فارقوا الحياة دفاعاً عن كرامتنا، و مدينتهم الصغيرة المغدورة. 

على أية حال، الوجوه ذاتها التي أحرقت ساحة العز، و قتلت خيرة شبابها، الوجوه ذاتها من لا يزال يعكر صفو تعز، هم ذاتهم من يقفون حجر عثرة أمام التغيير المنشود. إنه القبح الذي يستهدف الربيع، إنها الأيادي الخفية التي تربك المسيرة، أملا منهم أن نلعن الثورة، و نعود للتسبيح بحمدهم. 

مرهقٌ حد الموت، 

ينزفُ من خاصرته، 

يقتات الصبر، 

وينشد الأمل.. 

لا يزال الليل يخيم المكان، 

كأنها مدينة أشباح، 

ألا يا أيها الليل الطويل، 

تنفس الفجر البعيد!!

 *الصورة بعدسة الصديق محمد اللطيفي

أعداء الجمال..!

في بلدٍ تعصف به الصراعات الحزبية و الطائفية، و تفوح منه رائحة الفوضى، كم نحن بحاجة للجمال! كل ما يدور من حولنا يبعث القرف، و يثير الاشمئزاز. نحن فعلاً بحاجة للذوبان في بوتقة الجمال، و التزود منه دون اكتفاء! فالقبح يسكننا عنوة، و رائحة الفرقة و الطائفية تزكم الأنوف. وأيادي الحقد تدمر كلّ جميل. كم نحن بحاجة للهروب من واقعٍ لم يسقنا سوى الوجع، و لم يورث لنا سوى الشقاء و البؤس! 

دائماً, نحاول الهروب إلى عالمنا الخاص، نستنشق نسيم الأمل، و نرتشف رحيق الحياة على انفراد، و لو للحظات دونما كدر. فيجد أحدنا نفسه يغني للمستقبل المجهول، شخص آخر يمارس هوايته في التجاهل، و سواهما ينثر عبير الأحرف على ألواحٍ بيضاء، وحدها تستسيغ أفكاره، و تحتسي أحرفه كقهوة الصباح. يرسم أحلاماً وردية للوطن، و أمنيات عذاب باتت قيد التحقق، لكنها أصيبت بانتكاسة, أقعدتها على رصيف الانتظار، حتى إشعار آخر! 

نكتبُ، للهروب من محيطٍ عكرتْه أمزجةُ الساسة. نكتبُ، لنُخفي قبحنا المتناهي، و نغلفه بشيء من الجمال. نكتبُ لنبدو بشراً في عالم طغت عليه الحيوانية، و استشرى فيه العنف. نكتبُ لنعبر شواطئ الماضي و نلج بوابات المستقبل، نبوح للجمادات، لأنه لا حياة لمن تنادي. و ليت من تدب فيهم الحياة يتركونا لهذياننا، فأيادي الشر طُولى و لا تفقد الحيلة. يدمرون كل جميل، يسرقون الأحلام من عيون الوطن، يعشقون الظلام و يلعنون النور. يغتالون الفكرة حتى قبل أن تولد. 
و لأن عبد الإله شائع يحب الجمال، و يعشق الحقيقة، ذهب لينقل للعالم ما يحدث وراء الكواليس، و في دهاليز الساسة. تدخل أعداءُ الجمال، و حماةُ حقوق الحيوان، و أودعوه خلف القضبان.. فقط لأنه جميل في زمن القبح! 
في يوم الصحافة العالمي، يُقتحم حرم صحيفة الجمهورية من قبل العسكر، لإسكات صوتها، و إخبات وهج الحقيقة، تحت مبررات تنم عن حقد دفين على الحرية، و أمنيات للعودة إلى عهد العسكر و تكميم الأفواه. كان الأكثر بشاعة من الاقتحام، الاعتذار الذي قاموا به، والمدعم بمبررات سمجة و استحمار للعالم. يذكرني هذا الاحتراف في التبرير، يذكرني بـ”حق الرد” الذي بدا على أشُده في الفترة الأخيرة. فمثلاً، يقوم أحد المواطنين (الغلابة) برفع شكوى عبر صحيفة ما عن ظلم أحد المتنفذين، الذين هم أشهر من نار على علم، بالطبع هذه الشكوى مدعمة بأدلة دامغة، فتُفاجأ بحق الرد الذي يفند هذه الاتهامات المغرضة و يعتب كذلك على الصحيفة لنشرها ادعاءات زائفة تسيء لسمعتهم, و عدم تحري المصداقية.. تباً لهامش الحرية الجديدة الذي طفا حد العبث! 

لم يتركونا أن نعيش بأمان، 
فحين أردنا أن نحلم، 
منعوا الليل أن يأتي! 
وحين أردنا أن نصحوا، 
كبلوا الشمس، 
وسرقوا النهار..!