أرشيفات التصنيف: 2012

النظام السوري والسقوط الوشيك !

A girl with her face painted Syrian flags takes part in a protest by Syrians residing in Libya outside the Chinese embassy in Tripoli, February 6, 2012. REUTERS/Anis Mili (LIBYA - Tags: POLITICS CIVIL UNREST)

في سوريا الحبيبة, استعصت الحلول, وتهافتت حُمران العيون لوأد ثورتهم في المهد. روسيا وحليفاتها يقتلون الشعب السوري بغطائهم القميء بل والدعم المباشر بالسلاح وخبراء الموت. أمريكا وحلفاؤها يقتلونهم كذلك, لكن على طريقتهم الخاصة , فسكوت هذه الدول عن المجازر المرتكبة لمآرب أخرى, ومصالح قذرة على حساب الدماء.

التواجد الروسي بالقواعد في طرطوس يدفع بالغرب إلى عدم التجرؤ للتدخل العسكري من دون صدام مع الروس ربما يولد حرباً عالمية ثالثة, لكن هذا أبداً لن يتم. لذلك تعمل كل من روسيا والصين على تعطيل أي قرار يتبناه مجلس الأمن يدين النظام السوري والذي سيدفع بالضرورة إلى التنحي أو السماح بالتدخل العسكري، كون النظام السوري الحالي قدم روسيا في الشرق الأوسط يمثل مع إيران حليفين استراتيجيين للمد الشيوعي الذي أضحى منكسراً أمام النظام الرأسمالي الجارف.

يبدو لي هذا التحليل نوعا ما غير منطقي، لسبب وجيه, حيث بمقدور المجتمع الدولي التدخل عسكريا منذ الوهلة الأولى عن طريق حلف الناتو، على غرار التدخل في ليبيا، أو حتى حظر الطيران وتأمين ممرات إغاثة.. كل ذلك كان ممكنا، ولا يزال، لكنه اللؤم والقبح الذي يهدف إلى ضرب النظام الأسدي بأيدي المعارضة (الجيش الحر) وإقصاء الآخر في آن واحد. 


سيناريو آخر مطروح بقوة، يتمثل في التخوف الغربي من البديل القادم على هرم السلطة بدلا من النظام الأسدي, هل سيكون موالياً؟! التخوف من تسليح الجيش الحر ووصول أسلحة الغرب وأسلحة النظام بما في ذلك الكيماوية إلى أيدي متشددين أو إلى جماعات إرهابية كما بات التخويف من قبل النظام بوجود القاعدة بكثافة. بدأ حلف الناتو مؤخراً بنشر بطاريات صواريخ جنوب تركيا, جاء ذلك بعد حملة إعلامية غربية مقننة, وتصريحات لمسئولين غربيين عن إمكانية استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية وصواريخ سكود ضد مدنيين.. يأتي هذا في ظل الانتصارات المتوالية التي يحققها الجيش الحر وإحكامه السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد بما في ذلك مطارات حربية، دفاع جوي، مضادات صواريخ، وقواعد عسكرية بأسلحة نوعية، وفي ظل تراجع للجيش النظامي وهروب جماعي للمجندين وإصابة البعض بحالات نفسية مزرية، لم يعد يقاتل في صفوف الجيش النظامي سوى مليشيات ما يعرفون بالشبيحة ، جنود من الحرس الثوري الإيراني، ومليشيات طائفية من دول الجوار وبعض الدول العربية بإشراف عسكريين وخبراء روس. 


يريد الغرب، أمريكا على وجه الدقة، أن يُضرب النظام السوري بالجيش الحر القوي، الذي بدا يسحب البساط شيئا فشيئا من تحت أقدام النظام. فبالرغم من خطورة تحول الثورة السورية لمنحى آخر جرها إليه بطش من يسمي نفسه نظاماً, فإن الأكثر مدعاة للقلق, انتشار الأسلحة على نحو مخيف مع الشحن الطائفي المُصدّر من دول الجوار, كل ذلك يوحي بخطر تمزيق النسيج الاجتماعي, أخاف من استمرار أعمال العنف من قبل (مجهول) على غرار ما يحصل في العراق خصوصاً مع وفرة الأسلحة, كذلك البنية التحتية المتآكلة ستكون عبئاً كبيراً على ما بعد الأسد الذي يتفنن في القتل الممنهج للمدنيين لقُبح وسادية في نفسه.. حرب شعواء على الشعب، لا تفرق بين صغير أو كبير، ولا نساء أو أطفال، ولا حتى شيوخ. فبالإضافة إلى قسوة الطبيعة، والبرد القارص، تبدو معركة الخبز الأبرز في المشهد المحلي، فالكفاح الدءوب للنساء والأطفال لخطف لقمة العيش يواجه بفاشية ووحشية تجرمها حتى أعراف الحروب، قصف المخابز الممنهج على ذلك النحو الإجرامي يؤكد كم نحن بحاجة إلى استئصال هذه الأورام السرطانية من أجساد الأمة الطاهرة.

والسؤال، هل سيظل من يسمي نفسه الجيش العربي السوري يقتل الشعب ليحكم نفسه؟! تأتي الإجابة دائما من الأمهات الثكلى المقهورة، سنضحي بكل الأبناء والأنفس حتى نيل الكرامة.. إنه شعب عشق الحرية حتى احترق الألم, لسان حالهم يقول، سنصبر حتى لو مل الصبر منا!.

حلم الدولة المدنية.. يا فرحة ما تمت

أظنني تسرعت قليلاً في مقالي في الأسبوع الماضي صبيحة الإعلان عن هيكلة القوات المسلحة، تسرعت في الحكم على القرارات بذلك الزخم كون القرارات الجريئة ربما لا ترقى إلى حلم (الدولة). فتطبيق قرارات من هذا القبيل محفوف بالمخاطر، وهدوء الأطراف المستبعدة من المشهد العسكري، بل وموافقتها الشكلية أيضاً, تضمر الكثير من الشر والمكر كذلك، إذا أخذنا بعين الاعتبار الضغوط التي تمارس ضد أعضاء اللجنة الدائمة للمؤتمر لرفض قرارات الهيكلة الأمر ذاته الحاصل تحت قبة البرلمان برفض الصقور من المؤتمر إخراج بياناً عن المجلس يبارك القرارات الرئاسية يبدو المشهد غائما ومثيراً للريبة، وكأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة مازالت أبراج الكهرباء وخطوط النفط تتعرض للتخريب، ربما بحدة أكبر هذه المرة مسلسل الاغتيالات لا يزال يتسيد المشهد. 


الطافي على السطح هذه المرة، البيان الصادر عن جماعة الحوثي المسلحة، الذي بدا واهيا ومكشوفا، ومثيرا للشفقة فمخازن أسلحة الحرس الجمهوري، التي يتزود بها (الخُبرة)، لم تعد سائبة، أو بالأصح لم تعد مخصصة لدعم التمرد)، بل صارت بأيدي الشعب (ليس بالضرورة الشعب الذي يقصده الحوثي) إذا عُرف السبب, بطل العجب!. 


بعض التسريبات تفيد بإعادة تعيين الجنرال علي محسن و الشاب الطموح أحمد علي، كنوع من المجاملة، الأمر الذي إن صح، ستكون كارثة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فالحلم الذي يحمله البؤساء بأكفهم، لا يُمدد ولا يُورث، كما لا يساوم بإرادة الشعوب. 


للإنصاف، قطع الرئيس هادي شوطا كبيرا في الهيكلة، لكن النجاح الحقيقي مرتهن بمدى تطبيق هذه القرارات على الأرض، فطريقة إعلان التشكيلة الهيكلية للجيش على ذلك النحو، أبعد عن الرئيس هادي مشقة الإحراج الذي كان مترتبا فيما لو أعلنت إقالات صريحة وتعيينات بديلة، فكما جرى الأمر مع الإقالات السابقة لقادة سابقين، أتبعت بتعيينات إرضائية للمقالين, تجنب الرئيس هادي إحراج من هذا القبيل، وهذا محسوب له؛ لكن أن يعود مجددا لتعيينات تطييب الخواطر وإغضاب الوطن، فهنا تكمن الكارثة، وهنا يُنسف مفهوم الدولة, وتتبخر الأحلام , ويذهب الأمل بحدوث التغيير المأمول أدراج الرياح, ويؤكد أنه لم يحن الوقت بعد لحدوث التحول الفريد في نظام الحكم والذي يبدو لم يغادر نطاق المحاصصة والجهوية والتوزيع المناطقي للسلطة.. هل بات على شعبنا دفع ضرائب الماضي, وهل بات مجرد الحلم بدولة سيادة القانون محرم على شعبنا؟! كل شعوب الأرض تحلم وتسعى وتترجم تلك الأحلام إلى واقعٍ جميل، وكأن أحلامنا قد ضلت الطريق, فلم تجد سوى الهاوية لترتمي إليها، سننهض وسنحلم من جديد, وستزهر أحلامنا في ربيعٍ ما, عندها فقط سنغني أغنية الربيع المزدهر! 

شكراً للرئيس هادي !!

يوم وطني جديد يضاف إلى أعيادنا الوطنية المجيدة, يوم جديد بنكهة الوطن.. فثورة سبتمبر قام بها النخب وراحت إلى أحضان الخصخصة والتمنطق, وثورة فبراير الشعبية الأكثر جمالاً بمشاركة العامة لكنها كانت مقيدة بإرث ثقيل وركام من الماضي لا متناهي, اليوم فقط سنصيح بنجاح ثورة فبراير على النحو المرجو.. اليوم فقط سيكون العيد الوطني , يوم تحررت قوى الدولة من الشخصنة والتفرد بالقرار والتمنطق خلف العتاد العسكري وقهر الشعوب الحرة. 


في لحظة من اللحظات, شعرتُ بيأس وبؤس معاً, هل سيسير الحوار كما ينبغي؟ هل ستمضي الأمور كما هو مرسوم لها من دون قرارات حاسمة تنهي انقسام الجيش؟ أسئلة كثيرة أرقت المواطن كونه صار سياسياً وأصر على إيجاع رأسه بويلاتها ومتابعة الأوضاع الدائرة عن كثب, فالأمن والاستقرار ظالة المواطن, ومن أجل دولة تكفل هذا كله خرجت جموع الشعب إلى ميادين الحرية لوضع حد للعبث والمركزية المفرطة وإرجاع السلطة للشعب الطامح للعيش بسلام وطمأنينة كباقي الشعوب. 


كم اتهمنا الرئيس هادي بأنه (هادئ), ولا يكترث لرغبة الشارع في توحيد الجيش وقطع الطريق أمام كافة المشكلات الأمنية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد. كل هذه العقبات يضعها انقسام الجيش, وقطبية القرار, وثنائية السلطة.. لم يعد الرئيس هادئاً, أو بالأحرى, لم يكن كذلك.. فبحكم خبرة الرجل العسكرية, استطاع قص ريشات القوى الغير خاضعة لسلطة الدولة بطريقة عسكرية بحتة.

التوجس لدى الشارع من ردة الفعل التي سترافق قرارات من قبيل إقالة أقارب الرئيس السابق, وأعمال الفوضى والتمرد على قرارات الرئيس, هذه التوجسات هي من كانت تقنع البعض بضرورة التأني باتخاذ قرارات جريئة كهذه،قرارات حاسمة على طريقة الرئيس هادي المغلفة بالحلوى, إعلان الإقالات على هذه الطريقة الدبلوماسية البحتة من دون ذكر شخوص كان لها الدور الأبرز في التقليل من ردة الفعل المرتقبة.. الآن تبدو الطريق جاهزة للبدء بمسيرة الألف ميل لإصلاح ما أفسدته السياسة السابقة, ومهيئاً للبدء في الحوار باستثناء العقبات التي يطرحها الجوارح من صقور المؤتمر,, لابد من حل كي تمر المركبة بسلام وكما خُطط لها. 


يبدو أن هيكلة حزب المؤتمر , بات أمراً ملحاً, خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الانقسام الحاصل فيه وقطبية القرار , من سيمثل المؤتمر في الحوار , ومن سيحدد الأجندات التي سيحاور عليها الحزب, هل الرئيس هادي أم البركاني وعمه علي؟ لم يعد هناك في المؤتمر ما يدعو إلى بقائه كحزب, فالرئيس هادي أباً للجميع ويحبَذ أن يكون مستقلاً, بإمكان الإرياني والشرفاء في المؤتمر تكوين حزب جديد بقناعات ورؤى وطنية, وليس على أسس والولاءات الضيقة للشخوص مقابل المصلحة الخاصة جداً.. إذا لم تجر الهيكلة لحزب المؤتمر على أسس وطنية قبيل الحوار المزمع بداية العام القادم, سيكون الحوار صعباً بأصوات نشاز من هنا وهناك.. إذا لم تتم هيكلة المؤتمر , من المرجح أن تظل الأزمات السياسية تعصف بالبلد إذا ما لاحظنا بداية التحول التي تشهدها بعض أطراف المؤتمر المتأزمة من استقطاب للجماعات المسلحة وتكوين مليشيات على غرار جماعة الحوثي المسلحة ! 


مبارك للشعب اليمني دولتهم المدنية, شكراً للرئيس هادي, شكراً لشباب الثورة , شكراً لكل من يحمل هم الوطن , فلنبدأ يمننا الجديد, من اليوم لا ولاء لأحد سوى الوطن , ولا صوت إلا صوته, ولا موت إلا في باحاته دفاعاً عنه, الرحمة على الشهداء والمشافاة للجرحى والفرج القريب على المخفيين قسراً, العزة والكرامة للوطن ! 

الحوار.. حتى لا يصير خواراً..!!

140127200913-78055-0

يعرف الحوار بأبجدياته كمطلب إنساني،وكحل مفصلي لتقريب وجهات النظر المتباينة للخروج بحلول مرضية للأطراف كما ينبغي أن يصب في نهاية المطاف في المصلحة العامة ساميةً فوق كل اعتبار. فالحوار لأجل الحوار يعد عبثاً, فالحوار وسيلة للوصول إلى غاية (وطن).. إذا تحولت الوسيلة إلى غاية(حوار من أجل الحوار) هنا فقط تفقد مضمونها وتصير بلا طائل, كمن يلهث خلف سراب.. لابد لجميع الاطراف الجلوس على طاولة الحوار لغرض الوصول إلى حل وليس لغرض الحوار ذاته,, هل ياترى سيدخل اليمنيون للحوار لأجل الوطن؟ام كلٌ سيغني على ليلاه؟! 
للأسف الجميع يستعرض عضلاته هذه الأيام بكل قبح، لغرض فرض إرادات أو حتى زيادة الحجم على أرض الواقع. 


ثمة من يسعى لزيادة القوة التمثيلية في اللجنة بطريقة أقرب إلى المقامرة.. كما هو الحال على الواقع، سيكون هناك استقطابات وتحالفات داخل اللجنة لغرض الارباك والخروج من الحوار بلا طائل والإبقاء على الملفات التي أجري على أساسها الحوار قيد التشغيل حتى إشعار آخر، بما في ذلك القضية المحورية المتمثلة بإرضاء الجنوب الجريح. كل هذه السيناريوهات مفتوحة كعقبات أمام الحوار، باستثناء اتخاذ قرارات حاسمة من قبل الرئيس هادي يتم فيها (قص ريشات) تسعى إلى الهيمنة على صناعة القرار.. بات كل شيء واضحاً للعيان، وبات المعرقلون على مرمى أنظار الشعب، ومازالت سياسة الابتزاز ولي الذراع هي من تتسيد المشهد في ظل الاستجابات المتواصلة لها، والنأي عن اتخاذ قرارات حاسمة تبسط سيادة الدولة، وبالتالي تسيير الحوار على النحو المرسوم له.. مالم تصدر قرارات من هذا القبيل، فسوف يستمر مسلسل لي الذراع، وتقويض هيبة الدولة وبالتالي تصعيب شيء اسمها استقرار، وستستمر موجات الاغتيالات المنظمة، وتفجير أنابيب النفط، وشحنات الأسلحة المتقاطرة على وتيرة مخيفة. كل هذا العبث من شأنه جر البلاد إلى الهاوية دونما شك. 


لا أريد أن أحكم على موتمر الحوار مسبقا، الجميع يعول على نجاح الحوار ويحمله أعتاب المرحلة القادمة, الكل يتمنى نجاح الحوار والخروج من دوامة المقامرة بالوطن، لكن ليست كل الأماني تُترجم إلى واقع. يبدو المتحاورون كأقطاب البوصلة, استحالت أن تلتقي , ما يحدث على أرض الواقع يبدد الأماني ويضعها على مهب الريح، في ظل التصلب على الآراء والتمسك بحبال الوهم، والدخول إلى الحوار بعقلية(حبتي والا الديك)، فيما لو ظل أطراف الحوار يتعاطون مع قضية بحجم الوطن على هذه الشاكلة، فسيكون من العبث الخوض في حوار يرسم أطرافُه النتائج مسبقا. 


هل بمقدور المتحاورين الفزعة لأجل الوطن لمرة واحدة؟! كم سيخلد التاريخ هذه الأسماء في ذاكرة الوطن التي لا تعرف التزييف، ولا يعتريها النسيان. 


وحده الحوار الجاد تحت يافطة الوطن، الوطن وحسب، بعيدا عن الأنانية والمصلحة الشخصية، والتعصب الأعمى، والمقامرة باستقرار الوطن، والاستسلام للأفكار الهدامة، والنزعات السادية وحب الانتقام، وحده من سيظمن حوارا ناجحا يغلق كل ملفات الماضي إلى غير رجعة، مالم يتم الحوار على هذا النحو، واكتفى المتحاورون بالغوغاء وتعالي أصوات الفوضى واللؤم، عندها فقط سيصبح الحوار أقرب ما يكون إلى الخوار والعبثية، وسنقرأ الفاتحة على الوطن . 


لم يتركونا أن نعيش بسلام! 
فحين أردنا أن نحلم، 
منعوا الليل أن يأتي. 
وحين أردنا أن نصحو، 
كبلوا الشمس، 
وسرقوا النهار!!

سباق التسلح.. إلى أين؟!

Photography-by-Phillip-Toledano-e1276069133207

من مساوئ ثورة فبراير أنها أيقظت مخازن الأسلحة, خلافاً على الكميات الوافدة من الخارج بشكل هستيري من قبل تجار الموت, في بلدٍ مزقه الفقر والجهل والتناحر والثارات, فبدلاً من الإحصاءات التي تفيد بوجود قرابة 60 مليون قطعة سلاح تقليدية, صارت اليوم أضعافاً كثيرة بأنواعها الخفيفة والمتوسطة, حتماً ستجر الوطن إلى الهاوية خصوصاً في ظل الاستقطاب المسلح والعمل الدءوب والمنظم لإغراق الوطن في مستنقع العبث واللادولة. فذنب الثورة أنها قامت ضد حكم العسكر, ليصبوا جام غضبهم على الشعب وحشد طاقات الدولة العسكرية ضد الثورة. 


منذ أشهر وهناك كميات كبيرة من الأسلحة تدخل إلى الوطن, الذي بات كمخزن أسلحة كبير, تدخل هذه الأسلحة من منافذه البرية والبحرية على نحو منظم منها المتوسطة, ومنها ما يستخدم لغرض الاغتيالات ودروع واقية كذلك, والبعض الآخر مواد أولية تستخدم في تصنيع أسلحة بإمكانها مقارعة أسلحة الدولة. أدوات موت مجانية مغلفة بمأكولات في وطن أنهكه الجوع وأرقته السياسة. سباقٌ محمومٌ للتسلح, مدجج بمعاول الهدم ونياشين الدمار وقبح بشري يدفع ثمنه أبرياء لا يُجيدون سوى الموت, أو الموت.. وحدهم الطيبون فريسة الأوغاد.! 


يقول لي أحدهم, قبل صفقة البسكويت التركية في ميناء عدن, لم تكن تخضع الحاويات للفحص عبر أشعة اكس سوى عينة تقدر بعدد ثلاثة لكل100 حاوية, يا رباه ! كم يا ترى حاويات أسلحة دخلت عبر هذه النافذ ةالتي إلى حد قريب كانت بإمرة من يسعون ليل نهار لحرب ضروس لخبث في نفوسهم. هذا بالنسبة للموانئ التي تتبع بطبيعة الحال وزارة النقل فكيف بميناء ميدي, من يدري كم من لأسلحة تسربت؟! لعلي الآن بدأت أفهم لماذا يهاجم الحوثيون أهالي حجة بهذه الضراوة. 
هناك ما يشبه الحرب(غير المعلنة), تدور رحاها تحت الرماد, في أكثر من جبهة, وبين أكثر من معسكر. يخطفون الأحلام من عيون الوطن, يفخخونه بكل أدوات الدمار. هناك توزيع للأسلحة بشكل منظم في المدن الرئيسية, جهاز الأمن القومي الذي غُيرت قيادته لا يزال يعمل بعض منتسبيه المختارون سابقاً بعناية في بلد يقتات على الشائعات ويتقلب مزاجه في اليوم مائة مرة .

تفرغ المعسكرات بأسلحتها لمدنيين يعبثون بأمن الوطن, لا أحد يكترث, لا أحد يعني له الوطن شيئاً سوى (البقرة الحلوب), رضعوا من ثديه والآن يتنكرون له وينتقمون منه. 


أكره التشاؤم, كما أكره إشاعته, لم يعد الشعب يتحمل هذا القهر والقبح واللؤم , فالكل أصبح سياسياً في عشية وضحاها ويتابع عن كثب, الكل أصابه مَسُّ (السياسة) ويتجرع ويلاتها ليل نهار. لا نستطيع بأية حال إخفاء هذا التشاؤم, فالأمور مكشوفة والكل يناظر بصمت. نحاول التفاؤل لكن لا أمل يلوح في الأفق, فالتوافقية العقيمة وسياسة (نص, نص) أعادت النظام السابق للواجهة إضافةً إلى وقوع جزء كبير من الأجهزة الأمنية خارج نطاق الدولة بما فيها من أسلحة وعتاد, كلها تحولت إلى أدوات للموت. يظل الحوار ونجاحه, قشة الأمل التي قد تُخرج البلاد من عنق الزجاجة وترد للشعب الصابر اعتباره. 

 

*الصورة من موقع كوميل بلاس

عن التطرف الفكري

التطرف 2

الوسطية والاعتدال في الآراء, والاحتكام إلى المنطق بعيدا عن التطرف الفكري والفئوية والعصبوية أبرز سمات المجتمعات المدنية الراقية التي تهتم بالجوهر وتتسامى عن الصغائر وسفاسف الأمور . في وطني الحبيب, لابد للأمور أن تكون جلية إما أبيض وإما أسود, لا أحد يؤمن باللون الرمادي الذي يمثل الوسطية والمرونة في التعامل. 


مؤخراً, وبالتحديد, منذ تولى الأخ/ شوقي أحمد هائل مقاليد الأمور في تعز, والإعلام (فرّاغ) لا شغل لهم سوى التعبئة والمزايدة, هل أنت مع شوقي أو ضده؟ يبتعد الناس عن الجوهر ويفرون إلى الخوض والسخف وحسب, فالجهل له الدور الأكبر وكذلك التمنطق خلف الأيديولوجيات والخلفيات العرقية والطائفية في تغذية وتعبئة الجماهير . 


منذ قرابة الستة أشهر والكل (يضج) آذاننا بهذه الأسئلة العقيمة التي توسع الهوة بين فئات الشعب وتفتت نسيجه الاجتماعي, طبعاً لا يوجد أي خلاف على أرض الواقع, اللعبة سياسية إعلامية بامتياز , غذتها أطراف انتهازية دأبت على المديح والارتزاق ولو على حساب الوطن. بدت هذه الأطراف جلية في المسيرة التي أراد منظموها تقويض ثقافة الحرية التي اكتسبها الشارع العام والعودة بنا إلى عصر (التطبيل) . يبدو أن الأخ المحافظ تنبه إلى مثل هذه المغالطات التي لن تربك مسارات التنمية التي ابتدأها وحسب, بل ستضعه أمام طائلة المحاسبة والتستر على أشخاص عليهم تجاوزات معروفة للجميع يريدون إلقاءها على ظهر المحافظ للأسف الشديد بمساعدة كبيرة من بعض قوى الثورة. 


بعض القوى الثورية تنبهت للخبث الذي أريد له من وراء هذه المسيرة وضمن مسلسل (إما أبيض وإما أسود) خرج بعض مكونات الثورة مع هذه المسيرة نكاية بـ (أشخاص معينين) حسب زعمهم لأنهم يكرهون (شوقي) يا جماعة, لماذا نختزل الوطن بشخوص أو أحزاب؟! فالوطن أبقى وأعم وأشمل, وـ (شوقي) ليس بحاجة إلى مسيرات أو دعم من أي أحد, ما يحتاجه الرجل هو صمتنا وحسب! فليخرس المطبلون وليخرس المنتقدون, ببساطة لأن هذه الممارسات غير مجدية, تضر أكثر مما تنفع. 


نحن نعرف, منذ البداية لم يرُق لحزب المؤتمر تعيين شوقي كونه منهم أولا ولأنه إداري ناجح ومعتدل لا يميل إلى (الشخصنة) , لو كان من المعارضة لكان من السهل الطعن به أو العبث معه, لكنه محسوب على الحزب نفسه وذات قبول لدى كافة أبناء المحافظة , بدا ذلك جلياً من خلال ردود أفعالهم الآنية. بعد إقالة (السعيدي) فقط بدأ المؤتمر باللعب على إيقاع الاغراض وإيجاد الشروخ بين قوى الثورة فيما بينهم من جهة, وبعض مكونات الثورة مع المحافظ من جهة أخرى, إلى حدٍ ما نجحوا في ذلك وبدأ التراشق الإعلامي والتخبط والتخوين وما إلى ذلك , وفجأة أصبحنا بلا وطن,! فالكل يزايد والكل يقتتل لأجل مصالحه الخاصة, والوطن وحده (المودف). 


ليس كل من خرج في المسيرة يحب(المحافظ) وليس كل من قاطع المسيرة يكرهه, لكن نقول, أعيرونا صمتكم دعوا المركب يمر بسلام, فالطوفان لن يستثني أحداً, وسيغرق الجميع, هذه فرصة تاريخية لن يعيدها الزمن وبهذا الدعم الإقليمي والأممي غير المسبوق .. فالوطن يتسع للجميع.

 

*الصورة من منبر علماء اليمن – أسباب التطرف 

الديمقراطيون مجدداً!!

اوباما2

في أمريكا, العجيبة, كل شيء يثير الدهشة ويبعث على التساؤل, قبل أيام تابعنا إعصار ساندي المدمر, الذي اجتاح الشريط الساحلي الشرقي لعواصم العالم السياسية والاقتصادية.. تابعنا (ساندي) منذ ولادته في (الكاريبي) بتغطية إعلامية عالمية, وحتى تحوله إلى إعصار من الدرجة الأولى قبالة السواحل الشرقية للولايات المتحدة. تابعنا كذلك الاستعدادات المسبقة والآنية, الغير عادية,لكارثة بحجم (ساندي), إنها مشيئة القدر في نهاية المطاف, لكن الإجراءات الوقائية لعبت دوراً كبيراً في تحجيم الخسارة وامتصاص الضربة الأكثر إيلاماً لبلد العم سام منذ عقود والخروج منها بأقل الخسائر.. كل هذا يحدث فقط في أمريكا, المدهشة! 

كان لهذه الإجراءات والحرص الشديد للرئيس ( أوباما) على سلامة المواطن الأمريكي بالإضافة إلى عوامل أخرى, الفضل الكبير لعودة الديمقراطيين إلى البيت الأبيض مجدداً. في أمريكا, مهما اختلف الجميع, اتفقوا على حب الوطن ومصلحة المواطن الأمريكي أياً كان جنسه أو عرقه رغم التباين الغير عادي في أطياف الشعب الأمريكي وأصولهم المختلفة إلا أن قلوبهم تنبضُ عشقاً لتلك الرقعة الكبيرة من العالم التي جمعتهم على غير موعد. 


السياسة العامة الأمريكية, عموماً لا تختلف من ديمقراطي إلى جمهوري باستثناء التوجه الطفيف لأيٍ من الحزبين في سياسته في الشرق الأوسط مثلاً أو حتى مع الأقليات التي تقطن البلد. فالجمهوريون, ينتمون إلى اليمين المحافظ, بطبيعة الحال, المتخمون بالعنصرية والكراهية لحوار الأديان والثقافات. للأقليات العرقية في الولايات المتحدة النصيب الأكبر من حقد الجمهوريين خصوصاً الأقلية المسلمة. أعتقد فيما لو صعد المرشح الجمهوري (مت رومني), لكانت حدثت انتكاسة للربيع العربي, ولحدث تدهور غير عادي للقضية الفلسطينية خصوصاً إذا ما صعد اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة(ليبرمان) و(نتنياهو). بدا ذلك جلياً في خطاب المرشح (رومني) في زيارته لإسرائيل إبان حملته الانتخابية والذي هدد بعدم السماح بقيام دولتين. 


لست متشائماً, كما بدا البعض من عدم جدوى عودة الديمقراطيين للحكم, دعونا ننظر بعيون ملؤها التفاؤل وذلك لعدة أسباب, فالمسلمون الأمريكيون صوتوا بالأغلبية الكاسحة لصالح (أوباما) وهم أكثر دراية منا بتعامل الحزبين مع الأقليات التي دعمت الديمقراطيين. سبب آخر يشدني للاطمئنان لفوز الديمقراطيين موقفهم من الربيع العربي رغم عدم توقعهم له, إلا أن أوباما سرعان ما أدرك التغيرات الطارئة على الشارع العربي وتخلى عن التحالفات الهشة مع القيادات العتيقة والتفت لمطالب الشباب العربي الثائر. فتعامل مع ربيع تونس ومصر وتدخل في ليبيا ودعم ثورة اليمن لكن الخصوصية السورية المدججة بنياشين الشيوعية والطائفية المدمرة تطلبت شجاعة كبيرة لرئيس ذي الأصول الأفريقية خصوصا قبيل الانتخابات المزمعة وتربص الجمهوريين له, فقد اقتصر التدخل من خلال الضغط السياسي والحصار المالي والدعم اللوجستي للمعارضة السورية, أما وقد فاز الديمقراطيون بولاية ثانية, أظن أن طريقة أوباما في التعاطي مع الملف السوري ستتغير جذرياً وربما نشهد تدخلاً للنيتو على غرار التدخل العسكري في ليبيا خصوصاً إذا علمنا أن (النيتو) قد نشر في اليومين الماضيين بطاريات صواريخ(باتريوت) في الجنوب التركي. 


لن نبني أحلامنا على أيٍ كان, فنحن وحدنا من نستطيع تغيير واقعنا والارتقاء بأوطاننا. إذا كان أكثر من مائتي مليون ناخب أمريكي ذهبوا للاقتراع من دون أدنى شوشرة ودونما مخالفة تُذكر, فهذه هي المدنية, وهذا هو حب الأوطان, أما نحن للأسف الشديد فنتسابق للتناحر وشق الصف والتمترس خلف السلاليات والديانات والمذاهب برغم أن السواد الأعظم من السكان يُدينون بدين واحد, فكيف إذا اختلفت الأعراق والديانات؟! كل سنة وأنتم ديمقراطيون!!!

الثورة اليمنية.. محلك سر!

عندما ضاق الحال بالشباب اليمني ووصلت الأمور في البلد إلى درجة من التعقيد بعد صبرٍ دام عقوداً على أمل التحول نحو الانفراج والنهوض كباقي الأمم, إلا أن الأمور تراوحت مكانها بل وازداد الوضع تعقيداً في ظل انسداد الأفق السياسي الهش, الذي بنى عليه العسكر عروشهم الواهية. 


عند اندلاع شرارة الربيع العربي من تونس ومروراً بمصر, كانت الثورة في اليمن أكثر إلحاحاً, بل ضرورة حتمية كون الوضع قد أخذ منحى آخر من السوء وصعوبة العيش. 
أخذت الثورات العربية أشكال عدة وتفاوتت نتائجها طبقاً للظروف والطبيعة الخاصة ببلد دون الآخر, بحيث تفردت الثورة اليمنية بمبادرة دولية تبعها قرار من مجلس الأمن في محاولة لتجنيب البلد مغبة الانزلاق في حرب أهلية لا تبقي ولا تذر إذا أخذنا بعين الاعتبار الانقسام الحاصل في المؤسسات الدفاعية والأمنية . 


المراوحة والتسوية السياسة التي أفرزتها المبادرة الخليجية, أضفت نوعاً من الطمأنينة لدى الشارع اليمني كونها الحل الناجز الذي سيحقق الانتقال الآمن للسلطة وستضع حداً للانفلات الأمني الذي تشهده البلاد.. لكنها بالمقابل أخمدت جذوة الثورة المتقدة وأعطت حصانات لأشخاص فتحت شهيتهم للعبث بأمن الوطن وإقلاق السكينة. 


لعل الغموض الذي رافق الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية, جعل منها أرضية خصبة للتأويل والمكايدات السياسية كلاً يفسرها طبقاً لنزواته. كذلك الحصانة الممنوحة لأركان النظام السابق مقابل التخلي عن العمل السياسي لم تنفذ إلى الآن, كما لم يتم المصادقة على قانون العدالة الانتقالية مما يضع جدية ومصداقية رعاة المبادرة في مهب الريح! 


بينما تزداد الأوضاع الاقتصادية سوءاً, تشهد البلاد انفلاتاً أمنيا رهيباً وأزمات مفتعلة هنا وهناك تهدف إلى خلط الأوراق وإرجاع الأمور إلى المربع الأول, ناهيك عن التمزيق الممنهج للنسيج الاجتماعي والهوية الوطنية. 


عدم جدية الدول الراعية للتسوية السياسية فتح الباب على مصراعيه أمام بقاياالنظام السابق, الذين لم يستوعبوا بعد المتغيرات الحاصلة في البلاد, فتح الباب أمامهم لتفخيخ الوطن والتحريض على تمرد القيادات العسكرية التي لا تزال إلى الآن تحت إمرة بقايا النظام السابق, فضلاً على محاولات الاقتحام للوزارات السيادية لغرض الانقلاب على القيادة الجديدة. 


الازدياد الملفت للنظر للجماعات المتطرفة فتح الشهية أمام الطائرات بدون طيار لقتل المواطنين الأبرياء تحت يافطة مكافحة الإرهاب.. تلك الغارات الجوية المبنية أساساً على معلومات استخباراتية مغلوطة تتلقاها مباشرةً من أجهزة الأمن االتي لم تزل تعمل تحت إمرة النظام السابق. 


العجيب أن أيّاً من الحكومة ولا السفارة الأمريكية قدموا اعتذاراً على الأقل لأسر الضحايا والاهتمام بهم والتكفل برعاية الجرحى الآخرين. كعادته الشيخ (جيرالد فايرستاين) يتنطط على القنوات ويدلي بالتصريحات, لكنه هذه المرة لم يكلف نفسه ولو بتصريح لإذاعة صنعاء! كم أصبحت رخيصة دماؤنا!! 


تكاد السنة الأولى, من المبادرة الخليجية, تنقضي دونما تغيير حقيقي في هيكل الدولة’ بحيث لا تزال أغلب مؤسسات الأمن والجيش تخضع لسيطرة أقارب رأس النظام السابق مما يسهّل للجماعات المتطرفة التوغل في مناطق حساسة وحصد أرواح الأبرياء تحت غطاء الدين. 
لكي يستطيع المواطن لمس التغيير, لا بد أولا وقبل كل شيء إزالة عقبة هيكلة الجيش كما ورد في بنود المبادرة الخليجية, وذلك على أسس وطنية بعيداً عن المحاصصة الحزبية والولاءات الضيقة على حساب الوطن, كون ذلك سيحبط محاولات التمرد المستميتة للعودة للسلطة من بوابة الثورة.. كما سيفتح الطريق أمام التغيير الجذري في كافة مناحي الحياة .

كيف تنهض الشعوب؟!

النهضة

أن تثور الشعوب على حكامها الطغاة فهو بمثابة وضع القدم الأولى في مسيرة التغيير المنشود. أما وقد تهاوت الأصنام وتداعت دكتاتورياتهم إلى غير رجعة, فإن مهمة التغيير الحقيقي ملقاة على عاتق الشباب وخيرة رجال الأمة. 


قد كثُر اللغط على مسمى (التغيير) على مدى العقود الماضية وتشدق به القاصي والداني بما في ذلك الطغاة المتساقطين الذين زيفوا تاريخ ومجد الأمة تحت يافطة التغيير. الأمة اليوم بحاجة إلى نهضة تعليمية فكرية لكي تسير في التغيير المنشود لمواكبة الأمم وضمان العيش الرغيد كباقي الخلق. 


فبدلا أن نعيش طيلة العمر نلعن القدر ونندب حضنا العاثر ونلقي باللائمة على أشخاص وحكومات متعاقبة, ماذا لو بدأنا بالتغيير في ذواتنا ومحيطنا البسيط.. أليس بمقدور أحدنا تثقيف وتوعية العشرات في محيطه؟! وبمقدور هؤلاء الجدد على نحو تسلسلي تأهيل العشرات والمئات وهكذا! (كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبه), كقطرات الغيث ما تلبث أن تصير سيولاً جرارة تدمر كل شيءٍ تأتي عليه. 


قبل أيام وأثناء مروري مع أحد الأصدقاء في الشارع عندما همَ بإلقاء كيس بلاستيكي في الشارع.. نظرتُ إليه نظرة استنكار فبادر بالرد قائلاً: (ياخي مالشارع مليان قراطيس, إيش معنى حقي الكيس بيلوث؟!).. نظرة ضيقة وسوء تقدير للأمور للأسف السواد الأعظم منا لا نزال مقيدون بها! قلت له: ماذا لو بدأنا بذلك أنا وأنت ومن نعرف والزملاء , ألن يتعمم ذلك السلوك على الكثير من الناظرين والمارة؟ كم سنشعر حينها بالرضا ونحن نلقي بها في أماكنها المخصصة! 


لم تصل ألمانيا لهذه المرحلة من النماء والاقتصاد الضارب في ضل التداعي الاقتصادي الحاد الذي تشهده منطقة اليورو, لم تصل إلى هذه المكانة إلا بعد التخلي عن فكرة العنف والثقافة الانتقامية للحربين العالميتين الأولى والثانية.. طوت صفحة الماضي المدمر واتجهت صوب المستقبل في رحلة تعليمية فكرية نهضوية وضعتها في قائمة الست دول العظمى. 
ولم تنهض أوروبا بهذا القدر إلا بعد الخروج من تحت عباءة الصراع الطائفي المسيحي ونبذها السلاح والعنف الذي راح ضحيته مئات الآلاف من الأرواح, بعدها فقط ترك الأوروبيون السلاح طواعيةً واتجهوا صوب نهضة معلوماتية دوخت العالم. 


في النهضة المدهشة التي حققتها الدولة التركية(بموارد محدودة) وفي ظرف زمن قياسي, لم يكن وحده (أردوغان) وحزبه من صنع تلك النهضة, لا ولا الإرشاد والدعم اللامتناهي للهامة الشامخة(نجم الدين أربكان); كما لم يكن الوفاء المنقطع النظير لرفيق دربه (عبد الله غول).. بل كانت بنهضة فكرية علمية شاملة أربكت تسلط العسكر متجهةً بخطىً راسخةً لوضع لبنات الدولة المدنية المثيرة للدهشة. 


ما أريد قوله, هو أن نجعل من كل فردٍ منا مشروع نهضة!, بفكر جديد مجرد من الانتقامية ومن قيود الماضي المثقل بالجراح والتي لا تجدي سوى لذلك الزمن. نريد دماء جديدة بأفكار جديدة تنهض بأمة المليار, خيرُ أمةٍ أخرجت للناس, بدلا من التغني بتاريخنا التليد وأمجاد الأجداد.. لنكن نحن وحسب, فمن نام على ماضيه نام ماضيه عليه, لا تبك على الماضي .. فيكفي أنه مضى ..فمن العبث أن نمسك نشارة الخشب وننشر,أنظر للغد .. استعد .. شمّر عن سواعد الخير,كن عزيزاً .. وبنفسك افخر !فكما ترى نفسك سيراك الآخرون .. فإياك أن تحقر نفسك يوماً فأنت تكبر حينما تريد أن تكبر ..وأنت فقط من يقرر أن يصغر !

الحراك العربي.. إلى أين؟!

ربيع

لأن الربيع روح الأرض وشبابها وأيقونتها الدافئة, كان على الحراك العربي (السلمي) أن يكون ربيعياُ خالصاً.. ما حدث في بعض البلدان العربية لم يكن سلبياً أبداً, ما حدث كان محاولة للنهوض من قيعان الظلام والفقر والتخلف الذي كان سبباً رئيسيا فيه تلك الأنظمة الجمهورية التسلطية. 
أياً كان اسم هذا الحراك (ثورةشعبية , أزمةسياسة … إلخ),ينبغي الاعتراف بالنقلة النوعية في الفكر العربي والجرعة المفرطة من الحرية ,إلى حدِ ما ربما لم تألفها الشعوب العربية, التي أحدثتها تلك الأحداث الربيعية الساخنة. 


لم تؤتٍ تلك الحراكات السلمية أُكُلها, أو كما اريد لها, فقد تفاوتت النتائج بين البلدان التي شهدت ربيعاً وذلك لعوامل عدة لعل من أهمها التدخل الخارجي والفتنة الطائفية الدخيلة على تلك البلدان. تلك الحراكات العفوية التي سطرها الشباب لم تدم طويلا على مسارها, فقد كان على التدخل الخارجي الممنهج والرامي إلى حرف مسار ذلك الحراك بما يتوافق ومصالح تلك الدول العظمى وكذلك الحد من تنامي الفكر العربي والعقلية المتحولة التي شهدت مخاضاً عسيراً.. ما يحدث في الحبيبة سوريا من صراع إقليمي دولي لهو أكبر برهان على تجييش صحوة الشعوب لمصالح الدول العظمى الضيقة رغم ادعائها رعاية حقوق الإنسان ونصرة الشعوب المقهورة!! , مع الاعتراف بطبيعة الحال بقصور فكري واضح وضعف في القيادة لدى الشباب وتشرذم بين أيديولوجيات الحراك المتباينة نسبياً. 


أحد العوامل الخارجية التي رمت لتمزيق النسيج الاجتماعي, هي الطائفية اللعينة التي هي ربما أشد فتكاً من بطش الحكام.. الحراك السوري أنموذجاً.. كذلك الطائفية التي أذكتها بعض الدول لوضع قدم في سوريا وتفكيك أواصر الشعب وتشكيل المرحلة التحولية القادمة وفقاً لرغباتها الشيطانية.. مع الأخذ بعين الاعتبار التركة الثقيلة والتراكمات التي خلفتها تلك الأنظمة السابقة إذا علمنا بأن حكمها كان مركزياً تسلطياً, ممسكاً كافة مفاصل الدولة وقبضة أمنية استخباراتية لا يستهان بها.. كل هذه العوامل الداخلية والخارجية وقفت عثرة أمام تحقيق تلك الطموحات التي رمى لتحقيقها أولئك الشباب المفعمون بالحيوية, المقهورة بالكبت وتكميم الأفواه طوال العقود الماضية. 


ما نحن اليوم بحاجة ماسة إليه, هو إنقاذ وتصحيح مسار قطار التغيير المندفع على وتيرة متسارعة لم يكن ليحلم بتحقيقه المواطن العربي على مدى ثلاثة عقود, ما نحن بحاجة إليه هو تقوية النسيج الاجتماعي الممزق وبث روح التآخي والقيم الوطنية السمحة بين أفراد الشعب الواحد ودحر مسببات (الطائفية) التمزق الحاصل ووضع لبنات الدولة القويمة الذاتية السيادة القائمة على الاقتصاد المتين وحب الوطن. 


, أنا متفائل جداً لما هو حاصل في عالمنا العربي الحبيب, بالطبع مع بعض التحفظات والتي كانت نتاجاً للعوامل الداخلية والخارجية الآنفة الذكر التي حرفت إلى حدِ ما المسار الفكري الذي انتهجه أولئك الشباب, لا بد من العمل على ترشيد وتصحيح مسار الثورة الفكرية القائمة وتبني أفكار من شأنها الرقي بالأمة بمشاركة مفكريها ومرجعياتها الفكرية وعلمائها الذين هم للأسف وقود الحضارات الغربية.. لنتحد ونبني أوطاننا..