أرشيفات التصنيف: 2013

عن تعز.. التي لن تكف عن الأنين!!

منذ أول يوم تولى فيه مقاليد الأمور في المحافظة، حرص شوقي هائل على التعامل بمسافة واحدة بين التيارات الثورية المتعددة، والتيار المناوئ؛ أعضاء الحزب الذي ينتمي إليه، ربما أراد خلق نوع من المراوحة بين التيارين، عن طريق طي صفحة الماضي، وفتح صفحة جديدة هدفها البناء والتنمية تحت مظلة الوطن للجميع. لكن بقاء أشخاص بعينهم يمسكون زمام الأمور في المحافظة أغضب التيار الثوري، كونه الظاهرة التي أحدثت هذا التحول الجذري في الخارطة السياسية اليمنية. فهم يؤمنون أن تلك الأيادي هي نفسها التي أوصلت البلد إلى تلك الحالة المزرية قبل الثورة، وهي ذاتها التي وقفت بكل قوتها للحئول دون هذا التحول الذي أحدثته الثورة. فأيادي مرتعشة ومجربة كهذه لا تقوى على البناء المنشود، وهي نفسها التي ستحرج المحافظ الشاب من تحقيق أي تقدم يذكر، فرجل الأعمال الناجح يملك بلا شك الكثير من القدرات الإدارية التي ستمكنه بسهولة من تحقيق نجاحات قياسية.

عموما، الوضع غاية في الصعوبة، والأمر بحاجة إلى قبضة أمنية بالإضافة إلى تلك القدرات الإدارية. على أية حال، كان للجرعة المفرطة من الحرية التي استقاها الشعب اليمني، والتعزي تحديداً، تأثير مباشر على الأمن الاجتماعي.

فالحرية المفرطة تعد الوجه الآخر للفوضى. كل هذا لا يهم بطبيعة الحال، فبالإمكان القيام بحملات أمنية مشابهة لتلك التي كانت تمشط المدينة قبل عام. تلك القبضة الحديدية التي ضربت الحديد وهو مازال ساخناً. فبمجرد أن خفتت تلك الحملات، عاد انتشار السلاح في المدينة على نحو مروع، وارتفعت نسبة الجريمة، وتعالت أصوات الفوضى. وفي نهاية المطاف، دخلت حرب الشائعات بقوة على الخط. ليس الإعلاميون وحدهم، إنما الشعب ككل كون هذه الشائعات هي الغذاء المناسب لشعب يتألم حد الموت، ولا يعرف مصدر الألم. شحن شعبي وشائعات لا تتوقف، تفتح الطريق أمام المزيد من التمزق للنسيج الاجتماعي المتأجج أصلاً. فالبعض يصور المشكلة في خلاف بين حزب الإصلاح والمحافظ، والبعض الآخر يذهب إلى عدم البت في التغيير، وبين هؤلاء مدينة تئن تحت وطأة المحاصصة والعبث. 


قبل أيام نُظمت مسيرة تحت راية دعم المحافظ والسلطة المحلية من المركزية التي تمارسها العاصمة على تعز حد قولهم. تلك المسيرة التي نظمها متنفذون في المحافظة، كانت المسيرة متخمة بالجهوية, تفوح منها رائحة الفوضى. الطريقة ذاتها في التنظيم، والمسلحون ذاتهم الذين تعج بهم سيارات الجيب في شوارع تعز هذا التذرع العقيم بمساندة المحافظ أو بيت هائل وهمي من شأنه حشر المحافظ في صراعات عبثية من جهة، وصرف الأضواء عن هكذا شخصيات لا تزال تعبث بطرق ممنهجة حتى الساعة. . الثورة قامت لتضع حداً للعبث، لإجراء تغيير شامل يجرف تلك الوجوه المهترئة التي لو كان فيها خيراً لجادت به في السابق. تعز ليست حلبة لصراع الديكة، كما ليست بحاجة للماوري مثلا ليتحدث باسمها ويضع تصريحات تفوح منها رائحة الفتنة المغرضة. فالحملات التحريضية الموجهة التي تستهدف المدينة الصناعية على أشدها، ومن يقومون بدور الدفاع كذلك، هم يمارسون هواياتهم المفضلة في تبادل للأدوار. 


الأمر الأكثر غرابة، والمثير للاستغراب، حضور التيار المدني بقوة في المسيرة، نكاية بحزب ما يقولون إنه يخضع تعز للتحكم العسكري والقبلي. على أية حال، سيلعن التاريخ كل من تسول له نفسه العبث بتعز، أياً كان والتاريخ لا يرحم أبداً, وذاكرته تعجّ بشخصيات مماثلة. هل يعلم الأطراف المتحاربة أن هذه المراهقة السياسية والعبث المنظم يدمر تعز. وهم الذين يدعون حبها، كلٌ يحب على طريقته. آن لتعز أن ترتاح، فقد عانت الكثير ولم تزل، أخرجوها من معادلاتكم الوليدة المشبعة بالفوضى واللؤم. ما تحتاجه تعز فعلا هو صمتكم ونبذكم للماضي الذي لم يجلب لنا سوى الوجع والدمار.

الحرب العالمية الثالثة..!

529599770

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في بداية القرن العشرين، لم تتوقف أصداء طبول الحرب التي ظلت في حالة قرع متواصل. سباقٌ محمومٌ للتسلح، انتهى بصناعة كارثة بحجم القنبلة النووية مطلع أربعينيات القرن الماضي.

عشرون عاماً، لم تكن فترة قصيرة لردم الشروخ التي أصابت العلاقات الدولية في مقتل بعد الحرب العالمية الأولى، فوجد العالم نفسه بين فريقين، إما إلى هؤلاء أو إلى هؤلاء، ولا مجال للمواربة. فبالرغم من الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الأولى، إلا أن أقطاب الصراع التقليدي سرعان ما لقطوا الأنفاس، وتأهبوا لخوض حربٍ أخرى أملا في إمكانية تغير خارطة النفوذ التقليدية، أي إنها كانت حرب إرادات أولاً وأخيراً. رغم تلك الفترة، إلا أنها لم تمنع من إعادة الكرة، وخوض حرب ثانية لا تزال آثارها شاهدةً على تاريخ أسود مليء بالعبث. 


ثمة إرهاصات تتشكل على نحوٍ محموم، وشواهد ودلائل دامغة، ثمة نارٌ وحممٌ توشك أن تتفجر، أعمدة الدخان تتصاعد، وإن كانت بشكل خفيف، رائحة الموت تفوح هنا وهناك. رائحة البارود تزكم الأنوف، وأدوات الموت على أهبة الاستعداد. هذه المرة، ربما لن تكون بين دولتين، أو حتى لن تكون حرباً تحت يافطة محاربة الإرهاب، على غرار الحروب التي شهدها العالم في العقد الماضي. 


الوجوه ذاتُها التي خاضت غمار الحربين العالميتين، باتت تدق أجراس حربٍ ثالثة، وإن كانت بقليل من التعديل في قائمة التحالفات. لم تنته الحرب الثانية إلى الآن، لم تكن الحرب الباردة التي أطاحت بالاتحاد السوفيتي بداية التسعينيات، وفضت الشراكة بين قطبي العالم المسيطريْن، لم تكن هذه النهاية. ثمة نارٌ تتشكل ولكن من تحت الرماد، من المحتمل أن تطفو على السطح في أية لحظة. 


كان من المفترض أن تدور رحى هذه الحرب في سوريا، من العيار الثقيل. بدا ذلك جلياً عندما هدّد المجتمع الدولي باستصدار قرار من مجلس الأمن يسمح للنيتو بالتدخل العسكري في سوريا، الأمر الذي قوبل بحالة استنفار روسية قبالة السواحل السورية وقواعدها في طرطوس. قامر بالبلد, وبمصائر العباد من يسمي نفسه حاكماً، وحلفاؤه المتخوفون من أفول آخر موطئ قدم لهم في المنطقة. لكن المجتمع الدولي تراجع، وترك الأمور كما هي عليه، حتى إشعارٍ آخر. 


الحربُ الباردة تواصلت بين الفريقين لكن هذه المرة في أقصى الشرق، عبر حلفائهم الاستراتيجيين. فبدلاً من حرب النجوم التي تحدث عنها الرئيس الأمريكي الأسبق “ رونالد ريجان”، ربما يشهد العالم حرباً نووية بكل المقاييس. فالرئيس الكوري الشمالي الشاب “كيم جون” لا يملك شيئاً ليخسره، فيهدد باستخدام أسلحته النووية. نوع من الاستفزاز يمارسه الرئيس الشاب، لاستدعاء المجتمع الدولي للتدخل لفض النزاع وبالتالي التخفيف من العقوبات الأخيرة على بيونج يانج التي يعتبرها موتاً بطيئاً لشعبه. 


هذه المقامرة المجنونة قد تقود بيونج يانج لدمار تام، ولن ينجو منها العالم ككل، وتكمن الطامة الكبرى في احتمال تدخل حلفاء الأولى بطريقة أو بأخرى، لسبب بسيط هو الإبقاء على هيبتها العالمية. وبين تجار الحروب المدججين بنياشين الخبث والدمار، تقع شعوبٌ في موتٍ سريري بسبب هذا العبث، توشك أن تقضي بالضربة النووية القاضية!!

*الصورة من داماس جيت

ثقافة الفوضى!!

قبل أيام، احتفل البريطانيون بالعيد الخمسين بعد المائة في ذكرى تأسيس أول مترو أنفاق في العالم، أي سكك حديدية تحت الأرض، لتخفيف زحمة السير فوق الأرض، حيث القطارات مكتظة، وزحمة السير لم تعد تلبي طموحات الركاب بتلك السرعة. عشرات السنين بل مئات، منذ وصول هذه الخدمات في حين يكون التفكير في خدمات مماثلة في بلداننا ضرب من الخيال. رقم كبير جداً يمثله الفارق، ومازال العداد يعد. 


عندما استطاع الروس الوصول لأول مرة إلى سطح القمر في بداية ستينيات القرن الماضي، جن جنون الأمريكان على هذا السبق النوعي. لم يكتفي الأمريكان بالرضوخ والاستسلام, بل قاموا بتقييم المعطيات على أرض الواقع, لمعرفة مكامن الخلل، وجوانب القصور. لم يكن النظام التعليمي بمنأى عن تلك الاتهامات، فتم هيكلة المناهج التعليمية على أسس حديثة تواكب الانفجار المعلوماتي. لم تمض سوى سنوات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، إلا وقد حققت الولايات المتحدة رحلتها الأولى إلى الفضاء، بل وتجاوزت قدراتها الفضائية التجربة الروسية بمراحل. 


ما أريد إيصاله بإيراد هذه الأمثلة الواقعية، هو القدرة على المواكبة والإصرار وراء الأحلام، ليس فقط من الجانب الرسمي، بل من قبل المجتمع المتعلم، التواق للتميز والإبداع. فالدولة توجد المشاريع، والمجتمع يحافظ عليها ويستفيد منها الاستفادة القصوى. لا أحد يكره التطور في الخدمات والتمدن ولا أحد يقف ضد المصلحة العامة. ماذا لو كانت هذه السكك الحديدية ومترو الأنفاق في اليمن مثلا؟! بحسب النظر لما يحدث لأبراج الكهرباء، لا يوجد مؤشر على أن هذه السكك ستعمل ليوم واحد، فسكك الحديد منتشرة في كل مكان، وأعمال الشر والتخريب أبداً لا تفقد الحيلة. 
كيف للاستثمار أن يدخل البلاد لإثراء الاقتصاد الوطني، وتشغيل أكبر قدر من الأيدي العاملة، والتخفيف من البطالة التي تفاقم معاناة الشعب، كيف لمستثمرين أن يدخلوا لتشغيل أموالهم في ظل هذا العبث والتخريب الممنهج؟! دائما أتساءل، كيف لشعبٍ، يطفئ الضوء بيديه ليبقى في الظلام، ويدمر المشاريع والبنية التحتية ليعيش حياة بدائية، كيف لهذا الشعب أن ينشد المستقبل، وأن يطمح لمواكبة الأمم! 


لا تزال فكرة التحضر والنضوج الفكري البناء تبعد عنا مئات السنين، تماما كسكك الحديد، وكغزوات الفضاء. ليت كل مواطن يحمل بداخله أوجاع الوطن، ليت كلاً منا يعشق الوطن كما يفعل الأمريكيون، المتهافتون من كل أصقاع الأرض، ليتنا نفخر بانتمائنا الوطني كما يفعل الألمان. نحن فعلا بحاجة لجرعات مفرطة من حب الوطن، كي لا ندمره بأيدينا وأيديهم، ونعض أصابع الندم!! 


تتوارى الأحلامُ 
خلف ستار الليل، 
تنتظرُ الفجر. 
وهناك الأمنياتُ حبيسة، 
قيد التحققْ، تحتسي الصبر، 
وتستلهمُ الضوء. 
متى تشرق شمسك يا وطني؟!

عن قوائم الحوار..!

بعد تقديم القوائم النهائية الممثلة لمؤتمر الحوار الوطني، الكثير من التحفظ أبداه البعض، خصوصا شباب الثورة. فقوائم الأحزاب كانت تقليدية جداً، وسط تهميش لفئتي الشباب والمرأة. تمثلت الطامة الكبرى في قائمة المستقلين، فهي لا تكاد تخرج عن إطار الأحزاب القائمة، غير أنها تكاد تخلو من شباب الساحات الذين أوقدوا جذوة الثورة، وخلقوا واقعاً جديداً، وعطلوا المعادلة السابقة التي دأبت على تصدر هرم الدولة. 


في حين سلمت كل القوائم لرئيس الجمهورية الذي بدوره وافق عليها، كان الترقب قائما على القائمة الخاصة بالرئيس هادي، والتي يعول عليها الجميع في ترجيح الكفة، وخلق نوع من التوازن في القوائم المختلة. وأخيرا وصلت قائمة الرئيس، الكثير من التحفظ أبداه الجميع، أحزابا وشباب الثورة. اختار الرئيس هادي قائمته بعناية فائقة، بحيث شملت شخصيات معروفة، وذات ثقل اجتماعي أغلبها تنتمي إلى النظام السابق. البعض ذهب إلى التيقن بما يردد في الشارع، أن الرئيس هادي امتداد طبيعي للنظام السابق، ينفذ أجندات خاصة. 


من وجهة نظري، بدا الرئيس هادي غاية في المسئولية. الأمر الذي بإمكان أي مراقب للوضع عن كثب، استشفافه، من دون هالة انتمائه لفصيل، هو أن الرئيس هادي يثق كثيرا بالثوار، وعلى يقين بأن من حرك الجمود في البلاد بعد يئس وبؤس معا، هم يبحثون عن وطن ومن أجل ذلك ضحوا وما زالوا بكل نفيس. كان على الرئيس هادي أن يضع على رأس قائمته، أولئك ذوي النفوذ القبلي والعسكري الذين لم تشملهم قوائم أحزابهم. فهو يؤمن أن جمع أكثر قدر من بؤر وأسباب التوتر في طاولة الحوار، ليتحملوا مسؤولياتهم أمام الشعب والمجتمع الدولي الحاضر بقوة غير معهودة, فهو يؤمن أنها ذات أهمية بالغة على عكس ما يظنه البعض. 


فالحوار يعد فرصة جميلة لرأب الصدوع، وردم الهواة والشروخ التي أثقلت كاهل الوطن. فهذا الدعم الدولي المتناهي، والإصرار على خلق واقع جديد جميل، يستحقه اليمنيون بجدارة، كل هذا يضع المجتمعون تحت مظلة الحوار يخلعون رداءات الحزبية والمناطقية وأي انتماءات، ويلبسون رداء الوطن والعمل بإنسانية للخروج بحلول سحرية بحجم الوطن. 


أما الحوار في إطار مكونات الثورة، بمنأى عن فصائل أخرى مازالت تقف كحجر عثرة أمام أي تقدم، الحوار على هذا النحو لن يخرج البلاد إلى حل، حقيقة مؤلمة لابد من تجاوزها، لمصلحة الوطن وحسب. فالضحايا التي قدمها الشباب، هي من خلقت هذا الوقع. لكل ثورة تضحيات، وهؤلاء قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الوطن وفي سبيل الحرية والكرامة، رحمة ربي تغشى أرواحهم الطاهرة. 


من المفترض أن يحدد الحوار شكل الدولة، وأن يحفظ الوطن من التشرذم، وأن يؤسس لدولة مواطنة عادلة ينشدها جل أفراد الشعب. آلام شباب الثورة كثيرة، ومتعددة، ومطالبهم تتوارى خلف الفوضى التي يصطنعها بعض الأطراف. ذكر ذلك الرئيس هادي في الجلسة الافتتاحية للحوار. لكن دخول أطراف في الحوار الوطني أغضب أسر الشهداء وشباب الثورة ، نقول لهم دخولهم ضرورة للخروج بنتائج ورؤى تكفل معالجة الاختلالات والتأسيس لدستور ونظام دولة، تكفل العيش الكريم لكل فرد في المجتمع، والحئول دون عودة أي عائلة أو قبيلة أو أي جهة ما للاستفراد بالقرار.

تصبحون على وطن..!

الاعلام

التسلح بمعاول الهدم الفتاكة بات السمة الأبرز في المرحلة؛ كلٌ ينهش من ناحيته، وإعلامٌ يبخُ الزيت في النار، من هنا وهناك، وبينهم وطن، يحترق! فتنٌ كقطع الليل المظلم، يحتضنها إعلام زائف من المفترض أن يكون حمامة سلام وحضناً دافئاً يلملم جراحات الوطن، يُجذر روابط الإخاء والتسامح، يرسمُ البسمةَ في شفاه وطنٍ ينزفُ حد الموت.. ومازال ينزف!. 


في بلد يتسم أهلُه بالجهل، وتكنولوجيا هوجاء، لا شيء ينتشر أكثر من الكراهية؛ تطفو كبقع الزيت على الماء، تتشبث بثياب المارة، تتطاير في الهواء لتصل إلى كل بيت. 
 بكل ثقله وتوجهاته المتباينة جداً يذهب الإعلام لتفكيك النسيج الاجتماعي، بلا هوادة، يغذي الطائفية ويحرضُ على العنف، يكرس الجهوية ويتلذذُ بإذكاء الطائفية. 


لابد من وضع حد لهذا العبث، أموال طائلة تنفق على الإعلام الورقي والمرئي والمسموع للدفع بالشعب إلى الاقتتال، بدلاً من أن تساعد في ترميم ما أفسدته السياسة، أخبار تضليلية موجهة من هنا وهناك، متساوية في الشدة، متضادة في الاتجاه، ولا مجال للمواربة!. 


 تسويقٌ للفوضى على صفحات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، فبدلاً من أن تكون تلك المواقع إحدى ركائز إنجاح الربيع العربي، ها هي تفتت عضُد الشعوب وتكسرُ أوصالها. 
إذا كان الأطباء يوصفون بملائكة الرحمة، فالإعلاميون هم رسلُ السلام، لابد من قسم شرف مهني ووطني يؤديه كل من ينتسب للإعلام، تماماً كما يفعل الأطباء. 
 إذا كان الإخلال بشرف مهنة الطب يودي بحياة أشخاص، فالإخلال بالرسالة الإعلامية يودي بوطن بأسره. 


 لم نعد نحتمل ذلك التأجيج، لا أدري لماذا هذا اللؤم؟ لماذا يُستهدفُ الوطن لأجل المصالح الضيقة؟! كفاكم عبثاً بأرواحنا، وكفاكم جلداً في هذا الوطن، دعونا نعيش بسلام، بوئام، بإخاء، ذلك يكفي! دعوا قبحكم جانباً ولو لمرةٍ واحدة، لأجل الوطن، كفاكم إشعالاً للحرائق، فقد وصلت إلى كل شبر في هذا الوطن، ولم يعد هناك شيءٌ ليحترق، فبدلاً من الحرب المتطايرة في الهواء، لاتزال تلبدُ سماء الوطن، اكتوينا بنارها كثيراً، كونوا شجعاناً والتقوا على الواقع، تحاوروا، اطرحوا ما تشاءون، اطلبوا ما يحلو لكم، لكن على طريقة جميلة تليق بالوطن! الربيع قادم, قريباً، فاغرسوا شتلات الأمل، وازرعوا بذور الإخاء والتسامح، اجعلوا الوطن نُصب أعينكم، فقط كي نحصد العنب!. 


 فكم أخافُ أن يعود الربيع ويمر كما جاء، ويستحيلُ خريفاً, وتستمرُ الأوراقُ بالتساقط، وتموتُ الأمنيات قهراً، وتتسيدُ رياح الفوضى، وتكسو الغبرةُ الوجوه، ونبكي دماً.. عندها فقط سنصبحُ بلا وطن!

 

*الكاريكاتير للعزيز رشاد السامعي

في عصر الاتحادات و التكتلات.. لا التجزئة

Business people standing with hands together

قامت تجربة الاتحاد الأوروبي كحاجة ملحة للإبقاء على القارة العجوز كقوة دولية لطالما حكمت العالم، بعد التفكك للقوى التقليدية إبان الحربين العالميتين، وبروز قوى جديدة على الساحة العالمية، كان على دول أوروبية عريقة كبريطانيا، فرنسا وألمانيا بناء اتحاد فيدرالي مع دول أخرى لضمان البقاء كقوة عظمى يضرب لها ألف حساب.. مؤخراً، تُجري الأمانة العامة لمجلس دول التعاون الخليجي مباحثات لتطوير المجلس وكذلك استقطاب دول عربية أخرى ذات أنظمة مشابهة, للانضمام إليها، رغم البعد الجغرافي. 


بالنسبة للقضية الجنوبية في اليمن، تتعالى دعوات الانفصال بشكل عير مسبوق هذه الأيام.. قبل الوحدة، كان ما يفصل الجنوب عن الشمال هو (برميل)كرش، لكن روح الشعبين كانت أكثر تناغماً، كان الخلاف بين الساسة لأسباب سلطوية بحتة، وبفضل النظام السابق أُزيل البرميل، ووضِع بدلاً منه جبلاً من الجليد على نحو مناطقي مقرف. 


بعد حرب 1994 الظالمة، خرج صالح بعقلية المنتصر، فتعامل مع المحافظات الجنوبية كغنيمة حرب، ومع المحافظات الشمالية بالاستبداد والتسلط. فنُهبت أراضي المحافظات الجنوبية وسُرح أبنائها من وظائفهم، بدأ الأخوة في المناطق الجنوبية، الذين كانوا جزءاً من الوحدة في بدايتها، وكانوا طرفا في الحرب ضد الانفصاليين، بدأ هؤلاء بالشعور بتقاسم الغنائم من قبل شلة معينة استباحت الجنوب، استمر موال الصمت حتى بدأ بعض الأحرار بتشكيل ما سمي بالحراك السلمي الذي وجه بقمع وحشي من قبل النظام السابق، إلا أنه ظل صامداً. 


ومع اندلاع الربيع العربي، كان لليمن الأولوية في الثورة، انتصاراً للمحافظات الجنوبية والشمالية على حد سواء، فكان أول شهيد لثورة فبراير من عدن. كان من أولويات ثورة الشباب الانتصار للجنوب بالدرجة الأولى، بإسقاط النظام الذي أذاقهم صنوف البؤس والتنكيل، فمع بداية تهاوي النظام السابق بمؤسساته، العسكرية والمدنية، ضعفت الدولة وبدأت تتعالى نغمات الانفصال في المناطق الجنوبية، بتغذية قيادات لفظها التاريخ، باعت الجنوب يوما ما وارتضت بحفنة من الدولارات والسياحة في المنتجعات والفنادق الفارهة، الغريب في الأمر، التذمر الذي يبديه بعض الأخوة في المحافظات الجنوبية من ثورة فبراير، والتهجم على أي فعالية تمت إليها بصلة، وإقامة تحالفات مشبوهة تزودها بأسباب الدمار. 


الأمر المشترك الذي لا خلاف عليه بين الجميع، هو أن السبب الرئيسي في الإجحاف الذي تعرض له الجنوب، هو الرئيس السابق وزمرته.. ألم تحقق ثورة الشباب هذا الهدف المشترك؟! وإن لم تكن الأهداف على النحو المرجو!. في حين تسعى القيادة الجديدة التي أفرزتها ثورة فبراير، لرد المظالم، وإرجاع المسرحين من وظائفهم وتعويضهم، كمدخل للبدء بالحوار الوطني الذي من المفترض أن يحدد ملامح النظام القادم بدعم دولي متناه، الكل معترف بمظالم الجنوب، لا خلاف في هذه المسألة، لكن لماذا يطرح خيار الانفصال من البعض بهذه الحدة وبهذا التوقيت تحديدا؟ أليس حري بهم انتظار ما ستفرزه ثورة فبراير؟! ألا يجدر بالحراك الذي بدأ بالتسلح والجنون احترام هذه الثورة بينما كانوا غير بعيد لا يجرأون للخروج إلى الشارع؟! أم أننا أصبحنا شعباً “يفرح بالصميل»!! 


ينبغي على الأخوة في المحافظات الجنوبية أن يدركوا أن معظم أسباب التوتر والظلم قد زالت، وأن حل قضيتهم ضرورة حتمية، لابد أن ندرك أن الوحدة عز وقوة، وأن التفكك بداية الانهيار، خصوصا إذا اعترفنا أن مطالب الانفصال تدار بالريموت كنترول، بمعنى آخر، من يدفعون بالبسطاء للانفصال لا يقصدون وجه الله في ذلك، إنما لمآرب أخرى، خصوصا مع بروز شعارات “عدن للعدنيين” وأشياء من هذا القبيل. اللافت للنظر وفي ذكرى التصالح والتسامح، خروج بيانات متباينة للفصائل المتصالحة، في حين لابد من الخروج ببيان واحد كحل جذري للمشكلات العالقة، لكن هذا لم يحصل! خلاصة القول إن التحالفات المطالبة بالانفصال هي آنية وبلا نظرة مشتركة لما بعد الانفصال، الأمر الذي ينذر بعودة الإمارات وصراعات الماضي، ولنا في جنوب السودان عظات وعبر، لكن تبقى الفيدرالية لكل المحافظات الشكل الأنجع لنظام الحكم القادم، لحل جميع القضايا بما في ذلك القضية الجنوبية، وضمان العدالة لكل إقليم، بعيدا عن الركض خلف سراب لن يأتي من بعده سوى الدمار، الانضمام لطاولة الحوار كفيل بطرح تلك البدائل والاتفاق عليها.. لابد من إعلاء صوت التسامح وإعادة تلك الروح الأخوية التي لطالما عرف بها اليمانيون، بغض النظر عن الجغرافيا.. هنا فقط لن نحتاج إلى وحدة قسرية، فالقلوب تتوحد قبل الأرض. 

إيران بعد ثورة الخميني..

إيران بعد ثورة الخميني.. 

ما الذي تحقق؟! 

Imam_Khomeini_in_Mehrabad
بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود، تبقى الثورة الإيرانية، الخمينية, كما كانت تسمى، تبقى الحدث الأبرز في الدولة الفارسية. تعد ثورة الخميني فريدة من نوعها، فقد قامت على مرحلتين قصيرتين. الأولى تحالفت فيه القوى اليسارية والليبرالية مع الجماعات الدينية، لتعود بنسختها الثانية على نحو تطهيري للزعماء المعارضين للسلطة الدينية، حيث أطلق عليها الثورة الخمينية، التي برز فيها رجل الدين الخميني كأشهر الشخصيات المعارضة لنظام الشاه الذي بدا مغرورا بقوة جيشه، وتحالفاته مع الغرب. 


بسبب ارتهان الشاه إلى الغرب بصورة اتكالية، أصيب بالحمق، متناسيا أن الشعوب لا تقهر. 
أقام الشاه علاقات استثنائية مع إسرائيل والولايات المتحدة تحديدا، وبشكل مفرط سلب هيبة الدولة، غافلا عن الإصلاح الاقتصادي الآخذ بالتضخم. تكبر الشاه، وارتكانه على العلاقات الخارجية، أصابه بسوء تقدير لمدى قوة المعارضة، فاستخدم قوته البوليسية في إدارة البلاد، والاعتماد الكلي على الاستقطاب للقوى الداخلية، الأمر الذي أفشى الفساد والمحسوبية في كل مفاصل الدولة، وهنا كانت قاصمة الظهر! 


بعد سقوط الشاه، سعت معظم القوى التي شاركت في إسقاط نظامه، للظفر بالسلطة ولدى كل منها توجهات متباينة لأهداف الثورة، غير أنها كانت تلتقي في العدالة الاجتماعية والديمقراطية، لكن أي من ذلك لم يحصل. 


تسعى إيران إلى تصدير الثورات إلى المناطق المجاورة عبر العمل الاستخباراتي الدءوب عبر سفرائها الذين لا يمتون إلى الدبلوماسية بصلة. في بادئ الأمر، عمدت الحكومات المتعاقبة لتحفيز الاقتصاد المتهاوي، لتجنيب البلد المخاطر التي أوصلها إليها سياسة اللامبالاة التي عمد إليها الشاه، لكن إيران تواجه اليوم نفس المشكلة، الاقتصاد. رغم الغموض الذي يكتنف المتابعين للشأن الإيراني، حول الإمكانيات المالية المهولة التي تسخرها السلطات الإيرانية لتغذية الجماعات المسلحة في عدة جبهات. 


قبل أيام، تم القبض على سفينة شحن إيرانية محملة بمتفجرات وصواريخ مضادة للطائرات في المياه الإقليمية بحوزة بحارة، لغرض إفراغ هذه الأسلحة في قوارب صغيرة ومن ثم نقلها كدفعات إلى أيدي جماعات مسلحة تدربها إيران. أصبح لإيران وجود عسكري في المنطقة وقواعد سرية يتم فيها تدريب مليشيات من قبل الحرس الثوري, وتتخذ من هذه الأماكن مخازن لأسلحتها, هذه المرة ومرات أخرى ضئيلة تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط شحنات مشابهة، يعلم الله كم من هذه الأسلحة اخترقت الأجهزة الأمنية، تستهدف الوطن. اللعنة على العمالة! بعد إعلان ضبط الشحنة من قبل اللجنة الأمنية، فاجأنا “نزيه العماد” بتحليل شخصي على طريقة المتحري(كونان دويل), يُكذب اللجنة الأمنية ويبرئ إيران.. وعلى ذلك قس! 


بعد عقود من الثورة الخمينية، التي قامت لتحقيق العدالة الاجتماعية، والديمقراطية، لم تحقق إيران سوى الشر والعنف، وممارسة القبح بأبشع ألوانه، سنة الأحواز أنموذجاً. تختلف إيران الخميني عن إيران الشاه بالغموض الذي يكتنف علاقة الأولى بالغرب, بينما كانت علاقة الثاني كضوء الشمس في رابعة النهار. بقي على إيران تفتيت النسيج العربي بدعم الجماعات الإرهابية، وإذكاء الطائفية وقد فعلت في العراق، لبنان وسوريا…إلخ, والباقي يتبع في الحال. 

*الصورة للخميني من ويكيبيديا

مجلس الأمن في صنعاء.. هل نحن جاهزون لاستيعاب هذا الحدث التاريخي؟!

The Security Council begins their meeting at the UN Headquarters in New York

على هامش انعقاد مجلس الأمن على نحو استثنائي في العاصمة صنعاء، كالعادة تباينت الآراء وردود الأفعال بين متفائل ومتشائم، بينما ذهب البعض للتأويل بطريقة تثير الضحك، قال لي أحدهم، هي بداية لاحتلال اليمن وتقاسمها بين أعضاء المجتمع الدولي، لا أري كيف يفكر هؤلاء, لكنني أجدني مضطراً لاستعارة جملة قالها السفير الإيراني مؤخراً, ليكتمل مسلسل السخف، “هل يملك اليمن قنبلة نووية حتى يتجسس عليه؟!” 


على أية حال، ومن باب إغلاق باب الشؤم الملازم لنا طيلة الفترة الماضية، لابد من النظر من زاوية الأمل الضيقة جداً، وأخذ الأمور على محمل الجد، والحكم على الظاهر الملموس، بغض النظر عن الغرض الحقيقي لهذه الزيارة كما ينظر البعض الآخر. ما علينا سوى أخذ اللُّب، والرمي بالقشور إلى أقرب مكب نفايات. 

 إذا كان اليمن بحاجة ماسة للاستقرار كمطلب ملح قامت من أجله ثورة عارمة، فالمجتمع الدولي يرى عدم استقرار اليمن إحدى بؤر القلق التي تمس أمنهم واقتصادهم بشكل مباشر، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار استغلال الوضع الهش للدولة من قبل أطراف إقليمية تسعى لفرض سيطرة على أهم ممرات الملاحة الدولية، لأجل فرض نفسها قوة تأثير، وورقة ابتزاز للمجتمع الدولي لفرض أجنداتها المكشوفة في المنطقة. أطراف تقتات على الفوضى أو بالأحرى هي من تغذيه. 


فالتقاء مصالح اليمن مع مصلحة المجتمع الدولي يشكل مبرراً منطقياً لعقد جلسة نوعية ونادرة الحدوث لأجل تمرير التسوية السياسية العالقة, وضمان حدوث التغيير الذي فرضه الشعب كسلسلة منطقية لثورات التغيير التي اجتاحت المنطقة العربية على غير موعد، ولو كان المجتمع الدولي كارهاً! لكن المجتمع الدولي يتعامل مع الواقع بغض النظر عن قناعاته المسبقة. 


ما ينبغي على القوى السياسية، والحكومة، هو لملمة الجهود والطاقات لاستيعاب ذلك الزخم والدعم الدولي غير المسبوق والاستفادة القصوى، سواء في الجانب الاقتصادي المتداعي، أو الجانب السياسي المتصدع، والشروع في ترميم الشروخ التي أثقلت كاهل الوطن، أما أطراف النزاع المحليين, فالرسالة تحمل في طياتها معانيٍ جلية وأخرى مبطنة, مفادها الوقوف بحزم أمام الأطراف التي تحاول عرقلة المساعي الرامية لرأب الصدع, وإحلال التغيير حيز التنفيذ الذي لا يقبل المساومة, أطراف تريد العودة بالوطن إلى الماضي الغابر و مسلسل اللا دولة. الرسالة وصلت, أيٍ كان غرضها, فهل نقوى على استيعاب ذلك الدعم المهول, أم إننا سنفوت الفرصة كما دأبنا على ذلك؟!   


دعونا ننظر بعيون ملؤها الأمل، والمسؤولية، فقط لأجل الوطن، لأجل أولئك الأطفال الذين سحقت براءتهم من دون أن تحرك جمودنا، من أجل المساكين الذين سئموا الأرصفة وسئمتهم، وهم يبحثون عن فتات وبقايا بذخنا، من أجل الدماء البريئة التي تتطاير في الشوارع عبثا.. من أجل أن نجد الوطن الذي لطالما تغنينا به من دون أن نراه؟!

*الصورة من صحيفة أخبار اليوم

تعز.. ثقافة مُدجّجة بأدوات الموت!!

taiz7

في الوقت الذي تُعلن فيه تعز عاصمة للثقافة، تفوح رائحة الموت من شوارعها بإحصائية فاجعة تصدرت قائمة المحافظات من حيث عدد الجرائم المرتكبة خلال العام الماضي، بحسب التقرير الأمني لوزارة الداخلية. 


 انفلات أمني فظيع يعيد إلى الذاكرة الأحداث المؤلمة التي شهدتها تعز في العام 2011، ربما هذه المرة على نحو منظم من أبنائها الأجلاء. 
وكأن تعز كان ينقصها إعلان من هذا القبيل، لتكون بالفعل عاصمة للثقافة، ما تحتاجه تعز بالدرجة الأولى الأمن، فلايزال أبناء تعز يعيشون في رعب، ينتظرون الموت الذي بات السمة الأبرز في المحافظة. 


خلال هذا الأسبوع كانت الضحايا نساء بريئات بين قتيل وجريح, في بيوتهن وفي الأسواق, وفي كل مكان, ما هذه البشاعة التي يريد أبناء تعز أن يُظهروا مدينتهم بها ! فقط عندما يتحقق الأمن في شوارعها، هنا سيعود للمدينة وجهها الثقافي والحضاري الذي ليس بحاجة إلى قرارات. 


 إذا كان هذا القرار الصادر مؤخراً سيعمل إضافة جميلة للمدينة، فينبغي أن يجلب معه مشاريع تليق به. فأي عاصمة للثقافة هذه التي ليس لديها مسرح ولا أوبرا ومطارها عفا عليه التاريخ؟ ينبغي أن يرافق هذا القرار روزنامة من المشاريع الحيوية تليق بعاصمة الثقافة, لكن كل هذا بعد استتباب الأمن. 


من العيب أن تتصدر تعز قائمة الموت، بينما تتحضر المدن التي يغلب عليها الطابع القبلي. من السخف أن يتهافت التعزيون على حمل السلاح، بينما يحاول القبيلي التخلص منه ليلبس حلةً مدنية اقتداءً بتعز!. 


 أتساءل، أين إدارة الأمن والسلطة المحلية مما يحدث في شوارع تعز من فوضى عارمة وإطلاق نار داخل الأسواق وتقطعات داخل المدينة في رابعة النهار؟! 
المرحلة أمنية بامتياز! فالحديث عن نمط إداري للمحافظة ضرب من الجنون، الأسلحة في كل مكان، وكأن هناك من يوزعها بروية بل ويدفع لحامليها.. منذ سنوات لم نرَ هذا الكم الهائل من الأسلحة في تعز، كان الحديث عن مسلحين داخل المدينة نوعاً من الخيال. 


 ينبغي على قادة تعز الإداريين والأمنيين الضرب بيد من حديد.. هل بالإمكان أن نرى تلك الحملات الأمنية التي تُقص فيها البنادق مرة أخرى؟! في تلك الأيام كنت أتمنى لو أرى حتى (فشقة) واحدة في الشارع. 


لا أدري من أين اكتسب أبناء تعز هذه الثقافة المدججة بأدوات الموت، من يا ترى استطاع إقناعهم أن الدمار والقتل هو السيناريو الأنجع بالنسبة لمدينتهم؟ من يدري ! هناك أجزاء من المدينة لم توصل إليها الدولة بعد. لا صوت يعلو هناك على أصوات البندقية، رائحة الموت تُزكم الأنوف, وأصوات الفوضى تتسيد الموقف. 


كما عرف عن تعز وأهلها، يفرحون (بالقبقاب)، ويقنعون(بالحاصل).. دائما نفرح بالنزر اليسير. نبدو فرحانين بقرار إعلان تعز عاصمة للثقافة، بينما نحن بالفعل نحتاج أن نعيش بسلام وحسب.

أنا مش نازل..!

وأنا أتصفح صحيفة الجمهورية كل يوم، أحرص كثيراً على قراءة عمود العم أحمد عثمان في إطار الأعمدة اليومية بطبيعة الحال. وأنا أطالع شوارده في أولى أيام العام الجديد مخاطباً المحافظ، أحسست بحرقة، وبؤس يتفجران من بين أحرفه الشاردة التي كما يبدو اعترتها الحيرة والقهر معاً على مدينة بحجم تعز. فأوجاعها مستمرة، وآلامها لا تنكفئ، وكأن الأزمة قد ألقت بظلالها على تعز وحدها وعلى نحو ممنهج كساحة لتصفية الخصومات، في الآونة الأخيرة، أثار الإعلان الجديد للمحافظ بتعيين مجلس استشاري مكون من مشائخ فاعلين على الساحة المحلية، الكثير من الجدل، وفجر غضب شعبي كونه يصور المشيخة والقبيلة الأبرز في تعز، عاصمة الثقافة. 


يبدوا الأمر استفزازي للوهلة الأولى، لكن الأحكام العبثية التي تناقلتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، على توجهات المحافظ، لم تكن منطقية كذلك، في هذا الصدد, يعتزم بعض الشباب الرائعين النزول يوم الأحد بمسيرة سميت (أنا نازل 2) على غرار حملة مشابهة في جامعة صنعاء ضد عسكرة الجامعة , بالنسبة لي لن أنزل ,لننزل معاً يوم السبت في حملة (شارك) لنظافة تعز, دعوا الرجل يعمل , صمتنا أكبر مساعدةً له, وأخص بالذكر شباب الثورة, ليس الوقت مناسباً للتعقيب, لم يمر على وجود المحافظ سوى بضعة أشهر والوضع غير مشجع للتخلص من هذه الفوضى بين عشية وضحاها، سئمنا الانفلات الأمني , تبدو البلاد على (كف عفريت) على طريقة الرائع (جلال عامر) رحمه الله, نحتاج لأمل بسيط لكي نعدل عن قناعتنا في (الرحيل الجماعي) إلى المجهول! 


لا أظن أن الشروع في النقد في كل كبيرة وصغيرة يجدي أي نفع بقدر البلبلة التي يثيرها وما يرافقه من أخذ ورد( لا يودي ولا يجيب)، ما الذي يجعل، شوقي هائل، صاحب أكبر إمبراطورية مالية في البلد، يتسلم قيادة محافظة في العناية المركزة؟! هو ناقص وجع رأس أصلاً؟ ففي ظل الاستقطاب الحاد الذي شهدته تعز إبان الثورة, بين مؤيد ومعارض، والتوجه الممنهج لنقل الصراع إلى تعز، كان على شوقي هائل أن يتحمل مسئولياته كشخصية إدارية ناجحة ومستقلة تحظى بقبول من جميع أطراف الصراع، رغم هذا التوافق على شخص المحافظ، هناك من يسعى إلى إفشاله بواسطة تصوير المشهد كطرف مؤيد له، وآخر معارض، وقد نجحوا!، فالرجل يبدو مقيداً، والأوضاع لم تزل تراوح مكانها، ثمة من يستفيد من إفشال المحافظ، فالوضع الأمني يعد الركيزة الأساسية للتنمية، وهذا ما يلعب عليه ذلك الطرف! 


بالعودة إلى مجلس الشيوخ الذي شكله المحافظ، ينبغي التريث في إصدار الأحكام جزافاً، دعوا الرجل يفعل شيئاً، فالمكوث على رأس المحافظة لقرابة نصف عام، وإن بدت قليلة، إلا أنها أكسبته خبرة لا بأس بها بالداء الذي يجتاح المحافظة، ربما أحاط الرجل بما لم نحط به، ثمة مسببات للتوتر وثمة بؤر صراع تبدو واضحة له، ففي وضع الدولة الهش، من الحكمة أن تشعر شريحة من أسباب التوتر بالمسئولية، فهؤلاء هم ذاتهم من وقعوا على وثيقة الشرف، فبدلاً من المطاردة العقيمة لمؤججي التوتر في المدينة، سيكتفي بإلزام قياداتهم بتحمل المسئولية, وأمام رقابة الشعب. 


بالمقابل، على المحافظ أن يدرك أن المشيخة والقبيلة هي النقيض تماماً لمعنى الدولة، حتى لو بدت الوصفة ناجعة بعض الشيء، فقد جاءت تماشياً مع الوضع الهش للدولة, ومن المستحيل الحلم ببناء دولة مدنية يحضرها (الجهال) ويغيب عنها مثقفوها. ما أستشفه من سياسة المحافظ, أنه يريد منا النسيان بأن هناك ثورة حدثت, والتخلص من عقلية مع أو ضد الثورة, والتفرغ بالتالي لبناء تعز (سوى نبنيها), فهو يؤمن أن العقلية الإقصائية للآخر لا تولد سوى تأجيج الهوة في الشارع والمزيد من الانفلات الأمني, وتكبح جماح التطور والنماء الذي يطمح إليه أبناء المحافظة، لست مخولاً بالحديث نيابة عن المحافظ, لكن على الأقل هذا ما فهمته ينبغي التريث قليلاً والنظر إلى ما سينتجه هذا المجلس , فانتظروا إنا معكم من المنتظرين!.