ثقافة الفوضى!!

قبل أيام، احتفل البريطانيون بالعيد الخمسين بعد المائة في ذكرى تأسيس أول مترو أنفاق في العالم، أي سكك حديدية تحت الأرض، لتخفيف زحمة السير فوق الأرض، حيث القطارات مكتظة، وزحمة السير لم تعد تلبي طموحات الركاب بتلك السرعة. عشرات السنين بل مئات، منذ وصول هذه الخدمات في حين يكون التفكير في خدمات مماثلة في بلداننا ضرب من الخيال. رقم كبير جداً يمثله الفارق، ومازال العداد يعد. 


عندما استطاع الروس الوصول لأول مرة إلى سطح القمر في بداية ستينيات القرن الماضي، جن جنون الأمريكان على هذا السبق النوعي. لم يكتفي الأمريكان بالرضوخ والاستسلام, بل قاموا بتقييم المعطيات على أرض الواقع, لمعرفة مكامن الخلل، وجوانب القصور. لم يكن النظام التعليمي بمنأى عن تلك الاتهامات، فتم هيكلة المناهج التعليمية على أسس حديثة تواكب الانفجار المعلوماتي. لم تمض سوى سنوات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، إلا وقد حققت الولايات المتحدة رحلتها الأولى إلى الفضاء، بل وتجاوزت قدراتها الفضائية التجربة الروسية بمراحل. 


ما أريد إيصاله بإيراد هذه الأمثلة الواقعية، هو القدرة على المواكبة والإصرار وراء الأحلام، ليس فقط من الجانب الرسمي، بل من قبل المجتمع المتعلم، التواق للتميز والإبداع. فالدولة توجد المشاريع، والمجتمع يحافظ عليها ويستفيد منها الاستفادة القصوى. لا أحد يكره التطور في الخدمات والتمدن ولا أحد يقف ضد المصلحة العامة. ماذا لو كانت هذه السكك الحديدية ومترو الأنفاق في اليمن مثلا؟! بحسب النظر لما يحدث لأبراج الكهرباء، لا يوجد مؤشر على أن هذه السكك ستعمل ليوم واحد، فسكك الحديد منتشرة في كل مكان، وأعمال الشر والتخريب أبداً لا تفقد الحيلة. 
كيف للاستثمار أن يدخل البلاد لإثراء الاقتصاد الوطني، وتشغيل أكبر قدر من الأيدي العاملة، والتخفيف من البطالة التي تفاقم معاناة الشعب، كيف لمستثمرين أن يدخلوا لتشغيل أموالهم في ظل هذا العبث والتخريب الممنهج؟! دائما أتساءل، كيف لشعبٍ، يطفئ الضوء بيديه ليبقى في الظلام، ويدمر المشاريع والبنية التحتية ليعيش حياة بدائية، كيف لهذا الشعب أن ينشد المستقبل، وأن يطمح لمواكبة الأمم! 


لا تزال فكرة التحضر والنضوج الفكري البناء تبعد عنا مئات السنين، تماما كسكك الحديد، وكغزوات الفضاء. ليت كل مواطن يحمل بداخله أوجاع الوطن، ليت كلاً منا يعشق الوطن كما يفعل الأمريكيون، المتهافتون من كل أصقاع الأرض، ليتنا نفخر بانتمائنا الوطني كما يفعل الألمان. نحن فعلا بحاجة لجرعات مفرطة من حب الوطن، كي لا ندمره بأيدينا وأيديهم، ونعض أصابع الندم!! 


تتوارى الأحلامُ 
خلف ستار الليل، 
تنتظرُ الفجر. 
وهناك الأمنياتُ حبيسة، 
قيد التحققْ، تحتسي الصبر، 
وتستلهمُ الضوء. 
متى تشرق شمسك يا وطني؟!

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *