أرشيفات التصنيف: 2013

أمن تعز .. الغامض!

1

في مدينة التناقضات فقط يحدث أن تسير الأمور في مسارين متضادين، تماماً كأقطاب البوصلة. في بلاد العجائب، يخرجُ الشباب يزينون الشوارع ويرسمون الجداريات وينشدون الجمال؛ بينما يخرجُ آخرون لنشر الفوضى وإغراقها بالعبث. في مدينتي، تنتشرُ الشاراتُ الحمراء على طول الشوارع، وعلى قدرها ينتشر المسلحون. إنها مدينةُ السلام، ومدينة الموت في آن معاً.. إنها كتلةٌ من التناقضات!! فأما المظاهرُ الجميلة، فهي طبيعتها المسالمة، وجمالَها الاستثنائي.

فأهلُها الطيبون، وشوارعُها المضيافة، وبيئتُها أرضٌ خصبةٌ للمحبّة. وأما وجهُها القبيح، فدخيلٌ بامتياز. فالأسلحةُ تتقاطرُ من خارجها، وتجارُ الموت يسابقون الزمن لوأد أمنياتها الجميلة التي قاربتْ على التحقّق، للأسف بأيديهم وأيدينا. ولأنها جميلة، وعصيةٌ على التركيع، يتسابقُ الأوغادُ لجعلها ساحةً لتصفيات قبحِهم. كلما تعكرتْ أمزجةُ الساسة، زجّوا بها لخلط أوراقهم، وإظهار بؤسهم، وإلقاء عبثهم في مدينة السلام. قبل أشهر، حاولوا استغلال خلافٍ قديم، نامَ لسنوات، لغرض إذكاء فتنةٍ مع أبناء مأرب، فقتلوا الدكتور فيصل المخلافي، كم كانت أرضية خصبة لإحلال شرورهم! .. لكنها تعز!! اليوم، يختطفون محمد منير، نجل شقيق المحافظ للؤمٍ في نفوسهم.. لكنها تعز!!

ألا تفهمون؟!

فليس محمد منير نجلُ شقيق المحافظ وحسب، بل هو من عائلة هائل سعيد، عمود اقتصاد تعز، ورجل الخير الأول في الوطن. ولأن هذه العائلة أصحاب فضلٍ على المحافظة والوطن ككل، فلا غرابة أن تجدَ أحدهم يتمشى في الشارع بسيارته الخاصة، أو يذهب إلى العمل أو حتى يتنقل بين المحافظات, وبلا مرافقين، ودونما سلاح، رغم استدعاء الوضع الأمني ذلك! بينما تجدُ أشخاصاً عاديين يجوبون الشوارع بأسلحتهم القبيحة، يعكرون صفو المدينة الجميلة. ليست الحادثةُ عرَضية بطبيعة الحال، فقد استُهدف عمُه الشيخ عبد الجبار، أحد رواد الجمعيات الخيرية في الوطن. بالتأكيد لن تكون الأخيرة، فهناك أخبار عن محاولة اختطاف نجل عبد الجبار في صنعاء، وأيادي الشر طولى، ولا تفقد الحيلة. ثمة أمور غامضة وبحاجة لفك طلاسيمها، خصوصاً إذا علمنا أن محمد منير مضى مع خاطفيه على عشرات النقاط الأمنية من تعز وصولاً إلى مأرب دونما توقيف يذكر، وهناك من يعلم مكانه وكيف غير الخاطفون مكانه مؤخراً، وتهديدهم بتصفيته في حال تم تتبعهم. لصالح من كل هذه الاختطافات والاغتيالات. وضع إنساني مزرٍ يعيشُه الشاب محمد، وتدهور في صحته، رعبٌ يسكنُ قلبه وقلب عائلته، وكل أبناء تعز الذين ينضمون المسيرات والتضامن، لكن الأشرار لا يؤمنون سوى بالقُبح.. كان اللهُ في عونك يا محمد منير، وردّك الله إلى أهلك ومدينتك ردا جميلا، وحفظ تعز من الفتن! 


ومع هذا كله، ثمةَ أسئلة كثيرة تبحثُ عن إجابات، ولابد من اطلاعها للرأي العام. من هم المختطفون تحديداً؟ وما الدافع لذلك؟ هل لغرض الفدية، أم هي أغراض خفية؟! هل حقاً طلب الخاطفون فدية، وهل ستدفعون؟! في حال دفعتم، هل ستلزمون بيوتكم؟ ألن تكونوا بعدها أكثر عرضةً للابتزاز؟! 
عفواً، أين الجيش وأين الشرطة، وأين صاحبي حسن؟! 

 

*الصورة من الخبر الآن

السيناريو الأخطر..!

من نتائج الغزو الأمريكي للعراق، إذكاء الطائفية بنسختها الجديدة. الوباء الذي دمر الغرب عشرات السنين؛ يريدون لنا تجرعه، بأبشع صوره. قبل 10 سنوات، لم تكن لتعرف انتماء صديق لك، مهما طالت سنوات المعرفة. حالياً، يتم الفرز على أساس الطائفة بالنسبة للأصدقاء، قبل معرفة الاسم حتى. عندما دخل جيش التحالف العراق، كان هناك تفكك من الصف الداخلي العراقي، الأمر الذي يبرر المقاومة على أطراف المدن، والسقوط المروع للعاصمة بغداد. هنا أدرك الأمريكان نقطة الضعف. كان لابد للأمريكان الاستعانة بالإيرانيين لإدخال العراق والمنطقة في دوامة الطائفية المدمرة، إذ بدا لها كمية الود والتعايش الذي يسود العراقيين من مختلف الطوائف. يقول أخو منتظر الزيدي الذي اشتهر بقذف الرئيس بوش بالحذاء، يقول: نحن شيعة متعايشون مع السنة وبيننا الصهر والنسب. اليوم تمارس مليشيات طهران المسلحة أبشع الأساليب بما في ذلك القتل والتهجير لتحييد المدن العراقية لصالح إيران. لا يفرقون بين أحد يعارضهم، حتى لو كان شيعيا. ليس لهم أي صلة بالدين والمذاهب، إنما ذرائع وشعارات لاحتلال أبيض. حتى عداؤها للغرب زائف وصوري.. يذكر أنه بمجرد سقوط بغداد، تم حرق جميع السجلات المدنية للمدن العراقية، وإدخال قطعان من الإيرانيين بما فيهم قوات من الحرس الثوري. الأحداث تجرُ بعضها.. كان آخرها إغلاق مساجد السنة في بغداد وديالى, والذريعة حماية أئمة المساجد من الاستهداف. 


نفس الأساليب والشعارات ذاتها. شره في التوسع على الأرض بقوة السلاح والمال. يستخدمون الدين، فهم أبناء البطنين والأحق بقيادة الأمة. يشعلون حماسة الشباب بالشعارات المعادية للغرب، بينما تصرفاتهم تمثل العكس تماما. هذه الطائفية التي تمزق أوصال الشعب العربي صناعة إيرانية بامتياز، وهم لغرض التوسع الفارسي باسم التدين. كما كانت القاعدة صناعة أمريكية للدخول إلى المنطقة. لم أعرف يوما أن الإيرانيين أبناء السيدة فاطمة رضي الله عنها. كما لا يبدو أن الإيرانيين يكترثون لعلي بن أبي طالب مثلاً. 


على أية حال، مثل صعود أحمدي نجاد إلى السلطة دفعة كبيرة للتوسع الإيراني في المنطقة، حيث تدار البلاد على نحو طائفي، بسبب التوافق الكبير مع المرجعية خامنئي. ليس العداء للطوائف الأخرى وحسب، بل امتد ذلك ليعيق العلاقة مع الغرب المحالف للشاه إبان الثورة الخمينية. لطالما حلمت الطوائف الأخرى بعودة الإصلاحيين للحكم، والذين يوصفون بالاعتدال والرفض للسياسة الخارجية الحالية. لسوء الطالع، وصل رئيس إصلاحي إلى سدة الحكم مؤخراً. والنتائج، تقارب إيراني غربي، بينما كان الغرب يستخدم عداءه لإيران لابتزاز دول النفط لغرض حمايتها من الوهم. باتت الأمور مكشوفة. إزالة الشعارات المعادية للغرب لتوافق الأفعال التي لم تكن يوما كذلك. توجه حوثي لعمل الشيء ذاته. يسعى الحوثيون، على نحو مقرف، لبسط سيطرته على أكبر قدر ممكن من الأرض، والتالي يتبع! على خلاف وجوده في مؤتمر الحوار الذي يعتبره بوابة لخطف اعتراف بقضية عبثية ذات طابع طائفي تولى كبره نظام قامت عليه ثورة شعبية. ثمة توافق بين قوى معينة لإفشال الحوار والتوجه إلى اللادولة, حيث تبرع تلك القوى في اللعب. على الجميع معرفة أن السواد الأعظم من الشعب يحلمون بدولة والعيش بسلام، ولن يرضوا بأقل من ذلك. 


إذا كانت الاغتيالات التي تحدث في لبنان غرضها إشعال فتيل الطائفية والدخول في دوامة عنف تشبه الحرب الأهلية قبل عقود, فالاغتيالات التي تحدث في صنعاء مستوحاة من السيناريو اللبناني.. اغتيال النائب جدبان أنموذجاً. لا أحد سيستفيد من اغتيال الرجل سوى طرف واحد. إنها الفتنة إذن, أتساءل: كيف لبلد مثل اليمن أن ينجو من كل هذه الضربات الموجعة.. كم نحن بارعون في الدمار يا سادة!!

هيكلة المنظومة التعليمية

التعليم العقوبة3

 للتعليم الدور الأبرز في تشكيل العقل البشري وصياغة الخلفية الثقافية في أي بلد من البلدان، فبقدر كمية التعليم ونوعيته؛ تكون المخرجات والمحصّلات الفكرية. 


في بداية النهضة الأوروبية وبعد التخلص التدريجي من قيود الكنيسة؛ اختُرعت الطابعة التي كانت في يوم ما محرّمة، كان حينها الفارق في عدد الكتب بين المكتبة العربية والمكتبة الأوروبية ضئيلاً ولا يكاد يُذكر، بعدها بعام واحد فقط، أصبح الفارق مذهلاً؛ هنا كانت بداية النهضة الأوروبية معتمدةً بشكل كبير على كتب لعلماء عرب، كانت منطلقات لحضارةٍ دوّت العالم، ليس بالإمكان بأي حال من الأحوال التحدُّث عن نهضة شعب يُعرش فيه الجهل، وتُخيّم فيه أفكارٌ مستهلكة لا تمت إلى عصرهم بصلة، التحدث عن نهضة أمة لا تقرأ، ضربٌ من الجنون وأمنياتٌ أشبه بالعبث. 


إذا عرفنا حقيقة أن نسبة القراءة للمواطن عربي لا يساوي أكثر من 10 دقائق في السنة مقابل 12 ألف دقيقة للمواطن الأوروبي، نحن بحاجة في اليمن على وجه الخصوص إلى التخلص من كابوس الجهل، بنهضة تعليمية شاملة؛ الأمر ليس مستحيلاً، كل ما في الأمر نحن بحاجة إلى انضباط وفاعلية كبيرة في المجال التعليمي، نحن بحاجة إلى قليل من الحزم من قبل الإدارات التعليمية ومن الإدارة المدرسية بالدرجة الأولى؛ منهج تعليمي ينمّي القدرة على التفكير بدلاً من التلقين بالملعقة والحفظ المباشر، باتت الحاجة الأكثر إلحاحاً تفشّي ظاهرة الغش بما في ذلك امتحانات النقل يهدّد بكارثة أخلاقية في المقام الأول من شأنها نسف العملية التعليمية برمتها. 


في مملكة المغرب كانت المشكلة ذاتها، مع فارق المستوى التعليمي بالنسبة للمغرب، فما كان من الملك إلا أنه غامر بسنة دراسية شدّد على الامتحانات ونزل بكل ثقل الدولة لمراقبة العملية عن كثب.. عدد قليل من الطلاب نجحوا، في السنة التالية كان انضباط الطلاب غير متوقّع، ومستوى التحصيل كان قوياً، ورغبة ملحة على الاستيعاب والفهم، للتمكن من تجاوز الامتحانات النهائية. 


 في اليمن التعليم مهدد بالانقراض، عبث وتسيُّب وفساد من قبل الإدارة، وتسرب واستهتار من قلب الطلاب، في تعز مثلاً تتعطّل الدراسة لأشهر ولا أحد يكترث، كل شيء خاضع للتوافق العقيم، حتى لو كان على حساب التعليم، في مدارس تعز نصف المعلمين يحوزون قرارات تعيين «وكيل مدرسة» أو «موجّه» لغرض التفرغ من التدريس لأعمال خاصة، بينما أغلب المدارس تشتكي شحاً في المعلمين الميدانيين. 


 لا أدري من يوقع تلك الإقرارات، وعلى «خمسين ألف..!!» من ينقذُ الجامعات والمدارس من العبث، إذا فسد التعليم خربت البلاد، من يقدّر ذلك..؟!. 


 نتسابق لتحديد ملامح وشكل الدولة ونظام الحكم بينما نغفل عن التعليم, لماذا لا يتم تحديد نظام جديد للتعليم مع تغيير شامل للمناهج، لابد من تغيير شامل لمديري عموم الإدارات التعليمية, وإدارات المراكز في المديريات, ومديري المدارس وإخضاع المناصب الإدارية للمنافسة والكفاءات إن أردنا تغيير واقعنا البائس واستشراف مستقبل جميل لأولادنا ووطننا..؟!

عندما يتصارع الكبار..!!

49_20140428150201

منذُ الحرب العالمية الثانية يسعى كلٌ من الأمريكان والروس إلى فرض أنفسهم قوة أحادية ضاربة تتحكم بمصير العالم، فبرغم القطبية الثنائية والمراوحة التي جعلت القطبين كفرسي رهان؛ إلا أنه وبعد انتهاء الحرب الباردة وتفكُّك منظومة الاتحاد السوفيتي إبّان حكم جورباتشوف، انفردت الولايات المتحدة بقرار أحادي بعيداً عن مضايقات الدُّب الروسي الذي عصفت به أزمات مالية خانقة؛ ولأن الروس مثقفون ومتعلمون ولديهم موارد وطاقات بشرية هائلة، كان من السهل على فلاديمير بوتين إعادة تشكيل الاقتصاد الروسي المترنّح، وإعادة بلورة السياسة الخارجية عبر صناعة حلفاء استراتيجيين ونهج سياسة تُشابه إلى حدٍ ما السياسة الأمريكية؛ إلا أن التنامي الروسي شكّل تهديداً حقيقياً للأمريكان بالنسبة للاستفراد بالقرار مع حلفائها الغرب، الأمر الذي جعل الأمريكان يفكرون بخلق طريقة جديدة من نوعها للتعامل مع العالم، الشرق الأوسط على وجه التحديد، ولعل أحداث الـ 11 من سبتمبر مثّلت ذلك التحوّل الرهيب في السياسة الخارجية الأمريكية، تحت يافطة “مكافحة الإرهاب” لا أحد يعلم فيما إذا كانت القاعدة هي من دبّرت ذلك العمل الفظيع؛ لكننا نعلم يقيناً إلى أي حدٍ عادت تلك الحادثة بالنفع على الولايات المتحدة بالنسبة لسياستها الخارجية.. لا أظن أن بمقدور القاعدة عمل شيء من هذا القبيل داخل امبراطورية العالم الاستخباراتية، يبدو أن الحادثة كانت مدبّرة، ثمةَ تسهيلات قُدمت لمدبّري الحادث من داخل الاستخبارات ذاتها.. يقال إن مئات اليهود يومها تغيّبوا عن مكاتبهم داخل برج التجارة العالمي، من يدري..؟!.  


عموماً، وجدَت الولايات المتحدة ضالتها، وبدأت ما يسمى “الحرب على الإرهاب” الذي بدأ بأفغانستان، معقل التنظيم، كون المنطقة خاضعة للروس.. للعلم أمريكا هي ذاتها من موّلت تنظيم القاعدة لحرب استنزاف مع الروس داخل افغانستان، بعدها دخلت افغانستان بغطاء دولي أحادي الجانب يسمّى “حلف النيتو” هنا وجدت روسيا ما تبقى من حلفائها يتساقطون كحبات العقد، بينما هي تكتفي بالفُرجة.. في منطقة الشرق الأوسط الخاضعة للتحالفات والتجييش، انقسمت الدول ما بين رأسماليين يحالفون الغرب، أو بالأحرى يخضعون لابتزازهم مقابل الحماية من أعداء وهميين، أو قوميين يوالون الروس نكاية بالطرف الآخر؛ وكلا الفريقين عملاء في النهاية، لم يتبق لروسيا في المنطقة سوى النظام السوري، حيث القواعد العسكرية الأخيرة في المنطقة، سعى حلفاء الغرب في المنطقة لإدخال سوريا في أتون ما سمي «الربيع العربي» لإسقاط آخر حلفاء للروس رغم هروب عدد من دول المنطقة من رياح الربيع، إلا أنهم تمكنوا من إشعال النار في سوريا، التي لم تكن في نظري بحاجة لثورة وهي المكتفية ذاتياً والمصنِّعة لأفخر الملبوسات والأحذية في المنطقة، ما كانت سوريا بحاجته هو نسمات من الحرية في ظل الحكم العسكري الطائفي الأكثر دموية على الإطلاق، النظام السوري لم يُقصّر بطبيعة الحال، فأحرق الأخضر واليابس، استدعى الطائفية من جذورها، وخاضت إيران غوايتها المفضلة واشترك حزب الله بسقوط مريع أخرج من الأذهان بطولة المقاومة في تموز 2006م، لم تكتف بعض دول الإقليم بحشد الدعم الغربي على سوريا، لكنها عملت على دعم مليشيا النصرة والقاعدة وتمزيق سوريا تماماً، فلا هي تبقى للأسد وحلفائه الإيرانيين، ولا هي تسقط في أيدي تيار المعارضة الأقوى الإخوان المسلمين. 


ولأن العمالقة يتصارعون في منطقتنا، كان لابد أن يكون الدمار كبيراً، فعامان من الصراع لم تفرز فوز أحد الفريقين بالجولات الأولى، فدمار سوريا يسعى إليه كلا الطرفين، كان آخر تلك الجولات السلاح الكيماوي، حيث يسعى الغرب إلى توجيه ضربة للنظام السوري؛ ليس من أجل الأطفال الذين قضوا في الغوطة، فالآلاف قتلوا ومازالوا في معارك مشابهة، لكنه السلاح الكيماوي الذي استدعى إنسانية الغرب، بالمقابل لا يكترث الروس بالأسد، وسنين “اللى خلفوه؛ لكن صراعها مع الغرب دفعها إلى استخدام القضية السورية لمساومة الغرب، كان بإمكان روسيا التخلّي عن الأسد والذهاب إلى «جنيف 2» وإيجاد مقاربة مع الغرب بون الأسد وإنهاء ذلك الدمار، لكن ذلك لا يهم الروس، فخلاف واشنطن وموسكو بشأن قضية المتخابر المتقاعد «سنودن» الذي يعيد إلى الأذهان مرحلة الحرب الباردة, ذلك الخلاف دفع بالعملاقين إلى مرحلة اللا عودة، خصوصاً بعد تصريحات أوباما بمشاركته في قمة الدول الثماني المزمعة في سانتبترسبورج الروسية وإرجاء قمته الثانية مع نظيره بوتين بعد القمة.. سارت الأمور بوتيرة عالية خلال الأسبوع الماضي، فقرّرت أمريكا وحلفاؤها عمل ضربة خاطفة لمنشآت عسكرية سورية، فيما روسيا تبرأت من الأسد، فليس في روسيا من الجنون ما يكفي لإشعال حرب عالمية ثالثة من أجل عيون سوريا..!!. 


يتصارع الكبار في بلداننا وعليها، بينما نحن نكتفي بالتصفيق، فتيارُ مناوئ للأسد يصفّق للضربة المحتملة، بينما التيار الموالي يلعن خذلان الروس ويرقصون على جثث الضحايا، فلا ضربةُ الغرب ستسقط نظام الأسد، إذ لا تنوي ذلك, ولا هي ستثبّت حكمه بالمقابل، وبينهما وطنٌ يدمَّر بأيدي أبنائه، وأيدي الكبار. 


للمصفقين للضربة: هل تقبل من يجتاح بيت أخيك من أجلك..؟!. 
ولدعاة القومية: هل قاتل الأطفال ومُذكي الطائفية هو فعلاً صمام أمان الأمة؟! تباً لكم جميعاً..!!

الأزمة السورية.. حتى إشعار آخر!

gal.syria.people.screaming.jpg_-1_-1

ربما قاد التوازن الموجود على الأرض بين الجيشين النظامي والحر في سوريا، إلى رغبة من الطرفين للوصول إلى حل سياسي يضع حداً للانهيار الحاصل، الذي يدفع ثمنه الشعب السوري. تسعى روسيا للإبقاء على حليفها السوري في المنطقة من جهة، ولممارسة ضغوطات على الغرب والأمريكان بشأن المنظومة الصاروخية المزمع إقامتها بالقرب من روسيا من جهة أخرى. بالمقابل، تسعى أمريكا ومعها حلفاؤها الغرب لوضع قدم في النظام القادم لضمان أمن الابنة المدللة “إسرائيل”. 


حروبٌ بالنيابة تدور رحاها على الأرض السورية، يتجشم مشقتها شعبٌ مكلوم. شعبٌ حلُم بالكرامة، وجُوبه بالدمار وهدم المعبد على رؤوس الجميع، في ظل نظام عسكري بليد، تلبس الهمجية والطائفية، وتدثر بكذبة المقاومة والممانعة الزائفة وارتضى بانتصارات وهمية يدفع كلفتها باهظاً شعبٌ رائع لا يقبل الضيم والمساومة أبداً. 


على أية حال، أبدى الطرفان نوعاً من المرونة في التعاطي مع إقامة مؤتمر “جنيف2” مع تصلب في الشروط من قبل الطرفين. لكن الموقف الهزيل الذي ارتآه النظام السوري، دفعه بالتوازي مع المفاوضات، لخوض معارك مفصلية لترجيح الموازين على الأرض وبالتالي النكوص عن مؤتمر “جنيف2” أو رفع سقف المفاوضات. لم يجد النظام السوري سوى جبهة القصير، لموقعها الاستراتيجي البحري، ولموقعها المتاخم للحدود اللبنانية، حيث بالإمكان لمليشيات حزب الله الدخول بقوة في المعركة. 


بالفعل استطاع النظام السوري عن طريق التمشيط الجوي العنيف لإجبار مقاتلي المعارضة على التقهقر للخلف حقنا لدماء المدنيين وكنوع من التكتيك والخروج بأقل الخسائر. لم تقتصر هجمات النظام على جبهة بعينها، إنما تقوم بضرب أكثر من جبهة مستعينة بالدعم الخارجي اللا محدود. لم تكن القصير سوى ظهر للنظام، حيث تتركز عين النظام بمعية مليشيات حزب الله للولوج بقوة في الجبهة الشمالية، جبهة حلب تحديا، حيث تمثل الثقل الاقتصادي للنظام. هذا التقدم الطفيف ليس مؤثرا على الأرض بقدر إعطائه دفعة معنوية لمقاتلي الجيش النظامي الذي يفقد السيطرة على أجزاء مهولة من البلاد، في حين يتحرك الجيش الحر بحرفية عالية. 


هذا التقدم الذي يروج الجيش النظامي بإحرازه على الأرض، والمصحوب بهالة إعلامية كبيرة أدت إلى إنعاش آمال النظام بالعودة إلى الواجهة وقلب موازين القوى على الأرض وبالتالي القدرة على التفاوض بسقف أعلى. الأمر الذي يتخوف منه الغرب، كون هذا التقدم إن حصل سيحدث إرباكاً في وجهة النظر الغربية في شكل النظام القادم، وسيحدث تصلب سوري روسي في المفاوضات. 


هذا التوجس الغربي المصحوب بضغط الجمهوريين، دفع الرئيس الأمريكي أوباما إلى إقرار تسليح الجيش الحر ودراسة فرض حضر جوي. جاء ذلك بعد تصلب روسي واشتراطات تواجد الأسد على المشهد السياسي القادم استناداً على تلك الانتصارات الوهمية. لكن قرار التسليح من قبل الأمريكيين جاء صادماً للروس, بدا ذلك من خلال التخبط في التصريحات والتهدئة المفاجئة للمسئولين، المتبوعة بزيارة عاجلة قام بها الرئيس الروسي بوتين إلى بريطانيا وإبداء مرونة في التفاوض غير المشروط. 


فبعد أن كان الروس في صدارة المشهد السوري، تبدو الأمور تذهب إلى تدخل غربي تحت مظلة النيتو على غرار التدخل في ليبيا، من دون الحاجة للعودة لمجلس الأمن وكابوس الفيتو الروسي الصيني. يبقى مصير الأزمة السورية مرهوناً بأمزجة التدخل الخارجي المؤيد والمناهظ, بينما يموت الشعب السوري ويتشرد, ولا أحد يكترث سوى بمصالحه الضيقة. في نهاية المطاف, سوريا تتمزق, فتكت بها الطائفية المصطنعة, وتعدت ذلك لتطال المحيط العربي والإسلامي على السواء, رائحتها تُزكم الأنوف. إذا كانت المدن والبنى التحتية ستخضع لإعادة إعمار, فكيف نستطيع ترميم الشروخ وسبر الأغوار التي طالت أوصال الشعب؟!

*الصورة من سي ان ان عربية

استهداف الدولة..

عندما نتحدث عن وطن، فإننا بالضرورة نعني تلك المنظومة المتكاملة من الأنظمة والقوانين الحازمة، عدلٌ ومساواةٌ في الحقوق والواجبات، وسلطةٌ واحدةٌ فقط. عندما يتحقق ذلك, بالإمكان القول: أن لدينا دولة ناجزه. في حين يبقى موضوع الظفر بالسلطة من قبل فصيل سياسي بعينه مرتهنٌ بديمقراطية سلمية لا تمس بالدولة. أما الحديث عن دولة ولعب تبادل الأدوار مع القواعد، هو عبثٌ ونسفٌ لمبادئ الدولة من شأنه تأجيل الأحلام إلى أجل غير مسمى. 


دائماً، أحاولُ أن أحافظ على قدرٍ من التفاؤل، رغم المؤشرات التي تثبت العكس تماماً في كل مرة. أحاولُ أن ألتزم الصمت بينما تتسيد الموقف الثرثرة, التي لاطائل منها سوى التأجيج وفتح هوة من الكراهية بين أوصال الشعب، وتمزيق للعلاقات الإجتماعية في حين نحن بحاجة ماسة لسبر الأغوار وردم الهواة. أحاولُ أن أبتسم في حين تتحجر الدمعة في مقلتي من هول ما يحدث. لا شيء يدعوللتفاؤل، كل ما يحدث على الأرض مثير للقرف ومدعاةٌ للتهكم، ومع ذلك أحاول مراراً أن أحسن الظن. 


كلُّ تفاؤلٍ عبارة عن ديكورات، لا شيء حقيقي سوى القبح والفتن. يشاركون في مؤتمر الحوار لصياغة شكل الدولة، ويعملون خارجه جاهدين لإسقاطها. ينتهجون التمدُّن في أروقة السياسة، ويمارسون الفوضى على الأرض بأبشع صورها. يدّعون البذل لإخراج الوطن إلى النور، ويضربون أبراج الكهرباء لكي يغرق في الظلام. 


واقعٌ سوداوي يستهدفُ الدولة، ويحرضُ على الفوضى، يقوضُ النظام ليحل محله العبث واللادولة. يتظاهرون بترسيخ الأمن، وينشرون مليشياتهم لنشر الفوضى وإضعاف مؤسسات الدولة. لا تصدقوهم أبداً، من يتشدقون بالخطابات الرنّانة عن سيادة الدولة, وأفعالهم تُمثّل النقيض. إحلالُ قوة الدولة يا سادة لا تتأتّى بصرف خطابات، وبيع كلام معسول لوسائل الإعلام؛ توبوا عن تلكمُ الأفكار السوداوية، فليست أبداً مشروع دولة. إنها الفوضى العارمة حالكةَ الظلمة ستجرف كل من يقفُ في طريقها ولن تستثني أحداً. الأمرُ بحاجة للكثير من المصداقية، وأفعال على الأرض. ضعوا أسلحتكم جانباً، واحتكموا إلى سلطةٍ واحدة، هي من سيحمي الجميع، فلا تجتمع أكثر من سلطة في دولة واحدة، إذن لفسدت الأرض! 


راعني جداً محاولة اقتحام مبنى الأمن القومي, ماذا بعد ذلك؟! دار الرئاسة مثلاً! ولماذا هذا التوقيت تحديداً! أسئلة كثيرة تبحث عن إجابات في وطنٍ يتسم بالغموض, ويفتقد لسياسة المكاشفة لشعب عمن يعرقل جهود إقامة دولة.  


دعونا من مشاريعكم الصغيرة والضيقة التي لا تتسع سوى للوهم والسراب، أما الحقيقة الماثلة فهي الدولة، للجميع. دعونا نصنع الحقيقة واقعاً جميلاً، بدلاً من اللّهث خلف السراب, وابتلاع كبسولات الوهم.

المهربون.. كارثة!

السيارات-التهريب

لدى الثورات متلازمة حتمية اسمها (الفوضى), هذه الفوضى التي تعكر كل شيء.. لذلك فمن أولويات السلطة المحلية هو الإبقاء على المستوى الأمني والحفاظ عليه من التدهور. في تعز, تسير الأمور على وتيرة ساخنة, ليس فقط الانفلات الأمني, إنما انتشار الجريمة والتهريب بشكل مخيف, في حين غُيّب الأمن والجيش لأسباب نجهلها, ربما الانقسام الحاصل, من يدري! 


 قطعان من الناقلات، بشكل أسراب يومية، قادمة من المخا، محملة ببضائع مهربة تمر أمام النقاط الأمنية بكل بجاحة، بينما تمارس أحيانا غوايتها في المرور عبر الطرقات الفرعية ابتداء من حيس وحتى الوصول إلى محاذاة الجانب الشمالي من شارع الستين ومن ثم الوصول إلى المدينة. يبدو هناك نوايا طيبة من قبل الأخ مدير الأمن لمكافحة التهريب المستشري، لكن من دأبوا على هذه المهنة منذ الأزل يحولون دون ذلك، فهؤلاء يمتلكون نفوذاً لا يُستهان به. ومع ذلك، الإبقاء على هذا الجمود، والعزوف دون تغيير قادة أمنيين بمعايير الكفاءة والولاء، من شأنه الإبقاء على الحالة الأمنية المتردية للمدينة كما هي عليه، ومجرد الحديث عن تنفيذ حملات أمنية يعد ضربا من الجنون. 


الثكنات المرابطة في مداخل المدينة عبارة عن لوبي يتاجرون بمصير المدينة، يقبضون أموالاً طائلة مقابل تهريب أسلحة و سلع مهربة لا تخضع لجمارك وضرائب الدولة, نحن بحاجة فعلا لتغيير حتى سائق طقم عسكري, بالطبع إن أردنا التحدث عن حل المشكلات الأمنية, أما إن قررنا الركض خلف المحاصصة, وحده الوطن من سيدفع الثمن، غالياً. 


بعض النقاط الأمنية تابعة لوحدات من الجيش, ما أروع تلك النقاط؟ وكم هم متفانون في عملهم أولئك, العيون الساهرة. تحية إكبار لنقطة (كمفرق شرعب) التابعة للواء 33 مدرع. 
الأولوية الآن وبعد الثورة هي التصدي للفوضى الملازمة، والذي يعد إنجازاً قياسياً، بعدها يبدأ التوجه للبناء المنشود. 


لا تلتفت أبد إلى الخلف، لا تفتش في حقائب الماضي؛ 
وإن كان لتلمّس لحظةِ سعادة مرت بك ذات صباح، 
لن تجد أياً من ذلك يا صديقي، ما ستجده هو كومة سوداء من رواسب الماضي المثقل بالوجع.. 
دع عنك ذا الشك! وكف عن الماضي السوداوي، تلمس طريقك صوب المستقبل.. 
ثمة منفذ للضوء في آخر الرواق!! 

 

*الصورة من فويس يمن

حُبوب القرمطة..!

03-07-14-65060773

منذ الأزل، هناك شرائح من المجتمع، تقريباً في شتى بقاع الأرض، شرائح تتعاطى مادة الكحول المسكرة. غالباً ما يخالط تصرفات هذه الشريحة نوع من التخبط واللامسئولية. ومع التقدم الذي يشهده العالم، تطورت معه أدوات السكر والثمالة كذلك, لتتعدى الكحول العادي ونبتات الأفيون لتصل حد العقارات الصناعية. البعض تُصنع خصيصاً لهذه الأغراض، والبعض الآخر عقاقير تطبيبية لأمراض نادرة، تستخدم لأغراض (القرمطة). 


قبل 4 سنوات، تحديداً عام 2009، عندما كنت في العاصمة، كان أحدهم يتردد على مكان إقامتنا، كونه صديقاً لأحد المتواجدين معنا في السكن، يحمل اسماً مستعاراً غريباً يتلاءم والعربدة التي يقوم بها. كان ذلك الرجل يأتي ليلاً، شكله مريب جداً، وكلامه كذلك. كان يتحدث دائماً عن تجارته بأدوية خاصة بمرضى القلب، يشتريها من الصيدليات بوصفات طبية، ومن ثم يبيعها في الحدود بمبالغ خيالية. طيب! لماذا؟ معقول لا تتوفر هذه الأدوية في تلك الدول؟ يقول: هذه لا تباع إلا بوصفات طبية ومستحيل يبيعون هناك أي حبة. قلت: طيب الذي يعاني من هذا المرض بالتأكيد سيحصل على وصفة طبية. قال: يا أخي الذي يشتري هذه العقاقير ليسوا مرضى، إنما يشتريها الشباب ليستخدمونها في القرمطة! لم أكن حينها أعرف معنى هذه الكلمة. 


 عموماً، تشهد الجزيرة العربية ككل حملة منظمة لنشر هذه العقاقير، لضرب شريحة الشباب الذين يعدون حجر الزاوية. في تعز مثلاً، كان الحديث عن أشياء مماثلة من ذي قبل، نوع من السخرية! اليوم أضحت تعز تعج بهذه القذارات، وأنا أرى أن لهذه البذرة دوراً كبيراً في الانفلات الأمني الذي تشهده المدينة. في تعز، تمشي آمناً لاتخاف أحداً إلا الله، الآن بالإمكان أن تخرج إلا الشارع فتتعرض للقرصنة في وضح النهار! شيء مؤسف ويبعث على القرف! شبابنا يذهبون إلى الهاوية أمام أعيننا للأسف. انحطاط أخلاقي وقيمي، يثير القلق. أليس الشباب هم من يعول عليهم في الرقي بأي مجتمع؟! ما الذي ستفرزه لنا الأيام إذا كانت القواعد واهية، بل ومفخّخة؟ 
قبل أيام، داهمت الأجهزة الأمنية في تعز، البحث الجنائي تحديداً، داهمت العديد من الصيدليات التي تروّج لهذا القبح والدمار، للأسف كبرى الصيدليات التي دائماً ملاذ المرضى إذا انعدم الدواء في الصيدليات الأخرى. كانت تلك الصيدليات موفرة لكل شيء بما في ذلك حبوب القرمطة. 
كل شيء بات مفخخاً، معظم مفاصل الدولة، سواء المركزية أو المحلية. أشخاص صنعوا منذ عقود، مدربة على الدمار. قبل أيام كنت في إحدى الصيدليات المملوكة لصديق، بينما داهم شخصان من مكتب الصحة المكان، شخص أعرفه جيداً، منشار. قام الآخر بدور المفتش المحترف. دخل ذلك المحترف الصيدلية عاصراً شاربه، وبدأ بالتفتيش، بينما ظل الآخر الذي أعرفه خارج الصيدلية. لم يلبث القابع خارج الصيدلية سوى دقائق ومن ثم دخل الصيدلية، يقول لزميله: أنت متعرفش صاحب الصيدلية، هذا محترم كيف تفتشه، أخرج يلا!. عرفت ما يريده الرجل بالضبط، ففي حال أكمل التفتيش لن يجد شيئاً، لكنه منع زميله من التفتيش ليبتز صاحب الصيدلية.


على أية حال, كان صديقي مصراً على إكمال المفتش ما بدأ به، لم أستطع إكمال مسرحية المفتشين، فحبّذت الرحيل. 


واقع مؤلم، يستحي أحدنا أن يكتب عنه. كم أشعر بخيبة الأمل! هل يعلم المسئولون أن أبناء اليمن يضيعون أمام مسمعهم ومرآهم؟ في حال فسدت نواة المجتمع، أي جيل ننتظر؟ اللهم فاشهد!!!

العمال.. شريان الوطن النابض

13-08-20-600868655

 يحتفل العالم أجمع بيوم العامل، عرفانا بالدور الكبير الذي يقوم به العامل في إطار التنمية المجتمعية ومسيرة التطور الرهيب الذي يجتاح العالم. يأتي هذا اليوم تتويجا لجهود عام من البذل والعمل الدءوب من أجل بناء الوطن وإعمار الأرض. فالعمل عبادة، عطاء بلا حدود وشعور بالرضا وإحساس بالفاعلية المجتمعية والقدرة على التأثير الإيجابي والبناء، في هذا اليوم، من المفترض أن يجتمع الرؤساء والمرؤوسون بعيدا عن أجواء العمل، تكريما للجهود المبذولة وحافزا لمزيد من العطاء. ففعاليات كهذه من شأنها رفع معنويات العامل والشعور بالاهتمام والتكامل في تحقيق الأهداف المرجوة. والابتعاد قليلا عن أجواء الرتابة والملل، ومن ثم العودة بروح مفعمة بالحيوية والعطاء الممتزجة بالإبداع والتميز. فالعمال هم بناة الحضارات وعماد الأمم، فشعب لا يعمل، محال أن يرى النور ويواكب العالم.. 


لكن أي من هذا لا يحدث في عالمنا الثالث، فحقوق العامل تستباح وتصادر، وقد يجد نفسه وأهله في الشارع دونما سابق إنذار! لابد من عمل قوانين تكفل الحقوق وتحمي حقوق العمال المهدورة. فلا تقتصر معاناة عمالنا في بلدانهم، بل في البلدان الأخرى، ربما تحمل قوانين عمل مناسبة، لكنها تستكثرها على شعب يعشق العمل والكفاح، ويمارس ضده الضيم في بلده الأم، ومن يهن يسهل الهوان عليه. 


يضطر العامل للاغتراب, بحثاً عن شيء يسد رمقه, ويسد به حاجيات أهله. يتحمل المهانة, ويتجشم الصعاب والقهر, يذلل العقبات ويصطنع التكيف, يكسر جماح الشوق للوطن والأهل, فقط لكسب لقمة العيش. ذلك الفتات الذي يلاقيه العامل مبارك ودائم فقط لأنه حلال ومُستحَق, فما عند الله لا يضيع. 


يقول لي أحد التجار المغتربين, تفاءلنا بالثورة خيراً, نحن عائدون للاستثمار في الوطن, فقد ضاقت بنا الغربة, وسنجلب معنا العمال المتمرسون القابعون في المنفى, أرضُنا أولى بنا! فقط القليل من الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي.. نحن عائدون لا محالة, سنبني الوطن, وسنعمر الأرض.. مرحبا بكم في وطنكم! 


تحية لكل عامل يسهم في بناء الوطن، تحية من الأعماق لتلك السواعد السمراء التي دأبت على العطاء دون اكتفاء. تحية لكم من القلب في يومكم العالمي. تحية لأياديكم المتقرحة، خير الأيادي وأبركها، تحية لكل قطرة عرق تجود بها جباهكم الطاهرة، فبكم تبنى الأوطان وتزدهر, وبكم يُنتزع الخلود, وتبنى الحضارات وتسابق الزمن, لأجل البقاء!!