عن الموضوعية الغائبة!

في مقالات الرأي الصحفية، يشعر الكاتب بأريحية تامة في إضفاء وجهة نظره الخاصة حول قضية ما، وإبداء رأيه. أما بالنسبة لفن نقل الخبر، يحتاج الصحفي الناجح إلى التجرد من هالات الانتماء السياسي والأيديولوجي ونقل الصورة والخبر بحياد تام وأمانة متناهية، وهذا ما لا يطبقه الكثير. الموضوعية، بالعادة، تمثل خيارا صعبا خصوصا في ضل الاستقطاب الذي يشهده الشارع العربي واليمني تحديداً. انتشار كثيف لوسائل الإعلام المختلفة على أساس الانتماءات الحزبية والأيديولوجية وطبقا لمبدأ النفعية, وهذا حقيقتاً ما فاقم الشرخ المجتمعي. أحد أسباب غياب الحياد يتمثل في ترهل النظام، مع غياب أي نوع من الرقابة تجرم تداول تلك الأخبار الصفراء، وحجب وتغريم الوسائل الإعلامي المخالفة. سبب آخر جدير بالذكر، غياب التأهيل الكامل للكوادر الصحفية ومواثيق شرفية لمهنة الصحافة.

في اليمن، يبدو الأفق ضيقا أمام الصحفيين المهنيين، بينما يتسع كثيرا أمام الصحافيين الذين يكتبون لصحف حزبية، يستأثرون الأجر ويلطخون سمعتهم الصحفية. الشارع منقسم، كما هي القوى السياسية، وهنا يقع الصحفيون في فخ الاستقطاب، ويجدون أنفسهم في إحدى تلك الصفوف إلا ما ندر. كما أن السياسة التي تتبعها وسائل الإعلام تجبر الصحفي على نقل أخبار زائفة، وبطرق غير نزيهة. غياب الضبط كذلك يجعل سرقة الأعمال الصحفية أمرا سهلا للغاية، وهذا ما تجرمه قوانين الصحافة. بصراحة، الاستقطاب الحاد الذي يشهده الشارع، يحتم على الصحفي نقل الخبر طبقا لمصلحة الجهة التي يعمل لديها، وخلق إعلام موجه بدلا من نقله بموضوعية وترك مسألة التقييم للقراء.

في الحقيقة، للوصول إلى تحقيق الموضوعية المهنية، يحتاج الصحفي إلى التعرض لمعايير الكتابة المحايدة، وعزيمة صادقة للالتزام المهني. فبدلاً من التعبية, التي تجتهد بها الأطراف المختلفة, لصحفييهم, الأجدر بهم أن يوفروا لهم فرص تدريب في الكتابة والإملاء حتى. الصحافة اليمنية تمر بمرحلة مزرية, فمعايير الصحفي أصبحت كيف تستطيع سرد عدد من الأخبار الصفراء التي تجذب بها الجمهور, وبالتالي شراء الصحيفة. الصحافة أبعد من ذلك بكثير, الصحافة وسيلة جميلة لنقل الحقائق وإطلاع الرأي العام بكل حيادية, هي كذلك توصيل معاناة قطاع عريض من الشعب المكلوم إلى من يهمه الأمر. الصحافة ليست قسراً لتجميل الوجوه القبيحة, والتسبيح بحمد الحاكم.

كم نحن بحاجة إلى الموضوعية في الطرح, وترميم الشروخ المجتمعية, تثقيف العامة ونشر البسمة في السواد الأعظم من الشعب المتهالك. كم نحن بحاجة إلى التنوع الجميل والنقاشات الهادفة, ومعالجة قضايانا بصورة حضارية تليق بإرثنا التليد, يمن الإيمان والحكمة!

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *