قليلٌ من الوجَع

كنتُ أستعد للخلود إلى النوم عندما دقّت أجراس قلبي تلك الرسالة. أيقضت بداخلي حنيناً لا ينطفئ، بعثرتني ولبّدت ليليَ الكئيب بغيماتٍ من الحَزَن. كانت ليلةً قمراء، إلا أنّها سُرعان ما أسدلت ستارَ الظلام على كاهلي المثقل بالوجع.

لم تكُن أبداً رسالةً عاديةً. اجتاحتني بكل جوارحي، لم يكن الصديق أحمد يستعرض مهاراته في الكتابة. شعرتُ بكل حرف يتمخضُه قلبُه المحسور بالألم. كانت الكلمات تشقُّ جدار القلب مع كل زفرة, لتصلني مضرّجة بالدماء. لم يستطع الرجل كتمَ عبراته حتى طلوع الفجر ليبوحَ بتلك الكلمات الثقيلة على المسامع.

كتبَ يقول ” كلّما اندمل جرحي، إذابصورته،صوته، شبابه، همّته، عقلانيته، هندامه، سلوكه المتّزن.الم وحسرة والدته المكلومة.رباه رباه..ما أقسى غيابه، لكن يبقي الحمدلله يا صديقي”. يا رباااااه! ليس أقسى من هذه الكلمات سوى فقدان الأحبة. إنّه يبكي ولده، ذي الثمانية عشر ربيعاً، الذي لم يمضِ شهراً على وفاته.

تعثّر قلمي مراراً كلّما حاولتُ أن أرد رسالته بقليلٍ من المواساة. الأمرُ جلل، والفاجعةُ لم تزل طريّة. اعتصرني ألمٌ بعمق الصداقة, وخيّم الصمتُ والوحشةُ ليليَ الطويل. أحياناً يتملّكُنا شعورٌ أننا ببساطة بلا فائدة. الرسالةُ بوح، لكن الرد مواساةٌ وتطبيب. ليتني أستطيعُ أن أحمل عنه بعض ذلك الألم، وأُضفي نفحةً من الحياة على بيته المُوحش. يكادُ الحزنُ يقتلك!

هوّن عليك يا صديقي. إنّ الله لا يصطفي سوى الأخيار. الطيبون يموتون قبل أوانهم؛ وحدهُم الأوغاد تزداد أعمارهم ليزدادوا جبروتاً وإثماً. قُل الحمد لله وابتسم كما عهدناك، فالدموعُ لا تُعيد الموتى، ليتها تفعلُ ذلك! سأبكي دماً بدلاً من الدمع. الراحلون لا يعودون، هكذا جرت العادة، لنكتفي بالدعاء له فما خاب من دعا الله

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *