ما الذي يُريدُه القُضاة؟!

مطالبُ القُضاة المضربين عن العمل تتلخّص في فرض حماية لأعضاء السلطة القضائية والمحاكم والنيابات. هذه المطالب تعني باختصار ترسيخ الأمن، وهذه مطالبُ الشعب بأكمله. إذن فمالداعي للإضراب وتعطيل مصالح الخلق، هذه المرحلة السوداء يعيشُها الجميع بلا استثناء، حتى من يملكون تلك الحماية او من يُفترض أن يكونوا الحماية ذاتها لا يستطيعون درأ الضرر والموت عن أنفسهم. قبل أيام شنق نزيل لمركزي صنعاء نفسَه داخلَ الزنزانة، لم ينصفهُ القضاء ولم يُدنه حتى. الأمر ذاتُه تكرّر مع نزيل في إحدى سجون إب. العيش خلف القضبان لا يشبه بتاتا العيش خارجها؛ الحرية لا تقدر بثمن، والضغوط النفسية خلفَ القضبان لها تبعاتُها. هذا الحدَث جعلَ القُضاة يُصدرون قرارَ رفعٍ جزئي للإضراب والمتمثّل في يومين في الأسبوع للقضايا المستعجلة، ليس هذا القرار حفاظاً على حقوق الإنسان بالتأكيد, بل خوفاً من ردة الفعل الشعبيّة المُتوقّعة.

القضاةُ يدّعون أن مطالبهم بتوفير الحماية؛ منْ يحمي الشّعب أجمع؟ بل ومن يحمي أولئك الجنود الذينَ باتوا وقوداً للصراعات السياسية والجماعات المتطرّفة؟ بل من يحمي أعمدةَ الكهرباء وأنابيب النفط؟

كما أسلفت، هذه مطالب السواد الأعظم من الشعب بمشاربهم وتوجّهاتهم، لماذا تربطون إضرابكم بظاهرة مُزمنة لن تنتهي بهذه السهولة؟ الشعبُ يعاني من الانفلات الأمني، غياب المشتقات النّفطية، ظلامٌ دامس… وكل ما هو سيّء، فلا تزيدوا معاناته بمطالبِكم التّعجيزيّة.

بالمناسبة، الحماية الأمنية المتواجدون حالياً في المحاكم ليسو سوى سماسرة، شأنهم شأن بقيّة الموظفين الذين في المحكمة، من رئيس المحكمة حتى الفرّاش.

القضاء مفخّخ بالفساد رُغم رواتب القضاة الكبيرة جداً. هذه الرواتب في الحقيقة, هي لضمان عيش كريم لعدالةِ الأرض لكي ينأوا بأنفسهم عن أخذ الإتاوات والرشاوي. حبالُ المحاكم طويلةٌ جداً ويتخلّلها الكثير من الاستنزاف للمواطنين البسطاء.

التحجّج بمطالب أمنية هو غطاء لمطالب سياسية لها علاقة بمكانة نادي القضاة المستقبلي. هذه المطالب المُبطّنة لن تتحقق إلا بنزاهة القضاء وخدمة الشعب؛ إذا فسَدَ القضاء, فلا خير في الوطن. إصلاحُ النّفس وتزكيتُها، الانضباط والنّزاهة هي من سترفَع القضاء ذلك المكان العلي الذي يطمحونَ إليه.

إعادةُ فتح المحاكِم وتخفيفِ معاناةِ المواطنين أمرٌ ضروري وعاجِل، ولا مجالَ للمُزايدة. المواطنُ البسيط لم يعُد يتحملّ المزيد من المُعاناة، لابدّ من البَت في القضايا وإنجازِها بدلاً من المُماطلة والإطالة في أمد القضايا وعدم إنجازها.

تُرى هل يتفهّم الأخوة القُضاة المبجّلون هذا الأمر، ويعودونَ إلى مزاولة أعمالِهم؟! آمل ذلك .. كما أقترحُ حاليّاً على الجهات المسئولة بتخفيضِ رواتِبهم مؤقتاً كونَهم لا يُمارسونَ أعمالَهم، بل وتوقيفها فيما بعد!!

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *