في عصر الاتحادات و التكتلات.. لا التجزئة

Business people standing with hands together

قامت تجربة الاتحاد الأوروبي كحاجة ملحة للإبقاء على القارة العجوز كقوة دولية لطالما حكمت العالم، بعد التفكك للقوى التقليدية إبان الحربين العالميتين، وبروز قوى جديدة على الساحة العالمية، كان على دول أوروبية عريقة كبريطانيا، فرنسا وألمانيا بناء اتحاد فيدرالي مع دول أخرى لضمان البقاء كقوة عظمى يضرب لها ألف حساب.. مؤخراً، تُجري الأمانة العامة لمجلس دول التعاون الخليجي مباحثات لتطوير المجلس وكذلك استقطاب دول عربية أخرى ذات أنظمة مشابهة, للانضمام إليها، رغم البعد الجغرافي. 


بالنسبة للقضية الجنوبية في اليمن، تتعالى دعوات الانفصال بشكل عير مسبوق هذه الأيام.. قبل الوحدة، كان ما يفصل الجنوب عن الشمال هو (برميل)كرش، لكن روح الشعبين كانت أكثر تناغماً، كان الخلاف بين الساسة لأسباب سلطوية بحتة، وبفضل النظام السابق أُزيل البرميل، ووضِع بدلاً منه جبلاً من الجليد على نحو مناطقي مقرف. 


بعد حرب 1994 الظالمة، خرج صالح بعقلية المنتصر، فتعامل مع المحافظات الجنوبية كغنيمة حرب، ومع المحافظات الشمالية بالاستبداد والتسلط. فنُهبت أراضي المحافظات الجنوبية وسُرح أبنائها من وظائفهم، بدأ الأخوة في المناطق الجنوبية، الذين كانوا جزءاً من الوحدة في بدايتها، وكانوا طرفا في الحرب ضد الانفصاليين، بدأ هؤلاء بالشعور بتقاسم الغنائم من قبل شلة معينة استباحت الجنوب، استمر موال الصمت حتى بدأ بعض الأحرار بتشكيل ما سمي بالحراك السلمي الذي وجه بقمع وحشي من قبل النظام السابق، إلا أنه ظل صامداً. 


ومع اندلاع الربيع العربي، كان لليمن الأولوية في الثورة، انتصاراً للمحافظات الجنوبية والشمالية على حد سواء، فكان أول شهيد لثورة فبراير من عدن. كان من أولويات ثورة الشباب الانتصار للجنوب بالدرجة الأولى، بإسقاط النظام الذي أذاقهم صنوف البؤس والتنكيل، فمع بداية تهاوي النظام السابق بمؤسساته، العسكرية والمدنية، ضعفت الدولة وبدأت تتعالى نغمات الانفصال في المناطق الجنوبية، بتغذية قيادات لفظها التاريخ، باعت الجنوب يوما ما وارتضت بحفنة من الدولارات والسياحة في المنتجعات والفنادق الفارهة، الغريب في الأمر، التذمر الذي يبديه بعض الأخوة في المحافظات الجنوبية من ثورة فبراير، والتهجم على أي فعالية تمت إليها بصلة، وإقامة تحالفات مشبوهة تزودها بأسباب الدمار. 


الأمر المشترك الذي لا خلاف عليه بين الجميع، هو أن السبب الرئيسي في الإجحاف الذي تعرض له الجنوب، هو الرئيس السابق وزمرته.. ألم تحقق ثورة الشباب هذا الهدف المشترك؟! وإن لم تكن الأهداف على النحو المرجو!. في حين تسعى القيادة الجديدة التي أفرزتها ثورة فبراير، لرد المظالم، وإرجاع المسرحين من وظائفهم وتعويضهم، كمدخل للبدء بالحوار الوطني الذي من المفترض أن يحدد ملامح النظام القادم بدعم دولي متناه، الكل معترف بمظالم الجنوب، لا خلاف في هذه المسألة، لكن لماذا يطرح خيار الانفصال من البعض بهذه الحدة وبهذا التوقيت تحديدا؟ أليس حري بهم انتظار ما ستفرزه ثورة فبراير؟! ألا يجدر بالحراك الذي بدأ بالتسلح والجنون احترام هذه الثورة بينما كانوا غير بعيد لا يجرأون للخروج إلى الشارع؟! أم أننا أصبحنا شعباً “يفرح بالصميل»!! 


ينبغي على الأخوة في المحافظات الجنوبية أن يدركوا أن معظم أسباب التوتر والظلم قد زالت، وأن حل قضيتهم ضرورة حتمية، لابد أن ندرك أن الوحدة عز وقوة، وأن التفكك بداية الانهيار، خصوصا إذا اعترفنا أن مطالب الانفصال تدار بالريموت كنترول، بمعنى آخر، من يدفعون بالبسطاء للانفصال لا يقصدون وجه الله في ذلك، إنما لمآرب أخرى، خصوصا مع بروز شعارات “عدن للعدنيين” وأشياء من هذا القبيل. اللافت للنظر وفي ذكرى التصالح والتسامح، خروج بيانات متباينة للفصائل المتصالحة، في حين لابد من الخروج ببيان واحد كحل جذري للمشكلات العالقة، لكن هذا لم يحصل! خلاصة القول إن التحالفات المطالبة بالانفصال هي آنية وبلا نظرة مشتركة لما بعد الانفصال، الأمر الذي ينذر بعودة الإمارات وصراعات الماضي، ولنا في جنوب السودان عظات وعبر، لكن تبقى الفيدرالية لكل المحافظات الشكل الأنجع لنظام الحكم القادم، لحل جميع القضايا بما في ذلك القضية الجنوبية، وضمان العدالة لكل إقليم، بعيدا عن الركض خلف سراب لن يأتي من بعده سوى الدمار، الانضمام لطاولة الحوار كفيل بطرح تلك البدائل والاتفاق عليها.. لابد من إعلاء صوت التسامح وإعادة تلك الروح الأخوية التي لطالما عرف بها اليمانيون، بغض النظر عن الجغرافيا.. هنا فقط لن نحتاج إلى وحدة قسرية، فالقلوب تتوحد قبل الأرض. 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *