أرشيفات الوسوم: الزعيم

النّزعة الانتقامية لدى الرئيس السابق

منذ أن أزيح عن الحكم عبر المبادرة الخليجية، لم يستطع الرئيس السابق “علي عبدالله صالح” تخيّل نفسه خارج دار الرئاسة. فقد حكم البلاد لأكثر من ثلاثة عقود، وكان يسعى جدياً لتأبيد ولايته والتوريث لابنه من بعده. لكن ثورة الشباب الشعبية أو ما سُمي بـ”الربيع العربي” أطاحت بآماله، ليُسلم بعدها السلطه لنائبه الجنوبي “عبد ربه منصور هادي” وفق مبادرة سُعودية أممية جعلت منه كمسمار جحا في المشهد السياسي.

news1.625401

استغل الرئيس السابق الحصانة التي منحته إياها هذه المبادرة، وعدم تضمّنها قانون عزل سياسي، وراح يلعب من خلف الستار غوايتَه التدميرية المُفضلة. أبقت المبادرة عليه- بقصد أو بدون قصد- كعامل توازن بين ما كان وما سيكون. فلا هي ثورة ناجزة، ولا هي عودة للنظام السابق. باختصار ثمة من يريد لليمن أن تبقى دولة فاشلة وحسب.

مُستعيناً بنزعته التخريبية، واصل الرّجل تدميره لمؤسسات الدولة وبِنيتها التحتية والخدمية، مستغلاً الثروة الطائلة التي استأثر بها من حكم البلد لعقود، ونصف الحكومة- وليدة المبادرة- ومفاصل الدولة المختلفة المُبقى عليها منذ فترة حكمه. منذ تنحّيه القسري، تعاظمَت عمليات تفجير أنابيب النفط والكهرباء، والمفجرون في الغالب أعضاء في الجنة الدائمة لحزبه. ليس هذا وحسب، فقد عطّل كذلك نصف الحكومة التي بحوزة وزرائه. كل هذا لكي تظهرَ الحكومة كفاشلة، وليبدو الوضع أكثر سوءً مما كان عليه في عهده، وليلعن الشعبُ الثورة ويعودوا له معتذرين، ليقود دفة السفينة مُجدداً ويمضي بهم.

يحرصُ الرّئيس السابق على بقائه دائماً خلف الأضواء بالنسبة للعرقلة التي يُمارسها، فقد بدأ دعمه الفعلي للمتمردين الحوثيين مُنذ ما قبل سقوط مدينة عمران. هو يمدهم بالرجال والسلاح، بينما يظهرون هم على الشاشة بتلك القوة. سخّر ألوية الحرس الجمهوري المرابطة هناك والخاضعة لقيادة نجله، سخّرها كقوةٍ ضاربة بأسلحتها النوعية لإسقاط المحافظة المهمة جداً.

تُعد محافظة عمران السياج الأمني للعاصمة وبسقوطها ستُشكّل صنعاء لُقمة طرية لمن يتربّص بها. حتى القبائل المُوالية لحزب صالح كان لها دورٌ مِفصلي في تفكيك القوة العسكرية القبلية المُوالية للثورة والنظام الحالي.

في العاصمة، استخدم صالح ذاتَ الأسلوب، مع اختلافٍ طفيف في الكيفية، حيث ترافق الحصار العسكري مع نزول إلى الشارع، كان لحزب الرئيس السابق النصيب الأكبر من المتظاهرين. جماعة الحوثي ليست بتلك القوة التي ظهرت بها مؤخراً؛ إنه صالح بقناع حوثي مُشوّه.

حالياً، يجري إسقاط المدن تباعاً بذات الأسلوب، لكن مع تدخل جناحه الآخر “القاعدة” لغرض إضفاء الجانب الفوضوي للوضع ليكون هو البطل المخلص. رغم تشكيل حكومة حسب “اتفاق السلم والشراكة”، إلا أنه لا شيء تغير، ولا تنوي الجماعة سحب مليشياتها لأسباب خفية ستتجلى لاحقاً.

مُقابل جنون العظمة والنفسية المريضة المُدمرة للرئيس السابق، ثمة شعبٌ هو الأفقر في المنطقة ومن أفقر شعوب العالم يئنُّ تحت وطأة هذا الكم الهائل من العبث. عبث صالح والمليشيات، والعبث المُضاد للساسة والمُعارضة العقيمة. قبل أسابيع تحدث أحد قياديي حزب صالح عن تحسّره في تضييع فرصة إقامة مجلس عسكري للبلاد في خضم هذه الفوضى التي هي صيعتهم أساساً. ثمةَ علاقة وطيدة بين ما قاله عضو المؤتمر واجتماع القادة العسكريين للحفاظ على الأمن والجيش الذي جرى في صنعاء مطلع الأسبوع. رُبما كان بداية لمجلس عسكري ينتوي صالح إشهاره، بينما يتوارى هو عن المشهد حالياً ليظهر فيما بعد.. من يدري!

شاهر السروري حكاية عائد إلى الحياة

في حالة ذهولٍ من أقاربه ومُحبيه، عادَ “شاهر عبدالولي السروري” إلى الحياة بعد أربعة عقودٍ من التّغييب القسري. يقولُ ابن شقيقته: “كُنا نظنه ميتاً ولم يكن على البال أن يعود بعد هذه المُدة الطويلة التي توازي عُمر إنسان”.

يُذكر أن أحد الأشخاص نقلَه إلى منزله قادماً به من محافظة الحديدة. ويعاني شاهر حالةً صحيّة مُزرية وبالكاد يستطيع التفوّه بكلمة ولكن بلكنةٍ ثقيلة بالكاد تُفهم. وكان شاهر قد دخل السجن مع العديد من رفاقه في عام 1974 من القرن الماضي؛ وإلى الآن لم يُعرف عنهم شيئاً. نسيَه الجميع، رفاق النضال والساسة، بينما لم تفقد الأمل أمُ أطفاله التي انتظرت عودته طيلة هذه المدة.

10818905_1543446119231564_52270775_n

تخرّج شاهر عبد الولي من الكلية الحربية سنة 1967، وكان أحد أهم القيادات العسكرية التي فكّت الحصار المعروف بـ”حصار السبعين” الذي فرضهُ الملكيون على العاصمة صنعاء مطلع سبعينيات القرن الماضي. وبعد الأحداث السياسية التي شهدتها البلاد، توجّه السروري إلى مدينة عدن- جنوب البلاد- ليمكث هناك حتى تاريخ اختفائه الفُجائي سنة 1974 لأسباب سياسية بحتة ومن ثم ترحيله إلى إحدى الجُزر النائية.

قبل ثلاثة أيام، عادَ شاهر في ظروفٍ غامضة ليُثير ملف المخفيين قسراً ويعيدُه إلى واجهة الأحداث. تقول شقيقة السروري إنه بحالة نفسية وجسدية مُعقّدة، وبصعوبة كبيرة يستطيع النطق بكلمه. وأضافت: “عندما علمت بالأمر أُصبت بالذهول، وأتيت جرياً للتعرف عليه”. قيل له: “هذه شقيقتك!” وعندما سمع باسمي انتفض وحملق في طويلاً لكنه لم يستطع التحدّث إلي.

ليست هذه أول حالة ظهور لمخفي، فقد ظهر “مطهر عبد الرحمن الإرياني” قبل عام بذات الحالة المُزرية. وجدوه في دار مُسنين في الحديدة كذلك وهو مخفي منذ عام 1982، ولم نسمع عن أخباره حتى الآن. قبل عامين، أخبرني زميل عن مقابلته أحد المخفيين في إحدى مصحّات محافظة الحديدة؛ أفرج عنه من المعتقلات السّرية ليُزج به إلى مستشفى المجانين. والقائمة تطول!

ثمة سرٌ وراء إظهار هؤلاء المُغيّبين قسراً مُنذ عقود في هذا التوقيت الحسّاس تحديداً. وهناك علاقة بين الإفراج عنهم وبين الحالة التي وصلوا إليها من الإنهاك والصمت المُريب الذي يُمارسونه بعد ظهورهم. يتخوّف أهالي شاهر السروري من الحديث لوسائل الإعلام، كما يمنعون أي أحد بالتحدث إليه أو حتى إلقاء نظرة. يقول ابن شقيقته إن هذا الغُموض الذي يكتنف عودة خاله وظروف اعتقاله السياسية، كل هذا يجعلُ عائلته قلقون على حياته.

كل هذا الغموض من شأنه تسليط الضّوء مجدداً على قضية المخفيين قسراً. يُذكر أن المئات من مناضلين وضُباط تعرّضوا لعمليات إخفاء قسري وفي معتقلات سرية منذ سبعينيات القرن الماضي، ولم تُعرف أخبارهم إلى الآن؛ إن كانوا أحياءً أو أموات. ويُحمّل أهالي المعتقلين النّظام السابق وشخصياتٍ عسكرية نافذة بالوقوف وراء هذا الملف.

من المفترض أن يُثار هذا الملف من جديد خصوصاً في خضم التّدافع السياسي الذي تشهده البلاد. أضف إلى ذلك ظهور رموز النظام السابق مُجدداً إلى واجهة المشهد السياسي باعتبارهم اللاعبين الرسميين في قضية المخفيين.