أرشيفات الوسوم: إيران

الطائفية الجديدة برعاية أممية

لا أحبّذ لفظ هاتين المُفردتين “سنة” و “شيعة” لكن على الأقل هذا ما يجري تجسيده على المنطقة العربية. عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر المشؤومة، تحدّث الرئيس الأمريكي “جورج بوش” بلُغة غاضبة تحمل تهديداً مفاده أن “حرباً صليبية” ستُشن على 60 دولة رداً على هذه الأحداث. فيما بعد اعتذر بوش عن الخطاب، لكنّه نفذّه بحذافيره.

     ايران-وامريكا        

هذا التصريح، لنُسمه زلّة لسان إن جاز التعبير، يوحي بما لا يدع مجالاً للشك بأن تلك الأحداث كانت مرسومةً بعناية ولأهداف مُعينة، ربما تكون تلك التي صرح بها الرئيس. يُذكر أن تلك الأحداث غيّرت السياسة الخارجية الأمريكية بدرجة كبيرة، كما غيّرت طريقة تعاطيها مع العالم، الشرق الأوسط تحديداً. عند تفكيك الاتحاد السوفيتي مطلع تسعينيات القرن الماضي، قال دبلوماسي أمريكي: “الهدف التالي المنطقة العربية.”

 

في فيلم وثائقي عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، يشِي دبلوماسيون وضبّاط أمريكيون رفيعون عن عِلم السلطات بكل ما جرى، لكنهم غضّوا الطرف عن الأمر. ربما أُوكلت تلك العملية للمُوساد الإسرائيلي، خصوصاً إذا علمنا أن مُعظم الإسرائيليين العاملين في “مركز التجارة العالمي” تغيّبوا عن العمل في ذلك اليوم.

 

عموماً، ليس هذا محور الحديث. في عام 2003 شنّت الولايات المتحدة حربا شاملة على العراق. كانت الذريعة الأولية وجود أسلحة نووية لدى النظام العراقي، وهذا ما نفاه كولن باول- وزير الخارجية آنذاك-  في مذكراته مؤخرا. حيث يقول إن أمريكا كانت تعلم أن لا وجود لتلك الأسلحة في العراق وحسب مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. إذن فالأهداف من الغزو أخرى تماما. هل يكون النفط؟ ربما كان أحد الأهداف؛ لكن ثمة أهداف أخرى.

541bc3a5b3044

 فور وصول القُوات الأمريكية إلى العراق، بدأت بتفكيك الجيش نهائيا، فيما قامت بدعم مليشيات طائفية من “الشيعة” تحديدا. بالتأكيد ليسوا شيعة العراق، بل شيعة إيران الذين دخلوا إلى العراق وأحرقوا دفاتر السجلات المدنية ليتم تدوينهم فيما بعد كعراقيين. غياب الجيش يعني بالضرورة فراغا أمنيات وبالتالي حاضنةً للجماعات المُسلحة. ما تشهدُه بعض الدول العربية اليوم مردّه لغياب الدولة؛ الجيش والأمن تحديداً.

 بالعودة إلى العراق، الشيعة العراقيون متعايشون مع السنة، ولم تُسجل أية تصفيات بينهم من قبل على أسُس طائفية، رغم أن الشيعة كانوا أقلية كالمسيحيين مثلا. في مداخلة تلفزيونية، تحدث أخ “منتظر الزيدي” المشهور بقذفه الرئيس أوباما بالحذاء، والمنتمي للطائفة الشيعية، يقول إن من يتحدث عن التعايش يتم تصفيته، بما فيهم أبناء الطائفة الشيعية. وأضاف إن تصفية عرقية وإعدامات ينفذها إيرانيون بحق أشخاص ينتمون للطائفة السنية، فيما يجري تحييد للمدن لصالحهم عبر تصفيتها. وأردف قائلا: “كل من يخالفهم مصيره الإعدام حتى نحن، وأخاف بعد هذه المداخلة أن يتم تصفيتي، ولكن لا أبالي.”

بمعنى آخر، ثمة تمكين لإيران تمارسه أمريكا عبر تقوية الطائفة الشيعية- الأقليات- ولكن على الطريقة الإيرانية التوسعيّة. من المستحيل أن يمارس هذا الدور شيعة العراق الذين باتوا الأنساب والأصهار مع السنة، يسجلون أجمل معاني التعايش. في لبنان، يمارس حزب الله ذات النهج التوسعي، وذات الممانعة المفضوحة. عندما تستمع إلى مداخلات الأمين العام السابق لحزب الله التلفزيونية تتعرف على حزب الله المقاوم. أما ما يمارسه حسن نصر الله هو امتداد إيراني لا يمُت للمقاومة بصلة، تماماً كممانعة إيران.

 في اليمن كذلك، لم يكن اليمنيون ليتذكروا هاتين المفردتين. لطالما تعايش “الزيود” مع السنة الشوافع، ولم تسجل أية خلافات على أسس طائفية. التشيّع المدفوع بنسخته الإيرانية هو ما يمارسه الحوثيون الآن، وما أعد له منذ زمن. إذن هي عملية توسعية بدعم غربي على حساب الطائفة السنية. فبدلا من أن يكون الشيعة أقلية، سيصيرون أكثرية بينما يتحول السنة إلى أقليات ملاحقة. الفارق الوحيد بين الصورتين، في الأولى ساد التعايش، أما في الثانية ستكون الملاحقة والتنكيل الصفة السائدة، أو على الأقل هذا ما نشاهده.

 سؤال مهم يطرح نفسه: لماذا يفعل الغرب ذلك؟ لن أتحدث عن نظرية المؤامرة، لكن على الأقل هذا ما قاله جورج بوش الابن؛ إنها حرب صليبية.

 في الحروب الصليبية الشهيرة على المنطقة العربية، لم يسجل أي ردة فعل مقاومة للمناطق الشيعية ضد الحملات الصليبية. كانت المقاومة عربية سنية بامتياز. تريد الولايات المتحدة إضعاف السنة لصالح الشيعة لعدة أسباب. الأول لأنهم لا يتبنون المقاومة، والثاني والمهم لإحداث توازن بشري بين الطائفتين تجهيزا لحروب اجتثاثية طويلة الأمد لا تقوم بعدها للعرب قائمة. هذا النوع من الاحتراب الطائفي مارسه الغرب كثيرا، وكانت النتائج هائلة. هذا ما تحاول أمريكا فرضه بعناية لتفتيت إحدى أكبر المناطق تجانسا جغرافيا- في حال اتحدت- بالإمكان أن تشكل خطرا حقيقيا على وجودها كأقوى كيان على الأرض. مساحة شاسعة تجمعها لغة واحدة ودين واحد على الأرجح، وكم بشري هائل، لن تكون قوة يستهان بها.

 للأسف، تسير خطط الولايات المتحدة كما رسم لها، وبوجود مرونة كبيرة في التعامل مع المتغيرات السريعة على الأرض. بعد أحداث ما سمي بالربيع العربي والتي فاجأت الولايات المتحدة كغيرها، تم التعامل مع الأحداث والتي ربما مهدت الطريق للمخطط الأمريكي.

 كباقي البلدان، انتفض العراقيون، خصوصا العشائر السنية المقصيّة من الوظائف العامة والمحاطة بقانون مكافحة الإرهاب الذي نكل بهم. في هذه النقطة كذلك تم التعامل معها بحرفية عالية. فقد تحول المتظاهرون السلميون إلى تنظيم القاعدة تمهيداً لضربهم. فالجيش العراقي مقتصر على الطائفة الشيعية، وقد بدأ فعلا باقتحام المحافظات الستة.

 أبدى مسلحو العشائر مقاومة شرسة، لكن المُخابرات وتداعيات الحرب السياسية في سوريا غيرت المشهد. فقد قام تنظيم القاعدة السياسي الذي يقاتل في سوريا بإعلان جيش العراق والشام.

 حالياً، يجري تجريف الهوية العربية في لبنان ومروراً بالعراق ومن ثم اليمن. تبدأ هذه العملية بالمُمانعة المزيفة والعداء للغرب، في حين هي على الأرجح خطط مدروسة بعناية، أهدافُها باديةً للعيان.

تعز.. أيقونة التعايُش!

في تعز المـــرور يقـــوم بعمــله على أكمـل وجــه..
في تعز تنتشر نقاط النجدة على امتداد الشوارع الرئيسية..
في تعز نقــاطُ الجيـش تحـوّط المـدينــة من جميــع مـداخلــها..
في تعز معنا مُحافظ الحاصل وتسعة وكلاء وأمين عام كيف ما كانوا..
في تعز تجري الحياة بشكلها الطبيعي برغم الاغتيالات السياسية المفتعلة..
في تعز تكتض الأســواق بالمارة والمتسـوقين وبالباعـة المتجـولين..

Taizz, in the middle the Cair fortress

في تعز تفوحُ رائحة المشاقر والكاذي من سُطوح المنازل العتيقة، ومن خدود الغواني في الأودية وفي الأسواق الشعبية..
في تعز تكتضّ باصاتُ الفرزات الداخلية بالركاب والمتسوقين وأصحاب المصالح والمعاملات..
في تعز تفيض الحدائق والمتنزهات بالعوائل والمتفسحين..

تعز ليست بحاجة للجان شعبية من فصيل طائفي أثبت فشله السياسي في غير مدن، فيما حظي بسجل حقوقي هو الأسوأ على الإطلاق. تعز ليست بحاجة إلى دخول مليشيات لتُنتج مليشيات مُضادة؛ تعز ليست بحاجة لتدمير أكثر من ما هي عليه.

تعز مدينةُ التنوع والتعايش الفريدة من نوعها. إنها ليست تلك الأرضية الخصبة للتجاذبات، وليست ساحةً للصراع. إنها أرضية للحياة، ساحةٌ للتفاهم والحوار.

ظهور من يطالبون بإحلال لجان شعبية مؤخراً بدلاً من مؤسسات الدولة يمكن القول عنهم “مُرتزقة”. يبحثون عن وظائف لا تُسمن ولا تغني من جوع، مقابل مدينتهم. يبيعونها للتدمير الطائفي مقابل دمجهم في الجيش. كيف يُفكر هؤلاء يا ترى؟ حتى المجلس العسكري الذي شُكّل أوكلت رآستُه للمركز المقدس. وكأن انتمائهم للهاشميين الجُدد من الدرجة الثانية. تفرقة عنصرية تُكرس ثقافة مُندثرة؛ ثقافة السادة والعبيد. بل أن السادة أنفسهم ينقسمون إلى طبقات متفاوتة.

أين كان يختبئ هذا الخبث طيلة هذه السنوات؟ ومالذي جعله يندثر بهذه الطريقة المقرفة فجأة؟

بغض النظر عن رداءة الأداء الحكومي، لكنّها من رَوح الدولة. دولةٌ رخوة خير من مليشيا طائفية وصلت إلى السلطة بواسطة السلاح وترفض أن تكون دولة. الدولة مسئولية، وأي قصور في الأداء يعودُ عليها بالضرورة.

الحوثيون يُريدون أن يكونوا سُلطةً أقوى من الدولة؛ تفعلُ ما تريد ولا تدخل تحت طائلة المُسائلة. تُعطل مؤسسات الدولة لتتهمها بالفشل ومن ثم تستبيحها بطريقة بدائية انتقامية. الذّهنية الانتقامية لا تصنع دولة؛ والمشحونون بفكرة أحقية العيش دون الآخرين لا يصنعون تعايشاً بين أفراد الوطن المُتنوع.

والسؤال الملح بقوة: هل يرضى أبناءُ تعز بتدمير مدينتهم الجميلة مقابل أن يكونوا قفّازاتٍ بيد جماعة لا علاقة لها بالمُقدسات الدينية وترتهنُ على نحوٍ مُريب للخارج؟!

ما وراء استقالة هيجل!

ظهَر أمس الأول الرئيسُ الأمريكي- باراك أوباما- في مؤتمرٍ صحفي مع نائبه “بايدن” ووزير دفاعه المُستقيل “تشاك هيجل” ظهوراً باهتاً. بدى الرجل مرتبكاً وهو يسُوق سيل التبريرات وراء قُبوله استقالة وزير دفاعه بعد تقديمها منذ أيام حدّ قوله.

743

ثمةَ خلافاتٍ تعصف بالبنتاجون الأمريكي، لعل من أهمها الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية والمعروف بـ”داعش” والتعامل مع ملف الشرق الأوسط برمّته. يُعد “هيجل” الجمهوري الوحيد الذي يشغل منصباً كبيرا بحجم البنتاجون في دولة أوباما الديموقراطية. في بداية فترته بوزارة الدفاع قبل عامين، كان هيجل يتصرّف كديمقراطي مثله مثل أي مواطن أمريكي يتفانى في خدمة الوطن في أي مركزٍ كان.

في الآونة الأخيرة، لم يستطع الرّجل التعامل مع السياسة التي يتخذُها أوباما، خصوصاً تلك المُتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط. فقد عمدَت سياستُة بالسماح لتنظيم داعش بالتعاظُم والتنامي في زمن قياسي لتحقيق مكاسب أخرى لا تبدو مفهومة. فبرغم الضّربات التي يوجهها الحلفاء بقيادة أمريكا، إلا أنها لم تحد من تقدم التنظيم وإسقاطه المدن تلو الأخرى بطُرق درامية مفضوحة. أضف إلى ذلك محافظة النظام الأمريكي الحالي على الرئيس بشّار الأسد على نحو غير مُبرّر، وتمديد التفاوض مع إيران بشأن برنامجها النووي؛ وهذا ما لا يناسب الجمهوريين تحديداً. فقد كان الجمهوريون من أوائل المُحرضين على التدخل العسكري في سوريا وإزاحة نظام الأسد. غير أن أوباما استخدمها كورقة ضغط على سوريا لغرض تدمير مخزونها الكيماوي من جهة، وتضييق الخناق على خصمه الدّب الروسي لغرض تقديم تنازلات في ملف أوكرانيا.

تشاك هيجل- أحد الضباط الذين خاضوا غمار حرب فيتنام- يملك خبرة عسكرية ناضجة للتعامل مع الملف السوري وملف داعش كذلك؛ لكنها السياسة المُتخبطة للديمقراطيين كآخر الأوراق المُتبقية لكسب الشارع. فقد مُنيَ أنصار أوباما مؤخراً بهزائم ساحقة أمام خصمهم الجمهوري الذي بدأ يستعيد المؤسسات الحيوية في الدولة من تحت قبضة الديمقراطيين. فبعد الإخفاقات السياسية للديمقراطيين على مدى الدورتين الماضيتين، جاءت الانتخابات الأخيرة في الكونجرس ومجلس الشيوخ والنواب، فضلاً عن فوزهم بالعديد من مناصب الحكام التي كان يتولاها ديمقراطيون.

البنتاجون-ارشيفية

في الحقيقة، تشهدُ سياسة أوباما الخارجية تغيّراً جذرياً، خصوصاً بعد استحقاقه الدورة الرئاسية الثانية. ربما قاده توجّه التصالح مع إيران إلى تغيير تلك السياسات. ففي سوريا بات وجود الأسد عير مؤذٍ بالنسبة له؛ فيما يستخدمُ الطرفان الأمريكي والإيراني الحرب ضد داعش لاستنزاف دول الخليج ومُحاصرة تُركيا باللاجئين من جهة والأخطار من جهة أخرى. في اليمن كذلك، ابتلعَ أوباما لسانه عندما سيطرت مليشيا مُسلحة تُدين لإيران على مؤسسات الدولة، وهذا ما كانت إدارتُه ترفضه من ذي قبل. حتى ملف الحريات في مصر لم يعُد أحداً في إدارة أوباما يتحدثُ عنه، ولا أحد يُدينُ إطلاقاً الانتهاكات التي يقوم بها النظام العسكري في مصر.

بالعودة إلى استقالة هيجل، يقولُ أوباما بشكل مُعلن بأنه استنتج أن أسلوب هيجل لا يتناسب مع المرحلة الحالية، وهي مواجهة تنظيم الدولة، رغم خبرة هيجل العسكرية في فيتنام. لكن وراء الأكمة ما ورائها.

ففي تقريرٍ نشرته “نيويورك تايمز” يقول أن هيجل اختلف مع مجلس الأمن القومي حول اتجاه السياسة الخارجية، خاصة طريقة تعامل أوباما مع الحرب الدائرة في سوريا منذ أعوام، والتي كانت بمثابة الحاضنة لتنظيم الدولة.

ويبين التقرير أن هيجل قد اعترف الأسبوع الماضي أن الولايات المتحدة ومؤسساتها العسكرية تواجه تحدياً أبعد من تهديد داعش.

كلّ هذه المؤشرات دفعت بهيجل للاستقالة من منصبه، خصوصاً أنها أتت بعد نقاشات خلف الأضواء تمت بين الرئيس وهيجل بناءً على طلب الأخير، وغطّت عدداً من القضايا المختلفة المتعلقة بالأمن القومي.

معركة النفط!

موقع بكرة نت

في منطقة الشّرق الأوسط- الموبوء بالصراعات- يحتدم سباقُ التسلّح، فيما يخوض أقطابُ الصراع حروباً باردة وأخرى بالنيابة في مناطق عدّة لإثبات الهيمنة على المنطقة. تسعى إيران لامتلاك سلاح نووي وفرض نفسها كقوة إقليمية لا يستهانُ بها. في ذات الوقت تواصل إسقاط دول الشرق الأوسط تحت سيطرة حُلفائها الطائفيين في الغالب لتسحب البساط من تحت الهيمنة السعودية، كُبرى دول الشرق الأوسط.

بالمُقابل وجدت السعودية ذاتها محاطةً بتمدّد إيراني من شتى الاتجاهات، الأمر الذي جعلها تدق ناقوس الخطَر. تعتمدُ السعودية في معركتها بشكلٍ أساسي على اقتصادها الهائل المعتمد بشكل أساسي على النفط. بينما تكمن مشكلة إيران في الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه منذ سنوات بسبب العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب.

بعد أن شعرت السعودية بالخطر الحقيقي القادم من طهران والذي توّج مؤخراً بسيطرة مليشيا الحوثي الطائفية والموالية لإيران على مقاليد الأمور في اليمن. هذا الخطر دفع بالسعودية لعمل مُضاد يحدّ من توسع طهران المحموم بل لإفشاله على الأرجح.

قامت السعودية مؤخراً بتخفيض سعر النفط العالمي- بصفتها الأكثر إنتاجاً- والذي يبدو بإيعاز من الولايات المتحدة لمآرب أخرى. تلعب الولايات المتحدة أدواراً عدة بين أقطاب الصراع. فيما تُجري مفاوضاتٍ معها بشأن برنامجها النووي، تسعى الولايات المتحدة للضغط على إيران وداعمتها الرئيسية روسيا عبر السعودية. قدمت الولايات المتحدة لإيران تنازلات قيمة لعل من أهمها القضية السورية، محاربة داعش والتغاضي عما يحصل في اليمن لصالحها. كل هذه التنازلات غرضها الحصول على تنازلات من الجانب الإيراني بشأن برنامجها النووي لإرضاء ابنتها المُدللة “إسرائيل”. كل هذا الغموض من شأنه الاتضاح خلال الأيام القادمة التي سيُسدل خلالها الستار على المفاوضات الإيرانية الغربية نهائياً بشأن طموحاتها النووية.

بالعودة إلى خفض سعر النّفط من قبل السعودية، فهذا الأمر يلقى ترحيباً أمريكياً كونه ورقة ضغط على إيران من جهة، وكونه أداة تحطيم قوية لخصمها اللدود الروسي.

ليس بوسع السعودية عمل شيء إزاء الوضع الراهن باستثناء الضغط الاقتصادي. فالأولى قد خسرَت جميع المكونات السياسية في تلك الدول بفضل سياسة التخبّط المتخذة مؤخراً في إطار التحالف السعودي الإماراتي. تقوم سياسة هذا التحالف على ضرب الإسلام السياسي السني باعتباره الخطر الحقيقي على أمراء النفط الخليجيين، محملين الأخير مسؤولية فوضى ما سُمي بـ”الربيع العربي”. هذا الاستعداء المُمنهج للفصائل السّياسية في اليمن – على سبيل المثال- فتح الطريق أمام رموز النظام السابق للعودة إلى المشهد عبر التحالف مع مليشيا الحوثي الطائفية التي تدين لإيران.

على أنقاض هذه الانتكاسة السياسية تتكبّد دول الخليج- بما فيهم السعودية- خسائر اقتصادية في سبيل الضغط على التوسّع الإيراني. فهذه الدول ذات اقتصادات عريقة وتخفيض سعر النفط لا يضر بها بقدر الضّرر الذي يُلحقه بإيران المُعتمدة بموازنتها على بيع النفط بالأسعار الطبيعية وفي ظل العُقوبات الاقتصادية التي تعيشها منذ سنوات. ورغم القدرات الاقتصادية الهائلة لدول الخليج، لم تُخفي بعض دول مجلس التعاون تأثير هذا الإجراء على اقتصادها. فقد قال رئيس الوزراء الكويتي لصحيفة محلية إن انخفاض سع النفط يُقلق الحكومة، غير أنه يجب أن لا يصيبهم بالذعر، منوّهاً إلى أهمية اتخاذ إجراءات تقشّفية لمواجهة الأمر، بحيث لا تصيب محدودي الدخل.

في الحقيقة، تملك إيران مصادر تمويل أخرى مجهولة على ما يبدو. فبالرغم من العقوبات العديدة المفروضة منذ سنوات، تستطيع إيران تزويد حلفائها في العراق ولبنان واليمن بالأسلحة ووفرة كبيرة من الأموال التي يندرج تحتها شراء الولاءات العسكرية والقبلية. كما أسلفت، كل ما يدور اليوم خلف دهاليز الساسة سينكشف نهاية نوفمبر الجاري بانتهاء مُهلة المُفاوضات المزمعة. من المفترض أن تتبدّل الأحداث الجارية على الأرض في اليمن والعراق وسوريا، بما في ذلك مصير الرئيس الأسد. من المفترض أن تختلف طريقة التعامل مع تنظيم “داعش” والذي يُوظف هو الآخر كأداةٍ للضغط في اللعبة الإقليمية.

هذه الحرب الباردة- معركة النفط- من المفترض أن تؤتي أكُلَها بعد اتضاح الرؤية بشأن برنامج إيران النووي. بعدها إما سيتم التعامل بحزم مع التوسع الإيراني، وإما سيتم تسليمها زمام الأمور بشكل رسمي وهذا يعتمد بشكل أساسي على مدى التنازلات التي ستقدمها لنظرائها الغربيين.

*الصورة من موقع بُكرة نت